يعود الأميركيون بروّادهم مجدّداً إلى القمر في عام 2020 من أجل بناء قرى فضائية تمكنهم من الوصول إلى المريخ. ويعتبر ذلك ركناً أساسياً في برامج «الوكالة الوطنية (الأميركية) للفضاء والطيران» («ناسا»)، خصوصاً في ظل الخطة التي أعلن عنها الرئيس جورج بوش في عام 2003. وتفسح تلك القرى القمرية المجال أمام الجيل المقبل من مستكشفي الفضاء، بالإقامة المديدة في تلك الأراضي الفضائية، تمهيداً لاستخدامها منصة لإيصال البشر الى بقية الكواكب السيّارة في نظامنا الشمسي، وخصوصاً المريخ. وتمهيداً للعودة البشرية المكثّفة الى ذلك التابع المنير، شرعت «ناسا» في تطوير برنامج متقدم لبناء مكوك فضاء من نوع جديد. يحمل ذلك المكوك اسم «جيمني» ومن المقرّر أن يحلّ محل الأنواع المُشابهة من مكوكات الفضاء، والتي يتوقع تقاعدها من الخدمة في عام 2010. ومن المفترض ان يبدأ المكوك «جيمني» الذي صنف كسفينة فضاء متواضعة ذات أهداف طموحة جداً تتضمن بناء قواعد على سطح القمر واسكتشاف الكويكبات، إنجاز مهمات فضائية محدودة في مدار قريب من الأرض ابتداء من عام 2012. بدأ مهندسو «ناسا» وبحّاثتها بالعمل على برنامج («جيمني») منذ عام 2006، مراعين المبادئ التكنولوجيا الصحيحة التي جُرّبت من قبل. وفي وقت سابق، صرح مسؤول في «ناسا» يشرف على بناء ذلك المكوك بأن «جيمني» يشبه كثيراً المركبات التي شاركت في برنامج «أبولو»، وهي سلسلة من سفن الفضاء تمكنّت من إيصال بشر الى القمر في القرن الماضي. وشدّد على أن «جيمني» يفوق سفن «أبولو» من الناحيتين العلمية والتكنولوجية. وتصل كلفة مشروع المكوك الجديد، الذي سيُنجز مهمتين سنوياً، إلى 101 بليون دولار. ومن المقرّر أن يعمل في الفضاء لفترة لا تقل عن 12 سنة. ومن المفترض أن يستطيع طاقمه البقاء على سطح القمر لفترة تصل إلى سبعة أيام على أن يترك في كل رحلة كمية من الإمدادات هناك من أجل إقامة قاعدة قمرية أكثر ديمومة، ليصبح في وسعهم البقاء فترة تصل إلى ستة أشهر. وضمن برنامج «جيمني»، يتطلب وصول المكوك الى القمر إطلاق صاروخين هما «أريس أي» و «أريس في». ويعملان بالتسلسل بحيث يحمل أحدهما المركبة التي ستحط على سطح القمر وفيها المؤن والمعدات، ويقِلّ الآخر مركبة تحمل 6 رواد فضاء.
مميزات «جيمني»
على رغم الشبه بين نظامي المكوك «جيمني» وسفن الفضاء من نوع «أبولو»، إلا أنهما يختلفان في أشياء كثيرة. إذ تستطيع «جيمني» إلى جانب إنجازه الرحلات القمرية، إتمام مهمات فضاء مؤتمتة لا تتضمن حمل بشر الى الفضاء الخارجي، كما باستطاعته الالتحام مع عربات فضائية أخرى، وكذلك المساهمة في أعمال الصيانة لـ «محطة الفضاء الدولية» وحتى المشاركة في رحلات الى المريخ. ويتميز «جيمني» بكبسولته التي يُضبط الضغط فيها ليتساوى مع الضغط الجوي على الأرض. وجرى توسيع هوامش الأمان فيها من خلال تزويدها بصاروخ فعّال لتهريب طاقمها في الحالات القصوى، ضمن ما يسمى بـ «النظام المنفصل». ويتميّز بقدرة، استناداً الى تقارير من حواسيب متقدمة فيه، على اتخاذ قرار سريع بإخراج الرواد من دائرة الخطر، حتى لو كان في مرحلة الانطلاق. ويُقدّر ان احتمال عودة طاقم «جيمني» سالماً إلى الأرض تصل إلى 999 بالألف. في المقابل، لم يخل مشروع المكوك الفضائي الجديد من التحديات التي انتصبت في وجه مهندسيه، خلال مراحل مختلفة من ذلك المشروع. وقرر خبراء «ناسا» ان يكون هبوط «جيمني» على اليابسة عند عودته الى الأرض، في ما ألفت «أبولو» الهبوط في المحيط، وذلك من أجل تقليل التكاليف والصيانة، لأن المياه المالحة تساهم في إتلاف الأنابيب الكبيرة في جسم المكوك. وللسبب عينه، يحاول المهندسون تطوير نظام مزدوج لأكياس الهواء التي تفتح في حال الإنزال الأرضي، بحيث تثبت مجموعة منها تحت رواد ذلك المكوك، وأخرى في أسفله. ويعمل ذلك على تخفيف صدمة الإنزال، كما يخفّف من صدمات الهبوط في التضاريس القاسية. وأثناء اجتيازه الغلاف الجوي للأرض، تنفتح ثلاث مظلات لإبطاء سرعة الهبوط.
