البصمة بين الاعجاز والتحدي.. القسم الأول

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : الدكتــور محمد السقا عيد | المصدر : www.55a.net

 

على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس جميعاً مشتركين في وحدة الخلق ووحدة البنية والتركيب ووحدة وظائف كيمياء الخلية فالناس جميعاً من لحم ودم وعظم ... أصلهم جميعاً من تراب، ومع هذا التطابق والتشابه في الخلق والصوت وشكل العظم والرائحة فقد انفرد كل منا فى تفاعله الكيماوي مع نفسه، لينفرد ببصماته التي يحملها وحده دون سائر البشر.
وتعرف "البصمة" بصفة عامة بأنها ذلك الخاتم الإلهي الذي ميز الله تعالى به كل إنسان عن غيره بحيث أصبح لكل إنسان خاتمه (بصمته) المميزة له في الصوت والرائحة والعينين والأذن ... الخ.
أما "بصمة الإبهام" فهي الخطوط البارزة التي تحيط بها خطوط مختفية تأخذ أشكالاً مختلفة على جلد أطراف الأصابع والكفين من الداخل، وهذه الخطوط تترك أثرها على كل جسم تلمسه، وعلى الأسطح الملساء بشكل خاص.
وإن المثير للتأمل حقاً هو كيف تتنوع وكيف تتشكل البصمات، بل كيف تتنوع وتتشكل الوجوه والأجسام وكيف تتباين الألوان والصفات، فكلها آيات لله في خلقه ...
ولست أقصد بالبصمة "بصمة الإبهام" فقط تلك التي تحدى الله تعالى بها البشر كافة حيث لا يمكن لبصمة الإبهام أن تتشابه أو تتماثل في شخصين في العالم حتى التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة "بلى قادرين على أن نسوى بنانه" سورة القيامة آية (4)، لكن أقصد كل أنواع البصمات الأخرى التي تحدث عنها البحث أو التي لم يتحدث عنها.
تحدث البحث أيضاً عن "البصمة الجينية" تلك البصمة التي تلازم الإنسان طوال حياته ولا يمكن محوها أو التخلص منها بحال من الأحوال فهي تلازمك أخي المسلم حتى تُبعث بها من جديد بإذن الله تعالى يوم ينفخ في الصور فيعود كل إنسان كما كان لم يتغير منه شئ بإذن الله الواحد القهار.
كما تناول البحث بالحديث (بصمة العين) ووضح أن هناك بصمة لقاع العين (الشبكية) وكذلك بصمة للقزحية وبصمة للانحراف الجنسي في العين ووضح أنه من المستحيل أن تتطابق بصمتان منهما حتى في نفس الشخص.
تعرض البحث للحديث عن "بصمة العرق" ذلك النموذج الغريب من البصمات والتى أشار إليها القرآن الكريم فى قوله تعالى " إني لأجد ريح يوسف" يوسف 94 فقد عرف الأب ابنه من رائحة قميصه .
أيضاً من أنواع البصمات التي تحدث عنها  البحث "بصمة الصوت" فالأصوات كالبصمات لا تتطابق، فكل منا يولد بصوت فريد مختلف عن الآخر حتى التوائم المتماثلة رغم تشابههما فى كل شئ إلا أن لكل منهم صوت يميزه عن الآخر  وتعرض البحث لكيفية استخدام هذه البصمات فى الكشف عن الجريمة. وخُتم البحث بالحديث فى نبذة مختصرة عن بصمة الشفاة، المخ، الأذن.
إن الإنسان كله بصمات، فبصماته توجد فى اليد والقدم والشفتين والأذنين والدم واللعاب والشعر والعيون وغيرها ... لقد كانت البصمة ولا تزال سراً من أسرار عظمة الله عز وجل فى خلقه ليثبت قوله.  (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (سورة النحل 88)
فما أعظمها من آية تؤكد قدرة الخالق !
مقدمـــــة :
يرى الناظر إلى الناس أنهم متشابهون في الشكل العام وفى التركيب الجسدي الخارجي والداخلي من أعضاء وأجهزة وأنسجة، وحركاتهم واحدة، وغرائزهم واحدة وحاجاتهم العضوية إلى الطعام والشراب وغيرها واحدة في كل الناس.
ويدقق الناظر إلى وجوه الناس فيري الاختلاف البين بين تقاطيعهم وحركاتهم وأصواتهم وتصرفاتهم، فيستطيع الإنسان أن يميز فرداً من الأفراد من بين أعداد كبيرة جداً من الناس.
وكثيراً ما نصادف وجوهاً يخيل إلينا أننا رأيناها من قبل فإذا بها وجوه أبناء لآباء أو لأمهات نعرفهم.
وهكذا قد يشترك الأبناء مع الآباء في صفات جسدية ظاهرية أو في صفات أخرى داخلية، وقد يكون الشبه قوياً لدرجة يصعب معها أن نفرق بين أخوين أو توأمين مثلاً.
ولذلك يقال فى الأمثال (يخلق من الشبه أربعين)، وأحياناً أكثر من أربعين، ويقصد بذلك الشبه في تقاطيع الوجه.
فمن أين يأتي هذا التشابه ؟ وهل هو تشابه كامل في الصفات الظاهرة والتركيب الداخلي والصفات والتصرفات المختلفة أم لا ؟ ! ...
الواقع أن المدقق يرى أن التشابه بين الأشخاص وبين الأخوة لا يكون تاماً أبداً، فهناك دائماً أوجه كثيرة للاختلاف ولكن معرفتها تحتاج إلى التدقيق الشديد أحياناً كما يحدث بين التوأمين المتشابهين.
وحين تقدم العلم واتسعت دائرته وتنوعت طرق البحث والدراسة استطاع الإنسان أن يدرك أنه لا تشابه بين إنسان وآخر في ظاهره أو في داخله رغم اتحاد الناس جميعاً في التركيب الأساسي العام.
أنواع البصمة :
على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس جميعاً مشتركين في وحدة الخلق ووحدة البنية والتركيب، ووحدة وظائف كيمياء الخلايا، فالناس جميعاً من دم ولحم
وعظم ... أصلهم جميعاً من تراب، ومع هذا التطابق والتشابه في الخلق العام لا يتطابق إنسان مع غيره تطابقاً تاماً في كل التفاصيل الجزئية كالطباع والصوت وشكل العظم ... والرائحة، كما انفرد كل منا في تفاعله الكيماوي مع نفسه لينفرد ببصماته التي يحملها وحده دون سائر البشر.
وهناك أنواع كثيرة للبصمة منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
1- بصمة الإبهام :
بصمة الإبهام هي خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات، وتعلو الخطوط البارزة فتحات للمسام العرقية، تتمادى هذه الخطوط وتتلوى وتتفرع منها تغصنات وفروع، لتأخذ في النهاية - وفي كل شخص – شكلاً مميزاً، وقد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم حتى التوائم المتماثلة التي أصلها في بويضة واحدة، وهذه الخطوط تترك أثرها على كل جسم تلمسه وعلى الأسطح الملساء بشكل خاص.
وتتكون بصمة الإبهام لدى الجنين في الأسبوع الثالث عشر (الشهر الرابع)  وتبقى إلى أن يموت الإنسان، وإذا حفظت الجثة بالتحنيط أو في الأماكن الثلجية تبقى البصمة كما هي آلاف السنين دون تغيير في شكلها ....
وحتى إذا ما أزيلت جلدة الأصابع لسبب ما، فإن الصفات نفسها تظهر في الجلد الجديد، كما أن بصمة الرجل تختلف عن بصمة المرأة ففي الرجل يكون قطر الخطوط أكبر منه عند المرأة بينما تتميز بصمة المرأة بالدقة وعدم وجود تشوهات تقاطعية.
ولقد توصل العلماء إلى تقسيم بصمات الإبهام رغم اختلافها في التفاصيل وفق ما بها من خطوط متمازجة ووفق  ما بها من أنشوطة مفتوحة وأخرى مغلقة إلى الآتي :
•       على شكل رؤوس أو دوامات متحدة المركز.
•       من الخبراء من جعل الأشكال ثمانية وقسموها إلى عدة أصناف ... والأقسام الثمانية هي :
1-     البصمة ذات الأنشوطة الزندية.
2-     البصمة ذات الأنشوطة (الكعبرة).
3-     البصمة ذات الأنشوطة والدوامة البسيطة.
4-     البصمة ذات الأنشوطة القوس.
5-     البصمة ذات الأنشوطة العريضة.
6-     البصمة ذات الأنشوطة الحبيبية المركزية.
7-     البصمة ذات الأنشوطة المزدوجة.
8-     البصمة ذات الأنشوطة القوس التى لها رأس خيمة.
وفى عام 1886م قام العالم السير (فرنسيس غالتون) بتقسيم البصمات إلى أربعة أنواع
 هي :
1-     تفرع خط إلى فرعين أو أكثر.
2-     انتهاء خط باتجاه أعلى وأسفل.
3-     وجود جزيرة أو نقطة.
4-     وجود حلقة.
وتسمى هذه بتفصيلات غالتون.
ومن الذين اهتموا بدراسة البصمات الباحث الألماني (ج. س. أ. مايو) الذى أعلن بعد ذلك فى عام 1856 م أن الخطوط البارزة فى بنان الإنسان تبقى ثابتة لا تتغير ولا تتبدل منذ ولادته وحتى وفاته.
ودلل على قوله هذا بتجربة عملية إذ أخذ طبعة بنانه الأيمن ثم عاد بعد مضى أربعين عاماً وأخذ طبعة نفس البنان ثانية فوجد أنه لا يزال كما هو لم يطرأ عليه شئ من التعديل أو التغيير.
وكذلك فعل الحاكم الإنجليزي (هرتشل) فى مقاطعة البنغال عندما قارن بين بصمتين وعمرة 27 سنة و82 سنة فلم يلحظ أي تغيير يذكر.
بصمة الإبهام واستخدامها فى الجريمة :
كان الاستخدام العلمي للبصمات عام 1852م بواسطة الحاكم الإنجليزي (وليم هرتشل) عندما أمر بأن يطبع أشكال أكفهم فى نهاية العقود حتى يضمن عدم إنكار أطراف التصادق فى المقاضاة.
وقبل أن تستعمل البصمات لإثبات مرتكبي الجريمة وقعت حوادث مفجعة من القتل والاغتصاب والسرقة، وكانت الوسيلة لإثبات الجريمة على الجاني هم الشهود أو الاعتراف من الجاني نفسه، وقد يؤخذ الجاني قهراً لاستجوابه تحت وسائل التعذيب المختلفة، وهنا يمس كرامة الإنسان كإنسان أولاً لا كمجرم، مما جعل البعض مما لهم ضمائر يستنكر هذه الوسائل ويندد بها، ومن هؤلاء (موريس غارسون) الذى يقول فى هذا الصدد (إن قيود هذه الطريقة تسئ إلى شرف العدالة فى البلاد المتمدنة) ولذلك منع وزير الداخلية البريطاني استعمال العقاقير المخدرة في الاستنطاق عام 1948م، ومنعها أيضاً وزير العدل الألماني عام 1949م.
وقبل استعمال البصمات بصفة رسمية كانت شرطة باريس وإيطاليا تأخذ بمقاييس دقيقة للجسم حتى إذا ما عاد المجرم أمكن التعرف عليه ولكن هذا النظام أخذت الانتقادات تتجه إليه، مما جعل المجتمع ينبذه.
لقد قام العلماء بتصنيف البصمات بما فيها من منحنيات وخطوط وثنيات، ومنخفضات ومرتفعات إلى أصناف عديدة، وجمعوها تحت أنواع رئيسية تتفرع عنها أنواع فرعية وذلك لسهولة تتبعها.
وحين تُعرض عليهم بصمة ما فإنهم بذلك يستطيعون أن يرجعوها إلى ما لديهم من أنواع وبذلك يتعرفون على صاحبها بسهولة فإن كان مشتبهاً في جريمة ما، كانت دليلاً قوياً عليه لا يمكن إنكاره فهو صورته الشخصية وجسده الحي في مكان الجريمة.
وقد اختلف فى عدد العلامات اللازمة التي يجب توافرها للمقارنة بين البرمجة المطبوعة الحقيقية من بلد إلى أخر، إلى أن جاء مؤتمر 1967م الدولي في باريس في نوفمبر حيث تم الاتفاق على توحيد عدد العلامات في مختلف دول العالم باثني عشرة علامة مميزة حتى لا يتاح للهاربين الإفلات بسبب الاختلاف العددي لأخذ البصمة من دولة لأخرى.
وإذا ما تتبعنا التاريخ الرسمي لتبنى بعض الدول علم البصمات كشاهد ثابت يقيني فى كشف شخصية الإنسان يكون الترتيب كالآتي : الأرجنتين 1891م ثم إنجلترا عام 1901م فأمريكا 1902 ثم تركيا 1910 وأخيراً سوريا عام 1928م.
بصمة الإبهام وتفردها فى عالم الأحياء :
وضع العالم فرنسيس غالتون (F. Galeton)كتابه الخالد (بصمات الأصابع) الذى يعتبر مرجعاً أساسياً فى علم البصمات واعتمدته الحكومة البريطانية بعد ذلك فى عام 1901 بعد أن عدله العالم (إدوار هنرى). وفى نفس الوقت كان العالم (جوان مينوسيتش) يقوم بنفس الجهود فى الأرجنتين ووصل إلى نتائج متشابهة وإن كان البعض يفضلون طريقته، واعتمدت الأرجنتين (كأول دولة في العالم) نظام علم البصمات كشاهد يقيني لكشف شخصية الإنسان فى عام 1891 ميلادي.
إذا أمعنا النظر في سطح الجلد الذي يكسو أصابع اليدين والقدمين وكذلك الكعبين وباطن القدمين نلاحظ أنه يتألف من خطوط بارزة تسمى بالخطوط الحليمية Papillary Ridges  وأن هذه  الخطوط تتوالى وتتمادى وتأخذ لنفسها أشكالاً مختلفة وتبدو منفصلة عن بعضها بخطوط أخرى منخفضة يطلق عليها اسم "الخطوط الأخدودية" Furrows  ويمكن تشبيهها بالأخاديد التي تتركها سكة المحراث على الأرض. وإذا تأملنا الخطوط الحليمية ملياً بواسطة عدسة مجسمة نجد أن قممها تحتوى على صفوف من فتحات بالغة الصغر تظهر وكأنها فوهات براكين وتدعى المسام.
ومزية البصمة الأساسية الثبات والفردية بشكل مطلق، وتبقى الخطوط الحليمية كما هي إلا في بعض الأمراض مثل الجذام في آخر مراحله والإفرنجي، ولذلك فإن البصمات لا تتكرر حتى في حالة التوأم ومن بيضة واحدة.
وقد حاول عدد من المجرمين في الولايات المتحدة الأمريكية وفى مدينة شيكاغو بصورة خاصة محو هذا الخاتم الإلهي !! بمحو أو تغيير أو تحريف لأشكال الخطوط الحليمية في رؤوس أصابعهم مستخدمين طرقاً مختلفة ولكن محاولاتهم باءت جميعها بالفشل.
وقد حصر غالتون أمر التعرف على بصمة الأصابع في نظام معين يقضى على أن لكل بصمة 12 ميزة خاصة، ومن الطريف أن من بين المليون الأول من البصمات التي حصلت عليها شرطة لندن لم يعثر على بصمتين متشابهتين في أكثر من سبع مميزات من بين المميزات الـ (الأثنى عشر).
ولابد أن توجد فى كل بصمة أنواع من المميزات بأعداد متفاوتة وقد يتجاوز عددها في بصمة الإصبع الواحدة الخمسين. وقد يصل إلى المائة وربما وجدنا في مساحة صغيرة من الجزء الوسطي للإصبع أكثر من عشر منها.
