اروع ماقيل في الغزل

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : abdelouahd_la | المصدر : www.startimes2.com

الأعشى

أوَصَلْتَ صُرْمَ الحَبْلِ مِنْ * سَلْمَى لِطُولِ جِنَابِهَا

وَرَجَعْتَ بَعْدَ الشّيْبِ تَبْـ * غِي وُدّهَا

بِطِلابِهَا أقْصِرْ، فَإنّكَ طَالَمَا * أُوضِعْتَ في إعْجَابِهَا

أوَلَنْ يُلاحَمَ في الزّجَا * جَةِ صَدْعُهَا بِعِصَابِهَا

أوَلَنْ تَرَى في الزُّبْرِ بَيَـ * ـنَةً بِحُسْنِ كِتَابِهَا

إنّ القُرَى يِوْماً سَتَهْـ * ـلِكُ قَبْلَ حَقّ عَذَابِهَا

وَتَصِيرُ بَعْدَ عِمَارَةٍ * يَوْماً لـأمْرِ خَرَابِهَا

**********

وَدّعْ هُرَيْرَةَ إنّ الرَّكْبَ مرْتَحِلُ، * وَهَلْ تُطِيقُ وَداعاً أيّهَا الرّجُلُ؟

غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها، * تَمشِي الـهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ

كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا * مَرُّ السّحَابَةِ، لا رَيْثٌ وَلا عَجَلُ

تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاساً إذا انصَرَفَتْ * كمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ

لَيستْ كمَنْ يكرَهُ الجيرَانُ طَلعَتَهَا، * وَلا تَرَاهَا لسِرّ الجَارِ تَخْتَتِلُ

يَكادُ يَصرَعُها، لَوْلا تَشَدّدُهَا، * إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ

إذا تُعالِجُ قِرْناً سَاعةً فَتَرَتْ، * وَاهتَزّ منها ذَنُوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ

مِلءُ الوِشاحِ وَصِفْرُ الدّرْعِ بَهكنَةٌ * إذا تَأتّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ

صَدّتْ هُرَيْرَةُ عَنّا ما تُكَلّمُنَا، * جَهْلاً بأُمّ خُلَيْدٍ حَبلَ من تَصِلُ؟

