.. انه ابني أحبه أكثر من نفسي.. ولكن أكاد أفقد صوابي فهو يستقبلني برفسة أو لكمة أو شتيمة رغم صغر سنه.. أحياناً يكون حنوناً ودوداً وفجأة لا أعلم لماذا يغدو عدوانياً شرساً...". يا دكتور لندرس الآن المرحلة الموازية من التطور عند الصبي، كذلك سأقدمها بنموذج تخطيطي ومبسط. لقد رأينا أن على البنت أن تنقل تعلقها مع أمه إلى أبيها، أما الصبي فإن تعلقه البدائي مع أمه وهذا يبقى صحيحاً خلال المرحلة الأوديبية. فالصبي لا يتعرض لهذا التحول للموضوع الذي يحبه مثل البنت، وبدلاً من ذلك فإن على الصبي أن يحول تمثله مع أمه إلى تمثله مع أبيه كما عليه أن يحوّل دوره في العلاقة مع المرأة من دور يحصل فيه على لذته بطريقة منفعلة بشكل أساس إلى دور يحصل فيه على اللذة من خلال علاقة فاعلة مع المرأة. فهو يستمد اللذة في حياته المبكرة من أشياء تمارس له مثل تحميمه وإطعامه وتقبيله. وعليه أن ينتقل إلى حالة حيث تكون الأدوار فيها أكثر توازناً لذلك عليه أن يتخلى عن أمه كموضوع لتلبية رغباته وأن يحوّل اهتمامه إلى نساء أخريات حيث ينتقل الطفل خلال المرحلة الأوديبية من علاقة تملكيه مع أمه إلى علاقة تنافسية مع أبيه. تماماً مثل البنت، فمن السهل أن ندرك هذا عندما نراقب ونستمع إلى أحاديث الأطفال، فبينما يحب الطفل ويعجب بأبيه كذلك يعبر عن عواطفه من طبيعة مختلفة جداً عندما يودع أباه فرحاً كل صباح ويتطلع بلهفة إلى بقائه مع أمه في المنزل وحيداً. وعندما يعود الأب يمكن للولد أن يرحب بأبيه بطريقة متناقضة Ambivalent ، فأحياناً يرحب به بضربة حادة على معدته أو رفسة على ساقه ومن المحتمل أن يعانقه وأن يرحب به بمنزله. فهناك تناقض Ambivalance في علاقته مع أبيه وعندما يدرك الابن رغبته في تملك أمه كلياً يدرك عندها أنه منافس له وأنه ليس مجرد منافس فحسب بل هو ذلك الإنسان الذي لا يستطيع الابن أن ينافسه بنجاح. لذلك تمتلكه رغبة عارمة في أن يكبر ويصبح أقوى من أبيه وأن يمتلك كل شيء يمتلكه والده ولكنه سرعان ما يدرك أن هذا ليس واقعياً. ليس من السهل على الصبي أن يتعامل مع هذه المشكلة على عكس البنت حيث كانت تحب أباها وبنفس الوقت تقوي توحدها مع أمه. أما الصبي فإنه يمر بفترة مخيفة أكثر. إن الأطفال يعتقدون أن أهاليهم يعرفون كل شيء يفكرون به، لذلك فعندما يتمنى الصبي أن يذهب أباه ليبقى وحيداً مع أمه يظن الصبي (وهو مقتنع بذلك) أن أباه يعرف ما يدور بذهن ابنه وهذا ما يخيفه لأن أباه سوف ينتقم. يمكن أن يكون لديه مستويات مختلفة من الخوف من أبيه. هذه المخاوف تُوجد الفكرة المخيفة من أن أباه سيخصيه!. إن هذا يعتبر هراءًً بالنسبة إلى الراشد، فالآباء لا يفعلون أشياء كهذه بأطفالهم حتى أنهم لا يهددونهم بالخصاء، إذن لماذا يمتلك الصبي مثل هذا الخوف؟. إن هذا الخوف