إن مسألة المال والحقوق المالية من المسائل الهامة ، التي إن لم يتم الاتفاق عليها بين الزوجين دب الخلاف في تلك الأسرة حيث إن المال عصب الحياة ، وعليه تقوم أمر الناس وتتحقق مطالبهم وغالبًا ما تنشأ المشاكل في هذا الموضوع من:
* النفقة وحدودها.
* إسراف الزوجة.
* الذمة المالية للزوجة.
فإذا أراد الزوجان أن يعيشا حياتهما بدون مشكلات مؤثرة ، فعليهما من البداية أن يتفقا على أسلوب الحياة ويضعا النقاط فوق الحروف في طريقة العيش ، وما هي الأولويات التي يسعون إليها ، وإذا كانت المرأة تعمل وتتكسب ، فهل سوف تشارك في المعيشة بمالها التي تتكسبه ، وفترة غيابها عن البيت أثناء عملها ، وإن شاركت فهل ستشارك بمالها كله أم بجزء معين ..إلخ
وعلى الزوج أن يوضح لزوجته مستواه المادي ، وما يقدر عليه من طلبات حتى لا تُصدم المرأة حين تفاجأ بأنها سوف تعيش في حدود معينة قد تكون لم تتعود عليها.
كما أنه على الزوج أن يعرف مستوى زوجته الخدمي ، بمعنى هل هي تحسن صناعة الطعام وغيره من أنواع الحلوى ، وهل صحتها تساعدها على القيام بأعباء المنزل كاملة أم سوف تحتاج لمن يساعدها.
وعلى الزوجين أن يتفقا على بعض الأمور التي تعينهم على الحياة اليومية المشتركة مثل:
العادات: كيفية تناول الطعام ، الملابس ، عادات النوم ، والاستيقاظ ، النظافة.
المال: كيف نصرفه ، من يشتري الحاجات ، كيف نقتصد ، مصروف كل واحد.
المواعيد: وقت الطعام ، العودة في المساء ، وقت النوم ، والاستيقاظ ، وقت الفراغ.
عزيزي القارئ:
ولكي تتضح الرؤية في أوجه الاتفاق بين الزوجين في موضوعنا هنا لا بد أن نستفيض في شرح عدة نقاط أساسية وهي:
1ـ القوامة لمن؟
2ـ مال المرأة وعملها.
3ـ خدمة المرأة لزوجها.
4ـ أمور تدبير المنزل.
[1] القوامة لمن؟
وهذه النقطة لا تحتاج منا إلى رؤية مشتركة بين الزوجين ، فلدى شرعنا الحنيف الرؤية الواضحة ، ونحن هنا نصحح الرؤى الفاسدة تجاه هذه القضية.
إن الحياة الزوجية أشبه بالسفينة ولكل سفينة ربان وقائد ، وقائد هذه السفينة الزوجية هو الرجل يقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34].
إذن فالقوامة تكليف من الله تعالى وليست تشريفًا للرجل .. لماذا ؟
لينفق على الأسرة ويحسن رعايتها ، والقوامة ليست تسلطًا ولكنها مسؤولية تتكامل بها أنشودة الأسرة التي تحب أن تعيش في سعادة يرضى الله عنها ، وتشارك في قيام المجتمع معافى من أمراض التحلل والضياع.
وكون الرجل أجدر بالقيادة ليس معناه أنه أفضل ؟ فتفضيل الرجال على النساء بمحض الذكورة تعصب لا معنى له ولا سند ، وكذلك رد الفعل بإبراز أفضلية المرأة أمر مضحك ، والندية جزء من منظومة الصراع ، والتحدي والمنافسة ، وهي معاني وأجواء كفيلة بتدمير أية أسرة.
وقد يظن قوم أن في تنازل الرجل عن قوامته لزوجته إسعادٌ لها ، وهذا ظن خاطئ ذلك لأن المرأة بفطرتها تحب أن تأوي إلى ركن تلجأ إليه ، حتى وإن تحدثت بعض النساء أمام صويحباتها بفخر أن زوجها يطيعها ولا يعصي لها أمرًا ، مما يوحي بضعف قوامته عليها ، فإنها في داخل نفسها تشعر بضعف وخلل في بنية الأسرة ، وعلى العكس منها تلك المرأة التي تظهر الشكوى من زوجها ذي الشخصية القوية ، والقوامة التامة فإنها وإن باحت بذلك فإنها تشعر براحة توائم فطرتها ، وسعادة تناسب ما جُبلت عليه ، وأرى من أجل استقرار الحياة الزوجية أن تطالب المرأة زوجها بالقيام بقوامته على الأسرة كما تطالبه بالنفقة.