**********

المرقشين

أغالِبُكَ القلبُ اللَّجوج صَبَابَةً * وشوقاً إلى أسماءَ أمْ أنتَ غالُبُهْ

يهيمُ ولا يعْيا بأسماء قلبُه * كذاك الـهوى إمرارُه وعواقِبُهْ

أيُلحى امرؤ في حبِّ أسماء * قد نأى بِغَمْزٍ من الواشين وازورَّ جانبُهْ

وأسماءُ هَمُّ النفس إن كنتَ عالماً * وبادي أحاديثِ الفؤادِ وغائبهْ

إذا ذكرَتْها النفسُ ظَلْتُ كأنَّني * يُزعزعني قفقاف وِرْدٍ وصالبُهْ

**********

قُلْ لـأسماء أَنْجِزي الميعادا * وانْظُري أنْ تُزوِّدي منكِ زادا

أَينما كنتِ أو حَلَلتِ بأَرضٍ * أو بلادٍ أَحيَيْتِ تلكَ البلادا

إن تَكُونِي تَرَكْتِ رَبْعَكِ بالشَّأ * مِ وجاوَزْتِ حِمْيراً ومُرادا

فارْتجِي أَن أَكونَ منكِ قريباً * فاسْألي الصَّادِرِين والوُرَّادا

وإذا ما رأَيْتِ رَكْباً مُخِّبِيـ * ـنَ يَقُودونَ مُقْرَباتٍ جِيادا

فَهُمُ صُحْبتِي على أَرْحُلِ المَيْـ * ـسِ يُزَجُّونَ أَيْنُقاً أَفْرادا

وإذا ما سمَعتِ من نحوِ أَرضٍ * بِمُحِبٍّ قد ماتَ أَو قِيلَ كادا

فاعْلَمِي غيرَ عِلْمِ شَكٍّ بأَنِّي * ذاكِ، وابْكِي لِمُصْفَدٍ أَنْ يُفادى

أو تناءت بك النوى فلقد قدتِ * فؤادِي لحينه فانقادا

ذاك أنِّي علقت منك جوى الحبّ * وليداً فزدتُ سنّاً فزادا

خليليّ عوجا باركَ اللـه فيكما وإن * لم تَكُنْ هندٌ لـأرضِكما قَصْدا

وقولا لـها: ليس الضلالُ أجازَنا * ولكنّنا جُزنا لنلقاكمُ عَمدا

تخيّرتُ من نعمان عودَ أراكةٍ * لـهندٍ فمن هذا يُبلِّغه هِندا؟

وأنطيتُهُ سيفي لكيما أقيمَهُ * فلا أوداً فيه استبنتُ ولا خَضْدا

ستبلُغ هنداً إن سلِمْنا قلائصٌ * مَهارى يُقطِّعْنَ الفَلاةَ بنا وَخْدا

فلمّا أنخنا العيسَ قد طال سيُرها * إليهم وجدناهم لنا بالقرى حَشْدا

فناولتها المسواك والقلب خائف * وقلت لـها: يا هند أهلكتِنا وَجْدا

فمدَّت يداً في حُسْنِ كلٍّ تناولاً * إليه وقالت: ما أرى مثل ذا يُهْدى

وأقبلت كالمجتاز أدّى رسالةً * وقامت تَجُرُّ المَيْسَنانِيَّ والبُردا

تَعَرَّضُ للحي الذينَ أريدهم * وما التمستْ إلاّ لتقتلني عمدا

فما شبهٍ هند غيرُ أدماءَ خاذِلٍ * من الوحشِ مرتاعٍ تُراعى طَلاًّ فَرْدا

وما نطفَة من مُزْنَةٍ في وَقيعَةٍ * على متن صخر في صفاً خالطت شهْدا

بأطيب من ريّا عُلالة ريقها * غداة هضاب الطلّ في روضة تندى

**********

سَرى لَيْلاً خَيالٌ مِنْ سُلَيْمى * فَأَرَّقَني وأصْحابي هُجُودُ

فَبِتُّ أُدِيرُ أَمْرِي كلَّ حالٍ * وأَرْقُبُ أَهْلَها وهُمُ بعيدُ

عَلى أَنْ قَدْ سَما طَرْفِي لِنارٍ * يُشَبُّ لـها بذِي الـأَرْطى وَقُودُ

حَوالَيْها مَهاً جُمُّ التَّراقي * وأَرْآمٌ وغِزْلانٌ رُقُودُ

نَواعِمُ لا تُعالِجُ يُؤْسَ عَيْشٍ * أَوانِسُ لا تُراحُ وَلا تَرُودُ

يَزُحْنَ مَعاً بِطاءَ المَشْيِ بُدّاً * عليهنَّ المَجاسِدُ والبُرُودُ

سَكَنَّ ببلْدَةٍ وسَكَنْتُ أُخْرى * وقُطِّعَتِ المواثِقُ والعُهُودُ

**********

إمرؤ القيس

أفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذا التّدَلُّلِ * وَإن كُنتِ قد أزمعْتِ صَرْمي فأجْمِلي

أغَرّكِ مني أنّ حُبّكِ قاتِلي * وَأنّكِ مهما تأْمُري القلبَ يَفْعلِ

وَإنْ تكُ قد ساءتْكِ مني خَليقَةٌ * فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَن

**********

مهفهفة بيضاء غير مفاضة * ترائبها مصقولة كالسجنجل

كبكرة المقاناة البياض بصفرة * غذاها نمير الماء غير المحلل

تصد وتبدي عن أسيل وتتقي * بناظرة من وحش وجرة مطفل

وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش * إذا هي تصته ولا بمعطل

وفرع يزين المتن أسود فاحم * أثبت كقنو النخلة المتعثكل

غدائره مستشزرات إلى العلا * تضل المدارى في مثنى ومرسل

وتعطو برخص غير شثن كأنه * أساريع ظبى أو مساويك اسحل

وتضحى فتبت المسك فوق فراشها * نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

تضئ الظلام بالعشاء كأنها * منارة ممسى راهب متبتل

إلى مثلها يرنو الحليم صبابة * إذا ما اسبكرتت من درع ومجول

**********

جميل بن المعمر

ألا ليت ريعان الشباب جديد * ودهرا تولى - يا بثين - يعود

فنبقى كما كنا نكون وأنتمو * قريب وإذ ما تبذلين زهيد

وما أنسى الأشياء لا أنسى قولها * وقد قربت نضوي : أمصر تريد

و لا قولها : لولا العيون التي ترى * لزرتك فاعذرني فدتك جدود

خليلي ما ألقى من الوجد باطن * ودمعي - بما أخفي الغداة - شهيد

إذا قلت : ما بي يا بثينة قاتلي * من الحب قالت : ثابت ويزيد

وإن قلت : ردي بعض عقلي أعش به * تولت وقالت : ذاك منك بعيد

فلا أنا مردود بما جئت طالبا * ولا حبها فيما يبيد يبيد

جزتك الجوازي يا بثين سلامة * إذا ما خليل بان وهو حميد

وقلت لها : بيني وبينك فاعملي * من الله ميثاق له وعهود

وقد كان حبيكم طريفا وتالدا * وما الحب إلا طارف وتليد

وإن عروض الوصل بيني وبينها * وإن سهلته بالمنى لكؤود

وأفنيت عمري بانتظاري وعدها * وأبليت فيها الدهر وهو جديد

ويحسب نسوان من الجهل أنني * إذا جئت إياهن كنت أريد

فأقسم طرفي بينهن فيستوي * وفي الصدر بون بينهن بعيد

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بوادي القري إني إذن لسعيد

وهل أهبطن أرضا تظل رياحها * لها بالثنايا القاويات وئيد

وهل ألقين " سعدي " من الدهر مرة * وما رث من حبل الصفاء جديد

وقد تلتقي الأشتات بعد تفرق * وقد تدرك الحاجات وهي بعيد

إذا جئتها يوما من الدهر زائرا * تعرض منفوض اليدين صدود

يصد ويغضي عن هواي ويجتني * ذنوبا عليها إنه لعنود

فأصرمها خوفا كأني مجانب * ويغفل عنا مرة فعنود

ومن يعط في الدنيا قرينا كمثلها * فذلك في عيش الحياة رشيد

يموت الهوى مني إذا ما لقيتها * ويحيا إذا فارقتها فيعود

يقولون : جاهد يا جميل بغزوة * وأي جهاد غيرهن أريد

لكل حديث عندهن بشاشة * وكل قتيل عندهن شهيد

وأحسن أيامي وأبهج عيشتي * إذا هيج بي يوما وهو قعود

تذكرت ليلى فالفؤاد عميد * وشطت نواها فالمزار بعيد

علقت الهوى منها وليدا فلم يزل * إلى اليوم ينمي حبها ويزيد

فما ذكر الخلان إلا ذكرتها * ولا البخل إلا قلت سوف تجود

إذا فكرت قالت : قد أدركت وده * وما ضرني بخلي فكيف أجود

فلو تكشف الأشياء صودف تحتها * لبثنة حب طارف وتليد

ألم تعلمي يا أم ذي الودع انني * أضاحك ذكراكم وأنت صلود !

