رؤية الله تعالى

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : حسين علي البرواري | المصدر : www.qudwa1.com

بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة
الحمد لله، حمداً كثيراً على نعمه، والصلاة والسلام على نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلّم ) ، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد..
إن من نعم الله سبحانه وتعالى علينا أن أرسل إلينا الرسل مبشرين ومنذرين حاملين رسالة النور والهداية للبشرية، مزكّين ومربين للناس، ومعلميهم الخير وهاديهم إلى الصراط المستقيم، } هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ { الجمعة: 2.
لقد عاشت الأمة الإسلامية فترة لاتعرف شيئا من الاختلاف في العقيدة ، ذلك لان الصحابة رضوان الله عليهم كانوا في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) على عقيدة واحدة ، ولأن الوحي أزال عنهم الشكوك والأوهام وكل مايعكر صفوَ اعتقادهم.
إنتقل عليه الصلاة والسّلام الى جوار ربه ولم يختلف الصحابة في مسألة واحدة من مسائل العقيدة وان كان الخلاف حدث بينهم في الأحكام، وهذا لاينفي حدوث تكلم بعضهم في بعض المسائل الاعتقادية في زمن الرسول ( صلى الله عليه وسلّم )، فقد روى الإمام احمد في المسند([1]) بسند حسن عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه انّه قال: ( إنَّ نفراً كانوا جلوساً بباب النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) فخرج كأنّما فقِئ في وجهه حب الرمان، فقال: بهذ أمرتم؟ أو بعثتم ؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض!؟ إنّما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا ، إنّكم لستم مما ههنا في شئ أنظروا الذي أُمرتم به فاعملوا به والذي نهيتم عنه فانتهوا ) فسرعان ما انتهى هذا الخلاف بمجرد نهي النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) عن ذلك .
وبعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وسلّم ) وفي زمن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ظهرت الخلافات السياسـية والفرق المبتدعة والضالّة ، ودخل الخلاف الى مسـائل العقيدة وزاد يوماً بعـد يوم ، فاختلف الناس بعد نبيهم عليه الصلاة والسّلام في اشياء كثيرة ضلّل فيها بعضهم بعضاً وبرّئ بعضهم من بعض فصاروا فِرقاً متباينة وأحزاباً متشددة.
ومن المسائل التي كانت مثار خلاف مسألة رؤية الله تعالى وهي من أجَلّ وأهم مسائل العقيدة التي اختلف فيها المسلمون.
فقد قمت بتقسيم هذا الموضوع الى ثلاثة مباحث ، وكل مطلب يحتوي عدداً من المطالب:-
1- المبحث الأول : معنى الرؤية والمقصود برؤية الله تعالى .
المطلب الأول : معنى الرؤية لغة واصطلاحا.
المطلب الثاني: المقصود برؤية الله تعالى .

2- المبحث الثاني : رؤية الله تعالى في الدنيا .
المطلب الأول : رؤية عامة الناس .
المطلب الثاني : رؤية الله تعالى في المنام .
المطلب الثالث: رؤية الرسول ( صلى الله عليه وسلّم ) ربّه .

3- المبحث الثالث : رؤية الله تعالى في الآخرة .
المطلب الأول : رؤية الله تعالى عند النفاة وأدلتهم.
المطلب الثاني : مناقشة النفاة والردّ عليهم .
المطلب الثالث : رؤية الله تعالى عندالمثبتين ( المؤيدين ) وأدلتهم.
4- الخاتمة .....
5- الفهرس....



المبحث الأول: معنى الرؤية والمقصود برؤية الله تعالى

المطلب الأول: معنىالرؤية لغة واصطلاحاً.
المطلب الثاني : المقصود برؤية الله تعالى.


المطلب الأول: معنى الرؤية لغة واصطلاحاً
الرؤية مصدر: ( رأى )، ويرى رأياًً وراءة ورئياناً : النظر بالعين أو بالعقل، وأصل يرى: يرأى ولاتستعمل إلاّ نادراً، والأمر منه : رَ، ورأيا الراية: ركزها ([2]).
ويقال: رأيته بعيني رؤية ورأيته رأي العين : أي حيث يقع البصر عليه ([3]) .
وإسترأى الشيء: إستدعى رؤيته ، ورأيتَ الرجل مرأة ورياءً: أريته على خلاف ما انا عليه ، وفي القران الكريم ]... بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاس [ الأنفال: 47 وقوله تعالى ايضاً ] الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ[ الماعون: 6 ، يعني المنافقين : إذا صلى المؤمنون صلواتهم يراؤونهم إنهم على ماهم عليه ([4]) ، والرؤيا : مارأيته في منامك، فتقول: رأيت رؤيا مخيفة: حلمت أحلاماً مزعجة ([5]) .
والمرآة : جمعه مرايا أي ماريت فيه من بلور وغيره ومنه فعل ( يتمرأ) أي ينظر وجمعه في الماء ([6]) .
والرأي والرواء والمرآة : حسن المنظر في البهاء والجمال ([7]) .
وتراءى الناس : نظر بعضهم إلى بعض ([8]) . و( رأرأ ) الرجل : حرّك الحدقة أو قلبها أي (حدّد النظر)، قال أبو زيد : رأرأتْ عيناه إذا كان يديرها ([9]).
وذكر الرّاغب الأصفهاني([10]) بأن الرؤية: إدراك المرئِّي، وذلك أضرُبٌ بحسب قُوى النّفس :-
الأول : بالحاسَّة ومايجري مَجراها ، نحو: } لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين { التكاثر: 6- 7، }.. وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ {الزمر: 60
وقوله : } ... فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ { التوبة:105، فانّه مما اُجري مُجرى الرؤية الحاسـَّة ، فإنَّ الحاسـَّة لا تصـِحُّ على الله ، تعالـى عن ذلك، وقوله : } ... إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُم { الأعراف: 27 .
الثاني : بالوهم والتخيُّل ، نحو :أرى أنَّ زَيداً مُنطَلِقٌ، ونحو قوله تعالى : } وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ... { الأنفال: 50 .
الثالث : بالتَّفَكُرِ ، نحو: } ... إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ { الأنفال: 48 .
الرابع : بالعقل، وعلى ذلك قوله : } مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى { النجم:11 .
و (الرؤية) في اللغة العربية لها استعمالات ودلالات كثيرة من أشهرها:-
1- الرؤية بالعين الباصرة : تقول رأيت المسرحية، إذا شاهدتها ببصرك ،وهي رؤية العين حيث يقع البصرعليه ، وسواء ً كانت الرؤية حقيقية أم مناماً.
2- النظر بالعقل: وهوالعلم بالشيء على حقيقته كقولنا: رأيت العلمَ نوراً، أي : علمت.
3- :التفكير والتدبير: تقول: سأرى الامرَ، لمن طلب منك حاجة أي سأفكرفي المسألة.
4- المشاورة : تقول: أرني برأيك : أي أشر علي َّ ([11])، وإسترأيت الرجل في الرأي : أستشرته، قال عمران بن حطان :
فإن تكن حين شاورناك قلت لنا ...... بالنصح منك لنا فيما نرائيكما .
أي: نستشيرك ([12]) .
5- الإعتقاد : تقول فلان يرى رأي الشرارة .أي يعتقد اعتقادهم ([13]).
ومنه قوله تعالى ] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ { النساء: 105.
6- : التركيزعلى الشئ: رأيا الراية أي : ركزها ([14]).
ومن خِلال ماسبق من دراسة مادة ( الرؤية ) تبين بان الرؤية لها دلالتان :-
أ – الرؤية بالعين الباصرة حقيقة : وهي مايقع عليه البصر من ( رأى ) : والرؤية بالعين تتعدى الى مفعول واحد.
ب – الرؤية القلبية ، أي العلم أو الاعتقاد بحقيقة الشيء من ( رأى) التي تتعدى إلى مفعولين.

