بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله، حمداً كثيراً على نعمه، والصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.. فإنّ الله تعالى قد أكمل دينه، وأتم نعمته على المؤمنين بما أنزله من القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد r ليخرج الناس به من الظلمات الى النّور، ويهديهم إلى صراط الله المستقيم، قال تعالى } ... قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { المائدة: 15-16. ولقد تسلّم الإسلام قيادة البشرية بعدما فسدت الأرض وأسنَت الحياة، وذاقت البشرية الويلات و } ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ { الروم:41. والصلاح هو الركن الذي ينبغي له الوجود عند كل بني البشر، ولا يستقيم حياة الإنسان دونه، فهو – الصلاح – للسعادة أساس، وللحياة ركن، وللإنسانية شرط ، ولتحقيق الخلافة مدلول. كثر الكلام عن الإصلاح في العالم أجمع، وأصدرت كتب ومجلات وجرائد، وأنشأت أحزاب وحركات وجمعيات بإسم الإصلاح ، وكثيراً مانشاهد المظاهرات والهتافات تعلو على أجهزة الإعلام ( الإصلاح .. الإصلاح ) ، وبروز التيار الإصلاحي في العالم، وبغض النظرعن تفسير مغزى الإصلاح عند كل من يريد أن يفسره، فهناك من يفسره بأنه التسوية بين الرجل والمرأة، وغيره يفسره بأنه إعطاء الدور الكامل للطبقة المسمى – بالشباب – وإصلاحه، على كلٍ، فقد جذب شعور العالم نحوه . لعل العالم رأت الفساد في جميع النواحي ، في السياسة والأخلاق والفكر و الإقتصاد والإجتماع ، لذا قاموا بتأسيس وتشكيل الأحزاب والجمعيات لغرض الإصلاح أملاً في إصلاح مافسد. سبب اختيار الموضوع يرجع سبب إختياري لهذا الموضوع الى جملة من الأمور منها:- 1- إنحراف المسلمين عن المسار الذي رسمه القرآن . 2- الرغبة الصادقة في إضاءة شمعة على طريق الإصلاح. 3- حال الأمة الإسلامية في أغلب المجالات، تغلغل عوامل الفساد ومظاهره في معظم المجتمعات. 4- الفشل الذريع لكل الجهود والمحاولات الإصلاحية عن طريق الأنظمة والمناهج الوضعية ، ووصولها الى طريق مسدود. 5- إنبهار بعض الناس بالمبادئ المستحدثة، وبألوانها البرّاقة، وماهو إلاّ الوهم الخادع والسراب الكاذب. 6- كيد أعداء الإسلام لصرف أمة القرآن عن نظامها الشامل للحياة. 7- القنوط التي إستولت على قلوب كثير من الناس ، ظنّاً منهم أنّه لاسبيل إلى إصلاح هذه الأمة ، ولا أمل في إستعادة مجدها. قمت بتقسيم هذا البحث على ثلاثة مباحث ، ولكل مبحث مطالب وعلى الشكل الآتي :- المبحث الاول : المطلب الاول : المعنى اللغوي والشرعي للصلاح والإصلاح . المطلب الثاني: أولاً : العلاقة بين الصلاح والاصلاح . ثانياً: آثار الصلاح والاصلاح على الفرد والمجتمع. المطلب الثالث : صفات المصلحين في القرآن. المبحث الثاني : المطلب الاول : مصير الأمة التي تركت الإصلاح . المطلب الثاني : مكانة الإصلاح . المطلب الثالث: قواعد ومراتب الإصلاح. المبحث الثالث : مجالات الإصلاح . المطلب الاول : أولاً: الإصلاح السياسي. ثانياً: الإصلاح الإجتماعي. المطلب الثاني : أولاً: الاصلاح الاقتصادي . ثانياً: الاصلاح الاخلاقي. ثالثاً: الاصلاح الفكري. الخاتمة ..... المبحث الأول المطلب الأول المعنى اللغوي والشرعي للصلاح والإصلاح الصلاح : ضد الفساد، ورجل صالح في نفسه من قوم صلحاء ومصلح في أموره، وهذا الشئ يصلح لك أي : هو من ياتيك. والإصلاح : نقيض الافساد ، والاستصلاح نقيض الاستفساد، واصلح الشئ بعد فساده أي أقامه، واصلح الدّابة ، أحسن اليها فصلحت. والصلح تصالح القوم بينهم ، والصلح السلم ([1]).، صلح صلاحاً وصلوحاً: زال عنه الفساد، والشئ كان نافعاًاو مناسباً، يقال: هذا الشئ يصلحلك. أصلح ذات بينهما : أزال مابينهما من عداوة وشقاق، وفي التنزيل } وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا... { الحجرات: 9 ، و}... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ { الأنفال: 1 . وإستصلح الشئ : تهيأ للصلاح والصالح ، المستقيم المؤدي لواجباته والصلاح، الاستقامة والسلامة من العيب، ...