ابتكار في الدرع الحراري
وفي سياق مماثل، توجّب على مهندسي «جيمني» ان يوجدوا التوازن المثالي بين الحمولة القصوى للسفينة ونظامي الآمان والهبوط فيها. وكذلك عملوا طويلاً على صنع الدرع الحرارية الأمثل، لذلك المكوك. والمعلوم أن الخلّل في عمل الدرع الحرارية، أو بالأحرى إصابتها بالضرر أثناء الإقلاع، كان السبّب في كارثة المكوك «كولومبيا» في عام 2003. فقد تمزّق ذلك الدرع وتفتت أثناء العبور السريع لـ «كولومبيا» في الغلاف الجوي للأرض، ما أدى الى احتراقه وهلاك طاقم رواده. وكادت «ناسا» أن تُعاني مأساة مُشابهة في عام 2007، حين تمزّق جزء بسيط من الدرع الحرارية للمكوك «أنديفور» أثناء الإقلاع أيضاً. وحينها، تداول الخبراء سيناريوات متعددة لإنقاذ طاقم ذلك المكوك، من بينها لجوؤهم الى «محطة الفضــاء الدولية». ثم تبيّن ان الضرر الذي لحق بالدرع الحرارية لم يكن جسيماً، وتمكنّ «أنديفــور» من العودة الى الأرض بسلام. وبالاستفادة من تلك التجارب القاسية، عمل خبراء الـ «ناسا» على صنع درع حرارية للمكوك «جيمني» مشبع بمادة «فينوليك» تحتوي كثافة عالية من الكربون، وهو عازل قوي للحرارة. كما يتضمن المشروع صنع صاروخ ثقيل لإطلاق المكوك «جيمني» ولحمل ما يصل إلى 125 طناً من الحمولة إلى المدار للقاء مع طاقم مركبة استكشاف تُطلق في شكل منفصل بعد نحو شهر من انطلاق المكوك. وقبل الإعلان الرسمي عن المشروع، وجّه أعضاء في الكونغرس الأميركي انتقادات حادة إليه، خصوصاً لتكاليفه المرتفعة، واعتبروها متعارضة مع الالتزامات المالية الملقاة على عاتق الحكومة الأميركية في حرب العراق وإزالة آثار الإعصار «كاترينا» ومواجهة سلسلة من الفيضانات التي باتت متكررة في الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية وغيرها. وأعلن بارت غوردن العضو الديموقراطي في «لجنة العلوم» في مجلس النواب الأميركي أن مشروع «جيمني» يأتي في وقت تواجه الأمة تحديات بالغة متعلقة بالموازنة. والتوصل الى اتفاق للمضي قدماً في هذا البرنامج سيكون عبئاً ثقيلاً في ظل المناخ الحالي. وغمز من قناة الرئيس جورج بوش قائلاً: «من الواضح ان هناك حاجة لقيادة رئاسية قوية». ولضمان عودة رواد الفضاء الى القمر للمرة الأولى منذ مهمة المركبة «أبولو 17» في عام 1972، وضع فريق من المصمّمين تصوراً لمركبة على غرار «ابولو» ترتكز إلى نظام دفع صاروخي، إضافة الى الوقود الذي يحتوية خزان خارجي ضخم. كما صمّموا مركبة فضائية منفصلة لنقل الشحنات والمؤن. وجاء في موقع «سبيس دوت كوم» على شبكة الإنترنت أن «ناسا» تبذل جهوداً كبيرة في محاولة للوفاء بالعهد الذي قطعه الرئيس بوش في العام الماضي بالعودة إلى القمر بحلول عام2020، مبيّناً أن المرحلة التي تلي هبوط مكوك بطاقم بشري على القمر، ستتمثل بالسفر الى المريخ. والمعلوم أن آخر إنسان وطأت قدمه تراب القمر هو الطيار الأميركي هاريسون شميت الذي هبط باستخدام مركبة الفضاء «أبولو 17» في 12 كانون الأول (ديسمبر) 1972. وفي 12 تموز (يوليو) 1969، سار رائد الفضاء الاميركي نيل أرمسترونغ على سطح القمر، فأصبح أول رجل تلامس قدمه التربة القمرية، وكان ضمن طاقم مركبة الفضاء «أبولو 11» الذي تألف من 3 رواد فضاء. وحينها، راقبت الأرض بانتباه تلك اللحظة، وأصغت للعبارة الشهيرة التي ردّدها أرمسترونغ «إنها خطوة صغيرة لشخص، ولكنها قفزة كبرى للبشرية».