المطلب الثاني: المقصود برؤية الله تعالى
تبين في المطلب الأول ان الرؤية يراد بها الرؤية البصرية ، وهي ( المشاهدة بالبصر، حيث كان في الدنيا والآخرة ) ([15]).
ويراد بها أيضاً الرؤية القلبية وتعني العلم والاعتقاد: نتساءل الآن هل المقصود برؤية الله تعالى، رؤية بصرية حقيقية أم رؤية قلبية ؟.
لاشك بأنَّ المسلمين متفقون على جواز رؤية الله تعالى بالقلب ولم يوجد خلاف بين المسلمين المتقدمين والمتأخرين في هذه المسألة إلاّ ماندر([16]).
فاذا كان المسلمون متفقين على جواز رؤية الله تعالى رؤية قلبية فهم مختلفون في رؤية الله تعالى رؤية بصرية وهي من أهم الخلافات الحاصلة بينهم وهي المقصود في البحث وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى .
فالمقصـود إذن بالرؤية هي رؤية الله تعالى رؤية بصـرية حقيقية ومعناها: ( الإنكشاف التام بالبصر وإثبات الشئ على ماهو عليه ، والفرق بين الإنكشاف التام والناقص كالفرق بين تصورك للشئ الذي غاب عنك بعد رؤيته وبين ما أنت تنظر
إليه ، فلا شك ان الثاني أتم إنكشافا من الأول ) ([17]).
ومما يؤيد ذلك أيضاً ما ورد من نصوص صريحة تدل دلالة قاطعة على هذا المقصود، إضافة الى ذلك ان الغالب في اللغة والإستعمال ان الرؤية تكون بالنظر وليس بالقلب.



المبحث الثاني: رؤية الله تعالى في الدنيا.

المطلب الأول: رؤية عامة الناس.
المطلب الثاني: رؤية الله تعالى في المنام.




المطلب الأول : رؤية عامة الناس.
إتفق السلف وأئمة الخلف على ان الله تعالى لايراه أحد بعينيه في الدنيا ، ولم يختلفوا الاّ في نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلّم ) ([18]) .
ولقد سئل شيخ الاسلام إبن تيمية ([19]) عن اقوام يدعون أنهم يرون الله بابصارهم في الدنيا وأنه يحصل لهم بغير سؤال ماحصل لموسى عليه السّلام بالسؤال ! فاجاب : اجمع سلف الامة وائمتها على ان الله تعالى لايُرى في الدنيا بالابصار وأن العلماء لم يتنازعوا الاّ في النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) ، وثبت في الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) انه قال: ( وأعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت ) ([20]) .
ومن قال من الناس أن الأولياء أو غيرهم يرى الله تعالى بعينه في الدنيا فهو مبتدع ضـال مخالف للكتاب والســنّة وإجماع ســلف الأمة ، لاســيما إذا ادَّعوا أنهم أفضل من موسى عليه السّلام فان هؤلاء يُستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا والله أعلم ([21]).
أما قوله ( صلى الله عليه وسلّم ) : ( أعبد الله كأنك تراه ) ([22])، معناه الإتقان: والإخلاص بإستحضار قرب العبد من ربه، وانه بين يديه دائماً كأنّه يراه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم والنصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وكمالها ([23]).
ما يمنع من رؤية الله تعالى في الدنيا
قال القاضي أبوبكر الهذلي: – أنه ليس لبشرأن يُطيق النظر اليه سبحانه في الدنيا وأن من نظر اليه فبها مات، أي – في الحال – بشهادة ?] فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقا[ ?الأعراف: من الآية 143،اذا رأى الجبل يندك عند التجلي فدك على انّه انما امتنعت في الدنيا لضعف تراكيب أهلها وقواهم ، فلم تكن قوة الرؤية فاذا كانوا في الآخرة ورُكـِّبوا تركيباً آخر ورُزقوا قوى ثابتة باقية واتمت أنوار الأبصار وطاقات القلوب حصل بذلك قوة على الرؤية في الآخرة ، وهذا ما أكده الإمام مالك بقوله (( لم يُر في الدنيا لأنّه باق ولايُرى الباقي بالفاني ، فإذا كان في الآخرة ورُزقوا أبصاراً باقية رؤي الباقي بالباقي )) ([24]).
قال الإمام محمد بن يوسف : وهذا الذي قاله الإمام مالك كلام حسن، فيه دلالة على الإستحالة إلاّ من حيث ضعف القدرة ، فاذا قوّى الله تعالى من شاء أقدره على حمل أعباء الرؤية في حقه في أي وقت كان وقد وقع في زمن النبي محمد ( صلى الله عليه وسلّم ) ذلك .
وإذا جازت الرؤية في الدنيا عقلاً فقد امتنعت سمعاً ([25])، إذن لا يمكن لأحد أن يرى الله سبحانه وتعالى في الدنيا ولم يحصل لأحد أن رأى الله تعالى في الدنيا غير النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) في أحد الأقوال عند بعض العلماء ، ومن ادعى أنه رأى الله سبحانه وتعالى يقظة فهو ضال حتى ذهب بعضهم إلى تكفيره ، بل جزم بكفره الإمام موفق الدين الكواشي والإمام المهدوي في تفسيريهما والإمام الأردبيلي في الأنوار، لأن موسى عليه السّلام نبي الله تعالى وكليمه سألها ولم يحصل له، أفتحصل لأحاد الناس هذا مما لايتوقف فيه، حتى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) قد إختلف في رؤيته لربه ([26]) .