جاء في كتاب "الطب الشرعي" للأستاذ / زياد درويش ص 396 ما يلي
ولكي نقرر أن البصمتين تعودان لشخص واحد يجب أن تتفقا فى الشكل (أقواس، منحدرات) وفى شكل الزاوية والمركز، وفى السعة، وفى وجود أي آثار لجروح أو ندبات، وفى الصفات الفرعية للخطوط المكونة للبصمة من حيث بداية هذه الخطوط وانتهاؤها وانحرافها وتفرعها أو إندغامها في خط آخر، أو تكون جزر في طريق الخط، ويكتفي غالباً بوجود أثنى عشرة نقطة اتفاق للقول بأن البصمتين متماثلتين وإن كان الحصول على عدد أكبر من نقاط الاتفاق ممكناً في أكثر الأحيان. أهـ.
نظرية الاحتمال :
طور هذه النظرية البروفيسور سايمون نيوكومب "Simon New Comb" وهى تعتمد على أساس متين كجدول الضرب أو أي قاعدة حسابية ولها صلة بمبدأ الريبة Principles of Uncertainty  الذى صوره لنا العالم الألماني هايزنبرج""Heisenberg.
ويقول بول كيرك Baul Kirk"" أستاذ العلوم الجنائية في جامعة كاليفورينا أن نظرية الاحتمال هي المفتاح الوحيد لتفسير الأدلة الطبيعية، ولنحاول تطبيق هذه النظرية على تطابق بصمتين تطابقاً كاملاً من حيث النوع والشكل والموضع، لنفرض أن أحدنا عمد لأخذ انطباع لإبهامه الأيمن والتقط صورة فوتوغرافية لهذا الانطباع ثم كبرها عدة مرات كي يستطيع تحديد الميزات الخطية في بصمته.
ولنفرض أنه بعد أن قام بهذا العمل وجد فيها خمساً وأربعين ميزة، ترى ما هي فرصة العثور على بصمة أخرى سواء في بقية أصابعه العشرة أو أصابع يدي أي إنسان يعيش حالياً على وجه البسيطة تحتوى على نفس الميزات بالضبط من حيث العدد والأشكال والمواضع النسبية؟ أو بتعبير آخر فرصة وجود نسخة طبق الأصل من بصمته تلك ؟ أو بمعنى ثالث هل يمكن أن تتكرر نفس البصمة مرتين وفى وقت واحد مع ما فيها من تفاصيل ذاتية فريدة بالغة الدقة ؟
إن كل ذي خبرة فى الموضوع يستطيع الإجابة على هذه التساؤلات قائلاً بثقة تامة وبكل بساطة – أن فرصة تكرر بصمتين في آن واحد هي نفس فرصة العثور على حبة معينة من الرمال تقبع بمكان ما فى الصحراء الكبرى أو الربع الخالي.
صحيح من الطبيعي أنه بمقدورنا أن نجد بصمة أخرى من نفس النوع أو الزمرة وقد نجد فيها نقطة زاوية أو مراكز مشابهة أو مماثلة أو أننا قد نجد كذلك النقطتين معاً وربما صادفنا ليس نفس العدد من الخطوط بين النقطتين آنفتى الذكر فحسب بل ونفس العدد من المميزات أيضاً أي خمس وأربعون ميزة.
ولكن الشئ الذي يستحيل أن نصادفه وبالتأكيد هو نفس الميزات الحليمية من حيث المواضع النسبية.
وعندما يستبعد الخبراء احتمال وجود بصمتين متطابقتين في آن واحد لهذه الدرجة من التطرف إنما يستندون إلى قوانين ونظريات ومن بينها نظرية الاحتمال المشار إليها أعلاه.
وقد قدر غالتون أن هناك أقل من فرصة واحدة من 64 مليار لوجود بصمة واحدة مطابقة للأخرى، وهذا الرقم بالطبع أضعاف عدد سكان الكرة الأرضية في هذا اليوم.
وقد بنى تقديره هذا على أساس الميزات الرئيسية الأربعة التي سبق التحدث عنها فإذا أخذنا الميزة الأولى من بصمة ما نجد أن احتمال وجود ميزة أخرى مطابقة لها في نفس الموضع هو                  = 1/16.
وإذا تابعنا تقدير الاحتمالات يتضح لنا أن وجود بصمتين متطابقتين هي بعيدة جداً إن لم نقل مستحيلة.
ولعل من أطرف الشروح المبسطة المتعلقة بتطبيق نظرية الاحتمال على البصمات وربما من أقربها للأذهان هو ذلك الشرح الذي كان نشره (بيرت وينوورث) في الثلاثينيات وسأحاول فيما يلي تقديم القسم الأكبر منه مع قليل من التصرف ...
يقول البروفسور وينوورث : إذا قبلنا تقدير بلتازار بأن تكرار المميزة هو مرة واحدة في كل أربع مرات فإننا سنجد عندما نرفع الرقم (4) إلى القوة 45 بأن لدينا الرقم التالي وهو أكثر من سيبتليون :1.208.925.818.995.600.694.706.176 ولكي أبين ما يعني Septillion  فإني أقدم الإيضاح التالي :
لنفترض أن شخصاً حاول أن يعد السيبتليون بوضع جرات قلم على الورق بمعدل ثلاث جرات في الثانية فإنه في ظرف سنة واحدة سيتمكن من وضع ( 94.674.444) جرة فقط، وبما أن هذه المهمة شاقة جداً، لذا سيجد من الضرورة الاستعانة بجهد كل شخص على وجه الكرة الأرضية دون استثناء أحد إطلاقا وحتى الأطفال والمرضى سيضطر لإجبارهم على وضع جرات أقلامهم على الورق بمعدل ثلاث جرات في الثانية وذلك بدون توقف للنوم والراحة. ومع أن عدد سكان العالم يبلغ 1.5 مليار، وعلى الرغم من استخدام ذلك العدد الهائل من الصفوف البشرية فإن جهودهم المجتمعة لن تنهي المهمة إلا بعد ثمانية ملايين من السنين وبالتحديد بعد (8.512.862 سنة)(1)، وطبعاً يحاول بلتازار أن يظهر لنا بشكل نظري أنه يمكن العثور على بصمتين متطابقتين عند شخصين مختلفين ولكن فقط مرة في فترة أطول من تلك التي يقدرها الفلكيون لازمة لبرود الشمس، وبالتالي فإن العثور على مميزات متطابقة في انطباعين صادرين عن شخصين مختلفين كل منهما بنفس الموضع في هي استحالة مطلقة، وأني ألفت النظر قبل أن أتابع بحثي إلى أن هناك عدداً من النقاط المميزة في البصمة التي أتحدث عنها ولم أتمكن من الإشارة إليها بالأرقام كالعادة – لأن كمية الحبر كانت محدودة ولأن الضغط كان  خفيفاً !! ولذا لم أستطع الدلالة إلا على خمس وأربعين ميزة فقط، وهي كافية على كل حال ...
لقد قدر غالتون أن ثمة أقل من فرصة من أربع وستين ملياراً لتكرار بصمة واحدة مرتين في وقت واحد، ترى إذا قبلنا هذا التقدير، فماذا ستكون فرصتنا للعثور على مثيل مطابق لجميع بصمات الأصابع العشرة ؟ لقد تبين لي من الحساب أنه ستكون هناك فرصة واحدة من (1.152.291.904.606.846.976× 9010) وهذا الرقم يفوق جميع الإدراك البشري.
ولقد اعتمد بلتازار في تقديره على الحقيقة المعروفة وهي أن المعدل الوسطي من التفاصيل الدقيقة في بصمة الإصبع الواحدة هو 100 ميزة، ومع وجود هذه الميزات المائة فإن فرصة تكرار إصبع واحدة تحمل مائة ميزة هي واحدة من رقم يتألف من 61 عدداً، وقد حسبت ذلك بصورة مفصلة فتبين لي أننا نستطيع أن نعبر عن فرصة التكرار بكسر يتألف من عدد واحد كصورة ومن الرقم التالي كمخرج.
1.606.974.174.171.729.761.809.705.564.167.