والصلح انهاء الخصومة ([2]). المعنى الإصطلاحي للصلاح الصلاح مختص في اكثر الاستعمال بالافعال، وقوبل في القران تارة بالفساد وتارة بالسيئة ، قال تعالى } ... خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً { التوبة: 102، وقال ايضاً } وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا {الأعراف: 56 . والصلاح هنا يراد به ان يكون الإنسان صالحاً في ذاته ، قد بدأ بنفسه فطهرها وهذبها وأقامها على الصراط فاصبحت نفساً طيبة صالحة . يقول الإمام الغزالي ([3]) رحمه الله (( فحق على كل مسلم ان يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات )) ([4]). ويقول الآلوسي رحمه الله (( الصلاح عبارة عن الإتيان بما ينبغي والإحتراز عمّا ينبغي )) ([5]) ، وهو أي : الصلاح: جامع لكل خير وله مراتب غير متناهية ، ومرتبة الكمال فيه مرتبة عليا، ولذا طلبها الأنبياء عليهم السّلام كما قال النبي سليمان عليه السّلام } وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ { النمل: 19([6]). المعنى الإصطلاحي للإصلاح يقول الإمام الغزالي رحمه الله بعدما وضّح واجب المسلم تجاه نفسه بتهذيبه ، شرع في بيان معنى الإصلاح فقال: ( ثم يعلم ذلك – أي الذي قام بتهذيب نفسه وصلاحه – ثم أهل بيته و يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه ثم إلى أهل محلته ثم إلى أهل بلده ثم إلى أهل السوادالمكثف ، ثم إلى أهل البوادي من الأكراد والعرب وغيرهم...)، وبتوافر عنصري الصلاح في النفس والإصلاح للنفس يتحقق للإنسان إكتمال فضيلة أخلاقية قرآنية ذات شقتين ، يكمل احدهما الأخرى ، تلك هي ماعبرت عنه بكلمتي (الصلاح والإصلاح ) ([7]). ،فاذا عرفنا بان الصلاح هو القيام بتهذيب الآخرين والتعدي من النفس إلى الغير، إذاً أدركنا ذلك ، فبم يتحقق القضية وبم يتم ذلك؟. يقول الإمام إبن تيمية([8]) رحمه الله (( إنّ صلاح العباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّ صلاح المعاش والعباد في طاعة الله ورسوله، ولايتم ذلك إلاّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمة خيرأمة أخرجت للناس)) ([9])، فمضمون الإصلاح إما أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، وجاء في معجم العلوم الإجتماعية إن المقصود بالإصلاح هو " تغيير في نموذج من النماذج الإجتماعية أملاً في الوصول إلى تجسيد ذلك النموذج، وحركات الإصلاح بمعنى الكلمة تنزع إلى تخفيف مساوئ النظام الإجتماعي وتصحيح الأوضاع الفاسدة وذلك عن طريق تعديل في بعض النظم الإجتماعية دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير البناء الأساسي للمجتمع " ([10]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) إبراهيم مصطفى وزملائه، المعجم الوسيط، دار الدعوة، إسطنبول، 1410هـ - 1989م، ج1،ص 520. ([2]) المصدر نفسه ،ص 520. ([3]) الغزالي: أبو حامد، محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، فيلسوف، متكلم، متصوف، ولد سنة ( 450هـ ) في غصبة ( طوس ) بخراسان ، رحل الى نيسابور ، ثم الى بغداد – توفي – رحمه الله – سنة ( 505هـ ) ، بعد أن ترك مصنفات عديدة ، منها: ( إحياء علوم الدين ) و ( الاقتصاد في الإعتقاد )و( تهافت الفلاسفة ). ينظر : وفيات الاعيان ، لإبن خلكان، 4 / 216- 219. ([4])د. احمد الشرباصي، موسوعة اخلاق القران الكريم، دار الرائد العربية، بيروت، ط1، 1401هـ - 1981م، ص 208. ([5])الآلوسي ، روح المعاني ، العلاّمة شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، دار الفكر، بيروت – لبنان ، د. ط ، مج 4، ج2، ص 7. ([6]) المصدر نفسه ، ص 12. ([7])د. احمد الشرباصي، موسوعة اخلاق القران الكريم ، ص 208. ([8]) إبن تيمية : هو أحمد بن عبدالحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ، ولد بحران سنة (661 هـ )، تعلّم الفقه والتفسير والعربية ، وافتى دون العشرين من عمره ، توفي في سجن القلعة بدمشق سنة ( 728 هـ ) بعد ان ترك مصنفات عديدة، منها: ( مجموع الفتاوي )، و ( منهاج السنّة النبوية ) ، و( النبوات ) ، و ( الرد على المنطقيين ) ، ينظر : شذرات الذهب، لإبن العماد الحنبلي ، 6/ 80- 86. ([9]) إبن تيمية ، السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية ،دار المعرفة ، بيروت – لبنان، ط 4 ،1969م، ص 73. ([10]) البدوي، رسالة الإصلاح، ط1، 1417هـ - 1997م ، ص 9.