لا تسألن بني آدم حـاجـة --- وسل الذي أبوابُه لا تُحجبُ اللهُ يغضب أن تركتَ سؤاله --- وبنيَّ آدم حين يُسألُ يغضب الدعاء هو سلاح المستضعفين، وواسطة إلى رضا رب العالمين. فأعجز الناس قاطبة من عجز عن دعاء ربه، ذي الرحمة الواسعة، وقد أمر الخلق بدعائه، ووعدهم بإجابته: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"، وتوعَّد المستكبرين: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"، والدعاء هو العبادة، فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، خاصة عند الشدائد ونزول المصائب، فما أسرع إجابة الرحمن الرحيم، وما أسمعه لدعوة المضطرين، والمظلومين. هؤلاء عليهم أن لا يعجزوا إذا عجز الناس، ولا ييأسوا ويقنطوا إذا يئس وقنط غيرهم، ولا يركنوا ويغتروا بقوتهم المادية والعددية. لقد جعل الله لكل شيء سبباً، ولكل غاية وسيلة، ولكل نازلة طريقة. اللهم أجب دعاءنا، وأعطنا سؤلنا.
قال الله تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"، البقرة (186). وقوله تعالى "أدعوني أستجب لكم"، غافر (60). إن الله جعل في أيدينا مفاتيح خزائنه، فها هي مفاتيح خزائن نعم الله في يد كل واحد منا، "وآتاكم من كل ما سألتموه"، إبراهيم (34). إن الدعاء سلاح المؤمن الذي ينجيه من عدوه ويخلصه من الهم والغم ويزيد من رزقه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من عدوكم، ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تدعون بالليل والنهار فإن سلاح المؤمن الدعاء". وقال الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كذلك "إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء". والأهم في مسألة الدعاء أن يعرف الإنسان كيف يدعو، فليس كل من وضعت بيده مفاتيح الخزائن اهتدى إلى فتحها. فلربما دعا إنسان كثيراً لكنه لم يستطع أن يفتح بدعائه أبواب الإجابة مع أن مفاتيحه بيده وهو الدعاء. فكيف نتعلم فتح أبواب نعم الله بالتوسل والدعاء من الواهب الرزاق.
فضل الدعاء كبير، وأهميته ضرورة روحانية، وحاجة حياتية، وقد جاء في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: "وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمت الله قريب من المحسنين"، الأعراف (56). وكذلك "فادعوا الله مخلصين له الدين"، المؤمن (14). وقوله عز وجل "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"، المؤمن (60). فعبر الله عن الدعاء بالأيمان والعبادة في قوله تعالى "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"، البقرة (186). وقوله تعالى "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً"، الفرقان (77). إن الدعاء يرد ما قدر وما لم يقدر، فالدعاء مفتاح كل رحمة. والإكثار من الدعاء يرد القضاء المبرم فهو نجاح كل حاجة، ولا ينال ما عند الله إلا بالدعاء وقرع بابه. فالدعاء يدفع أمواج البلاء، وخير الدعاء ما صدر من صدر نقي وقلب تقي، وفي المناجاة سبب النجاة، وبالإخلاص يكون الخلاص. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "إن الحذر لا ينجي من القدر، ولكن ينجي من القدر الدعاء، فتقدموا في الدعاء قبل أن ينزل بكم البلاء، إن الله يدفع بالدعاء ما نزل من البلاء وما لم ينزل. فقد كان إبراهيم عليه السلام كثير الدعاء "إن إبراهيم لأواه حكيم"، التوبة (114).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء. فأحب الأعمال إلى الله في الأرض الدعاء. وهدف خلق الإنسان العبادة، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، الذاريات (56). لهذا قال نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم "أفضل العبادة الدعاء، وإذا أذن الله لعبد في الدعاء فتح له أبواب الرحمة، إنه لن يهلك مع الدعاء أحد. يطلب الله من عباده أن يدعوه ويسألوه لغرض فتح باب التوبة، وفتح أبواب الخيرات ليرحمهم. فالتضرع إلى الله هو العلاقة الروحانية الطبيعية بين المولى القادر والعبد الضعيف. فالله أذن لك في الدعاء، وتكفل بالإجابة وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يؤيسك من الرحمة، فأن ناديته سمع نداك، وأن ناجيته علم نجواك، فشكوت إليه همومك وحاجتك، واستعنته على أمورك وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره، من صحة الأبدان، وسعة الأرزاق.