فهل القين فردا بثينة ليلة * تجود لنا من ودها ونجود

ومن كان في حبي بثينة يمتري * " فبرقاء ذي ضال " علي شهيد

**********

أبي القلب إلا حب بثنة لم يرد * سواها وحب القلب بثنة لا يجدي

أبي القلب إلا حب بثنة لم يرد * سواها وحب القلب بثنة لا يجدي

تعلق روحي روحها قبل خلقنا * ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد

فزاد كما زدنا فأصبح ناميا * وليس إذا متنا بمنتقض العهد

ولكنه باق على كل حالة * وزائرنا في ظلمة القبر واللحد

على أن من قد مات صادف راحة * وما بفؤادي من رواح ولا رشد

يكاد فضيض الماء يخدش جلدها * إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد

وقد لامني فيها أخ ذو قرابة * حبيب إليه من ملامته رشدي

وقال أفق حتى متى أنت هائم * ببثنة فيها قد تعيد وقد تبدي

فقلت له فيها قضى الله ما ترى * علي وهل فيما قضى الله من رد

فإن كان رشدا حبها أو غواية * فقد جئته ما كان مني على عمد

**********

طرفة بن العبد

أتعْرِفُ رسمَ الدارِ قَفْراً مَنازِلُهْ، * كجَفْنِ اليمانِ زَخرَفَ الوشيَ ماثلُهْ

بتثلِيثَ أوْ نَجرَانَ أوْ حيثُ تَلتقي، * منَ النّجْدِ في قِيعانِ جأشٍ مسائلُه

دِيارٌ لِسلْمى إذ تصِيدُكَ بالمُنى، * وإذ حبلُ سلمى منكَ دانٍ توَاصُلُه

وإذ هيَ مثلُ الرّئمِ، صِيدَ غزالُها، * لـها نَظَرٌ ساجٍ إليكَ، تُوَاغِلُهْ

غَنِينا، وما نخشى التّفرّقَ حِقبَةً، * كِلانا غَريرٌ، ناعِمُ العيش باجِلُه

لَيَاليَ أقْتادُ الصِّبا ويَقُودُني، * يَجُولُ بنَا رَيعانُهُ ويُحاوِلُه

سَما لكَ من سلْمى خَيالٌ ودونَها * سَوَادُ كَثِيبٍ، عَرْضُهُ فأمايِلُهْ

فذُو النّيرِ فالـأعلامُ من جانبِ الحِمى * وقُفٌّ كظَهْرِ التُّرْسِ تجري أساجلـه

وأنّى اهْتَدَتْ سلمى وَسائلَ، بَيننا * بَشاشَةُ حُبٍّ، باشرَ القلبَ داخِلُهْ

وكم دُونَ سَلمى من عدُوٍّ وبلدةٍ * يَحارُ بها الـهادي، الخفيفُ ذلاذلُه

يَظَلُّ بها عَيرُ الفَلاةِ، كأنّهُ * رقيبٌ يُخافي شَخْصَهُ، ويُضائلُهْ

وما خِلْتُ سلمى قبلَها ذاتَ رِجلةٍ، * إذا قَسْوَرِيُّ الليلِ جِيبَتْ سَرَابلـهْ

وقد ذَهَبَتْ سلمى بعَقْلِكَ كُلّهِ، * فهَلْ غيرُ صَيدٍ أحْرَزَتْهُ حَبائِلـه

كما أحْرَزَتْ أسْماءُ قلبَ مُرَقِّشٍ * بحُبٍّ كلمْعِ البَرْقِ لاحتْ مَخايلـه

وأنْكَحَ أسْماءَ المُرَاديَّ، يَبْتَغي * بذلكَ، عَوْفٌ أن تُصَابَ مُقاتِلـه

فلمّا رأى أنْ لا قَرارَ يُقِرُّهُ، * وأنّ هَوَى أسْماءَ لا بُدّ قاتِلـه

تَرَحّلَ مِنْ أرْضِ العرَاقِ مُرَقِّشٌ * على طَرَبٍ، تَهْوي سِراعاً رواحِلـه

إلى السّرْوِ، أرضٌ ساقه نحوها الـهوى، * ولم يَدْرِ أنّ الموْتَ بالسّرْوِ غائلـه

فغودِرَ بالفَرْدَين: أرضٍ نَطِيّةٍ، * مَسيرَةِ شهْرٍ، دائبٍ لا يُوَاكِلـه

**********

عنترة بن شداد

بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ * إذا أتاني بريحهِ العطِرِ

ألذُّ عندي مِمَّا حَوتْهُ يدي * مِنَ اللآلي والمالِ والبِدَر

ومِلْكُ كِسْرَى لا أَشتَهيه إذا * ما غابَ وجهُ الحبيبِ عنْ نظري

سقى الخِيامَ التي نُصبْنَ على * شربَّةِ الـأُنسِ وابلُ المطر

منازلٌ تَطْلعُ البدورُ بها * مبَرْقعاتٍ بظُلمةِ الشَّعر

تَغْتَرِقُ الطَّرْفَ وَهْيَ لاهِيَةٌ * كأنّما شَفَّ وَجْهَها نُزُفُ

بيضٌ وسُمْرٌ تَحْمي مَضاربَها * أساد غابٍ بالبيضِ والسُّمر

صادتْ فُؤادي مِنهُنَّ جاريةٌ * مكْحولةُ المقْلتين بالحور

تريكَ مِنْ ثغرِها إذا ابتَسمت * كأسَ مُدامٍ قد حُفَّ بالدُّررِ

أعارت الظَّبيَ سِحرَ مقْلتها * وباتَ ليثُ الشَّرَى على حذَر

خودٌ رداحٌ هيفاءُ فاتِنةٌ * تُخجلُ بالحُسنِ بهجةَ القمر

يا عبلَ نارُ الغرام في كَبدي * ترمي فؤَادي بأَسْهُم الشرر

**********

إن طيف الخيال يا عبل يشفي * ويداوي به فؤادي الكئيب

وهلاكي في الحب أهون عندي * من حياتي إذا جفاني الحبيب

يا نسيم الحجاز لولاك تطفا * نار قلبي أذاب جسمي اللهيب

لك منى إذا تنفست حر * ولرياك من عبيلة طيب

ولقد ناح في الغصون حمام * فشجاني حنينه والنحيب

بات يشكو فراق إلف بعيد * وينادي أنا الوحيد الغريب

يا حمام الغصون لو كنت مثلي * عاشقا لم يرقك غصن رطيب

فاترك الوجد والهوى لمحب * قلبه قد أذابه التعذيب

كل يوم له عتاب مع الدهر * وأمر يحار فيه اللبيب

وبلايا ما تنقضي ورزايا * ما لها من نهاية وخطوب

**********

أشاقك من عبل الخيال المبهج * فقلبك منه لاعج يتوهج

فقدت التي بانت فبت معذبا * وتلك احتواها عنك للبين هودج

كأن فؤادي يوم قمت مودعا * عبيلة مني هارب يتمعج

خليلي ما أنساكما بل فداكما * أبي وأبوها أين أين المعرج

الماء بماء الدحرضين فكلما * ديار التي في حبها بت ألهج

ديار لذات الخدر عبلة أصبحت * بها الأربع الهوج العواصف ترهج

الا هل ترى إن سط عني مزارها * وأزعجها عن أهلها الآن مزعج

فهل تبلغني دارها شدنية * هملعة بين القفار تهملج

**********

أرض الشربة شعب ووادي * رحلت وأهلها في فؤادي

يحلون فيه وفي ناظري * وإن أبعدوا في محل السواد

إذا خفق البرق من حيهم * أرقت وبت حليف السهاد

وريح الخزامى يذكر أنفي * نسيم عذارى وذات الأيادي

أيا عبل مني بطيف الخيال * على المستهام وطيب الرقاد

عسى نظرة منك تحيا بها * حشاشة ميت الجفا والبعاد

أيا عبل ما كنت لولا هواك * قليل الصديق كثير الأعادي

وحقك لا زال ظهر الجواد * مقيلي وسيفي ودرعي وسادي

إلى أن أدوس بلاد العراق * وأفني حواضرها والبوادي

إذا قام سوق لبيع النفوس * ونادى وأعلن فيه المنادي

وأقبلت الخيل تحت الغبار * بوقع الرماح وضرب الحداد

وأرجع والنوق موقورة * تسير الهويني وسيبوب حادى

وتسهر لي أعين الحاسدين * وترقد أعين أهل الوداد

**********

ترى هذه ريح أرض الشربه * أم المسك هب مع الريح هبه

ومن دار عبلة نار بدت * أم البرق سل من الغيم عضبه

أعبلة قد زاد شوقي وما * أرى الدهر يدني إلى الأحبة

وكم جهد نائبة قد لقيت * لأجلك يا بنت عمي ونكبه

فلو أن عينيك يوم اللقاء * ترى موقفي زدت لي في المحبه

يفيض سناني دماء النحور * ورمحي يشك مع الدرع قلبه

وأفرح بالسيف تحت الغبار * إذا ما ضربت به ألف ضربه

وتشهد لي الخيل يوم الطعان * بأني أفرقها ألف سربه

وإن كان جلدي يرى أسودا * فلى في المكارم عز ورتبه

ولو صلت العرب يوم الوغى * لأبطالها كنت للعرب كعبه

ولو أن للموت شخصا يرى * لروعته ولأكثرت رعبه

**********

إذا رشقت قلبي سهام من الصد * وبدل قربي حادث الدهر بالبعد

لبست لها درعا من الصبر مانعا * ولاقيت جيش الشوق منفردا وحدي

وبت بطيف منك يا عبل قانعا * ولو بات يسري في الظلام على خدي

فبالله يا ريح الحجاز تنفسي * على كبد حري تذوب من الوجد

ويا برق إن عرضت من جانب الحمى * فحي بن عبس على العلم السعدي

وإن خمدت نيران عبلة موهنا * فكن أنت في أكنافها نير الوقد

وخل الندى ينهل فوق خيامها * يذكرها أني مقيم على العهد

عدمت اللقا إن كنت بعد فراقها * رقدت وما مثلت صورتها عندي

وما شاق قلبي في الدجى غير طائر * ينوح على غصن رطيب من الرند

به مثل ما بي فهو يخفى من الجوى * كمثل الذي أخفي ويبدي الذي أبدي

ألا قاتل الله الهوى كم بسيفه * قتيل غرام لا يوسد في اللحد

**********

ولولا فتاة في الخيام مقيمة * لما اخترت قرب الدار يوما على البعد

مهفهفة والسحر من لحظاتها * إذا كلمت ميتا يقوم من اللحدا

أشارت إليها الشمس عند غروبها * تقول إذا اسود الدجى فاطلعي بعدي

وقال لها البدر المنير ألا اسفري * فإنك مثلي في الكمال وفي السعد

فولت حياء ثم أرخت لثامها * وقد نثرت من خدها رطب الورد

وسلت حساما من سواجي جفونها * كسيف أبيها القاطع المرهف الحد

تقاتل عيناها به وهو مغمد * ومن عجب أن يقطع السيف في الغمد

مرنحة الأعطاف مهضومة الحشا * منعمة الأطراف مائسة القد

يبيت فتات المسك تحت لثامها * فيزداد من أنفاسها أرج الند

ويطلع ضوء الصبح تحت جبينها * فيغشاه ليل من دجى شعرها الجعد

وبين ثناياها إذا ما تبسمت * مدير مدام يمزج الراح بالشهد

شكا نحرها من عقدها متظلما * فواحربا من ذلك النحر والعقد

فهل تسمح الأيام يابنة مالك * بوصل يداوي القلب من ألم الصد

سأحلم عن قومي ولو سفكوا دمي * وأجرع فيك الصبر دون الملا وحدي

**********

جفون العذارى من خلال البراقع * أحد من البيض الرقاق القواطع

إذا جردت ذل الشجاع وأصبحت * محاجره قرحى بفيض المدامع

سقى الله عمي من يد الموت جرعة * وشلت يداه بعد قطع الأصابع

كما قاد مثلي بالمحال إلى الردى * وعلق آمالي بذيل المطامع

لقد ودعتني عبلة يوم بينها * وداع يقين أنني غير راجع

وناحت وقالت كيف تصبح بعدنا * إذا غبت عنا في القفار الشواسع

وحقك لا حاولت في الدهر سلوة * ولا غيرتني عن هواك مطامعي

فكن واثقا مني بحسن مودة * وعش ناعما في غبطة غير جازع

فقلت لها يا عبل إني مسافر * ولو عرضت دوني حدود القواطع

خلقنا لهذا الحب من قبل يومنا * فما يدخل التفنيد فيه مسامعي

أيا علم السعدى هل أنا راجع * وانظر في قطريك زهر الأراجع

وتبصر عيني الربوتين وحاجرا * وسكان ذاك الجرع بين المراتع

وتجمعنا أرض الشربة واللوى * ونرتع في أكناف تلك المرابع

فيا نسمات البان بالله خبري * عبيلة عن رحلي بأي المواضع

ويا برق بلغها الغداة تحيتي * وحي دياري في الحمى ومضاجعي

وحقك أشجاني التباعد بعدكم * فهل أنتم أشجاكم البعد من بعدي

**********

رَمَتِ الفُؤَادَ مَلِيحَةٌ عَذْرَاءُ * بِسِهَامِ لَحْظٍ ما لَهُنَّ دَوَاءُ

مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ * مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ

