الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين... وبعد:
أخي المسلم: تُعايش بعد أيام إجازة العام الدراسي، وللناس في ذلك أحوال، وخصوصاً مع الوقت الذي هوالعمر، فإن في المنازل آلافاً من طلبة المدارس الذين يقضون إجازة ثلاثة أشهر، فياترى فيمَ تقضى هذه الأيام؟
أخي الحبيب: قبل أن أذكر لك بعض الوسائل التي يمكن أن تعمر بها إجازتك لي وقفة مهمة معك وهي:
إعلم أن الوقت الذي أنت فيه هو حياتك، إذا أهملته أهملت حياتك، وإذا عمَّرته عمَّرت حياتك، ولأهمية الوقت بالنسبة للمسلم فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به فقال: وَالْعَصْرِ [العصر:1]، وَالْفَجْرِ [الفجر:1]، وَالضُّحَى [الضحى:1]، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، إلى غير ذلك من آيات القرآن الكريم، وقال الناطق بالوحي : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ } [رواه البخاري]. وروى الطبراني بسند صحيح عن معاذ عن النبي قال: { لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال:..... ذكر منها: عن عمره فيما أفناه؟... }.
أخي الحبيب، كم تتمنى في مستقبل حياتك من أمور، كأن تكون طبيباً، أو مهندساً، أو معلماً، أوغير ذلك من الوظائف، و لاشك أن هذا لا يحصل إلا ببذل الجهد، والجد، والمثابرة، والسعي بقوة ونشاط.
إذا كانت هذه حالك مع الوظائف الدنيوية فلابد أن تكون أشد حرصاً على المناصب الأخروية، فأحسبك حريصاً على وقتك ألا يذهب هباءً منثوراً، وها هو ابن القيم رحمه الله يصوِّر لك حياتك، فيقول: ( السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته شجرة طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل. فأي الثمار تريد رعاك الله..؟ فالحياة ميدان عمل وإنتاج، والإجازة فرصة لهذا. كم مرَّت عليك وعلى غيرك من الإجازات فإذا هي تذهب دون فائدة.
قال أحمد شوقي:
أخي الشاب: هذه بعض الأمور التي تعينك على عمارة وقتك وحياتك في هذه الإجازة:
قال فيما أخرجه البخاري: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه }. وكم تمر على البعض من أبناء المسلمين إجازة تلو الأخرى دون أن يقرأ شيئاً من القرآن فضلاً عن حفظه، فاحرص على إتقان قراءتك مع صديق أو زميل يعينك على ذلك، واحرص أن تحفظ خلال هذه الإجازة على الأقل كل يوم خمس آيات، وتقرأ بها في النوافل والصلوات السرية، وسوف ترى خيراً كثيراً بإذن الله.
بقراءتها وفهمها وحفظ شيء منها، فكم تخفى عنا كثير من أحاديث نبينا ، وهذا كتاب رياض الصالحين فيه خيرٌ كثير، فاقرأ شيئاً منه كل يوم.
فإن النبي قال: { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر } [رواه البخاري ومسلم]. وكم في الصلاة في المسجد الحرام من أجر، فالصلاة بمائة ألف صلاة، وكذلك الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، فكم في هذا من خير، واحذر ـ عند ذهابك ـ اللهو وكثرة إرتياد الأسواق وتضييع الأوقات.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { الرحم معلقة في العرش. تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله} [أخرجه البخاري ومسلم]، والإنسان في أثناء الدراسة ربما يتعذر بالإنشغال، فالإجازة فرصة لذلك، ولصلة الرحم فوائد: فإنها من أسباب الرحمة ودخول الجنة، ولها أثر في زيادة العمر، وبسط الرزق، وما أجمل أن يتعاون الأقارب بعضهم مع بعض، ويضعون جدولاً لزيارة أرحامهم ولو لبضع دقائق.
فالإجازة ليس معناها النوم والسهر، لا والله فابحث عن عمل صيفي تكسب من ورائه، أو الدخول في دورات للحاسب الآلي، أو أي مهنة تتعلم منها مهارة من المهارات، تستفيد منها في حياتك كالسباكة والكهرباء أو غير ذلك.