المطلب الثاني: رؤية الله تعالى في المنام

نقل عن القاضي عياض ([27]) انه لانزاع في وقوع رؤية الله تعالى – مناماً- فإن الشيطان لا يتمثل به تعالى كي لايتمثل بالانبياء عليهم الصلاة والسّلام ([28])، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) ( ومن رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، ولايتمثل الشيطان بي ) ([29]).
قال الحافظ إبن حجر([30]): (( جوّزأهل التعبير رؤية الله تعالى في المنام مطلقاً ))،
قال الإمام الغزالي ([31]):(( ومثل ذلك من يرى الله سبحانه وتعالى في المنام فان ذاته منزهة عن الشكل والصورة ولكن تنتهي تعريفاته بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقاً في كونه واسطة التعريف فيقول الرائي : رأيت الله في المنام لايعني أني رأيت ذات الله تعالى كما يقول في حق غيره )) ([32]).

وقال أبو القاسم القشيري ([33]) ماحاصله : إن رؤياه تعالى على غيرصفته لاتستلزم إلآّ أن يكون هو فإنّه لو رأى الله على وصف يتعالى عنه وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك لايقدح في رؤيته بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل كما قال الإمام الواسطي ( من رأى ربه على صورة شيخ كان إشارة إلى وقار الرائي )([34]).
وقال البغوي ([35]) : رؤية الله تعالى في المنام جائزة ، قال معاذ :عن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) (( إني نعستُ فرأيت ربّي )) وتكون رؤيته جلّت قدرته ظهور العدل والفرح ([36]).
وممن أثبت الرؤية أيضاً الإمام أحمد وابن تيمية وخلائقاً ([37])، حكي أن الإمام احمد: رأى المولى سبحانه في المنام تسعاً وتسعين مرة ، وفي تمام المئة قال : سيدي ومولاي ما أقرب مايتقرب به المقربون اليك ([38]).
مما سـبق نعلم أن الصواب الذي عليه أهل الحق أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلاً ، فتنوع رؤية العباد لله تعالى في المنام فيراه الإنسان بحسب إيمانه وقربه من الله تعالى، ويرى الله تعالى في صور متنوعة والله أعلم .
المطلب الثالث: رؤية النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) ربَّه في الدنيا
هذه من المسائل الخلافية بين أهل السنّة والجماعة ، فقد اختلف السلف من الصحابة رضوان الله عليهم، والخلف من بعدهم إختلافاً متبايناً فانقسموا إلى ثلاث طوائف :-
الطائفة الأولى : أثبتت الرؤية البصرية .
الطائفة الثانية : نفت الرؤية البصرية وأثبتت الرؤية القلبية .
الطائفة الثالثة : توقفت بحجة أنه ليس في الباب دليل قاطع .
وسوف أعرض هذه الطوائف الثلاث بشىء من التفصيل مع بيان أدلتهم وردودهم وأختم هذا المطلب بالدليل الراجح منها.
الطائفة الأولى :
قالوا : إنه ( صلى الله عليه وسلّم ) قد رأى ربّه بعيني رأسه وهما في مكانهماالخلفي ولم يحولهما الله تعالى الى قلبه ، وقد كان النبي محمدعليه الصلاة والسلام يرى ربّه كذلك في كل مرة من مرات المراجعة التي كان يسأل فيها تخفيف الصلوات المفروضة ([39]).
والذين مالوا إلى هذا القول جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم ، أذكرمنهم عبدالله بن عباس وأنس بن مالك وأبا ذر وعروة بن الزبير والحسن البصري وكعب الاحبار وعكرمة وعبدالله بن الحارث بن نوفل الزهري وإبراهيم التيمي وسائر أصحاب إبن عبّاس ومعمر بن راشد واحمد بن حنبل وابن خزيمة والأشعري وأتباعه وخلائق ([40]).
أدلة المثبتين ( المؤيدين ).
إستدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة أورد بعضها:-
قوله تعالى } مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى { النجم:11- 13 أخرج مسلم في صحيحه عن ابي العالية عن ابن عبّاس قال } مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى { قال : رآه بفؤاده مرتين ([41]).
قوله تعالى } وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ { الاسراء: من الآية60 ، قال ابن عبّاس : هي رؤيا عين رآها النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) ليلة أُسري به إلى بيت المقدس ([42]).
أخبرنا عبدالله بن محمد قال أخبرنا الحسن بن اسماعيل قال أخبرنا الفضل بن يعقوب
قال ثنا أسود بن عامر قال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عبّاس عن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) قال: ( رأيت ربي عزوجل ) ([43]).
وعن ابن عبّاس أيضاً قال : أتعجبون إنَّ الخلة تكون لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد عليهم الصلاة والسّلام ([44]).
قال عكرمة : أتريد إن أخبرك انه قد رآه ؟ لما سأله عبّاد بن منصور عن هذه الآية } فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى { النجم:9 ، قلت نعم ، فقد رآه ثم رآه ([45]).
الطائفة الثانية :
ذهبوا إلى أن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) لم يَرَ ربّه تعالى رؤية بصرية بل رآه بفؤاده، وقال بهذا الرأي جماعة من الصحابة وتابعيهم أيضاً ، نذكر منهم : أمنا عائشة رضي الله عنها وإبن مسعود واختلف عليه وعلى أبي هريرة وأبي ذر ([46]).
وذهب الدارمي في الرد على الجهمية إلى إجماع الصحابة على ان النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) لم يَرَ ربّه ليلة المعراج ([47]).
أدلتهم :
أورد هنا بعضاً من ادلتهم :-
1- قوله تعالى } لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ { الأنعام : 103.
2- صحّ عن ابي ذر رضي الله عنه فيما رواه مسلم ( 178) انّه سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) : هل رأيتَ ربّكَ ؟ فقال : نور انّي أراه !([48]).
3- روي البخاري ومسلم عن مسروق قال : كنت متكئاً عند عائشة رضي الله عنها ، فقالت : يا ابا عائشة ! ثلاث من تكلم بواحدة منها فقد أعظم على الله الفرية – قلت : وماهنّ ؟ قال : من زعم ان محمداً رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية ، قال : وكنت متكئاً فجلست ُ، فقلت : يا أم المؤمنين : أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عزوجل } وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِين ِ{ التكوير:23 } وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى { النجم :13 ، فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) فقال : ( إنما هو جبريل – لم أرَهُ على صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين ، رايته منهبطاً من السماء . سادّاً عظم خلقه ما بين السماء الى الارض . فقال او لَم تسمع ان الله تعالى يقول } لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ { الأنعام: 103. او لَم تسمع ان الله تعالى يقول }وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ{ الشورى: 51 ، فالإستشهاد بأحد أقوال إبن عبّاس - رضي الله عنه- ، حيث قال إبن عبّاس في قوله تعالى } مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى { النجم:11 فقال : رآه بقلبه وقال: لم يَرَه بعينه ([49]).

