ذكر لي أحد الأصدقاء من المختصين في علم النفس قصتين حدثتا معه كل واحدة منهما على طرفي النقيض
أولاهما : قال دخلت عليّ امرأة تشتكي حالها النفسية المتعثرة بسبب عدم انجابها للأطفال وقد مضى على زواجها أكثر من عشر سنوات , وقد شرحت ما يعتريها من أعراض نفسية " خطيرة " بسبب هذه المصيبة التي تراها أكبر مصيبة في التاريخ – عدم الإنجاب - ، يقول : وقد حاولت جاهدا ً من خلال محاولة العلاج للمريضة أن أجعلها ترى الجانب الإيجابي في مشكلتها لأخفف عنها بعضا ً مما تعاني إلا أنها كانت مصممة على أن ما يحدث لها هو أمرٌ عظيم جداً!!
أما القصة الثانية : يقول ومن عجيب الصدف أنه بعد النظر في حالة هذه المرأة بيوم واحد دخلت عليَّ امرأة أخرى وأخبرتني بأن الله ابتلاها بعدم الأنجاب لمدة خمسة عشر سنة وقد كانت خلالها صابرة ومحتسبة , وعندما رُزقت بالمواليد بعد هذه السنوات الخمسة عشر أنجبت على التوالي أربعة أطفال ٍمعاقين!! يقول : فحمدتْ الله على ما أعطاها ورأت أن الله رزقها هؤلاء الأطفال ليكونوا سبباً في دخولها الجنة !! ثم جعلت تردد : مع أنه في بيتي أربعة معاقين وكلهم يحتاج من الرعاية ما لا يعلمه إلا الله إلا أنني راضية ومطمئنة إلى أنهم سيكونون سبباً في الشفاعة لي ولزوجي و دخولنا الجنة بإذن الله ..! يقول : فقلت لها " ما شاء الله عليكِ " حالتك النفسية أفضل من كثير من النساء ممن رزقوا بعائلات وأبناء أسوياء فلماذا طلبت الجلوس معي ..!؟ فقالت : أولاً : لأحمد الله على ما رزقنا لا دافع لقدره وثانيا ً: لأخبرك كم أنا سعيدة في حياتي فالابتلاء من علامة حب الله للعبد وثالثاً : لأسألك لماذا يعاملني الناس وكأني مريضة !!؟ فكل من أخبره بقصتي يرثي لحالي ويشفق علي وكأنني مسكينة ... مع أنني مرتاحة جدا ً بما أنعم الله علي .
لاشك أن الدهشة ستتملكنا جميعا ً بعد ذكر هاتيين القصتيين على ما فيهما من تناقض في الرؤية لأقدار الله !! لأن أحداث الحياة كثيرة وابتلاءات الدنيا عديدة والسعيد هو ذاك الذي امتلك " نظارة " ليرى فيها الابتلاءات بالطريقة الصحيحة فـ ( الصبر عند الصدمة الأولى ) كما أخبرنا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومن يـُرجع الأمور إلى الله تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )هو الفائز في الدنيا والآخرة " راحة نفسية دائمة في الدنيا وسعادة أخروية أبدية " فهؤلاء لبسوا " النظارة " التي يرون فيها الابتلاء كما هو رؤية صحيحة ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )