الحساب الجاري
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
صاعقة
| المصدر :
www.startimes2.com
الحساب الجاري
هذا موضوع مختصر عن احد القضايا المالية المعاصرة، وبالتحديد المعاملات المصرفية المعاصرة، وعنوانه: (الحسابات الجارية: حقيقتها وتكييفها)،
حيث أن الحساب الجاري هو أحد العمليات المصرفية المعاصرة، وتندرج في عرف المصارف تحت مسمى الوديعة النقدية الصرفية، والحسابات الجارية هي حسابات ليس هدفها الاستثمار، وإنما هي حسابات لغرض حفظ هذه الأموال وصيانتها من السرقة أو الهلاك، أو لغرض تسهيل التعامل التجاري والمعاملات المصرفية الأخرى .
وقد عرف الحساب الجاري: بأنه القائمة التي تقيَّد بها المعاملات المتبادلة بين العميل والبنك.
وعرفت ودائع الحساب الجاري: بأنها "المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك بشرط أن يردها عليهم البنك كلما أرادوا.
حيث أن الحسابات الجارية أو تحت الطلب هي حسابات ليس هدفها الاستثمار وإنما هي حسابات لغرض حفظ هذه الأموال وصيانتها من السرقة أو الهلاك، أو لغرض تسهيل التعامل التجاري والمعاملات المصرفية الأخرى التي تقدمها هذه المصارف لعملائها؛ لذا فإن هذه الحسابات ليس لها أي علاقة بالمضاربة أو المشاركة، ولا تستحق أي عائد أو ربح في المصارف الإسلامية، بل إنه قد يتقاضى المصرف عليها أجراً أو عمالة في مقابل ما يمنحه لأصحابها من امتيازات.
وتختلف طرق المصارف في التعامل مع الحسابات الجارية، ويمكن حصرها في أربعة طرق:
الأول: ألا يتقاضى المصرف أية أجور مقابل خدمة فتح الحساب وما يتعبه من خدمات؛ كإصدار الشيكات، وبطاقة السحب الآلي، وغيرها.
الثاني: أن يتقاضى المصرف أجوراً مقابل خدمة فتح الحساب الجاري، وما يتبعه من خدمات.
الثالث: أن يتقاضى المصرف أجوراً مقابل ما سبق إذا نقص رصيد العميل في الحساب عن مبلغ محدد.
الرابع: أن يمنح المصرف فوائد للعميل مقابل وجود المبلغ في الحساب، وبعضها يشترط مبلغاً معيناً لأجل منح الفوائد، وهذا هو المعمول به في البنوك الربوية
وتتضح أهمية الحسابات الجارية في المنافع التي يحصل عليها طرفا العقد، وهما المصرف والعميل من فتح هذه الحسابات والتعامل بها، وفيما يلي ذكر لأهم المنافع والفوائد التي يحصل عليها كل منهما:
أولاً: المنافع التي تعود على المصرف :
1- استثمار الأموال الموجودة في الحسابات الجارية دون أن يشترك عملاؤه – أصحاب هذه الأموال – في الأرباح التي تدرها هذه الاستثمارات.
ويتبين هذا إذا علمنا أن أموال الحسابات الجارية تعد أهم موارد المصرف، وتمثل ما قد يزيد في غالب الأحوال على 90% من مجمل الموارد، ونادراً ما تقل عن 20%، وبهذا يستفيد منها المصرف في توفير السيولة والوفاء باحتياجاته واحتياجات عملائه.
2- فتح حساب جارٍ لأحد العملاء يؤدي غالباً إلى أن هذا العميل يحتاج إلى خدمات مصرفية أخرى – يستفيد منها المصرف، وطبعي أن يلجأ العميل إلى المصرف الذي به حسابه الجاري.
3- فتح الحسابات الجارية يزيد من قدرة المصرف على توسيع الائتمان أو ما يسمى (بخلق الودائع) واستثمارها، حيث يزيد الرصيد النقدي لهذا المصرف، وبالتالي يزيد ربحه من جراء استثمار هذه المبالغ.
4- الأجور التي تتقاضاها بعض المصارف مقابل الخدمات التي تقدمها للعملاء؛ كفتح الحساب، وإصدار الشيكات، وبطاقات السحب الآلي وغيرها.
5- يستفيد المصرف من الحسابات الجارية التي تفتحها لديه المصارف الأخرى التي تعامل معها – وهي تمثل قرابة 10% من مجموع الخصوم – في عمليات المقاصّة في الشيكات المحررة من قبل عملاء المصارف الأخرى، وفي عملية الحوالات التي يقومون بها من المصارف الأخرى، ولا سيما التحويلات من بلد إلى آخر، وغير ذلك من الأعمال المصرفية التي تستدعي وجود رصيد كاف لدى المصرف.
ثانياً: المنافع التي تعود على العميل (صاحب الحساب الجاري).
1- حفظ أمواله من المخاطر المختلفة؛ كالسرقة أو الضياع، وهذا يتبين أكثر كلما كانت الأموال كثيرة؛ بحيث يشق حفظها في المنزل أو في المحل التجاري، ولذا يلاحظ في الشركات التجارية الكبرى والمصانع الكبيرة التي تكثر فيها عمليات البيع والتحصيل أن موظف الخزينة لا يستبق لديه أية مبالغ نقدية في الخزينة، بل عليه أن يودعها في المصرف يومياً.
2- إضافة إلى ميزة حفظ المال فإنه يكون مضموناً على المصرف، ولصاحبه حرية التصرف فيه متى شاء.
3- الانتفاع من الخدمات التي يقدمها المصرف لصاحب الحساب الجاري غالباً بدون مقابل، ومن ذلك:
أ- الحصول على دفتر الشيكات مما يسهل على صاحب الحساب الوفاء بالتزاماته واحتياجاته المختلفة دون الحاجة إلى حمل النقود وعدها ومراجعتها مع الأمن من ضياعها وسرقتها وبخاصة في المبالغ الكبيرة.
ب- الحصول على بطاقة السحب الآلي، والتي يمكنه بواسطتها:
- سحب ما يحتاجه من أموال في أي زمان ومكان.
ت- تسديد قيمة مشترياته عن طريق أجهزة نقاط البيع بواسطة الشبكة الإلكترونية.
ث- تسديد فواتير الخدمات العامة؛ كفواتير الكهرباء والهاتف والماء ونحوها.
ج- الاستعلام عن رصيده في حسابه الجاري، وطلب كشف لحسابه.
ح- التحويلات والإيداعات المصرفية.
4- يعد فتح الحساب الجاري المصرفي أسهل وأيسر طريقة لعمل حسابات نظامية دقيقة عن أي نوع من أنواع النشاط الذي يقوم به العميل؛ كأن يعرف ربحه بالفرق بين رصيد أول السنة ورصيد آخر السنة.
5- توثيق الحسابات وضبطها، بحيث يحصل العميل في نهاية كل شهر أو أقل أو أكثر – على كشف مفصل يتضمن جميع المدفوعات وتواريخها ومبالغها والمدفوعة إليهم، وكذلك الحال في الأموال التي يتلقاها من الآخرين مثل أثمان السلع التي يبيع أو موارده من الإيجارات والأرباح... إلخ، وهذا يغنيه عن موظف متخصص في المحاسبة.
6- تمكين العميل من إثباته وتوثيقه لمدفوعاته للآخرين، سواء عن طريق الشبكات تكفي عن الإيصالات؛ لأن المستفيد من الشيك يوقع على ظهر الشيك عند تحصيله من المصرف، أم عن طريق بطاقة السحب الآلي في تسديد فواتير الخدمات.