فاغْتَالَني سَقَمِي الَّذِي في بَاطِني * أخْفَيْتُهُ فأَذَاعَهُ الإخْفَاءُ

خَطَرَتْ فَقُلْتُ قَضِيبُ بَانٍ حَرّكَتْ * أعْطَافَهعُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ

وَرَنَتْ فَقُلْتُ غَزَالةٌ مَذْعُورَةٌ * قَدْ رَاعَهَا وَسْطَ الفلاَةِ بلاَءُ

وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَةَ تِمِّهِ * قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ

بسَمَتْ فلاَحَ ضياءُ لؤلؤ ثَغْرِها * فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ

سَجَدَتْ تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايلَتْ * لِجَلاَلِها أَرْبابُنا العُظَمَاءُ

يَا عَبْلَ مِثْلُ هَواكِ أَوْ أَضْعَافُهُ * عِنْدي إذَا وَقَعَ الإيَاسُ رَجَاءُ

إن كَانَ يُسْعِدُنِي الزَّمَانُ فإنَّني * في هِمَّتي لِصُرُوفِهِ أزراءُ

**********

إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي * طَفا برْدُها حرَّ الصبابةِ والوَجدِ

وذكَّرني قوْماً حَفِظتُ عهُودَهُمْ * فما عَرفُوا قَدري ولاَ حَفِظُوا عهدي

ولولاَ فتاةٌ في الخيامِ مُقيمَةٌ * لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يوماً على البعدِ

مُهفْهَفةٌ والسِّحرُ من لَحظاتها * إذا كلَّمتْ ميْتاً يقُوم منَ اللَّحْدِ

أشارتْ إليها الشَّمْسُ عِنْد غرُوبها * تقُول: إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي

وقال لـها البدْرُ المنير ألاَ اسْفري * فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ

فوَلّتْ حياءً ثم أَرْخَتْ لِثامَها * وقد نثرَتْ منْ خَدِّها رطِبَ الورْد

وَسَلَّتْ حُساماً من سَواجي جفُونها * كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ

تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ * ومنْ عَجبٍ أنْ يَقْطع السَّيْفُ في الغِمْدِ

مُرنِّحةُ الـأَعطاف مَهْضومةُ الحَشا * منَعَّمة الـأَطْرافِ مائسة القَدِّ

يبيتُ فُتاتُ المسْكِ تحتَ لثامها * فيزدادُ منْ أنْفاسها أرَجُ النَّدِّ

ويطْلُع ضَوءُ الصبْح تَحتَ جَبينها * فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعد

وبين ثناياها إذا ما تَبسَّمتْ * مديرُ مُدامٍ يَمزجُ الرَّاحَ بالشَّهد

شكا نَحْرُها منْ عِقدها متظلِّماً * فَواحَربا منْ ذلكَ النَّحْر والعقْدِ

فهلْ تسمَحُ الـأَيامُ يا ابْنةَ مالكٍ * بوَصْلٍ يُدَاوي القَلْبَ منْ ألم الصَّدِّ

سأَحْلُم عنْ قومي ولو سَفكوا دمي * وأجرعُ فيكِ الصَّبرَ دونَ الملا وحدي

وحَقّكِ أَشْجاني التَّباعدُ بعدكم * فهل أنتمُ أشْجاكُم البُعدُ منْ بعدي

حَذِرْتُ من البيْن المفرِّق بيْننا * وقد كانَ ظنِّي لا أُفارقكمْ جَهدي

فإنْ عاينت عيني المَطايا وركْبها * فرشتُ لدَى أخْفافها صَفحةَ الخدّ

**********

لعُوبٌ بأَلْبابِ الرّجال كأَنَّها * إذا أَسْفَرَتْ بَدْرٌ بدا في المَحَاشِدِ

شَكَتْ سَقَماً كيْما تُعَادَ وما بها * سِوَى فَتْرةِ العيْنَين سقْمٌ لِعائِدِ

منَ البيض لا تلْقاكَ إلاَّ مَصونَةً * وتمْشي كَغُصْنِ البانِ بينَ الولائِدِ

كأَنَّ الثُّريَّا حينَ لاحَتْ عَشيَّةً * على نَحْرِها مَنْظُومَةٌ في القَلائِدِ

منَعَّمةُ الـأَطْرافِ خَوْدٌ كأَنَّها * هِلالٌ على غُصْنٍ من البانِ مائِدِ

حَوَى كلَّ حُسْنٍ في الكَوَاعِبِ شَخْصُها * فليْسَ بها إلاَّ عُيوبُ الحَواسد

إذا كانَ دمْعي شاهدي كيفَ أجْحَدُ * ونارُ اشْتياقي في الحَشا تَتَوَقَّد

وهيْهاتَ يَخْفى ما أُكِنُّ مِنَ الـهَوَى * وثَوْبُ سَقامي كلَّ يوْمٍ يُجدَّدُ

أُقاتِلُ أشواقي بصبْري تجلّداً * وقَلبيَ في قَيْدِ الغَرامِ مُقَيَّد

إلى اللـه أشكُو جَوْرَ قَوْمي وظُلْمَهُمْ * إذا لم أجِدْ خِلاً على البُعد يَعْضُدُ

خَليلَيَّ أمسى حُبُّ عبلةَ قاتِلي * وبأْسِي شديدٌ والحُسامُ مُهَنَّدُ

حَرامٌ عليّ النَّوْمُ يا ابنَةَ مالكِ * ومَنْ فَرْشُهُ جمْرُ الغَضا كيْف يَرْقُدُ