[2] مال المرأة وعملها
إن الزوجة العاملة تواجه مشاكل كثيرة بسبب عملها خارج البيت ، وتتباين المفاهيم بين الأزواج وزوجاتهم حول استقلالية المرأة براتبها وحجم الصرف منه على نفسها وبيتها وربما توفر الخلافات بهذا الشأن ظلالاً يخيم على جو الود والتفاهم بين الزوجين بعض الوقت حتى نزول أسباب وجود بقناعة أحد الطرفين.
ولا شك أنه من الضروري أن يتم تفاهم الزوج مع زوجته حول راتبها بطريقة عادلة تتفق مع ظروف الحياة وعرف المجتمع وتحقق رضا الطرفين.
فالراتب هو حق من حقوق الزوجة والنفقة كاملة على الزوج في حالة وجودها في بيتها بدون عمل ، ولكن مع خروج الزوجة للعمل ، فإن الزوج يتأثر بغياب زوجته عن البيت أثناء عملها الذي ينعكس على تعاملها معه ومستوى توفير الخدمة له ، وأيضًا ينعكس على تربية أولادها.
إن الأصل في إدارة شئون الأسرة سواء في الاقتصاديات أو غير ذلك إنما يقوم على الثقة والفضل يقول تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237] , وفي إطار هذه الثقة وهذا الفضل يتم الاتفاق بين الزوجين والتفاهم
فمثلاً يتفقا على قدر معين من المشاركة ، ويترك بعد ذلك جزء للمرأة تتصرف فيه كما تشاء ، وهذا بالطبع ليس إلزامًا ولكنه يكون عن تراضٍ منها , وإن كانت غير ملزمة شرعًا بذلك وفي حالة يسر الرجل فالأولى له ترك مال الزوجة للزوجة فهذا أفضل لقوامته عليها وأسكن لنفسها.
ولتعلم المرأة أن خروجها للعمل لا بد وأن يصاحبه تقصير في حق الزوج ، وعلى المرأة أن تعوضه بالمشاركة في المنزل وأن أفضل النفقة والقربة إلى الله عز وجل هي نفقة الرجل على زوجته وعياله وكذلك الحال بالنسبة للمرأة ، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [[دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك]] , هذا بالنسبة للرجل.
أما عن المرأة فلا ننسى موقف السيدة خديجة رضي الله عنها من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بعثته حيث يقول عنها: [[ وواستني بمالها ]].
[3] خدمة المرأة لزوجها
والرؤية المشتركة هنا هو اتفاق الزوجين على القيام بالخدمة ، وهل الزوجة هي التي تقوم بها أم الخادمة؛ لأنها قد تكون موضع اختلاف بين الزوجين.
وما نراه أن خدمة المرأة لزوجها من الأمور الهامة والضرورية في الحياة الزوجية ، وبدونها لا تستقيم المعيشة ، ولذلك فقد قال أغلب أهل العلم بوجوب خدمة المرأة زوجها يقول ابن تيمية في الفتاوى:
[ تجب الخدمة بالمعروف ، وهذا هو الصواب ، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله ، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال ، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية ، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة ] , وعلى الزوج ألا يكلف زوجته بما لا تطيق وإلا فعليه أن يعينها بنفسه أو بتوفير خادم.
[4] تدبير أمور المنزل
وهي أمور مشتركة يقوم بها الزوجان ، ولكني أخص بالذكر هنا الزوجة ، فالزوجة المسلمة مقتصدة غير مسرفة ، لا تتباهى بمال زوجها إن كان غنيًا ولا تشكو من قلته إن كان فقيرًا ، تعرف متى تنفق ، مدبرة غير مسرفة ، راضية بقسمة الله لها في كل شيء، قنوعة بما رزقها الله تعالى , فالمرأة في بيت زوجها أمينة على ماله وعياله كما جاء في الحديث الصحيح: [[والمرأة راعية في بيتها زوجها ومسؤولة عن رعيتها]].
[5] وللاستغفار أسرار
على الزوجين أن يتفقا على هذه الرؤية الشرعية وهي الاستغفار ، فإنه أحد أسباب زيادة الرزق كما قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً [10] يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:10ـ11].