7- الحصول على الخدمة المصرفية عن طريق الهاتف – بواسطة البطاقة – بحيث يستطيع صاحب الحساب الجاري تحريك معاملاته المصرفية والتجارية عن طريق الهاتف مما يوفر عليه وقتاً طويلاً في التنقل وإجراء هذه المعاملات.
8- سهولة وسرعة تحصيل النقود المحولة إلى المصرف من جهات حكومية أو غير حكومية؛ كتحويل الرواتب الشهرية مثلاً.
9- الأسعار المميزة للخدمات الأخرى التي يقدمها المصرف، والتي تتعلق غالباً بالحوالات والصرف الأجنبي ورسوم فتح الاعتمادات وبطاقات الائتمان وخطابات الضمان.
10- شهادة المصرف بملاءة العميل (صاحب الحساب) وأكثر ما يحتاج لهذا التجار ورجال الأعمال الذين يحتاجون إلى شهادة تثبت ملاءتهم يقدمونها إلى الجهات الحكومية أو الخاصة بحيث يتمكنون بموجبها من الدخول في المناقصات والمزايدات أو عقود المقاولة أو التوريد وغيرها.
11- استخدام الأموال في الحساب الجاري كرهن، وذلك بأن يتفق العميل مع مصرفه على حجز مبلغ من المال في حسابه الجاري لا يسمح له أن يسحبه أو يحرر الشيكات مقابله؛ ليكون رهناً لضمان وفائه بالتزاماته الواجبة أو التي مآلها إلى الوجوب للمصرف أو لمؤسسة أخرى، مثل حالات فتح الاعتماد المستندي للاستيراد، أو إصدار البطاقة الائتمانية، أو كفالة جهة أخرى من قبل ذلك العميل.
12- يعد كشف الحساب للعميل مستنداً قوياً لما جاء فيه من أرقام، ويستفيد من هذا الموظفون الملزمون بتقديم تقارير سنوية عن التغييرات الطارئة في ثرواتهم طبقاً لأنظمة الكسب غير المشروع في بعض الدول.
إضافة إلى ما سبق فإن الحساب الجاري يستفيد منه الطرفان في تيسير واختصار كثير من العمليات التي تحصل بينهما؛ إذ إن تسوية كل عملية من العمليات المتتابعة يسبب كثيراً من التعقيد، بينما يمكن بواسطة الحساب الجاري تجميع العمليات كلها وإخضاعها لنظام واحد، وكذلك فإن من فوائد الحسابات الجارية عدم تعطيل رؤوس الأموال؛ لأنه إذا استحق على أحد طرفيه دين فإنه لا يدفعه نقداً ومباشرة، بل يستغله ويقيد في حساب الدائن ما يقابله.
ومن فوائدها كذلك أنها تقوم بوظيفة نقدية مهمة؛ إذ إنها تمثل وسائل دفع في المجال الاقتصادي والتجاري، وأداة وفاء لتسوية الديون عن طريق نقل ملكيتها من شخص لآخر باستعمال الشيكات والتحويل المصرفي والمقاصة.
وبهذا يتبين أن أموال الحسابات الجارية هي مما يمثل قطب الرحى بالنسبة لموارد البنوك ومحور نشاطاتها في المجال الاقتصادي والتجاري وفي ميادين أنشطتها الأخرى.
وقد أختلفت آراء الفقهاء والباحثين المعاصرين في التكييف الفقهي للحسابات، ومما يلي عرض للخلاف:
أولاً: الأقوال في المسألة:
القول الأول: إنها قرض؛ فالمودع هو المقرض، والمصرف هو المقترض.
وهذا قول أكثر الفقهاء والباحثين المعاصرين.
القول الثاني: إنها وديعة بالمعنى الفقهي، وقال به بعض الباحثين المعاصرين
القول الثالث: إنها تدخل تحت عقد الإجارة .