سأَنْدبُ حتى يَعْلَم الطَّيْرُ أنني * حَزينٌ ويَرْثي لي الحمامُ المغَرِّدُ

وأَلثِمُ أرْضاً أنْتِ فيها مقيمَةٌ * لَعَلَّ لَهيبي مِنْ ثرى الـأَرضِ يَبْرُدُ

رَحَلْتِ وقلْبي يا ابْنَةَ العمِّ تائهٌ * على أثَرِ الـأَظْعَانِ للرِّكْب يَنْشدُ

لئنْ تَشْمَتِ الـأَعداءُ يا بنْتَ مالكٍ * فإن ودادي مثْلما كانَ يُعهَدُ

**********

ذَنبي لِعبْلةَ ذنبٌ غير مغتفرِ * لمّا تَبلَّجَ صبُح الشَّيبِ في شعري

رَمتْ عُبيلةُ قلْبي من لواحِظِها * بكُلِّ سهْم غريق النَّزعْ في الحَوَرِ

فاعْجب لـهنّ سهاماً غيْرَ طائِشَةٍ * من الجفُونِ بلا قوْسٍ ولا وَتَرِ

كم قد حفِظْتُ ذمامَ القوم من ولَهٍ * يَعْتادني لبناتِ الدَّلِّ والخَفَرِ

مُهفْهفاتٍ يَغارُ الغُصنُ حين يَرَى * قدودَها بيْنَ مَيَّادٍ ومنْهصر

يا منْزلاً أدْمعي تجري عليهِ إذا * ضَنَّ السَّحابُ على الـأَطْلال بالمطر

أرضُ الشَّربَّةِ كم قضَّيت مُبتهجاً * فيها مَعَ الغيدِ والـأَتْرابِ من وَطَرِ

أيّامَ غُصْنُ شَبابي في نعُومتِهِ * ألْهُو بما فيهه من زهرٍ ومن أَثرِ

في كلِّ يومٍ لنا من نَشْرها سَحَراً * ريحٌ شَذَاها كنَشْر الزّهر في السَّحر

وكلُّ غصنٍ قويمٍ راق منْظرهُ * ما حَظُّ عاشِقها مِنْه سوى النَّظرِ

أخْشى عليها ولَوْلا ذاكَ ما وَقَفَتْ * ركائبي بينَ وِرْدِ العَزْمِ والصَّدَرِ

كلاّ ولاَ كُنْتُ بَعد القُرْبِ مُقْتنِعاً * منها على طولِ بُعْدِ الدَّار بالخبر

هُمُ الـأَحبَّةُ إنْ خانُوا وإنْ نَقَضوا * عَهدي فما حُلْتُ عَنْ وَجْدي ولا فِكري

أَشكُو منَ الـهَجر في سِرٍّ وفي عَلَنٍ * شكْوَى تُؤَثرُ في صلْدِ منَ الحجر

**********

زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَةَ في الكَرى * لمُتيِّم نشوانَ محلولِ العُرى

فنهضتُ أشكُو ما لَقيتُ لبُعدها * فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا

فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها * والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قد بلَّ الثرى

وكشفتُ بُرقُعَها فأَشرَقَ وجهُها * حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِراً

عربيَّةٌ يهْتزُّ لِينُ قوَامِها * فيخالُه العشَّاقُ رُمحاً أسمرا

محجوبةٌ بصَوارمٍ وَذَوابلٍ * سمرٌ ودُونَ خبائها أسدُ الشَّرى

يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى * وأنا المُعنَّى فيكِ منْ دُون الورى

يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي * لمَّا جرت روحي بجمسي قدْ جرَى

وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به * عَبْسٌ وَسيْفُ أبيهِ أفنى حِمْيَرا