نحن محتاجون إلى الدعاء والمسألة لقضاء الحوائج، كما هي في قصص عدد من الأنبياء الذين تعرضوا للمحن والأذى في حياتهم فكشف الله عنهم ذلك الكرب بسبب دعائهم الصادق إلى اله عز وجل، فيقول عن نوح (عليه السلام) "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر، ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر"، القمر (11-12). وهذا كليم الله في لحظات المحنة والشدة يرفع يدية إلى السماء طالباً الفرج والنصرة "فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون، فأسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون"، الدخان (21-22). وها هو إبراهيم (عليه السلام) يدعو الله أن يرزقه ذرية طيبة وهو قد بلغ من العمر كثيراً وكذلك امرأته. وقد ذكر القرآن الكريم كلمات إبراهيم (عليه السلام) وهو يشكر ويحمد الله على إجابته دعاءه "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء"، إبراهيم (39). كذلك دعاء نبي الله زكريا (عليه السلام) عندما رأى عند السيدة مريم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، اندفع بالدعاء فأجاب الله دعاءه وأعطاه يحيى (عليه السلام)، ويقال سمي بيحيى لأن الله أحيا به عقر أمه وأعطاه يحيى، "كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، فناداه الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين"، آل عمران (37-39).
سؤال طالما تفكرنا فيه عن أسرار استجابة الدعاء: لماذا لا يُستجاب دعاؤنا مع أن الله تعالى قد تعهّد باستجابة الدعاء. يقول تعالى يخاطب حبيبه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"، البقرة-186. فكيف نستجيب له تعالى "فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي"، وهل هو بحاجة لاستجابتنا؟ من هنا إذا استجبنا لله سوف يستجيب لنا الله. فما هي الأشياء التي يجب أن نعملها حتى يُستجاب دعاؤنا؟. هذا هو سيدنا نوح عليه السلام يدعو ربه أن ينجيه من ظلم قومه، يقول تعالى: "وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ"، الأنبياء- 76. وهنا نلاحظ أن الاستجابة تأتي مباشرة بعد الدعاء. ويأتي من بعده سيدنا أيوب عليه السلام بعد أن أنهكه المرض فيدعو الله أن يشفيه، يقول تعالى: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ"، الأنبياء 83-84. وهنا نجد أن الاستجابة تأتي على الفور فيكشف الله المرض عن أيوب عليه السلام. ثم ينتقل الدعاء إلى مرحلة صعبة جداً عندما كان سيدنا يونس في بطن الحوت! يقول تعالى: "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ"، الأنبياء: 87-88. استجابة لتنقذ سيدنا يونس من ظلام أعماق البحر وظلام بطن الحوت وظلام الليل. أما سيدنا زكريا فقد كان دعاؤه مختلفاً، فلم يكن يعاني من مرض أو شدة أو ظلم، بل كان يريد ولداً تقر به عينه، فدعا الله: "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ"، الأنبياء: 89-90. وقد استجاب الله دعاءه مع العلم أنه كان كبير السنّ ولا ينجب الأطفال، وكانت زوجته أيضاً كبيرة السن. فبعدما ذكر الله تعالى دعاء أنبيائه واستجابته لهم، قال عنهم: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"، الأنبياء-90.والله تعالى ينادينا جميعاً فيقول: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"، البقرة-245. وندعو بدعاء المتقين الذين حدثنا القرآن عنهم: "رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ"، آل عمران: 193-194.
إن الله جعل أرزاق المؤمنين من حيث لم يحتسبوا، فإذا لم يعرف العبد وجه رزقه كثر دعاؤه. وعلى العبد أن لا يستنكف من دعاء ربه حتى في صغائر الأمور. وليس كل من دعا سمي داعياً. فلابد للداعي الذي يدعو لحاجته أن يكون عالماً وعارفاً بحقيقة الدعاء، مخلصاً بالتوجه إلى الله، صادراً عن معرفة وإيماناً بحكمته وسعة رحمته. فإذا أنعدم التوجه إلى الله جل شأنه لا يكون هناك دعاءً، لأن الله لا يستجيب دعاء إنسان متعلق قلبه بالأسباب المادية ومشغول فكره بالأمور الوهمية، لفقد الانقطاع وعدم التوجه إليه، لأنه ليس هناك مواطاة بين القلب واللسان.
إن أحد شروط الإجابة هو الإيمان بالله ومعرفة حقه، وأن يكون الداعي صادقاً بالتوجه إلى الله تعالى، عارفاً بحقيقة حكمته وسعة رحمته، كما جاء في قوله جل شأنه "وإذا سألك عبادي فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"، البقرة (186). ولإستجابة الدعاء هو أن نعرف الله ونؤدي حقه. وعن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قال "لو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال". وهو أن يكون الداعي داعياً بحسب الحقيقة مواطئاً لسانه قلبه، مخلصاً في دعائه، مؤدياً حق ربه عز وجل. فإن حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي يحمله القلب، ويدعو به لسان الفطرة، حقيقةً أو هزلاً، صدقاً أو كذباً، لذلك ترى أن الله عد ما لا عمل للسان فيه سؤالاً، فقال تعالى: "وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار". فالناس فيما لا يحصونها من النعم داعون، ويسألوها بلسان فقرهم، وقال جل شأنه: "يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأنٍ".
هناك آيات نازلة في باب الدعاء تدل على أن للإنسان دعاءً غريزياً، وسؤالاً فطرياً يسأل به ربه، كقوله تعالى: "قل ما يعبأ بكم ربي لو لا دعاؤكم"، الفرقان (77). وكذلك في قوله عز وجل: "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين، بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون"، الأنعام (40-41). غير أن الإنسان إذا كان في رخاء ورفاه يبتعد عن الإيمان والتوحيد بالله، وعند المحنة يتبين له أن لا مجيب لمسألته وقضاء حاجته إلا الله. وبذلك تظهر قيمة الإخلاص في الدعاء "فادعوا الله مخلصين له الدين"، المؤمن (14). إن إجابة الدعاء منوطة بالإخلاص وعقد القلب عليه، فإن العطية على قدر النية. بالإضافة إلى العمل والسعي، وطيب المكسب، والتضرع وحضور القلب ورقته، كقوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعاً وخفيةً إنه لا يحب المعتدين"، الأعراف (55).
نحمد الله ونشكره الذي جعل دعاءه عبادة للداعين، "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"، (غافر- 60). فأصل الدعاء هو الإخلاص، "فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره المجرمون"، (غافر – 14). ووعد الله المستكبرين عن الدعاء بدخولهم جهنم، "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"، (غافر – 60). وتكون درجات الإجابة والقرب للدعاء بقدر درجات القرب من الله. ويقول الرسول الكريم، "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، حيث أن الله قريب مجيب، "وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"، (البقرة – 186). وقد أشترط الله التقوى لقبول الدعاء، :إنما يتقبل الله من المتقين" (المائدة – 27).
والدعاء لدفع البلاء، وأنفع الدواء للشفاء، وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"، وقال الله تعالى: "وإذا مرضت فهو يشفين"، (الشعراء – 80). فالدعاء من أفضل وأقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، وهذا يعتمد على درجة القرب أو البعد من الله، "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"، (فاطر – 10). فلا تقصر بالدعاء، فقد يعجل الله بالإجابة وقد يؤجل، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. فادعوا الله مخلصين له الدين وأنتم موقنون بالإجابة، "إن رحمت الله قريب من المحسنين"، (الأعراف – 56).
وهناك أوقات تفتح بها أبواب السماء لإجابة الدعاء منها: ليلة القدر، وعند الأذان، عند نزول المطر، شهر رمضان، يوم عرفة، عند الجهاد، ليلة الجمعة، عند قراءة القرآن، عند زوال وطلوع الشمس، وفي السجود. على أن يسبق ذلك الدعاء الاستغفار من الذنوب والتوبة الخالصة مع استقبال الداعي القبلة وهو على طهارة. فالإلحاح والإكثار من الدعاء يحقق الأمل والرجاء في تفريج الكروب. فها هو دعاء ذي النون في بطن الحوت: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، (الأنبياء – 87). "فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين"، (الأنبياء – 88). فهي إستجابة ليونس ولعامة المؤمنين.
