النطفة الأمشاج بين العلم والقرآن قال تعالى: ) هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ، إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (.[1] قال الراغب الأصفهاني:" ) من نطفة أمشاج نبتليه ( أي: أخلاط من الدم، وذلك عبارة عمّا جعله الله تعالى بالنطفة من القوة المختلفة المشار إليها بقوله: ) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة (إلى قوله) خلقاً آخر ( "[2]. ويقول سيد قطب: "والأمشاج: الأخلاط، وربما كانت هذه إشارة إلى تكوين النطفة من خلية الذكر وبويضة الأنثى بعد التلقيح، وربما كانت هذه الأخلاط تعني الوراثات الكامنة في النطفة، والتي يمثلها ما يسمونه علمياًّ ( الجينات ) وهي وحدا ت الوراثة الحاملة للصفات المميزة لجنس الإنسان أولاً، ولصفات الجنين العائلية أخيراً، وإليها يعزى سير النطفة الإنسانية في رحلتها لتكوين جنين إنسان، لا جنين أي حيوان آخر، كما تعزى إليها الوراثة الصفات الخاصة في الأسرة .. ولعلها هي هذه الأمشاج المختلطة من وراثات شتى "[3]. ويقول القرطبي : "وأمشاج جمع مشج، أو مشيج، وهي صفة النطفة و الأمشاج معناها الأخلاط والمراد بها اختلاط نطفة الرجل بنطفة المرأة ، يقال: مشج هذا بهذا فهو ممشوج، أي خلط هذا بهذا فهو مخلوط "[4]. وأخرج الإمام أحمد في مسنده، أن يهودياً مرّ بالنبي r وهو يحدث أصحابه، فقالت قريش: يا يهودي ، إن هذا يزعم أنه نبي، فقال لأسألنّه عن شيء لا يعلمه إلا نبي فقال: يا محمد مِمِّ يخلق الإنسان، فقال رسول الله r : « يا يهودي من كلٍ يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة »، فقال اليهودي هكذا كان يقول من كان قبلك ( أي الأنبياء )[5] لقد كان شائعاً إلى وقت قريب أن الجنين يخلق من ماء الرجل، ولا دور لماء المرأة في عملية تكوين الجنين، وما رحم المرأة إلا كأرض خصبة قد هُيّئت لأن يرمي الرجل فيها البذرة، فيتكون الجنين، " وظلت النظرية التي تقول: بأن الجنين موجود بصورة مصغرة في الحيوان المنوي للرجل، وليس للمرأة أي دور في تكوينه، سوى التغذية والرعاية حتى القرن السابع عشر الميلادي، ثم جاءت النظرية التي تقول: بأن الجنين موجود بصورة مصغرة في البويضة، أما الحيوان المنوي للرجل فليس له دور سوى التنشيط للبويضة، وبقيت المعارك مستمرة بين أنصار النظريتين حتى ظهر " سبالانزاني- SPALLANZANI " (1729-1799) و " ولف- WOLFF " (1733-1749) ، اللذان أثبتا بتجارب عديدة أن الذكر والأنثى يساهمان جميعاً في تكوين الجنين.وهكذا تتبين الحقيقة اليوم للعالم أجمع، والتي أثبتها كلام الله تعالى على لسان نبيه الأمين r، منذ أربعة عشر قرناً من الزمان "[6]
" وبهذا يتضح أن الإنسانية بعلومها التجريبية والفلسفية لم تكن تعلم شيئاً عن النطفة الأمشاج، ولا في أواخر القرن التاسع عشر و تأكد ذلك في أوائل العشرين، وأنها لم تكن تدري أن الجنين الإنساني يمُّر بأطوار مختلفة من الخلق .. خلقاً من بعد خلق ،ولم تعرف ذلك إلا عام ( 1769 ) عندما قدم ولف ملاحظاته، ولم تتأكد هذه الملاحظات إلا بعد أن جاء شوان وشليدان وأوضحا دور الخلايا في بناء الأنسجة وذلك عام 1839، وفي عام 1883 تمكن ( فان بنرن ) من، إثبات أن كلا البويضة والحيوان يساهمان بالتساوي في تكوين الجنين، وفي أوائل القرن العشرين عرفت مراحل الجنين ودور الصبغات والجينات في تكوين الجنين وصفاته الوراثية… ويحدثنا الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري في شرحه لحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن أحدكم يجتمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً _ باب القدر
[8]انظر : خلق الإنسان بين الطب والقرآن ، د.محمد علي البار، ص192