يا شأْسُ جرْني منْ غرامٍ قاتلٍ * أبداً أزيدُ بهِ غراماً مُسْعرا

يا شأسُ لولاَ أنّ سلْطانَ الـهوى * ماضي العَزِيمةِ ما تملّكَ عنتَرا

**********

سأُضْمِرُ وجدي في فؤَادي وأكْتُم * وأَسْهرُ ليلي والعواذلُ نوَّمُ

وأطْمعُ من دَهري بما لا أنالـهُ * وألزمُ منه ذُلَّ منْ ليسَ يرْحمُ

وأَرجو التَّداني منكِ يا ابنةَ مالكٍ * ودونَ التَّداني نارُ حَرْبٍ تُضَرَّمُ

فَمُنِّي بطيْفٍ من خيالِكِ واسأَلي * إذا عادَ عني كيفَ باتَ المتيَّمُ

ولا تَجْزَعي إنْ لَجَّ قوْمُكِ في دَمي * فما لي بعْدَ الـهجرِ لَحمٌ ولا دَمُ

ألم تسْمعي نَوْحَ الحمائِم في الدجى * فمنْ بَعضِ أشْجاني وَنَوْحي تعلّموا

ولم يبْقَ لي يا عبلَ شخْصٌ معَرَّفٌ * سوى كبدٍ حَرَّى تذوبُ فأَسقمُ

وتلكَ عِظامٌ بالياتٌ وأَضْلعٌ * على جلدِها جيْشُ الصُّدودِ مخيِّمُ

وإنْ عشْتُ منْ بَعد الفراقِ فما أنا * كما أدَّعي أني بعبلةَ مُغْرَمُ

وإنْ نامَ جفني كانَ نوْمي عُلاَلةً * أقولُ: لعلَّ الطَّيْفَ يأْتي يُسلِّمُ

أَحِنُّ إلى تلكَ المنازلِ كلّما * غدَا طائرٌ في أيكَةٍ يترَنَّمُ

بكيتُ من البيْنِ المُشِتِّ وإنني * صبُورٌ على طعْن القَنا لو عَلمتُمُ

**********

لمن الشُّمُوسُ عزيزَةُ الـأَحداج * يَطْلُعنَ بينَ الوشْيِ والدِّيباج

مِنْ كلّ فائِقةِ الجمال كَدُميَةٍ * من لؤْلُؤٍ قدْ صُوِّرَتْ في عاج

تمشي وَتُرفِلُ في الثِّيابِ كأَنَّها * غُصْنٌ تَرَنَّحَ في نَقاً رجَّراج

حفَّتْ بهن مَناصلٌ وذَوابلٌ * ومَشَتْ بهنَّ ذَواملٌ وَنواجي

فيهن هَيفاءُ القَوامِ كأَنها * فُلكٌ مُشرَّعةٌ على الـأَمواج

خطَفَ الظَّلامُ كسارقٍ من شعرها * فكأَنَّما قرَنَ الدُّجى بدَياجي

أبْصَرْتُ ثمَّ هَويتُ ثمَّ كَتَمْتُ ما * أَلقى وَلمْ يَعْلَمْ بذَاكَ مُناجي

فوَصلْتُ ثمَّ قَدَرْتُ ثمَّ عَفَفْتُ من * شرَفٍ تناهى بي إلى الإنضاج

**********

لِمَنْ طَللٌ بوَادِي الرَّمْلِ بالي * مَحتْ آثارَهُ ريحُ الشمالِ

وَقَفتُ به وَدَمْعي مِنْ جُفُوني * يَفيضُ على مَغانيهِ الخَوالي

أُسائِلُ عَنْ فَتاةِ بني قُرادٍ * وعنْ أتْرابها ذَاتِ الجمال

وكَيفَ يُجيبني رَسْمٌ مُحيلٌ * بعيدٌ لا يَرُدُّ على سُؤَالي

إذا صاحَ الغُرابُ به شجاني * وأجرى أدْمُعي مِثلَ اللآلي

وأخبرني بأَصْنافِ الرَّزايا * وبالـهِجْرانِ منْ بعد الوصال

غُرابَ البيْنِ ما لكَ كلَّ يوْمٍ * تُعاندُني وقد أشغلْتَ بالي

كأَنِّي قد ذَبحتُ بحدِّ سيْفي * فراخَكَ أوْ قَنَصْتُكَ بالحبال

وخبّرْ عنْ عُبيْلةَ أَيْنَ حلّت * وما فعلتْ بها أيدِي اللَّيالي

أنا دَمْعي يَفيضُ وأَنْتَ باكٍ * بلاَ دَمْعٍ فذَاكَ بُكاءُ سالِ

لَحى اللـه الفِراقَ ولاَ رَعاهُ * فَكَمْ قدْ شَكَّ قلبي بالنّبال

أُقاتِلُ كلَّ جبَّارٍ عَنيدٍ * ويَقْتُلْني الفِراقُ بلا قِتالِ

**********

سلا القلب عما كان يهوى ويطلب * وأصبح لا يشكو ولا يتعتب

صحا بعد سكر وانتخى بعد ذلة * وقلب الذي يهوى العلا يتقلب

إلى كم أداري من تريد مذلتي * وأبذل جهدي في رضاها وتغضب

عبيلة أيام الجمال قليلة * لها دولة معلومة ثم تذهب

فلا تحسبي أني على البعد نادم * ولا القلب في نار الغرام معذب

وقد قلت إني قد سلوت عن الهوى * ومن كان مثلي لا يقول ويكذب

هجرتك فامضي حيث شئت وجربي * من الناس غيري فاللبيب يجرب

لقد ذل من أمسي على ربع منزل * ينوح على رسم الديار ويندب

وقد فاز من في الحرب أصبح جائل * يطاعن قرنا والغبار مطنب

نديمي رعاك الله قم عن لي على * كؤوس المنايا من دم حين أشرب

ولا تسقني كأس المدام فإنها * يضل بها عقل الشجاع ويذهب

**********

قيس بن الخطيم

رَدَّ الخَلِيطُ الجِمَالَ فانْصَرَفُوا * ماذَا عَلَيْهِمْ لَوَ انّهُمْ وَقَفُوا

لَوْ وَقَفُوا ساعةً نُسَائلُهُمْ * رَيْثَ يُضَحّي جِمَالَهُ السَّلَفُ

فِيهِمْ لَعُوبُ العِشاء آنِسَهُ الـ * ـدَّلّ، عَرُوبٌ يَسُوءُها الخُلُفُ

بَيْنَ شُكولِ النّساء خِلْقَتُها * قَصْدٌ، فَلا جَبْلَةٌ وَلا قَضَفُ

تَنامُ عَنْ كُبْرِ شَأنِها فإذا * قَامَتْ رُوَيْداً تَكادُ تَنْغَرِفُ

حَوْراءُ جَيْداءُ يُسْتَضاء بها * كأنّها خُوطُ بَانَةٍ قَصِفُ

تَمْشي كمَشْيِ الزَّهراء في دَمَثِ الـ * ـرَّمْلِ إلى السّهْلِ دونَهُ الجُرُفُ

ولا يَغِثُّ الحَدِيثُ ما نَطَقَتْ * وَهْوَ بِفِيها ذُو لَذَّةٍ طَرِفُ

تَخْزُنُهُ وَهْوَ مُشْتَهًى حَسَنٌ * وَهْوَ إذا ما تَكَلّمَتْ أُنُفُ

يا عبلَ لولا الخيالُ يطرقُني * قضيْتُ لَيلي بالنوحِ والسَّهَرِ

يا عبلَ كَمْ فِتْنةٍ بَليتُ بها * وخُضتُها بالمُهنَّدِ الذَّكر

والخيلُ سُودُ الوجوه كالحةٌ * تخوضُ بحْرَ الـهلاَكِ والخطَر

أُدَافعُ الحادثاتِ فيكِ ولاَ * أُطيق دفعَ القَضاءِ والقَدَرِ

بَلْ لَيْتَ أهْلي وأهْلَ أَثْلَةَ في * دارٍ قَرِيبٍ مِنْ حَيْثُ تَخْتَلِفُ

أَيْهاتَ مَنْ أهْلُهُ بِيَثْرِبَ قَدْ * أمْسَى وَمَنْ دُونَ أهْلِهِ سَرِفُ

يا رَبِّ لا تُبْعِدَنْ دِيارَ بَني * عُذْرَة حَيْثُ انصرَفْتُ وانصرَفوا

أبْلِغْ بَني جَحْجَبَى وَقَوْمَهُمُ * خَطْمَةَ أنّا وَرَاءهُمْ أُنُفُ