قائم جزئياً على إدراكه الحالي وملاحظته للاختلاف بينه وبين البنات. إن ملاحظة الصبي للأعضاء التناسلية عند البنت دليل قاطع على إمكانية حدوث الخصاء. لقد قلت سابقاً أن الأطفال يعتقدون أن بنية كل شخص تشبه بنيتهم ولكن عندما يلاحظ الصبية البنات ويدركون أنهن لا يملكن قضيباً عندها يخافون من أنه يمكن أن يحدث لهم الخصاء. أن قضيبهم الآن مصدر للإحساسات باللذة والتمتع متضمناً التخيلات بأن يصبح قوياً مثل أبيه. هذه التخيلات هي مصدر قلق كبير عند الطفل، فالخوف من أن يعلم الأب ما يدور بذهن الطفل من أفكار وأن يعاقبه على ذلك. إن الجزء الجسدي هو ذلك الذي يزعج لأنه سيعاقب بسبب أفكار الصبي. إن الخوف من الخصاء يجعل الصبي يمر عبر هذه المرحلة بصخب أكبر من مرور البنت بهذه المرحلة، لأن هذا الخوف يضعه تحت ضغط كبير ليعدل طبيعة الرغبات الأوديبية وأن يتخلى عنها بالمقارنة مع البنت. إن أسوأ شيء هو أن البنت تستطيع أن تتخيل ما سيحدث لها نتيجة رغباتها الأوديبية ألا وهو أن أمها لن تحبها أبداً، ورغم أن هذا التوقع بحد ذاته سيء بالنسبة للفتاة لكنه لا يولد نفس الدرجة من الخوف الذي يعانيه الصبي من العقاب الجسدي ومن الخصاء، لذلك فإن المرحلة الأوديبية تنتهي عند الصبية بشكل فجائي نسبة لنهايتها عند الفتيات. كما لاحظنا فيما عرضت سابقاً، معظم الصبية يظهرون الآثار الناتجة عن هذه المرحلة من الصراع في السنوات اللاحقة لذلك سيخافون من البنات ويتجنبون أي علاقة معهن. فإذا ما عملت مع مجموعة من الأطفال بعمر السادسة ستعرف عندها أنّه من الصعوبة عليهم أن يمسكوا بأيدي بعضهم البعض ليشكلوا دائرة، فالصبية لا يريدون حتى أن يلامسوا أيدي البنات، فهم يتصرفون وكأن شيئاً ما يخيفهم من البنات، شيئاً ما يذكرهم بالخطر الذي يتخيلون أنهم تجاوزوه. هذا هو العمر الذي يهتم فيه الطفل الصغير بإظهار نماذج سلوكية مفرطة الذكورة Supermasculine . فالصبي يحب أن يصبح شرطياً أو رائد فضاء أو جندياً. فهذه مجرد أدوار ذكرية تحميه من أخطار أي شيء يهدد ذكورته. إن هذه الفترة تشعر الطفل أنه لا يمكنه أن يهزم أباه لذلك يقرر أن ينضم إليه وأن ينتقل إلى المرحلة التي يريد منها أن يشبه والده. فهو لم يقم باستدخال فكرة الذكورة فحسب بل ضخمها أيضاً. كذلك قام باستدخال نماذج سلوكية معينة استوحاها من والده. إن هناك سلسلة من المحرمات التي ستشكل أناه الأعلى ولكن هذه المحرمات لها صفة طفولية كحال الطفلة تماماً فمثلاً من ضمن الأشياء التي يعتقدها الصبي في ذلك الوقت أنه يجب عليه أن يحصل على كثير من اللذة أو المتعة من الالتصاق بأمه. وعندما يكبر هذا الصبي، إذا أراد أن تكون له القدرة على النضوج بعلاقته مع المرأة عندها عليه أن يعدل من هذا الموقف الطفولي. لذلك لا يوجد هناك بناء ثابت للأنا الأعلى