تساؤلات كثيرة يحتاجها الشباب والفتيات وأقرب شئ وأكثر ما يفعلونه هو البحث عن أكثرهم التزاما بالشكل الديني وسؤاله بلا تردد. هذه المظاهر هي إما اللحية أو الجلباب أو النقاب أو ما إلى ذلك، وكأن هذا المظهر خلق من إنسان ربما كان علمه متواضع جدا عالما في كل فروع الدين يفتي فيها ولا يقول أبدا لا أعرف.
يترتب على ذلك عدة إشكاليات من أهمها:
(1) الفتوى دون أدنى علم مما يتسبب فعليا في: الوقوع في حدود الله تحريم ما حلل الله وتحليل ما حرم تقنيط الناس من رحمة الله نشر الفساد في الأرض إشاعة الفرقة والبغضاء بين الناس
(2) ائتمان غير المؤتمنين على الأسرار الشخصية بحكم سرد القصة المراد السؤال عنها، ولأن من تم سؤالهم أناس عاديين جدا في عصر الفتن فتجد هذه الأسرار الشخصية وقد نقلت إلى الناس بمصاحبة بعض الإضافات منها أحكام على شخصية هذا السائل ولا يخلو الأمر من بعض السخرية أو النقد.
(3) المصيبة تصبح أكبر حين تستأمن امرأة رجل في مكان عملها على سبيل المثال وهي لا تعرفه إلا من بعيد ولكنها تسأله لمجرد أنه ملتحي، وهنا عدة مصائب: شعورها بالأمان تجاه هذا الرجل لإرتباط اللحية في نفسها بصفات الكمال الأخلاقي مما يجعلها تحكي ما تشاء وكأن من أمامها معصوم رفع التكلفة بسبب التطرق في السؤال إلى موضوعات شخصية تُعَرِّف المرأة رجل بذنب اقترفته مما يجعلها معرضة للإتهام ورميها بالباطل بكل سهولة
(4) افتقاد الذي يُسأل إلى أصول وأساليب الدعوة إلى الله مما يجعل ردوده ولو كانت صحيحة ولكن أسلوبها الخاطئ قد يوقعه في تنفير السائل من دين الله. وللأسف تجد حاليا كلمة \"شيخ\" لم تعد تقال لإنسان نال قسطا وفيرا من العلم الشرعي بل أصبح هذا اللقب لأي ملتحي ونظيرها لأي منتقبة ويصبح الشخص في التو واللحظة جدير بأن يُسأل ليفتي في أي شئ، والأسوأ من ذلك أن الشخص نفسه يستسلم لذلك ولا يمتنع بل أحيانا كثيرة ما ينجذب لهذا المظهر لأنه سينقله إلى مملكة خاصة جدا له فيها وضعه هكذا في لحظة دون علم وتعب ومجهود ولا حتى إلتزام حقيقي، يكفيه المظهر ولن يسأله أحد عن غيره.
هنا يحضرني لقاء مستفز جدا في قناة فضائية مصرية ظهرت فيه أخت منتقبة تلوح بأيديها للمذيعة في نبرة آمرة غاضبة وتقول بالحرف الواحد: \"كشف الوجه حراااااااااااام وكل من تكشف وجهها فهي آثمة\" وظلت تعيد وتزيد حول هذا الموضوع ثم ختمت بآية النقاب ولكنها لم تكن تحفظ الآية فأخطأت فيها تماما ولكنها كانت تتحدث بثقة بالغة يحسبها أي شخص ذو علم ديني محدود أنها ذات قدرات دينية فائقة.
وكلمة \"حرام\" و\"آثمة\" لا يستطيع أي عالم استخدامهما بهذه البساطة في مسألة النقاب حيث أن هذا الأمر فيه إختلاف وهذا ما يوضحه كل من هو مع أو ضد وجوب النقاب، أما هذه الأخت فهي للأسف تخطت كل الحدود، وعلى الرغم أن أي إنسان لديه قدر متزن من العلم يمكن أن يعدد الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها إلا أن المشاهد ذو الثقافة الدينية المحدودة قد يتأثر سلبا بمثل هذا الحديث.
ظاهرة أخرى أيضا مرتبطة بهذا الموضوع وهو استضافة الفنانين والفنانات المعتزلات ومعاملتهم على أنهم أصبحوا علماء، متناسين تماما أنهم شخصيات علمها قد يكون في بعض الأحيان أقل من العادي وكل ما يميزها أنها شخصيات اختارت طريق الله الذي لا يحتاج إلا سلامة قلب، وظهورهم بهذه الطريقة سببه شئ واحد وهو أن طبيعة وظيفتهم هي الشهرة.
انتقادي لهم ليس لأني ضد ظهور شخص مشهور قرر الالتزام ويحكي عن تجربته فذلك يساهم في تشجيع آخرون على سلوك نفس النهج إنما انتقادي يأتي من منطلق سماعي لعدة شخصيات، خرجت بعدها من الحوار بحديث يبدو منه إيمان ضعيف أو علم غاية في الضعف ومفاهيم خاطئة مما يترك إنطباعا سيئا لدى المشاهد ويصبح التأثير سلبي بدلا من أن يكون إيجابي. على سبيل المثال سمعت احدى الفنانات المعتزلات وهي تحكي عن حياتها وهي بالكاد تسيطر على نفسها في مواجهة الإبتلاءات التي يبتليها بها الله وتشعر من نبرتها وطريقة كلامها أنها تكاد تندم على سلوكها هذا الطريق. فعليا هي ليست هكذا والله يثبتها بطرق مختلفة ولكنها لا تعرف ماذا تقول ولم تتعلم من العلم ما يقودها إلى رؤية صحيحة للأحداث التي تمر بها، هذه الرؤية التي تقوي إيمانها وتعينها على مواجهة الصعاب التي لابد منها لكل من يؤمن بالله أو يقرر البدأ في عمل يرضي الله. وهنا أرى أن الخطأ مشترك فهو من قبل معد البرنامج لأنه وضع أسئلة أكبر من حجم الضيف وأراد أن يجبر الضيف في التحدث فيما لا يعرف أبعاده، وخطأ الضيف الذي لم يقف عند حد علمه في الحديث ونسي أنه بالتزامه أصبح دعوة إلى الله مما يضعه في مكان حساس جدا يحتاج منه إلى قدر أكبر من التفكير فيما يصلح أن يقال وما لا يصلح، وأي البرامج تصلح لظهوره وأيهم لا تصلح.
نتيجة القول: الملتزمين بأي مظهر ديني ليسوا فقهاء، وليسوا معصومين، بل هم أشخاص عاديين، والعلم والفتوى لا تؤخذ عنهم وإنما تؤخذ من مصادرها الشرعية المعروفة، والإستسهال ليس حجة لك لتأخذ دينك من مصادر خاطئة، وإن كنا نتحرى المعلومات الصحيحة والدقيقة (والأوريجينال أو الأصلي) في أمور الدنيا فأولى بنا أن نقوم بذلك أثناء بحثنا عن القواعد الصحيحة التي نقيم بها حياة ترضي الله.