لقد رفع الإسلام الحنيف من قدر العلم والعلماء، وحث على طلب العلم، ثم أن معجزته كتاب، وهو القرآن الكريم ، ومن آياته (اقرأ باسم ربك). ونحن العرب والمسلمين أهل أصالة وأثالة في العلم ، قدنا الإنسانية مرة نحو المجد والقوة بفضل نفر كريم من العلماء العرب والمسلمين، حملوا المشاعل وأضاءوا دياجير الجهل، في الوقت الذي كانت أوروبا غارفة في ظلماته ، لعلنا من الناحية العلمية أغنى الأمم تراثا ، وقد تعاقبت علينا حضارات تمثلنها ورعيناها ، وقمنا بذلك الواجب العلمي والإنساني نحو البشرية كلها. لقد كانت اللغة العربية في يوماً ما هي اللغة العلمية العالمية، وأنها كانت تحتكر المؤلفات العلمية، لا تكاد تنشر إلا بها ، نعم لقد كانت العربية يوماً هي اللغة الدولية في هذا الميدان. وأن الحضارة الغربية الحديثة لمدينة للحضارة العربية الإسلامية وهي في أزهى عصورها بالإسهامات القوية في تطوير الفكر الغربي عن طريق ما بذله الأوربيين في العصور الوسطى من ترجمة في اللغة العربية للغات الأوروبية المختلفة وما نهلوه من معرفة وعلم في مراكز الإشعاع للحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى كالأندلس وصقلية وخلال الحروب الصليبية، وفتح جنوب شرق أوروبا على يدي العثمانيون. وإنها لأمانة في أعناقنا نحن أحفاد العرب المسلمين أن نحمل المشعل مرة أخرى لنفس الطريق، ونقود الإنسانية كما فعل أسلافنا أول مرة .
ولعل الهجمة الصليبية الغربية على الحضارة العربية الإسلامية الحادثة الآن والمتزامنة مع اعتداءات وحشية بربرية على الشعوب العربية والإسلامية من دول التحالف الغربي والمسماة بحرب مكافحة الإرهاب... وهي في حقيقتها حرب صليبية جديدة، لعلها تكون درس وعظة وعبرة لنا نحن العرب والمسلمين ، ألا نهفوا إلى الإغفاء مرة أخرى، وألا نترك قصب السبق من أيدينا ، وأن نجعل العلم وسيلتنا الأولى والأخيرة لأنه سبب القوة والتقدم ولتسلم ذرا المجد، لنساير الركب ونحتذ به، ولعلنا أن نقوده في مدارج الرقي والرفعة، كما فعل أسلافنا أول مرة.
لقد اتفق علماء تاريخ العلم عند العرب على أن معلمي الإنسانية الثلاث الأوائل هم أرسطو الإغريقي ، والفارابي التركي المسلم ، وابن سينا البخاري المسلم. الفارابي ( 870 ـ 950م) من أشهر الفلاسفة الإسلاميين، وحجة من حجج الفكر الإنساني في الشرق والغرب على السواء. احتفلت المحافل العلمية في العالم بمرور ألف سنة على وفاته في خمسينيات القرن العشرين .
صورة لقصر الحمراء بغرناطة
ابن سينا ( 980ـ 1036م ) رائد من رواد الفكر الإنساني في فترة تعتبر من أزهى عصور الحضارة العلمية الإسلامية، سطع في سمائها ابن سينا ، وابن الهيثم، والبيروني. ولقد أقبل علماء الغرب على كتب ابن سينا يترجمونها إلى اللغة اللاتينية ، بل لقد ترجمت كتبه إلى كل لغة تقريباً. وتأثرت الفلسفات الأخرى بفلسفته، واعتبره دانتي الإيطالي في مصاف أبقراط وجالينوس في الطب. ويقول جورج سارتون في كتابه (العلم القديم والمدنية الحديثة) عن ابن الهيثم إنه أكبر عالم طبيعة مسلم، ومن أكبر المشتغلين بعلم المناظير (الضوء) في جميع الأزمان. لقد كان أساس الأخلاق عند ابن الهيثم العربي المصري (965ـ 1038م) إيثار الحق لا الميل مع الهوى. إنه خلق العالم الفاضل. ألسنا نرى أنه مثل يحتذى بعد عصره بنحو ألف من الأعوام. وكذلك تميز أبو الريحان البيروني (963 ـ 1048م) الأفغاني المسلم بعقلية نادرة المثال ، حيث يقول المستشرق "سخاو" عن البيروني : إنه أكبر عقلية علمية في التاريخ ، وإنه من أضخم العقول التي ظهرت في العالم ، وإنه أعظم علماء عصره ، ومن أعظم العلماء في كل العصور . ويقول المستشرق الأمريكي " ايريوبوب" في أية قائمة تحوي أسماء أكابر العلماء يجب أن يكون لاسم البيروني مكانة رفيعة .
أما الفيلسوف العربي الأندلسي ابن رشد ( 1126 ـ 1198م) والذي عرفته أوروبا باسم أفيروس (Averroes) فيقول عنه "رام لاندو" في كتاب (مآثر العرب في النهضة الأوربية) : " أن فلاسفة الغرب لا يمكن أن يصلوا إلى مستواهم الذي نراه اليوم ، لو لم يحصلوا على نتائج بحوث ابن رشد في الفلسفة