وأنّنا دُونَ ما يَسومُهُمُ الـأعـ * ـداءُ مِنْ ضَيْمِ خُطّةٍ نُكُفُ

نَفْلي بِحَدّ الصَّفِيحِ هامَهُمُ * وَفَلْيُنا هَامَهُمْ بِنا عُنُفُ

**********

قيس بن الملوح

تذكرت ليلى والسنين الخواليا * وأيام لا تخشى على اللهو ناهيا

ويوم كظل الرمح قصرت ظله * بليلى فلهاني وما كنت ناسيا

" بتمدين " لاحت نار ليلى وصحبتي * " بذات الغضى " نزجي المطي النواجيا

فقال بصير القوم ألمحت كوكبا * بدا في سواد الليل فردا يمانيا

فقلت له : بل نار ليلى توقدت * " بعليا " تسامى ضوؤها فبدا ليا

فليت ركاب القوم لم تقطع الغضى * وليت " الغضى " ما شى الركاب لياليا

فيا ليل كم من حاجة لي مهمة * إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هيا

خليلي إن لا تباكياني ألتمس * خليلا إذا أنزفت دمعي بكي ليا

فما أشرف الأيفاع إلا صبابة * ولا أنشد الأشعار إلا تداويا

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما * يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

**********

قيس بن ذريح

عفا سرف من أهله فسراوع * فجنبا أريك فالتلاع الدوافع

لعل لبيني أن يحم لقاؤها * ببعض البلاد إن ما حم واقع

بجزع من الوادي خلا عن أنيسه * عفا وتخطته العيون الخوادع

ولما بدا منها الفراق كما بدا * بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع

تمنيت أن تلقي لبيناك والمنى * تعاصيك أحيانا وحينا تطاوع

وما من حبيب وامق لحبيبه * ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجمع

وطار غراب البين وانشقت العصا * ببين كما شق الأديم الصوانع

ألا يا غراب البين قد طرت بالذي * أحاذر من لبني فهل أنت واقع!

وإنك لو أبلغتها قليلك : اسلمي * طوت حزنا وارفض منها المدامع

أتبكي على لبني وأنت تركتها * وكنت كآت غيه وهو طائع

فلا تبكين في إثر شئ ندامة * إذا نزعته من يديك النوازع

فليس لأمر حاول الله جمعه * مشت ولا ما فرق الله جامع

طمعت بلبني أن تريع وإنما * تقطع أعناق الرجال المطامع

كأنك لم تقنع إذا لم تلاقها * وإن تلقها فالقلب راض وقانع

فيا قلب خبرني إذا شطت النوى * بلبني وصدت عنك ما أنت صانع

أتصبر للبين المشت مع الجوى * أم أنت امرؤ ناسي الحياء فجازع

فما أنا إن بانت لبيني بهاجع * إذا ما استقلت بالنيام المضاجع

وكيف ينام المرء مستشعر الجوى * ضجيع الأسى فيها نكاس روادع

فلا خير في الدنيا إذا لم تواتنا * لبيني ولم يجمع لنا الشمل جامع

أليست لبين تحت سقف يكنها * وإياي هذا إن نأت لي نافع

ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا * ونبصر ضوء الصبح والفجر ساطع

تطاتحت رجليها بساطا وبعضه * أطاه برجلي ليس يطويه مانع

وأفرح إن أمست بخير وإن يكن * بها الحدث العادي توعني الروائع

كأنك بدع لم تر الناس قبلها * ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع

فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة * بنا وبكم من علم ما البين صانع

وأهجركم هجر البغيض وحبكم * على كبدي منه كلوم صوادع

فواكبدي من شدة الشوق والأسى * وواكبدي إني إلى الله راجع

وأعجل للإشفاق حتى يشفني * مخافة وشك البين والشمل جامع

وأعمد للأرض التي من ورائكم * لترجعني يوما إليك الرواجع

فيا قلب صبرا واعترافا لما ترى * ويا حبها قع بالذي أنت واقع

لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعة * من الناس ما اختيرت عليه المضاجع

ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها * وللبين غم ما يزال ينازع

إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به * جوى خزق قد ضمنتها الأضالع

أبائنة لبنى ولم تقطع المدى * بوصل ولا صرم فييأس طامع

يظل نهار الوالهين نهاره * وتهدنه في النائمين المضاجع

سواء فليلي من نهاري وإنما * تقسم بين الهالكين المصارع

ولولا رجاء القلب أن تسعف النوى * لما حملته بينهن الأضالع

له وجبات إثر لبنى كأنها * شقائق برق في السحاب لوامع

نهاري نهار الناس حتى إذا دجا * لي الليل هزتني إليك المضاجع

أقضي نهاري بالحديث وبالمنى * ويجمعني والهم بالليل جامع

لقد ثبتت في القلب منك مودة * كما تثبتت في الراحتين الأصابع

أبى الله أن يلقى الرشاد متيم * ألا كل أمر حم لابد واقع

هما برحا بي معولين كلاهما * فؤاد وعين جفنها - الدهر - دامع

إذا نحن أنفدنا البكاء عشية * فموعدنا قرن من الشمس طالع

وللحب آيات تبين بالفتى * شحوب وتعرى من يديه الأشاجع

وما كل ما منتك نفسك خاليا * تلاقي ولا كل الهوى أنت تابع

تداعت له الأحزان من كل وجهة * فحن كما حن الظؤار السواجع

وجانب قرب الناس يخلو بهمه * وعاوده فيها هيام مراجع

أراك اجتنبت الحي من غير بغضة * ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع

كأن بلاد الله ما لم تكن بها * وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع

ألا إنما أبكي لما هو واقع * وهل جزع من وشك بينك نافع

أحال على الدهر من كل جانب * ودامت فلم تبرح على الفجائع

فمن كان محزونا غدا لفراقنا * فملآن فليبك لما هو واقع