وأخرج البخاري عن ابي هريرة قال : ( راى جبريل عليه السّلام ) واخرجا في الصحيحين عن إبن مسعود في قوله تعالى } فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى { النجم:9
قال : ( ان محمداً ( صلى الله عليه وسلّم ) رأى جبريل له ستمائة جناح)([50]).
وقد ردّ ت الطائفة الأولى المثبتة ( المؤيدة ) لرؤية النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) ربه ليلة المعراج على الطائفة الثانية المنكرة ذلك بردود منها :-
أ- إن السيدة عائشة رضي الله عنهاقد نفت وقوع الرؤية ، وإبن عبّاس رضي الله عنه اثبتها ، والإثبات مقدم على النفي .
ب - إحتجاج أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها بالآية } لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ { الأنعام: 103.
خاضها فيه إبن عبّاس رضي الله عنه ، اذ المراد بـ( الادراك ) الإحاطة به عند رؤيته لانفي الأصل، أي رؤيته، وقال النووي ([51]) : المراد بالادراك:الإحاطة والله تعالى لايحاط به .
ج – أما إحتجاج أم المؤمنين (الســيدة عائشة ) رضــي الله عنها بقوله تعالى } وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ{ الشورى:51 فالجواب من عدة أوجه منها :-
أحدها : انه لايلزم مع الرؤية وجود الكلام حال الرؤية ، فيجوز وجود الرؤية من غير كلام.
ثانيها : أنه عام مخصوص بما تقدم من أدلة الاثبات ([52]).
ثالثها : ماقاله بعض العلماء : أن المراد ( بالوحي ) هناك الكلام من غير واسطة وان القول وإن كان محتملاً ، فإنَّ الجمهور على ان المراد ( بالوحي ) هنا الإلهام والرؤيا في المنام وكلاهما يسمى وحياً([53]).
د – قال المروزي : قلت لأحمد : إنهم يقولون : إنَّ عائشة رضـي الله عنها قالت:(( من زعم أَّن محمداً رأى ربّه فقد أعظم على الله الفِرية )) فبأي شئ يدفع قولها ، قال: يقول النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) ( رأيت ربّي ) فقول النبي أكبر من قولها ([54]).



الطائفة الثالثة:

توقفوا في هذه المسألة بحجة انه ليس في الباب دليل قاطع ، وقالوا بأن غاية مااستدلت به الطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل ولأنها من المسائل الاعتقادية التي لابد فيها من الدليل القطعي ، وقد رجح القرطبي ([55]) هذا القول الأخير ([56])،.


التوفيق بين الأقوال الثلاثة

قال العلماء : جاء ت عن إبن عبّاس أخبار مطلقة ، وأخرى مقيّدة ، فيحمل مطلقها على مقيدها ، فمن المقيد قول إبن عبّاس في الآيتين } مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى { النجم:11و } وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى { النجم:13 رآه بفؤاده مرتين ، وقال :رآه بقلبه، وقال : ( لم يره الرسول ( صلى الله عليه وسلّم ) بعينه إنما رآه بقلبه )، كما جاء قوله : وقد رآى ربه مرتين .
قال العلماء : هذه الآثار المقيدة يمكن الجمع بين( إثبات) إبن عبّاس ، ( ونفي ) أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأن يحمل نفيها على نفي البصر وإثبات إبن عبّاس على رؤية القلب ([57]).


الترجيح

رجّح شيخ الإسلام إبن تيمية حيث قال : قد تدبرنا عامة ماصنّفه المسلمون في هذه المسألة ومن تلقوه فيها قريباً من مائة مصنف فلم أجد أحداً يروي بإسنادِ ثابت ولاصحيح ولاعن صاحب ولاعن إمام انه ( صلى الله عليه وسلّم ) رأى ربه بعين رأسه، والواجب إتباع ماكان عليه السلف والائمة ، وهو ثبات مطلق الرؤية أو رؤية مقيدة بالفؤاد، وقال: لم يثبت عن الإمام احمد التصريح بأنه عليه السّلام رأى بعين رأسه ([58]).
لذا يمكن القول بأن النبي محمد ( صلى الله عليه وسلّم ) قد رأى ربه تعالى مطلقاً .... والله اعلم .



المبحث الثالث: رؤية الله تعالى في الآخرة
المطلب الاول: نفاة رؤية الله تعالى وادلتهم.
المطلب الثاني: مناقشة منكري رؤية الله تعالى والرّد عليهم.
المطلب الثالث: الثبتون لرؤية الله تعالىوادلتهم.




رؤية الله تعالى وادلتُهم

رؤية الله تعالى من أجلِّ وأهم مسائل العقيدة التي اختلفت فيها الفرق الإسلامية ، فالذين قالوا بالرؤية وهم الغالبية العظمى من السلف والخلف ، يرجعون هذه المسألة الى الادلّة النقلية الصريحة القائلة بالرؤية وهي رؤية الله تعالى في الآخرة بأبصارهم ، شأن هذه المسألة شأن بقيةالمسائل التي وردت فيها النصوص كنزول الله تعالى ومجيئه وضحكه وغضبه ...الخ.
اما الذين قالوا بعدم رؤية الله تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فقد استدلّوا بأدلة نقلية أوًّلوها، وأدلة أرجعوها الى العقل ، وليس من شأن العقل أن يخوض في كل المسائل لقصوره وعدم إدراكه لكل القضايا الدنيوية ، فضلاً عن القضايا الأخروية الغيبية ، وسوف يتم عرض هذه الآراء بشيء من التفصيل مع بيان أدلتهم ومناقشتها ثم أختم هذا المبحث بأرجح الآراء.
أجمعت المعتزلة ([59]) على انَّ الله سبحانه وتعالى لايرى بالابصار ([60]) وممن أنكر الرؤية أيضاً الخوارج ([61])، والجهمية ([62]) :وبعض المرجئة([63]) مالت إلى هذا الرأي أيضاً، والإمامية ([64]) والزيدية ([65]) والنحارية من الشيعة ، هذا وقد اختلفت المعتزلة فيما بينهم، هل ان الله تعالى يُرى بالقلوب أم لا؟ فقال أكثرالمعتزلة : نرى الله تعالى بقلوبنا بمعنى إنّا نعلمه بقلوبنا، وأنكر( هشام الفوطي ) ([66])، و(عباد بن سليمان ) ([67]) ذلك ([68]) .
أدلّة نُفاة رؤية الله تعالى :

اولاً : الادلّة النقلية :

1- قوله تعالى : } وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ { الأعراف:143، ذكر الزمخشري وهو من المعتزلة في تفسير الكشّاف بأنّ ( لَن ) في قوله تعالى: } لَنْ تَرَانِي { تفيد التأبيد ، والتأبيد إستحالة الرؤية إلى الأبد([69]).
2- قوله تعالى } لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ { ?الأنعام: 103، استدلت المعتزلة بهذه الآية فقالوا : ان الادراك بالبصر هو الرؤية ، والادراك بالبصرمنفي بهذه الاية فدّل على انتفاء الرؤية ([70]).
3- قوله تعالى } وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُورا ً { الفرقان:21-22 ، زعمت المعتزلة ان الآية دليل على امتناع الرؤية بناءً على وصف طالبيها بالعفو والاستكبار ([71]).
4- تأويل بعض النصوص التي تدل على الرؤية والنظر الى وجهه الكريم سبحانه منها قوله تعالى } وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{ القيامة: 22- 23، فأوّلوا } نَاظِرَةٌ { بأنها منتظرة ([72]).
4-
ثانياً : الأدلّة العقلية :
قالوا بعدم تجويز العقل رؤية العباد لربهم ، وقالوا : ان العقل يحكم بامتناعها وإحتجوا على مقالتهم بأننا نعلم علم اليقين ان الله تعالى ليس بجسم ولا في جهة من الجهات ،وانه فيستحيل عليه المقابلة والمواجهة وتغليب الحدقة والرؤية لاتتحقق إلاّ إذا كان المرئي في جهة مقابلة الرائي ، لهذا لايمكن لعبد أن يرى ربّه في الدنيا ولا في الآخرة لإمتناعها عقلاً لدى الحواس ([73]).، فالشرط العقلي توجب كون المرئي محدثاً ([74]).



المطلب الثاني: مناقشة منكري رؤية الله تعالى والرّد عليهم

وقد رُدّ على أصحاب المذهب القائل بإنكار رؤية الله تعالى بردود منها:-
1- اما استدلالهم في انكارهم رؤية الله تعالى في الاخرة بقوله تعالى في سورة الاعراف الاية 143 } لَنْ تَرَانِي { ، فالاستدلال بهذه الاية الكريمة على ثبوت رؤية الله تعالى من وجوه ، كما اشار صاحب شرح العقيدة الطحّاوية :-

الوجه الأول :

انه لايظن بكليم الله ورسوله أعلم الناس بربّه في وقته أن يسأل مالايجوز عليه ، بل هو عندهم من أعظم المحال .

الوجه الثاني:

ان الله تعالى لم ينكر عليه سؤاله ، ولمّا سأل نوح عليه السّلام ربّه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله ، وقال } قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهلكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَأهلينَ { هود: 46 .

الوجه الثالث:

أنّه تعالى قال في سورة الاعراف الاية 143 } لَنْ تَرَانِي { ولم يقل : إني لا أرى ولاتجوز رؤيتي ، أو لست بمرئيِّ ، والفرق بين الجوابين ظاهر ، ألاترى أن من كان في كمّه حجر ، فظنّه رجل طعاماً فقال ( اطعمنيه ) ، فالجواب الصحيح : انه لايؤكل أما إذا كان طعاماً صحّ ان يقال : انك لن تأكله ، وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى مرئيِّ ولكن موسى عليه السّلام لاتحتمل قواه رؤيته في هذه الدّار، لضعف قوى البشر فيها عن رؤية الله تعالى .

الوجه الرابع :

وهو قوله تعالى } قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي { الأعراف:143 .
فأعلمه بأن الجبل مع قوته وصلابته لايثبت للتجلي في هذه الدّار فكيف بالبشرالذي خُلق من ضعف ؟.
الوجه الخامس :
ان الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقراً ، وذلك ممكن، وقد علقت عليه الرؤية ، ولو كانت محالاً لكان نظيران يقول : ان استقرّ الجبل فسوف آكل واشرب وانام والكل عندهم سواء .


الوجه السادس :
قوله تعالى: } ... فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً { الأعراف: الآية143 فإذا جاز أن يتجلى لجبل والذي هو جماد لا ثواب له ولاعقاب ، فكيف؟ يمتنع أن يتجلى لمرسله وأوليائه في دار كرامته ، ولكن الله تعالى أعلم موسى عليه السّلام أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدّار فالبشر أضعف([75]).
الوجه السابع :
انَّ الله سبحانه وتعالى كلّمَ موسى عليه السّلام وناداه ، ومن جاز عليه التكلُّم والتكليم وان يسمع مخاطبه كلامه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز.
أما ماسواهم تأبيد النّفي بـ( لن ) وان ذلك يدل على نفي الرؤية في الآخرة فإنها لو قيدت بالتأبيد لايدل على دوام النفي في الاخرة فكيف اذا اطلقت ؟.
قال تعالى } وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً { البقرة: من الآية95 مع قوله تعالى } وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ { الزخرف:77، ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها وقد جاء ذلك ، قال تعالى } فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي { يوسف: من الآية80 ، فثبت انَّ ( لن ) لاتقتضي النفي المؤبد([76]).
2- اما إستدلالهم بقوله تعالى } لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ { النعام : 103 .
أجاب أهل السنّة : بأن الإدراك بالبصر ليس مجرد الرؤية، بل هو رؤية مخصوصة ، وهي التي تكون على وجه الاحاطة بحيث يكون المرئي منحصراً بحدود ونهايات ، والمنفي في الآية اخص من مجرد الرؤية ، فالإدراك أخص من الرؤية ويكون المراد بالرؤية نفي الاحاطة به عند الرؤية لا نفي اصل الرؤية وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم والائمة حيث نقل عن إبن عبّاس ان معنى الرؤية : عدم إحاطة الأبصار ، وعن قتادة : انه أعظم من أن تدركه الأبصار ، وعن عطية قال : ينظرون الى الله تعالى ولاتحيط ابصارهم به من عظمته، وبصره تعالى يحيط بهم ([77]).
وإستدل القرطبي على أن الإدراك لا ينافي الرؤية بقوله تعالى حكاية عن أصحاب موسى عليه السّلام : } فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{ الشعراء:61.
قال أهل اللغة : لفظ الادراك – لغة – عبارة عن اللحوق والوصول ، قال أصحاب موسى عليه السّلام } إِنَّا لَمُدْرَكُونَ { ولايلزم من نفي الأخص نفي الأعم فمعنى } لا تُدْرِكُهُ { لاتحيط به الأبصار حيث ان المرئي اذا كان له حد ونهاية وادركه البصر بجميع حدوده صار كأنَّ ذلك الأبصار محيط بالمرئي فتسمى هذه الرؤية إدراكاً([78]).
فقوله تعالى } لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ { النعام : 103، يدل على كمال عظمته وانّه أكبر من كلّ شيء وانّه بكمال عظمته لايدرك بحيث يحاط به، فانَّ ( الادراك ) هو الإحاطة بالشئ وهو قدر زائد على الرؤية ، وذكر أغلب المفسرين إن هذه الاية } لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ { إستدلال على جواز رؤيته تـعالى في الآخــرة ، منهم الفخـر الرازي ([79]) في التفســير الكبيـر، والقرطــبي وإبن القيم ([80]) وغيرهم ، واذا ثبت هذا وجب القطع بان المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة ([81]).
3- اما إستدلالهم بقوله تعالى } وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً{ الفرقان: 21-22.
فيرد عليهم بردود منها:-
أولاً:المراد باللقاء الرؤية ، لأنَّ الرائي يصـل برؤيته إلى المرئيِّ فكان اللقاء أحد أنواع الرؤية ، لأنَّ مسمى اللقاء مشترك بين الوصول المكاني وبين الوصول بالرؤية، فهو لفظ مشترك ، وحيث تعذّر المعنى الأول في حق الله تعالى ثبت الثاني ، ولكونه مشتركاً، صحَّ قول الأعمى : لقيت الأمير، وقول البصير : لقيته، والفرق بين اللقاءين ظاهر .
ثانياً: كيف ان كفار مكة سمعوا من أهل الكتاب ان الله تعالى لايرى في الدنيا وانّه تعالى لاينزل الملائكة في الدنيا على عوام الخلق ، فعلّقوا ايمانهم على رؤية الله تعالى أو الملائكة على سبيل التعنت، لذا لم يكن وصفهم بالإستكبار لسؤالهم الرؤية .
ثالثاً: لايقال لمن يسأل محالاً عتا واستكبر ، بدليل ان اصحاب موسى عليه السّلام لمّا قالوا }... اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ { الأعراف: 138 لم يوصفوا بالعتّو، بل قال لهم }إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ{ الأعراف: 138 فالعتّو والإستكبار لايثبت الاّ اذا طلب الانسان مالا يليق به ممن فوقه او كان لائقاً به لكنّه طلبه على سبيل التعنت، أوقد سأل موسى عليه السّلام الرؤية فلم يوصف بالإستكبار والعتّو ([82]).
أما إستدلال المعتزلة ومن معهم على إنكار رؤية الله تعالى بأدلّة عقلية كما سبق وان اشرنا اليه فيرد عليهم.
أما الشرط العقلي الذي وصفوه من انّ الرؤية توجب كون المرئي محدثاً، فهذا من قصور التفكير البشري الذي يقيس الأمور الغيبية بما ألفه في دنياه ويقيس الهه ومعبوده بالمخلوق الضعيف ثم إن ما تصوروه من لوازم الرؤية غير وارد ، قال إبن بطاف: وماتمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أنَّ الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لايوجب حدوثه فكذلك المرئي ([83]).
المطلب الثالث: المثبتون ( المؤيدون ) لرؤية الله تعالى وأدلّتهم
قالوا بإن رؤية المؤمنين لربهم عزوجل يوم القيامة عقيدة ثابتة بالكتاب والسنّة والاجماع والعقل ،وتلقت الأمة هذه العقيدة بالقبول ، وهي حق لأهل الجنّة بغير إحاطة ولا كيفية من الكيفيات المعتبرة في رؤية الأجسام ، بل يحارالعبد في العظمة والجلال حتى لا يعرف إسمه ولا يشعر بمن حوله من الخلائق ، فإنّ العقل يعجز هناك عن الفهم ويتلاشى الكل في جنب عظمة الله تعالى ([84]).
وقال بثبوتها الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام المعروفون وأهل الحديث وسائر طوائف أهل الكلام من أهل السنّة والجماعة ([85]).

أدلّة مثبتي ( مؤيدي ) رؤية الله تعالى :

أولاً : الادلّة النقلية

أ - من الكتاب :

1- قوله تعالى } وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{ القيامة : 22- 23، فأوّلوا } نَاضِرَةٌ { بجميلة و } نَاظِرَةٌ { من النظـر أي الرؤية ، ذلك لأنَّ النظـر يفـيد الرؤية اذا تعدى بـ ( الى ) ([86]).
وجه الاستدلال بهذه الاية على وقوع الرؤية من وجهين :

الوجه الأول :

إنَّ النظر في اللغة له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه منها:-
· فان عدي بنفسه افاد التوقف والإنتظار ومنه قوله تعالى } ... انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ { الحديد: 13.
· وإن عدي بـ ( في ) افاد التفكير والاعتبار ومنه قوله تعالى }...أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ { الأعراف: 185 ومنه قولك : نظرت في الامر .
· وإن عدي بـ (لام) افاد الرأفة والتعطف ، يقال نظرالسلطان لفلان بمعنى رأف به وتعطّف عليه .
· وإن عدي بـ ( إلى) افاد المعاينة بالابصار ومنه قوله تعالى }…انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ { الأنعام: 99 فسياق الآية يدل دلالة صريحة على أنَّ المقصود من النظر هو المعاينة بالأبصار ([87]).


الوجه الثاني :

إنَّ جماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم إستدلّوا بالآية الكريمة على هذا المذهب ([88]).
2- قوله تعالى }... لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ { يونس: 26.
يخبر الله تعالى ان لمن احسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح فجزاؤه الحسنى في الدّار الآخرة كقوله تعالى }هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلاّ الإْسَانُ { الرحمن :60 وقوله تعالى } وَزِيَادَةٌ { هي تضعيف ثواب الاعمال ، ويشمل مايعطيهم الله تعالى من الجنان والقصور والحور والرضا عنهم وافضل من ذلك واعلاه النظر الى وجهه الكريم ، وقد روي تفسير(الزيادة ) بالنظر إلى وجهه الكريم .
عن أبي بكر الصديق وحذيفة اليمان وعبدالله بن عباس وسعيد بن المسيب وعبدالرحمن بن ابي ليلى ومجاهد وعكرمة وعامر بن سعد وعطاء والضحّاك والحسن وقتادة واسدي ومحمد بن اسحاق وغيرهم من السلف والخلف ([89]).
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) فمنها مارواه الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنهم ، ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) تلا هذه الآية }... لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ { يونس: 26. وقال اذا دخل أهل الجنّة الجنّةَ وأهل النّار النّارَ نادى منادٍ يا أهل الجنّة انّ لكم عند الله موعداً يريد ان ينجزكموه فيقولون: وماهو؟ ألم يُثَقّل موازيننا؟ ألم يبيّض وجوهنا؟ ويدخلنا الجنّة ويُجِرنا من النّار ! قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون اليه فوالله ما اعطاهم الله شيئاً احبّ اليهم من النظر اليه ولا اقر اعينهم ([90]).
3- قوله تعالى } كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ { المطففين:15 وجه الدلالة : لمّا كان اعداء الله محجوبين عن رؤية ربهم جل وعلا فمفهوم منه انّه سبحانه وتعالى يتجلّى لأهل ولايته ولو لم يكن هذا لم يكن للتخصيص فائدة ، قال الإمام الشافعي لما حجب قوماً بالسخط دلّ على ان قوماً من اولياء الله يرون ربّهم يوم القيامة ([91]).
3- 4 – قوله تعالى} لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ { قّ:35 وجه الدلالة :
3- قالت جماعة من الصحابة والتابعين انّ } مَزِيدٌ { هو النظر الى وجه الله تعالى ([92]) ، هذه الآيات وغيرها إستدل بها أصحاب هذا المذهب .
3-
ب – من السنّة النبوية :

بلغت أحاديث الرؤية مبلغ التواتر وكلها يفيد العلم القطعي بإجماع المسلمين ، قال يحيى بن معين : (عندي سبعة عشر حديثاً في الرؤية كلّها صحاح) .
وقد روى الأحاديث الدّالة على الرؤية أكثر من عشرين صحابياً ، وصنّف في هذه المسألة مصنّفات كثيرة منها ( كتاب الرؤية ) للدارقطني .
ومن الأحاديث الصريحة التي تدل على الرؤية منها:-
1- عن بريدة بن الحصيب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) ) ما منكم من احد الاّ سيخلو الله به يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان)([93]).
2- عن ابي رزين العقيلي قال:( قلنا يارسول الله أكلّنا يرى ربّه عزّوجل يوم القيامة ؟! قال : نعم ، قلت : وماآية ذلك في خلقه؟ قال : أليس كلّكم ينظر الى القمر ليلة البدر ؟ فقلت : نعم ، قال: الله اكبر واعظم ) ([94]).
3- حديث جرير بن عبدالله البحلي ، قال : ( كنّا جلوساً مع النبي عليه الصلاة والسّلام ، فنظر الى القمر ليلة اربع عشرة ، فقال : انّكم سترون ربّكم عياناً، كما ترون هذا، لاتضامون في رؤيته)([95]).
هذه الأحاديث وغيرها كثير رواها الصحابة رضوان الله عليهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) تدل دلالة قاطعة على انَّ المؤمنين يرون ربّهم يوم القيامة ، وقد روى هذه الأحاديث اصحاب الصحاح والمسانيد والسنن ([96]).
ج: الإجماع :

ثبت إجماع السلف والأئمة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم قالوا: إنَّ الله تعالى يرى في الآخرة لإبتهالهم الى الله سبحانه وتعالى في طلب لذّة النظر الى وجهه الكريم واعتقادهم بذلك ([97]).
فأجــمع الأئمة من أهل الســنّة على انّ الرؤية مما يجوزه العقل ، قال الآمـدي: ( أجمع الائمة من اصحابنا على انّ رؤية الله تعالى في الدنيا والاخرة جائزة نقلاً ) ([98]).

ثانياً: الأدلّة العقلية على رؤية الله تعالى :
1- انَّ الله تعالى موجود ، وكل موجود يصح أن يرى ، فالباري عزّوجل يصح أن يرى ([99]).
2- كما جاز أن يعلم الباري عزَّ وجل من غير كيفية وصورة ، جاز أن يرى من غير كيفية وصورة ([100]).
3- قال أبو الحسن الاشعري : ومما يدل على رؤية الله تعالى بالأبصار : أن الله عزَّ وجل يرى الاشياء ، وإذا كان للأشياء رائياً فلا يرى الاشياء من لايرى نفسه، وذلك أن من لايعلم نفسه لايعلم شيئاً فلما كان عزَّ وجل عالماً بالاشياء كان عالماً بنفسه ، فلذلك من لايرى نفسه لايرى الاشياء ، فلما كان الله عزَّ وجل رائياً لنفسه، واذا كان رائياً بها فجائز ان يرينا نفسه ن كما انه لما كان عاملاً بنفسه جاز ان يعلّمَنا إياها، وقد قال الله تعالى } ... إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى{ طـه: 46 ، فأخبرانه سمع كلامهما ورآهما ، ومن زعم بأن الله لايجوز أن يرى بالأبصار، يلزمه بألا يكون الله تعالى رائياً ولاعالماً ولاقادراً، لأنَّ العالم القادر الرائي جائز أن يرى ([101]).

الخاتمة

حقيقة أن رؤية الله تعالى من أجلِّ وأهم مسائل العقيدة التي إختلفت فيها الفرق الإسلامية ، فالذين قالوا بالرؤية وهم الغالبية العظمى من السلف والخلف ، يرجعون ذلك الى الادلّة النقلية الصريحة القائلة بالرؤية وهي رؤية الله تعالى في الآخرة بأبصارهم ، شأن هذه المسألة شأن بقية المسائل التي وردت فيها النصوص كنزول الله تعالى ومجيئه وضحكه وغضبه ...الخ.
قال الله تعالى } وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{ في سورة القيامة: 22- 23وقوله سبحانه وتعالى }... لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ { يونس: 26. وقوله} هُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ { في سورة ق :35
وجاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري : قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) : ) إنَّ للمؤمن لخيمة من لؤلؤ مجوَّفة ، عرضها – وفي رواية طولها – سبعون ميلاً ، في كل زاوية منها أهل، من يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن ، وجنّات من فضة آنيتهما ومافيهما، وجنّتان من ذهب آنيتهما ومافيهما، وما بين القوم وبين ان ينظروا إلى ربّهم إلاّ رداء الكبرياء على وجهه في جنّة عدن (.
هذه النصوص الصريحة الصحيحة وغيرها كثير، وقد سقت بعضها في مسألة الرؤية ، والتي تدل دلالة قاطعة على جواز رؤية الله تعالى والنظر إليه يوم القيامة وهي من افضل النعم واتمها وهي حق للمؤمنين الفائزين بالجنّة .
اما الذين قالوا بعدم رؤية الله تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فقد استدلّوا بأدلة نقلية أوًّلوها، وأدلة أرجعوها الى العقل ، وليس من شأن العقل أن يخوض في كل المسائل لقصوره وعدم إدراكه لكل القضايا الدنيوية ، فضلاً عن القضايا الأخروية الغيبية .
أما رؤية الله تعالى في الدنيا فانّه لم يحصل لأحد أن رآه الاّ النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) ليلة المعراج ، وهذا ايضا موضع خلاف بين الفقهاء .
هذا ماتوصلت اليه في هذا البحث ...
اللهم أرزقنا الجنّة ، وأرزقنا صحبة نبيّك الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلّم ) وصحبة الأخيار ، وأرزقنا اللهم النظر الى وجهك الكريم آمين آمين يارب العالمين.
وفي الختام فهذا مايسره الله تعالى لي بكتابته حول هذا الموضوع، فعسى أن قاربت بالبحث غاية يرضي القارئ الكريم ، فان وفقت فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإن قصرت فذلك جهد ما وصلت اليه معرفتي .



المصادر
1- أصول الدين الإسلامي، د/ رشدي عليان ود/ قحطان الدوري- بغداد- الطبعة الثالثة – 1986م.
2- الإعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ( ت 458هـ ) دار الكتب العلمية – بيروت .
3- الإقتصاد في الإعتقاد – أبو حامد محمد بن محمد الغزالي ،( ت505 هـ )، تحقيق محمد مصطفى أبو العلا- مكتبة الجندي – مصر .
4- البداية والنهاية ، لأبي الفداء الحافظ إبن كثير الدمشقي ( ت 774هـ ) ، مكتبة المعارف ، بيروت – لبنان، 1990م.
5- التعريفات، أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني ( ت 816هـ )، تحقيق ، إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان ، ط1، 1405هـ.
6- الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله r وسننه وأيامه الشهيرة، صحيح البخاري – أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ ) المطبعة السلفية .
7- الجامع لأحكام القران- أبوعبدالله محمد بن احمد الأنصاري القرطبي – المتوفي 671هـ - تحقيق احمد عبدالعليم- دار الكتاب العربي – مصر، ط3 – 1387هـ .
8- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، شهاب الدين أحمدبن علي الشهير بإبن حجر العسقلاني (ت 852هـ) ، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، ( بدون رقم وتاريخ الطبع ).
9- الضوء اللآمع لأهل القرن التاسع ، شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي ( ت 902هـ ) ، بيروت – لبنان، ط 1، ( بدون تاريخ الطبع ).
10- الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم، الإمام عبدالقاهر بن طاهر البغدادي ( ت 429هـ ) ، منشورات دار الآفاق الجديدة ، بيروت- لبنان، ط 2، 1977م.
11- الملل والنحل، لأبي الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني (ت 548هـ) ، تحقيق، محمد سعيد الكيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت- لبنان، ط1، 1404هـ.
12- المنجد في اللغة والاعلام – دار المشرق – بيروت- لبنان ، ط25.
13- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة – مراجعة، د/ مانع بن الفاد الجهني- دارالندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، 1418هـ.
14- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، جمال الدين أبي المحاسن يوسف الأتابكي(ت 874هـ)، المؤسسة المصرية للتأليف والطباعة والنشر، طبعة مصورة من طبعة دارالفكر، مطابع كوستا توماس وشركائه، القاهرة، ( بدون رقم وتاريخ الطبع ).
15- تاج العروس من جواهر القاموس – السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي – تحقيق عبدالستار أحمد فراج ، ( بدون رقم وتاريخ الطبع ).
16- تفسير القرآن العظيم – أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير( ت 774هـ ) دار إحياء الكتب العربية- القاهرة – 1371هـ .
17- جامع العلوم والحكم، الحافظ إبن رجب الحنبلي ( ت795هـ ) تحقيق احمد سالم - دار الغد الجديد – مصر، الطبعة الأولى ، 1426هـ.
18- زاد المعاد في هدي خير العباد ، أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الشهير بإبن القيم ( ت 751هـ ) تحقيق شعيب الأرناؤوطي وعبدالستار الأرناؤوطي – مؤسسة الرسالة، ط 26،1992م.
19- شـذرات الذهب في أخبار من ذهب ، لأبي الفلاح عبدالحي بن عماد الحنبلي ( ت 1089هـ ) ، دارالفكر ، بيروت – لبنان، ( بدون رقم وتاريخ الطبع ).
20- شرح أصول إعتقاد أهل السنّة والجماعة – الإمام الحافظ أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللآلكائي( ت 418هـ) تحقيق د/ أحمد سعد حمدان.
21- شرح العقيدة الطحّاوية – الإمام القاضي علي بن علي بن محمد بن أبي العزّ الدمشقي – المتوفي 792هـ - تحقيق الدكتورعبدالله بن محمد التركي وشعيب الارناؤوط- مؤسسة الرسالة .
22- شرح النسفية في العقيدة الإسلامية، د. عبدالملك عبدالرحمن السعدي – الطبعة الأولى 1408هـ 1988م.
23- صحيح مسلم ، المسلم بن الحجاج النيسأبوري – تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي – الطبعة الأولى.
24- عون المريد لشرح جوهرة التوحيد في عقيدة أهل السنّة والجماعة- عبدالكريم تتان ومحمد اديب الكيلاني – ط2/ 1419 هـ - 1999م – دارالبشائر.
25- كتاب التصديق بالنظر إلى الله تعالى في الآخرة – الإمام الحافظ المحدّث الفقيه أبي بكر محمد بن الحسين الاجري ( ت360هـ )، تحقيق سمير بن الزهيري –مؤسسة الرسالة – الطبعة الأولى- 1408هـ - 1988م.
26- كتاب الرؤية – الإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمرالدّار قطني (ت 385هـ ) تحقيق إبراهيم محمد العلي وأحمد فخري الرفاعي – مكتبة المنار- ط1، 1411هـ - 1990م.
27- لسان العرب – الإمام أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم إبن منظورالأفريقي المصري ( ت711 هـ ) تحقيق علي شيري- دار إحياء التراث العربي – الطبعة الأولى / 1988 م.
28- مسند الامام أحمد بن حنبل، للإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني ( ت 241هـ) ، مؤسسة قرطبة، مصر ، ( بدون رقم وتاريخ الطبع ).
29- معجم الطلاب ،د/ محمود اسماعيل صيفي وحيمورحسن يوسف – مكتبة لبنان1991م.
30- مفردات ألفاظ القرآن الكريم - الرّاغب الأصفهاني ، ( ت 425هـ )، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم دمشق، الطبعة الأولى 1996.
31- مقالات الاسلاميين وإختلاف المصلين ، الإمام أبي الحسن علي بن اسماعيل الأشعري ( ت 324هـ ) عني بتصحيحه هلموت ريتر، دار إحياء التراث العربي ، بيروت، ط3، بدون سنة النشر .
32- موقف إبن تيمية من الأشاعرة – الدكتور عبدالرحمن بن صالح المحمود – مكتبة الراشد - طبعة 1995.
33- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان ( ت 681هـ ) ، تحقيق ، د/ إحسان عباس ، دار الثقافة، بيروت – لبنان ، 1972م ، ( بدون رقم الطبعة ).