أعرف الله في الرخاء والنعم يعرفك في الشدة والبلاء، ولا تكن من أهل الغفلة الذين يجحدون النعمة، "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه"، (يونس – 12). الإنسان الجاحد يعرض وينأى عن ربه بعيداً في الرخاء وإذا مسه الشر دعا الله كثيراً، "وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض"، (فصلت – 51). ويكثر من الضراعة والتذلل وقت الشدة فقط وعند نزول ضربة البلاء، "وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل"، (الزمر – 8). وبعد تفريج الكرب سرعان ما يعود الجاحدون إلى نكران وجحود النعمة، "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون"، (العنكبوت – 65). وتكون درجة قبول الدعاء بدرجة تقرب المؤمن من ربه. فالدعاء عبادة، "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"، (غافر – 60). وعلى الداعي ان يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء ليكون سلاحاً قوياً لقهر الأعداء وحصول الشفاء والرجاء. ترتيبات الدعاء: الدعاء له وقت، وله ترتيب، وله قوة. ولكي يكون دعائك مستجاب وأسرع وأقوى يجب أن تراعي أن هناك كثير من الأمور أو العناصر التي تقوي الدعاء:
- استخدم أسماء الله تعالى: والتي تناسب الدعاء ،وهذا تستخرجه من القرآن، والحديث، وكلام أهل العلم، كما أنك تراعي فيه أن يناسب معلوماتك وحالك أيضاً. - استغل الأوقات التي فيها رحمة أو وجود سكينة أو جو من النور. نحن نحتاج كلا النوعين من الدعاء: الدعاء التلقائي وهندسة الدعاء. - استخدم اليقين كقوى فعالة لأستجابة الدعاء. وهناك طرق خاصة لإستخدام اليقين بما يناسب معلومات الشخص. - ابدأ بالحمد والختم به، وصل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. - هناك عناصر كثيرة لا تتوقعها تؤثر في وقت الإستجابة لذلك لا تستعجل الإجابة. - الدعاء يختصر المسافات والزمن:فالذي يحققه غيرك في شهر تحققه في ساعة. فأنت كمن يكسر باب الكنز في ثواني بأداة قوية جداً، بينما غيرك يحاول فتحة لعدة أيام. - عندما تخشع في صلاة الليل وتشعر بالإنقطاع والإتصال المطلوب فأنت قريب جداً. - أن يكون المطعم والمشرب والمال حلال، وأن تكون النفس طيبة.
القدر والأسباب المتظافرة: هناك معادلة تبدو بسيطة لكنها تحمل في طياتها أشياء مهولة: الأسباب المناسبة +الدعاء = النتيجة المطلوبة. الأسباب المطلوبة مثل: بذل الأسباب المادية: فمن يدعو من اجل الرزق فيجب أن يجتهد ويشتغل كذلك يدخل فيها وضعياتك في الدعاء وحالك والكلمات التي تستخدمها ومكانك وزمانك ولبسك وغيرها. فإذا كانت الأسباب تلك متظافرة متعاونة متوافقة منسجمة كانت كالصاروخ الكامل الذي ليس فيه خلل فتستجاب الدعوة بإذن الله. هذا يدعونا إلى الإكثار من الدعاء بحيث لا نمل ولا نكل، ويدعونا إلى الإتقان والتفنن في هندسة الدعاء بما يشرع وبما هو مباح لكي تستجاب دعواتنا. والله قد جعل لكل شيء سبباً، يعني لكل نتيجة مقدمات معينة ومعطيات، وجميع ما في السموات والأرض يعمل بقانون النتيجة والسبب : صنع الله الذي اتقن كل شيء، كذلك لكل قدر أو نتيجة أو هدف سبب معين وأسباب يجب تركيبها. ازرع بذرة قمح، ثم وردة، ثم نخلة، ثم تفاح، ثم ستجد ان كل شجرة تحتاج إلى وقت معين حتى تثمر: القمح أسابيع، والنخلة شهور أو سنوات، والوردة أيام، رغم أنها نبات ويسقى بماء واحد. كذلك الدعاء؛ قد يستجاب بعد ساعة أو لحظة أو شهر أو سنة...إذا كان لمرة واحدة أو دعوت في نفس الظروف. لذلك غير من الظروف وأكثر من الدعاء فأنت اعطيته فرصة يستجاب من الله في أقرب وقت ممكن. لا تقل دعوت دعوت دعوت ولم يستجب لي. هذا خطأ. الله يريد منك الإجتهاد والتضرع اليه. فاجتهد وأبذل المزيد. لا شك أن كثير من الناس يدعون بعفوية ويستجاب لهم، ونقول هذا يمكن، وقد حققوا وقتها الشروط المطلوبة، كسلامة القلب والانقطاع ووقت الإستجابة وغيرها. ويمكنك أن تدعو طول حياتك بعفوية هذا الأمر يرجع لك. لكن عليك أن تحشد أكبر عدد ممكن من الأسباب الشرعية والقوة للدعاء لكي تستجاب دعوتك.
الأسباب المتظافرة العليا: استخدام مستويات متعددة من السبب مثل:الروحية والنفسية والمادية والعلاجية والمكانية والزمانية والكلامية والتخيل. هذا يعطي دعم عظيم لك سواء كنت مريض وتريد الشفاء أو تريد التطور أو تريد الأسباب الخارقة لكسب معين أو نتيجة معينة. إنه يستخدم أكبر قدر ممكن من الأسباب المتوافقة والتي تتعاون لكي تحصل النتيجة. وبالطبع هناك الأذن الأول والتوقيع النهائي من الله بالاستجابة. فلو حشدت معلومات البشر منذ آدم حتى الآن لكي تستجاب دعوة ولم يريدها الله فلن تستجاب. ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن. يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل". علماً أن لكل حالة دعاء ووضع خاص