صعقت وأنا أسمع أقرب الناس إلى قلبي وهو يحكى لي ما ألم به في أيامه الأخيرة وما حاق به .. فقد تعلق قلبه بفتاة في المرحلة الثانوية .. ووجدت الدموع تسقط من عيني أمام دموعه التي تنهمر من عينه من شوق في قلبه وتعب في بدنه وإرهاق ألم بكل حياته .. ولكي تعلموا حجم الكارثة التي عشتها مع صاحبي لابد أن أعرفكم على صاحبي .. فهو ابن الخامسة والثلاثين .. متزوج بزوجة صالحة تحبه أكثر مما يحب هو نفسه .. كثيراً ما أدمع عيني وهو واقف على المنبر كالجبل يزلزل القلوب والمشاعر .. أما هو بالنسبة لي فهو ركني الذي آوى إليه بعد ربى .. لكم احتضنني بمشاعره وكلماته .. لكم انهرت في حياتي فكان هو عماد أمري .. وملاذ همي وحزني .. كل هذا تذكرته وأنا انظر إليه ما بين مشفق عليه حزين له مهموم به باحث عن حل له ناقم على فعلته .. رباه ماذا حدث لصاحبي ؟ لقد صار البكاء قرينه .. إنني أحس بتمزق يعيشه ما بين التزامه وما بين فتاته .. ما بين حبه لزوجته وحبه لفتاته .. ما بين نوره وظلمته .. ما بين ما كان عليه وما صار إليه .. أحس بأن الجبل ينهار .. ترى ماذا أفعل؟ بل ماذا أقول؟ فما وجدت كلمة تسعفني في حالتي هذه فتركته بعد أن اجتهدت أن أحتضنه بكلماتي ومشاعري .. وألا أجرح مشاعره أو أمسك بسوط لأجلده .. وتذكرت الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وقد جاءه الرجل طالباً الإذن بالزنا .. فما نهره وما سبه وما قهره .. ولكنه - صلى الله عليه وسلم - احتضنه بكلماته : أترضاه لأمك ؟! أترضاه لزوجك ؟! .. أترضاه لأختك ؟! .. فخرج الرجل من عند الحبيب وما على الأرض أبغض من الزنا إلى قلبه .. فكان حالي معه هكذا ؟! ولكن السؤال : كيف وقع ما وقع ؟! .. قال : هي تلميذة عندي في الفصل وقد بدأت هي فما تجاوبت معها كثيراً ولم أردها لحياء في نفسي .. ثم سقطت . فعدت إلى بيتي مهموما كيوم وفاة أمي .. ترى ماذا أفعل وماذا أقول .. إنه أحب الناس إلى قلبي .. أأصمت على حاله؟ .. أأجلده بسوط الجلاد؟ أم أعالجه بقلب الطبيب؟ أم أرفق به بقلب الداعية؟ أم ماذا أكون معه؟ .. فتذكرت المثل الشعبي القائل : " بدلاً من أن تلعن الظلام حاول أن تضيء شمعة " فأخذت أبحث عن الشمعة طوال يومي وليلى حتى وجدتها أخيراً وبدأت في إضاءة لا شمعة واحدة بل شمعات كثيرة .. الشمعة الأولى : بأن سألت زوجتي عن حال صاحبي مع زوجته دونما أن أخبرها الخبر فذهبت وتحسست الخبر وعادت حزينة بما سمعت ، فزوجته المصونة لم تتزين لزوجها منذ أيام كثيرة فهي مشغولة عنه بخروجها وعودتها ودعوتها وفكرتها .. فقلت سبحان ربى العظيم! أليس زوجها أحق الناس بدعوتها وفكرتها .. فطلبت من زوجتي أن تهبها زجاجة عطر هدية في لمسة عاطفية تذكرها بما قصرت فيه .. تقول زوجتي : ما إن أعطتها الهدية حتى نظرت في الأرض حياء واستحياء مستغفرة ربها دامعة عينها .. معلنه توبتها من تقصيرها.. ففرحت في نفسي حامداً ربى على توفيقه لي في الشمعة الأولى .. وبدأت في إضاءة الثانية . الشمعة الثانية : ذهبت إلى أصحابنا الذين يحبهم ويحبونه .. وقسمنا أيام الأسبوع علينا كل واحد له يومه يزور صديقنا المبتلى لنشغل فراغه ونملأ قلبه بحب غير الحب .. وبوقت غير الوقت . الشمعة الثالثة : أخذت أحدثه فيما قدم لدعوته وفكرته .. وجهده وجهاده حتى أحسست بالثقة تملأ عينيه بعد خوار ملأ قلبه .. وذكرته بخطبة خطبها في مجاهدة النفس وأثرها .. وكون أن المؤمن لابد أن يجاهد نفسه وشهوته .. فقال : نعم عندك حق .. خارجة من كل كيانه .. قلبه ومشاعره .. متأثراً بما سمع .. فأحسست بما فيه فقلت له ولم لا نصلى ركعتين لله؟ .. نغتسل مما نحن فيه؟ فسعد وسعدت لسعادته .. وما أن بدأ بالحمد لله رب العالمين حتى بكى وبكى وأحسست به يقول من كل وجدانه لربه وخالقه يا رب أحمدك على أن رحمتني وسترتنني حتى أعود .. وأنهى الصلاة في لحظة أظن أنها لن تتكرر من صاحبي أحسست فيها بقربه من ربه وندمه على بعده .. فهممت بالانصراف وأنا أسعد ما أكون فلا حاجة لشمعات أخرى .. فوقعت عيني على صاحبي وهى يحتضن ولده الصغير ويقبله قبلة حارة وكأنه يقول له : اغفرها لي يا ولدى ولن أعود .. فانصرفت بعدما اطمأننت على صاحبي بأنه خرج من أزمته واقترب بعد بعده .. فحمدت ربى وما أن دخلت بيتي حتى صليت ركعتي شكر لخالقى على نعمه وفضله علينا .