968.221.676.069.604.401.795.301.376
وإذا بلغ الفضول بأحدنا لمعرفة احتمالية تكرر جميع البصمات العشرية كمجموعة فما عليه ألا أن يضرب هذا الرقم بنفسه تسع مرات00أ. هـ 00 (عن كتاب علم البصمات للعقيد إبراهيم غازي بتصرف)
وهذا الكلام يتناقض نظرية الاحتمال والصدفة، والحقيقية أنه ليست هناك صدفة ولكن هناك خلق وتصوير وتسوية بنان، ليست هناك صدفة ولكن هناك مشيئة الخالق الواحد الذى يعلم ولا نعلم من علمه إلا ما يشاء.
جاء في الموسوعة البريطانية ما ترجمته : "قام المشرحون الأوائل بشرح ظاهرة الأثلام فى الأصابع، ولكن لم يكن تعريف البصمات معتبراً حتى عام 1880 عندما قامت المجلة العلمية البريطانية (الطبيعة : Nature) بنشر مقالات للإنكليزيين "هنري فولدز" و"وليم جايمس هرشل" يشرحان فيها وحدانية وثبوت البصمات، ثم أثبتت ملاحظتهم على يد العالم الإنكليزي "فرانسيس غالتون" الذي قدم بدوره النظام البدائي الأول لتصنيف البصمات معتمداً فيه على تبويب النماذج إلى أقواس، أو دوائر، أو عقد. لقد قام نظام "غالتون" خدمة لمن جاء بعده، إذ كان الأساس الذي بنى عليه نظام تصنيف البصمات الذي طوره "إدوارد هنري" والذي أصبح "هنري" فيما بعد المفوض الحكومي الرئيسي في رئاسة الشرطة في لندن".
وذكرت الموسوعة البريطانية أيضاً :"أن البصمات تحمل معنى العصمة – عن الخطأ – فى تحديد هوية الشخص، لأن ترتيب الأثلام أو الحزوز في كل إصبع عند كل إنسان وحيداً ليس له مثيل ولا يتغير مع النمو وتقدم السن.
بصمة الإبهام وتسوية البنان :
يقول الله تعالى في سورة القيامة :
"أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ"  (القيامة : 3، 4).
يقول المفسرون : أن القرآن الكريم يخاطب الكفار الذين أنكروا البعث والحياة الآخرة فيقول : أتظنون أننا غير قادرين على أن نجمع عظام الإنسان التى تحللت واختلطت بالتراب وصارت أجزاء منه : أتظنون أنكم باختلاط رفات أجسامكم بعد أن تموتوا بالأرض ... أن الله غير قادر على جمعها وإعادتها، حاشا لله.
استمعوا إلى الرد القرآني ... إنه يتمثل في قوله تعالى "بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ"    والبنان : هو نهاية الإصبع.
والسؤال الآن : لماذا اختار الله في الرد عليهم التدليل على قدرته الفائقة بتسوية البنان، ولم يستدل على قدرته سبحانه مثلاً بخلق العظام أو إعادة المخ .... الخ، وهل البنان أشد تعقيداً من خلق أي عضو آخر ؟
قد يكون السر في هذا هو أن الله تعالى أراد أن يوقفك على حقيقة مادية علمية ثابتة في جسمك لم يكتشفها العلم إلا في العصر الحديث، وهى أن أطراف أصابعك في عددها وخطوطها البارزة تختلف من إنسان إلى إنسان وجد على هذه الأرض منذ أدم وحتى الآن، فلا يمكن للبصمة أن تتشابه وتتماثل في شخصيتين في العالم حتى التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة.
فالإخبار بأن الله تعالى قادر على تسوية البنان كشف لحقيقة مادية وقدرة إلهية وإعجاز ربانى. وهذا بيان كافي وشافي لأن يؤمن الإنسان بأن الله حق وأن البعث حق كما أن الموت حق.
إن ما يحدث بالنسبة لتكوين بصمات الأصابع شئ عجيب، إذ كيف تتنوع وتتشكل البصمات، بل كيف تتنوع وتتشكل الوجوه والأجسام، وكيف تتباين الألوان والصفات، فكلها آيات لله فى خلقه ... آيات أذن الله سبحانه