ان التربية والتعليم ظاهرة من ظواهر العصر الحاضر،يكاد لايخلو منها بلد او مجتمع الاّ ويسعى لتطويرها كل الفئات الاجتماعية من آباء وأمهات، مربين ومربيات، ومسؤولين ، وكذلك الطلاب والطالبات، لأنهم جميعا يرون في التربية والتعليم السبيل الأكيد لإزالة آثار التخلف والتجزئة والوصول بالأمة الى مراتب العلى والنهوض بأبنائها لبناء غد مشرق. فلذلك ان عملية القيام بالتربية والتعليم عمل شاق ، يتطلب من الإخوة والأخوات القائمين بالتربية والتعليم صبرا جميلا ، وجهدا عظيما ، وعقلا نيرا ، وفكرا ثاقباً، وإعدادهم ليصبحوا رجالا وبناة ً للحضارة في المستقبل القريب . ففي العقد الأخير لاحظ كل من يعمل في السلك التربوي او يهمه الأمر حالة تلفت النظر، مما يجب التوقف عليها والنظر في أمرها والبحث والتقصي في مواطن الخلل ومن ثم ايجاد السبل الكفيلة لتلافيها ، الا وهي حالة تسرب الطلبة من المدرسة أو بالاحرى نستطيع القول بظاهرة ازدياد ترك الطلبة للدراسة. لقد اتخذت هذه الحالة شكلا بارزا مما حدا بالمربين والمختصين في السلك التربوي ان يعطوا الأولوية والأهمية في البحث والتقصي عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذه المشكلة التربوية ، ومن ثم ايجاد الحلول المناسبة للآثار السلبية المترتبة عليها، مما يؤدي بالتالي إلى آثار وخيمة لا يحمد عقباها اذا لم تعالج بصورة صحيحة وبالتالي ستؤدي الى ضعف كفاءة النظام التعليمي ومن ثم إلى عرقلة تحقيق أهدافه. فليس من العيب القول بان اقليم كردستان ستواجه ركودا في العملية التربوية بينما سوف تستمر الدول الاخرى في مسيرتها التربوية وستسبقنا شوطا ان لم نقل اشواطا . وعلى اثر ذلك ساضع امام انظاركم بعض الاحصائيات التي اشارت اليها المديرية العامة للتربية في محافظة دهوك، وحسب ماجاء في بحثي المقدم الى اتحاد معلمي كردستان فرع دهوك، ونستطيع ان نقيس ذلك على محافظتي ( اربيل والسليمانية ) من حيث كثافة مدنهم السكانية وكثرة عدد طلابهم فيها، باعتبار دهوك محافظة صغيرة الحجم بالنسبة لمحافظتي ( اربيل والسليمانية ) . فعلى سبيل المثال نأخذ العام الدراسي ( 1996- 1997) نموذجا ، ولابد ان ننوه بان تلك الفترة كانت من الفترات الصعبة التي مرت فيها اقليم كردستان من جميع النواحي . ان عدد الطلبة التاركين للدراسة في محافظة دهوك للمرحلة الاعدادية من بدأ السنة الدراسية ولغاية 23 / 1 (( 241 )) طالب وطالبة، فكانت حصة الطالبات ( 63) وحصة الطلاب ( 178 ) ، اما بالنسبة للمرحلة المتوسطة فقد بلغ مجموع التاركين في نفس السنة ولغاية 23 / 1 ( (911 )) طالب وطالبة ، فحصة البنين ( 491 ) وحصة البنات منها ( 420 ) ، اما في المرحلة الابتدائية فقد بلغ مجموع التاركين في نفس السنة ولغاية 23 / 1 (( 5062 )) تلميذ وتلميذة ، فكان نصيب الذكور منها ( 2894 ) ونصيب الاناث ( 2169 ) ، وهذا العدد بلا شك سوف يزداد لنهاية العام الدراسي اذا لم نقل سيتضاعف ، هذا بالنسبة لمحافظة دهوك ، فلو قورن بمحافظتي ( اربيل والسليمانية ) ، فكيف تكون ؟ ، مما لاشك فيه ان الاحصائيات ستشير الى تصاعد. وعندما وجهت سؤالاً إلى بعض الإخوة التربويين من المشرفين وغيرهم فقلت لهم، من المسؤول عن ظاهرة ازدياد ترك الطلبة للدراسة ؟. فأجابوا مشكورين، إلى أن المسؤول او الذي يقف وراء تلك الظاهرة عدة أمور منها الوضع الاقتصادي والسياسي والمناهج المدرسية والهيئة التعليمية والتدريسة واولياء الامور وغيرها من الأمور ، فيبدوا لي ان الذي يقف وراء تسرب وترك الطلبة للدراسة امور كثيرة منها:- 1- الوضع الاقتصادي : مما لايخفى على احد ان الاقتصاد نصف المعيشة والعمود الفقري للشعوب والمجتمعات، وبناءً عليه فلابد للإنسان ان يعمل كي يحصل على قوته اليومي ويستطيع ان ينمي افكاره ويبدعها في مجال عمله، ويترجمها الى الواقع فيما بعد. وبما ان الطالب ينتمي الى هذا الواقع فيتاثر به ، فكان لزاما عليه ان يعمل كي يحصلعلى قوته وقوت عائلته ، مما يدفع به العمل الى التغيب عن المدرسة وترك الدراسة ليسد رمق اسرته الفقيرة معاونا بذلك افراد اسرته في كسب عيشهم التي بات صعبا . 2- الوضع السياسي : ففي الحقيقة لايخفى على احد الوضع السياسي غير المستقر في الساحة يؤدي الى مور كثيرة يدفع بالطالب الى ترك الدراسة . 3- عدم المتابعة من قبل الاسرة : يتبين ذلك جلياً من اهمال وانشغال الآباء بالعمال الاخرى مما يحول دون مراقبة ابنائهم وتشجعيعهم وتحفيزهم ، وقليلاً ما نرى ان َّ واحدا من أولياء أمور الطلبة يتابع ابنه ويكلف نفسه عناء الذهاب الى المدرسة لغرض الاستفسار عن مستوى ابنه. لقد الزم قانون التعليم الإلزامي في ( عهد الحكومة العراقية المركزية ) رقم 118لسنة 1976م اولياء امور الطلبة متابعة انتظام سير ابنائهم في الدراسة والدوام المدرسي، وفي حالة انقطاع الطالب عن الدوام فان ادارة المدرسة ملزمة بالاتصال بأسرته كي تعرف الأسباب التي دفعته لهذا التسرب والغياب وضرورة اصرار اسرته على عودته مرة ثانية الى مدرسته ودراسته ، وفي حالة عدم وجود تجاوب من الاسرة مع إدارة المدرسة فبامكان إدارة المدرسة ات تتصل بالادارة المحلية لتقوم هي بدورها بالضغط على الاسرة لإعادة الكالب المتسرب الى مدرسته ، وعند عدم عودة الطالب يتعرض ولي امره الى العقوبة التي هي ( غرامة لاتزيد على 100 دينار ولاتقل عن دينار واحد او بالحبس لمدة لاتزيد على شهر ولاتقل عن اسبوع واحد)، وتكون العقوبة بالحبس في حالة تكرار مخالفة احكام هذا القانون. بطبيعة الحال كان (100) دينار انذاك مبلغا كثيرا ولم تكن بالاستطاعة دفعها بالطبع. 4- نظرة اهل الطالب السلبية نحو المدرسة : كثيرا ما نرى ان اولياء امور الطلبة يجهلون او يتجاهلون عن قيمة واهمية المدرسة في الحياة، فينظرون الى المدرسة نظرة بؤس واشمئزاز ولا يهتمون بها، ولا يشجعون أبناءهم لتكملة الدراسة ، وقد يحقق بعض الآباء نجاحا اقتصاديا جيدا بالرغم من جهلهم بالقراءة والكتابة ، فسرعان مايمتص ذلك ابناءهم ، وكثيرا ما نسمع من بعض الأولياء أنهم يقولون ، لماذا يقرأون ؟ وماذا سيصبحون ؟ ولماذا يكملون الدراسة؟ او يقولون انظروا الى اسلافهم ماذا جنوا من ثمرة ( 16 ) عاما من الدراسة . هذه الاتجاهات السلبية ينعكس أثرها على أولادهم فقد يسبب إلى تركهم الدراسة . 