في الآونة الأخيرة وفي البرنامج الحواري الأكثر من رائع على قناة الرسالة والذي يسمى بـ"الوسطية"، والذي يعده ويقدمه ويشارك حواره الدكتور طارق السويدان، حيث يتم من خلال هذا البرنامج مناقشة مواضيع حساسة وجدية وبحرية تامة. ففي إحدى حلقات هذا البرنامج تم مناقشة موضوع "نظرة الإسلام على عمل المرأة السياسي"، وبحضور عددٍ كبير من المفكرين والباحثين في شتى الاتجاهات والأفكار، ومن خلال متابعتي للحوار دونت بعض الإشارات والملاحظات من خلال الحوارات التي تدار بين المشاركين والتي لخصتها على شكل الأسئلة التالية:- هل الإسلام حرم المرأة من ممارسة حريتها السياسية مثلما منح الرجل هذه الحرية؟ وهل يجوز للمرأة أن تعمل عملاً سياسياًً مثل الرجل، كأن تعمل قاضية، أو وزيرة، أو دبلوماسية، أو حتى رئيسة الدولة...إلخ. في الحقيقة هناك من الفقهاء من لم يجز للمرأة العمل بهذه المناصب أو بعضها، وهؤلاء استندوا إلى حديث يرويه الإمام البخاري والإمام أحمد والترمذي والنسائي، عن أبي بكرة قال رسول اللهَ (صلى الله عليه وسلم): (لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة)، وحول هذا الحديث يقول الدكتور طارق السويدان في مشاركته الحوار: "إن هذا الحديث لا يفيد العموم والإطلاق، وإنما مقيدٌ ومخصصٌ ولزمان محدد، وذلك أن ملك الفرس هلك، ونتيجة لعدم وجود الأبناء في العائلة المالكة تولت ابنتهُ "بوران" المُلكَ من بعده، فعندما أخبروا الرسول اللهَ (صلى الله عليه وسلم) قال: (لن يفلحَ قومٌ ولوا أمرهم امرأة)، وقد يقول قائل لماذا لا يكون هذا الحديث قاعدة عامة، وسنة من سنن الله في الحياة؟ وللإجابة على ذلك نقول: 1- في القرآن الكريم نماذج تؤيد عكس هذه القاعدة، فقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم "بلقيس" ملكة سبأ، وكانت تحكم شعبها في اليمن، فعندما وصلتها رسالة سيدنا سليمان (عليه السلام) تعاملت مع الأمر بكل حكمة وبصيرة، في حين لو أن مملكة سبأ تحكمها رجل من هؤلاء الرجال الذين أدلو بدلوهم في بداية الأمر، لقاد شعبه وجيشه إلى الهلاك، بينما بلقيس عندما دخلت الإسلام جنبت شعبها الهلاك والدمار في الدنيا والآخرة، وهذه الواقعة يصورها القرآن الكريم في سورة النمل من (الآية 20 إلى الآية 44)، ونظرة في النص القرآني حول هذه المرأة نجد أن القرآن لم يعلق هذا الأمر بعدم جواز مشاركة المرأة في العمل السياسي، كما لم يذكرها في موضع ذم لقدراتها السياسية والعقلية الفريدة. 2- وكما أجاز بعض الفقهاء من الأحناف وغيرهم للمرأة أن تكون قاضية في بعض المحاكم، أجاز آخرون بأن تكون قاضية في جميع المحاكم من، ومن هؤلاء نذكر ابن حجر العسقلاني، وابن جرير الطبري، وبعض علماء المالكية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا جاز للمرأة أن تحكم بين الناس في أعلى مناصب الحكم القانوني كالقضاء مثلاً، أفلا يجوز لها أن تتولى منصباُ عاماُ في سياسة الناس..؟! وكما أن التاريخ الإسلامي يشهد على أن الصحابة إذا استعصى عليهم أمر فقهي ذهبوا لاستفسار أُم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، هذا، وأن الرسول الكريم (عليه الصلاة والسلام) استشار أُم المؤمنين (أُم سلمة) في صلح الحديبية، وذلك عندما طلب من الصحابة بنحر هديهم، وحلق رؤوسهم فلم يفعلوا، فدخل إلى (أم سلمة) يشكو إليها. فقالت له: "يا رسول الله أتحب ذلك؟" فاخرج ولا تكلم أحداًُ منهم حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلق لك، فخرج الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وفعل ما قالته (أم سلمة)، وهذه الحادثة دليل على جواز استشارة المرأة في كثير من الأمور وإن كانت مهمة، وفي هذا يقول الحسن البصري: " إن النبـي كان غنياً عن مشاورتهم، ولكنه أراد أن يستن الحكماء بذلك من بعده". أما قول بعض الناس بعدم جواز عمل المرأة السياسي بدليل قوله تعالى [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ](النساء :34)، فإن الآية الكريمة تتحدث عن موضوع الإنفاق على المرأة، ولا تتحدث عن جواز عملها السياسي أو عدمه كما يقول الفقهاء. ويقول الدكتور طارق السويدان في نهاية الحلقة بما أثبتناه آنفاَ إلى أنه يجوز للمرأة أن تكون وزيرة أو عضوة في البرلمان أو حتى رئيسة دولة، وذلك لعدم وجود أي دليل صريح يمنع المرأة من ذلك، بل الوارد من الأدلة يثبت جواز عملها السياسي، بشرط امتلاك المقومات الصحيحة لهذا المنصب سواء كان المرشح لهذه المهام رجلاً أو امرأة..!