وهناك قولان آخران، يغلب عليهما أنهما من أقوال القانونيين؛ وهي:
الأول: إنها وديعة شاذة أو ناقصة، أي: وديعة مع الإذن بالاستعمال.
الثاني: إنه عقد ذو طبيعة خاصة، أو إنه ليس من العقود المسماة
الترجيح:
الذي يترجح – والعلم عند الله تعالى – أن الأموال التي يضعها أصحابها في حساب جارٍ لدى المصرف الأقرب أنها قرض وليست وديعة، وذلك للأسباب الآتية:
1- أن تعريف القرض وأحكامه متمشية مع هذه المسألة؛ فقد عرف القرض بأنه "عبارة عن دفع مال إلى الغير؛ لينتفع به ويرد بدله، ومال الحساب الجاري يدفعه صاحبه إلى المصرف، لينتفع به ويرد بدله.
2- أن صاحب الحساب الجاري يعلم أن المصرف الذي يتلقى ماله لن يحتفظ له بهذا المال ساكناً مستقراً في صناديقه ليعيده بعينه عند الطلب، بل إنه سوف يختلط بغيره من الأموال وبأموال المصرف، كما أن المصرف سوف يستعمل هذه الأموال في أعماله واستثماراته، وهذا يعني أن المصرف لن يعيد عين المال، بل يعيد مثله عند الطلب، وهذه الأموال في حقيقتها قروض لا ودائع.
3- أن صاحب المال إذا وضعه في حساب جارٍ لا يقصد مجرد الحفظ فقط ، بل يريد الحفظ والضمان معاً، بدليل أنه لا يقوم على الإيداع ما لم يكن المال مضموناً، وكذلك المصرف لا يقبل هذه الأموال لحفظها فقط، بل للانتفاع بها مع ضمانها، وهذه حقيقة القرض.
4- في القرض يضمن المقترض، وفي الوديعة يضمن المودع – ما لم يكن المودع مفرطاً – وكل منهما ضامن لأنه مالك، وعلى هذا فالوديعة في العرف المصرفي القائم قرض في الشرع الإسلامي.
5- أن القاعدة الفقهية المشهورة نصت على أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وتسمية هذا العقد بين صاحب المال والمصرف وديعة لا يغير من حقيقة العقد وأنه قرض، وإنما سمي وديعة أو إيداعاً لأسباب منها:
أ- أن هذه الكلمة استعملت بمعناها اللغوي؛ فإنها فعيلة من "ودع يدع: بمعنى أنها متروكة عند المودع، وهو المصرف هنا بغض النظر عن كونها أمانة أو مضمونة.
ب- لأن تأريخها بدأت بشكل ودائع وتطورت خلال تجارب المصارف واتساع أعمالها إلى قروض؛ فظلت محتفظة من الناحية اللفظية باسم الودائع، وإن فقدت المضمون الفقهي لهذا المصطلح، وعليه فاستخدام لفظ "ودائع" بدلاً من "قروض" إنما كان صحيحاً في مرحلة تأريخية من مراحل التطور المصرفي، حيث كان الناس يودعون نقودهم عند الصائغ أو الصيرفي مقابل أجر يتقاضاه، لكن عندما بدأ هؤلاء الصيارفة باستغلال هذه الأموال وبإقراضها إلى غيرهم أو استغلالها، لم تعد هذه العمليات ودائع، وكان ينبغي منذ ذلك الوقت هجر هذه التسمية وتركها لعمليات أخرى؛ (كإيداع الأشياء الثمينة) والانتقال إلى التسمية الحقيقية قروض.
وإذا أغفلت البنوك الروية هذا فحري بالمصارف الإسلامية أن تتنبه لهذا، وألا تقلد البنوك الربوية في هذه التسمية وغيرها، سواء كان ذلك في المقاصد والمعاني، أم في الألفاظ والمباني.
والله تعالى أعلى وأعلم ..
محمد خالد بن سيف ..،،
كلية الاقتصاد والعلوم الإداريه.