5- تأثير التقاليد العشائرية على بعض أولياء الطالبات: بطبيعة الحال فان فان مجتمعنا الكوردي عشائري الطبع محافظ على عاداته وتقاليده الموروثة ، فعندما تكبر البنت وتصل الى مرحلة معينة من العمر والدراسة ، فان بعض اولياء الامور يقولون لها بحكم العادات والتقاليد ، حان وقتك ان تساعدي والدتك في المنزل او آن الأوان ان تذهبي الى بيت عريسك ، فبذلك تنتهي مدة دراستها. 6- المشاكل العائلية : وقد تؤدي سوء التفاهم والخلافات العائلية لدى بعض العوائل الى الطلاق او انعدام الانسجام والتآلف بين افراد العائلة ، بالرغم من انها عائلة ثرية ولم تكن يوما بطبيعة الحال لديها مشاكل اقتصادية ، فقد تعكس اثر هذه الخلافات على أفراد العائلة ومن ضمنهم الطلبة وبالتالي ستؤدي إلى تسربهم من المدرسة ومن ثم تركهم للدراسة. 7- الافتقار إلى القدوة : كثيراً ما نرى من الطلبة أنهم لا يجدون القدوة الصالحة في طريق دراستهم، فعندما ينظرون الى مدرسيهم انهم لايأخذون مرتبا شهريا يكفي لسد حاجياتهم ، فيقولون في انفسهم او لأصدقائهم، لماذا اتعب نفسي وادرس ( 16 ) سنة ،وهذه الرحلة الشاقة من الدراسة واهدر بذلك زهرة شبابي ، فلماذا لا اترك الدراسة واذهب وامتهن مهنة أخرى استفيد من جرائها مبالغ كثيرة دون عناء يذكر وأكوّن اثر ذلك نفسي. 8- انخفاض تحصيل الطلبة للدراسة : وهذا سبب آخر يؤدي بالطلبة إلى ترك الدراسة، فعندما يفقد الطالب الامل في النجاح ، وذلك بحصوله على درجات متدنية لا تؤهله للنجاح واجتياز الصف او المرحلة الذي هو فيه ، فمنهم من يقوم باتخاذ اساليب غير قانونية في سبيل الحصول على درجات تؤهله للنجاح فيقوم بالغش وقد يقع في شباك المراقبين ومن ثم يترك الدراسة بعدما فقد الامل . 9- عدم رغبة الطلبة في اكمال الدراسة : فهناك بعض الطلبة ليست لديهم الرغبة والقابلية في تكملة الدراسة فينجحون سنة وبرسبون سنة وقد يتركون الدراسة سنة اخرى، فهؤلاء ليس في نيتهم تكملة الدراسة وينظرون الى حجة او أي سبب كي يتركوا المدرسة ، فاما يتخذون من الإدارة سببا او المدرّس من حيث سوء معاملتهم او صعوبة المنهج الذي يدرّسه ذلك المدرّس او غيرها من الامور. 10- عوامل شخصية متعلقة بالطالب: فهناك طلاب لايتأثرون بالوضع السياسي ولا بالوضع الاقتصادي ، ولا المشاكل العائلية تؤثر فيهم ولا أي شئ اخر تحبط اعمالهم، فبطبيعة حال هؤلاء الطلبة انهم مهملون في تحضير واجباتهم المدرسية وغير جادّين في تكملة الدراسة وليس لديهم رغبة التنافس مع الاخرين للحصول على الدرجات العالية ، فطبيعة حال هؤلاء التلاميذ انهم يأتون الى المدرسة لقضاء وقتهم فقط لا أكثر ، فمتى كانت هدفهم ذلك فإنهم لايستطيعون إكمال دراستهم فيتسربون من المدرسة شيئا فشيئا ويتركون المدرسة . وأخيراً : اهيب بالإخوة والأخوات أولياء أمور الطلبة ان لا يستهانوا بأهمية المدرسة ودورها الريادي ، وينبغي عليهم ان ينظروا اليها بعين الاعتبار وان لايتناسوا مالها من مكانة عظيمة في نفوس الجميع ، وهي المكان الآمن الوحيد التي يستفيد منها الانسان دون مقابل ، فينهل منها العلم واالمعرفة والادب ، وهنا اود ان ابيّن واقول بان دور المعلم مشهود ويستحق كل فكر واعتزاز ودائما يبقى المعلم هو القدوة ويكنّ له الاحترام والتقدير والوفاء . ولابد من الاشارة هنا الى قول الشاعر احمد شوقي قُم للمعلم وفيّهِ التبجيلا ***** كاد المعلم ان يكون رسولا