فإن بعض الطلاب يعاني من ضعف في بعض المواد الدراسية، ( كضعف الطالب في الإملاء والرياضيات والإنجليزي وغيرها ). مما يسبب له تأخراً في الدراسة، ولا يفكر في إصلاح هذا الحال الذي هو فيه إلا عند الإمتحانات أو أثناء الدراسة، وربما لا يجد فرصة، بينما الإجازة فرصة لتوفر الوقت وإرتياح البال لعدم إرتباطها بنجاح أو رسوب.
وهذا قد يتثاقله كثير منا، فيفضل الجلوس فارغاً، ولا ترى عينه شيئاً من ذلك، فاطلب من زملائك الذين سبقوك دراسياً بعض كتبهم واطلع عليها، فمن خلالها سوف تتعرف على ما ستدرسه في السنة القادمة.
فالمراكز فرصة مباركة للتعرف على الصحبة الطيبة، التي تعينك على طاعة الله تعالى، وتعلو بك، وترفع من قدرك ومكانتك. قال الشاعر:
ولا سيما ما فيها من إستغلال للوقت، وتعلم للعلم النافع والمهارات الطيبة، نفع الله بها.
كالعلماء والصالحين، ولا تنس ذلك المعلم الذي عشت معه عاماً دراسياً، وكذلك زملاءك الطيبين ممن فيهم خير كثير، والزيارة الأخوية فيها أجر عظيم، قال فيما رواه الترمذي بسند حسن عن أبي موسى الأشعري أنه قال: { من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناد منادٍ أن طبت وطاب ممشاك، وتبوّأت من الجنة نزلاً }.
فالإجازة فرصة لتربية النفس على العبادة، كالسنن الرواتب وصيام النفل والصلاة من الليل، والحفاظ على صلاة الجماعة في المسجد، إلى غير ذلك من العبادات، وفقنا الله وإياك للخير.
سواء بالسفر معهم السفر المباح، إما إلى البحر أو إلى المزارع أو المصايف، والحذر كل الحذر أثناء السفر من اللهو المحرم، ورؤية المتبرجات السافرات، ولا تنس أن تأمر أهلك بلباس الشرع، سدد الله خطانا وخطاك.
سواء عن طريق إذاعة القرآن الكريم أو الأشرطة المفيدة أو غيرهما، فإن فيها خيراً كثيراً ومنافع عظيمة، والبعد عن سماع المحرمات، كالغناء والمزامير وما لا يرضاه الله ورسوله.
أخي الشاب: وهذه بعض الأمور التي أحذرك من الوقوع فيها أثناء الإجازة:
كالسفر إلى بلاد الكفار بقصد الفساد، كالزنا وشرب الخمر، فيخسر الكثير من الناس أموالهم، وقبل ذلك دينهم وأعراضهم، في سبيل شهوتهم وطاعة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، والعياذ بالله.
فمن الخطأ أن يظن أن الإجازة فرصة للنوم كقولهم: ( الآن نعوّض التعب الذي حصل في الإمتحانات )، ومن المؤسف أن بعض الشباب ربما ينام ساعات طويلة، ناهيك عن الصلوات التي تضيع.
وهذه ظاهرة تظهر جليّة أيام الإجازات، فترى الشباب على الأرصفة والشوارع وغيرها إلى الفجر، وربما بعده، وإذا سهر الإنسان إلى هذا الوقت فيا ترى في أي شيء يقضي هذا الوقت؟ فاحذر يا أخي النوم طوال النهار، والسهر بالليل على الأفلام والمسلسلات والإنتقال من قناة إلى قناة، وكذلك السهر على لعب الورق ( البلوت).
واحذر السهر في المقاهي، فلا يخفى عليك ما يدار فيها من الأمور المحرمة كشرب الدخان والشيشة ( المعسل)، وكفى ما فيها من مجالسة نافخي الكير.
وهذه ظاهرة مَرَضيّة يُصاب بها فِئام من المجتمع، فالحرص على أرقام الفتيات ومتابعتهن عن طريق الهاتف حرام لما فيه من إيذاء المسلمين وإنتهاك أعراضهم، بل وفيها دمار لمستقبل الإنسان.
وهذا لا شك بسبب الفراغ الذي يعتبر مفسدة لكثير من الشباب.
وماذا يستفيد الشباب من هذا التجول، إنه يعرضهم لكثير من الفتن التي لا تحمد عقباها، فضلاً عن كونه فيه إهدار للوقت الذي هو الحياة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على الخير النافع. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين