يا بنتي

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : محمد بن عبدالله الدويش | المصدر : www.kalemat.org

يا بنتي

 

لو دون المرء الأمور المهمة في حياته فسيجد قائمة طويلة، لكنه حين يعمد إلى ترتيبها حسب الأولويات فسيأتي في رأس القائمة أولاده وذريته فهم أغلى من المال، من الراحة، من رغباته وشهواته، ومطالبه في الدنيا والدليل على ذلك يا بنتي أنه حين يمرض أحد أولاده مرضاً مزعجاً فهو يسهر ويسافر هنا وهناك ويدفع من أمواله ما يدفع بل ربما اقترض واستدان، كل ذلك من أجل ولده، لذلك فهو حين يخاطب ولده و يناصحه فسوف يكون صادقاً غاية الصدق ومخلصاً غاية الإخلاص وقديما ً قيل ( الرائد لا يكذب أهله ).

 

يا بنتي

 

لقد صدمت اليوم بما رأيته من واقع الفتاة المسلمة، تعيش في دوامة من الصراع، فتسمع تارة ذلك الصوت النشاز الذي يدعوها إلى الإرتكاس والتخلي عن كل معاني العفة، وتسمع أخرى الصوت الصادق يهز من داخلها هزاً عنيفاً ليقول لها رويدك فهو طريق الغواية و بوابة الهلاك. وتتصارع هذه الأصوات أمام سمعها وتتموج هذه الأفكار في خاطرها.

 

يا بنتي

 

لنكن صريحين صراحة منضبطة بضوابط الشرع، وواضحين وضوحاً محاطاً بسياج الحياء والعفة لتكون خطوة للتصحيح ونقلة للإصلاح.

بعيداً عن العاطفة وعن سرابها الخادع، لو كانت هذه الفتاة التي تقيم هذه العلاقة المحرمة منطقية مع نفسها وطرحت هذا السؤال، ماذا يريد هذا الشاب؟ ما الذي يدفعه إلى هذه العلاقة؟ بل ماذا يقول لزملائه حين يلتقي بهم؟ وبأي لغة يتحدثون عني؟

إنني أجزم يا بنتي أنها حين تزيح وهم العاطفة عن تفكيرها فستقول وبملء صوتها إن مراده هو الشهوة والشهوة الحرام ليس إلا، إذن ألا تخشين الخيانة؟ أترين هذا أهلاً للثقة؟ شاب خاطر لأجل بناء علاقة محرمة، شاب لا يحميه دين أو خلق أو وفاء، شاب لا يدفعه إلا الشهوة أولاً وآخراً، أتأمنه على نفسها بعد ذلك؟ لقد خان ربه ودينه وأمته ولن تكون هذه الفتاة أعز ما لديه، وما أسرع ما يحقق مقصوده لتبقى لا سمح الله صريعة الأسى والحزن والندم.

وحين يخلو هؤلاء الشباب التائهون يا بنتي بأنفسهم تعلو ضحكاتهم بتلك التي خدعوها، أو التي ينطلي عليها الوعد الكاذب والأحاديث المعسولة.

 

يا بنتي

 

إن الله حكيم عليم ما خلق شيء إلا لحكمة، علم ابن آدم أو جهل. لقد شاء الله بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة - تتجاوب مع ما يثيرها للتتفجر رصيداً هائلاً من المشاعر التي تصنع سلوكها أو توجهه. وحين تصاب الفتاة بالتعلق بفلان من الناس قرب أو بعد فأي هيام سيبلغ بها؟ فتاة تعشق رجلاً فتقبل شاشة التلفاز حين ترى صورته، وأخرى تعشق حديثه وصوته فتنتظر على أحر من الجمر لتشنف سمعها بأحاديثه، وحين تغيب عن ناظرها صورته، أو تفقد أذنها صوته يرتفع مؤشر القلق لديها، ويتعالى انزعاجها فقد غدى هو البلسم الشافي.

 

يا بنتي

 

بعيداً عن تحريم ذلك وعما فيه من مخالفة شرعية ماذا بقي في قلب هذه الفتاة من حب الله ورسوله وحب الصالحين بحب الله ( ماذا بقي لتلاوة كتاب الله و التلذذ به؟ ) أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من الجمر في وقت النزول الألهي حين يبقى ثلث الليل الآخر!؟ أينها عن الانطراح بين يدي الله والتلذذ بمناجاته؟ بل وأينها عن مصالح دنياها فهي على أتم الاستعداد لأن تتخلف عن الدراسة من أجل اللقاء به؟ وأن تهمل شؤون منزلها من أجله.

إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير والوفاء للوالدين الذين لم يعد لهما في القلب مكانه، ويقضي على كل مشاعر الحب والعاطفة لشريك العمر الزوج الذي تسكن إليه ويسكن إليها. وبعد حين ترزق أبناء تتطلع لبرهم فلن تجد رصيداً من العواطف تصرفه لهم فينشؤون نشأة شاذة ويتربون تربية نشازاً.

إن العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيداً في التصرف فيه حتى لا يفقده حين يحتاجه، فما بالها تهدر هذه العواطف والمشاعر فتصرفها في غير مصرفها وهي لا تقارن بالمال، ولا تقاس بالدنيا؟

 

يا بنتي

 

لقد خص الله سبحانه وتعالى الفتاة بهذه العاطفة والحنان لحكم يريدها الله سبحانه ومنها أن تبقى هذه العاطفة رصيداً يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة والاستقرار و الطمأنينة، رصيداً يدر على الأبناء والأولاد الصالحين حتى ينشؤوا نشأة صالحة. فلم تهدر هذه العواطف لتجني صاحبتها وحدها الشقاء في الدنيا وتضع يدها على قلبها خوفاً من الفضيحة في النهاية؟

 

يا بنتي

 

حين تعودين إلى المنزل وتستلقين على الفراش تفضلي على نفسك بدقائق فاسترجعي صورة الفتاة الصالحة القانتة، البعيدة عن مواطن الريبة، وقارني بينها وبين الفتاة الأخرى التي أصابها من لوثة العلاقات المحرمة ما أصابها، بالله عليك أيهما أهنأ عيشاً وأكثر استقراراً؟ أيهما أولى بصفات المدح والثناء تلك التي تنصر على نفسها ورغبتها وتستعلي على شهواتها، وهي تعاني من الفراغ كما يعاني غيرها، وتشكو من تأجج الشهوة كم يشتكين. أم الأخرى التي تنهار أمام شهوتها؟ تساؤل يطرح نفسه ويفرضه الواقع، لماذا هذه الفتاة تنجح وتلك لا تنجح؟ لماذا تجتاز هذه العقبات وتنهزم تلك أمامها؟

 

يا بنتي

 

لقد عجبت أشد العجب عندما رأيت فتاة الإسلام تسير بلهث مستمر وراء ما يريده الأعداء، فتساير الموضة، وتتمرد على حجابها وحيائها، وها نحن نرى كل يوم صورة جديدة ولوناً جديداً من ألوان هذا التمرد، إنها يا بنتي تتحايل على الحجاب بحيل مكشوفة، لست بحاجة أن أسوق لك فتاوى حول ما تقع فيه كثير من الفتيات، لكن المؤمن الحق يا بنتي يخاف الله ويتقيه ورائده قول الرسول : { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } وهو يدرك أن الإلتفاف على الأحكام والاحتيال عليها لن ينفعه يوم يلقى الله العليم بما تخفي الصدور.

 

يا بنتي

 

ها أنت تتطلعين في المرآة فترين صورة وجه وضيء يتدفق حيوية وشباباً،. ها أنت تغدين وتروحين وأنت تتمتعين بوافر الصحة وقوة الشباب. ولكن ألم تزوري جدتك يوماً، أو تري عجوزاً قد رق عظمها، وخارت قواها ؟! لقد كانت يوماً من الدهر شابة مثلك، وزهرة كزهرتك، ولكن سرعان ما مضت السنون وانقضت الأيام فاندفنت زهرة الشباب تحت ركام الشيخوخة ومضت أيام الصبوة لتبقى صورة منقوشة في الذاكرة. وها أنت يا بنتي على الطريق، وما ترينه من صورة شاحبة وشيخوخة ستصيرين إليها بعد سنوات إذاً فإياك أن تهدري وقت الشباب وزهرته، و تضيعي الحيوية فيما لا يعود عليك إلا بالندم وسوء العاقبة.

 

يا بنتي

 

لو فكر أهل الشهوات والمتاع الزائل في الدنيا بحقيقة مصيرهم لأعادوا النظر كثيراً في منطلقاتهم، تصوري يا بنتي من حصل كل متاع الدنيا وذاق لذائذها ولم ير يوماً من الأيام ما يكدره. إن كل هذا سينساه لو غمس غمسة واحدة في عذاب النار حمانا الله وإياك.

والآخر الذي عاش من الحياة أشقاها سينسى هذا الشقاء لو غمس غمسة واحدة في النعيم، عن أنس بن مالك قال قال رسول الله : { يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط } [رواه مسلم].

وأخيراً أسأل الله العزيز القدير أن ينفعك بهذه الرسالة وصلى الله على نبينا محمد