الحمد لله جاعل الإسلام دينا ، و المسلمين عباده المرتضينا ، و الصلاة و السلام على النبي الزينا ، حبيبنا و رسول الله إلينا ، و بعد : كل شيء خلقه الله تعالى له خصوصياته التي ميّزه الله تعالى بها .. فالكون كله له تلك المميزات التي تميز الأرض عن السماء ، و الكوكب عن النجم ، و الحشرة عن الطيور .. و هكذا كل شيء له المميزات الخاصة ؛ بل إن كل من في المجموعة الواحدة له مميزاته الخاصة .. انظر إلى مجموعة الطيور ؛ فإن العصفور مختلف عن الغراب ، وإلى مجموعة الحشرات النملة مختلفة عن دودة القز .. و هكذا الإنسان لا بد أن له ميزات مختلفة داخل المجموعة نفسها. المسلم يعيش في هذه الأرض مع اليهود و النصارى و المشركين ، و كل هذه الفئات تختلف بأنها بدّلت الذي هو أدنى و هو الكفر .. أما المسلم فقد رضي بالله رباً ، و بالإسلام ديناً ، و بمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً و رسولاً ، فهو إذن متميز على من سواه من البشر ، فهم كما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه و سلم : ( يأتون يوم القيامة كالشامة البيضاء على الثور الأسود ) . و لكن هل هناك تميز بين المسلمين أنفسهم؟ نعم إنه التميز التربوي الذي غرسه الرسول الكريم صلى الله في أصحابه و هم يعيشون أجواء ضياع القيم الحضارية بكل المقاييس ، فأخرج جيلاً شريفاً عفيفاً قوياً شجاعاً ، رهباناً بالليل ، فرساناً بالنهار ، وامتد ذلك الجيل إلى إن بدأت تدب الخلافات السياسية بين المسلمين ، ودخلت الخلافات العنصرية و الطبقية ، وانتقضت عرى الخلافة الإسلامية عروة عروة . و نحن إذ نعيش عصر التميع الحضاري لم يعد إلا أن نسعى إلى إيجاد رؤية واضحة الحدود و محددة المعالم نسير عليها للوصول إلى ما وصل إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكن هل ما هي ملامح التميز للشخصية الإسلامية المعاصرة ؟ إنه التميز الكامل في الروح و القلب و الجوارح ، فالمسلم خالٍ من آفات القلب العقدية و الروحية من عبادة سوى الله تعالى ، والإنابة إلى سواه و عبادة من عدم الخضوع و التذلل لسوى الله تعالى و عدم السجود لغيره تعالى و من أخلاقية فهو سليم من كل آفات اللسان من الكذب و الخيانة و الولاء و البراء ؛ فإنها من أولويات العقيدة الإسلامية .. واسمع معي إلى ربعي بن عامر و هو يقول لرستم بعد أن دخل عليه ببغلته ، وأخذ يمزق ستائر قصره بحربته ، مستهيناً بكل زخارف الدنيا و مفاتنها ، فيقول له رستم : ما الذي أتى بكم إلينا أيها البدو الآن و قد أعطيناكم ما تريدون ؟ فيرد عليه : " نحن قوم ابتعثنا الله لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد و من جور الأديان إلى عدل الإسلام و من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة " . إنه التميز الحقيقي عليكم .. نعم إننا كنا كما قلت نأتي لنأخذ فتات مما عندكم و نقنع و لكن الآن لقد أسلمنا ، وأعزنا الله بالإسلام ، ولن نرضى إلا بالجنة إذا رضي الناس بالدنيا فنحن لا نرضى إلا بالجنة ، وإذا تقربّوا إلى أهل الملك و السلطان فنحن لا نتزلف و لا نتقرب إلا إلى الله تعالى .. فهذا التميز الذي يسبغ الإسلام به أصحابه من أول جملة ينطقونها و هي الشهادتين . والتميز الذي نراه هنا هو تميز بكل المقاييس .. التميز العقدي . نحن لا نعبد إلا الله تعالى و لا نرضي إلا الله تعالى { ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } و بدلا من أن يفتخر بقيس و تميم يقول : أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم إنه التميز العبادي التام الذي إذا سجد الآخرون لغير الله تعالى سجد هو لله ، ونكرعليهم و دعاهم إلى الله { يا أبت لما تعبد من دون الله ما لا يسمع و لا يبصر و لا يغني عنك شيئا } ثم يردد: و رب يبول الثعلبان برأسه *** تبا لمن بالت عليه الثعالب فلا يصرف جزءا من عبادته لغير الله تعالى و لا يسبح بحمد غير الله تعالى فهو كما قال الجنيد : " إن تكلم فلله و إن سكت فمع الله و إن مشى فإلى الله و إن عمل فبالله فهو مع الله في سكناته و إلى الله في حركاته و بالله في شغله و في الله صبره و شكره " . و حين ترى سبب إخراج الكفار لقوم لوط من قريتهم قالوا : { أخرجوا لآل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } لقد تميزوا بعفتهم و أخلاقهم الكريمة بأنهم يتطهرون مما لا يتعفف غيرهم من إتيانه. و أخيرا أقول لكم وصية و هي قول الشاعر: و كن في الطريق عفيف الخطى *** كريم السماع عفيف النظر و كن رجلا إن أتوا بعده *** يقولون مر و هذا الأثر و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين أخوكم المحب لكم في ذات الله تعالى