في هذه المرحلة. ولكن يوجد نوع من التنظيم لبعض الميول الأساسية مما يصنع الشخصية ببعض سماتها. إن الصبية يجتازون هذه المرحلة الأوديبية عبر طرق مختلفة كما تفعل البنات. فكثير من الرجال لا يستطيعون أن يتخلصوا من خوفهم من النساء حيث يتوقفون عند السادسة أو السابعة من العمر طوال حياتهم وينتقصون من قدر المرأة ويحاولون دائماً أن يخيفوها. كذلك نجد رجالاً آخرين يطلبون دائماً تأكيد أنفسهم بواسطة ذكورتهم وهذا يعتبر من بقايا القلق الذي ولد أثناء المرحلة الأوديبية لذلك يُقصرون ولا يهتمون إلا بالأشياء التي يعتبرونها تحمل معنى الرجولة. فلا يشعرون بأي متعة بالموسيقا أو بالشعر وعندما يصبحون آباء سيغضبون خائفين من فكرة إعطاء الطفل أحياناً زجاجة الحليب أو عندما يسوقون عربة الطفل. لأن هذه الأفعال ستقلل من رجولته. كذلك هناك اضطرابات أخرى ذات درجات أشد وأقل والتي تكون نتيجة الحلول المختلفة للمرحلة الأوديبية، فمثلاً لنفترض أن هناك أباً يسحق ابنه الصغير ويضعه دوماً بمرتبة أقل منه، يغيظه ويستخف به، عندها سيشعر الطفل بنقص كامل. إنه لا يستطيع أبداً أن ينافس والده أو أن يربح ضد أب كهذا لذلك سيتنازل عن أمله في أن يصبح شبيهاً بوالده وبالتالي أن يحصل على إنسانة مثل والدته. إن مثل هذا الصبي سيرقد وينسحب ويتقهقر في تطوره. مقرراً أن الشيء الذي يوفر له الأمن هو أن يخضع لوالده ويحاول أن يبهجه. ذلك أن التنافس مع والده خطير جداً. لذلك عندما يكبر سيكون شخصاً خاضعاً منفعلاً ومن الممكن أن يكون جنوسياً بشكل صريح أو مُقنّع ذلك لأنه يجد أن مشاركة الرجال أكثر أماناً من مشاركة النساء. وهذا حكماً ليس المحدد الوحيد للسلوك الجنوسي فهناك عوامل لا تحصى تساهم في الوصول إلى مثل النتيجة (الجنوسة). فهذه النتيجة قد تحدث أحياناً ما قبل المرحلة الأوديبية. بالإضافة إلى الإحساس الضعيف بالهوية الجنسية، وتعلق قوي مفرط للفرد بجسده، وأذيات جسدية مختلفة تعتبر عوامل قليلة تؤدي إلى الجنوسية في مراحل المراهقة. ليس الأب المستبد والمهدد للطفل هو فقط الذي يؤدي لجنوسية عند الطفل بل الأب الضعيف يفشل في أن يقدم للطفل نموذجاً للسلوك الذكري وهذا يؤدي إلى نتيجة مشابهة. نسمي هذه النماذج بالحلول السلبية للصراعات الأوديبية التي تؤدي بالصبي إلى التهرب من أي مشاعر تنافسية مع الرجال وبالمقابل يبحثون عن الحب والاستحسان من الرجال عن طريق خضوعهم لهم وبنفس الوقت لا يستطيعون أن يحبوا النساء عادة. وهناك أيضاً رجال يظهرون تعلقاً إيجابياً غير متحلل Unresolved بأحد الوالدين. فنحن نعرف رجالاً غير متزوجين (أعزب) أعمارهم 40 - 50 سنة يعيشون مع أمهاتهم ويكون الأب ميتاً أو على الأقل غير هام في بنية العائلة حيث تبقى الأم هي الموضوع الأساس للحب بالنسبة لهؤلاء الرجال. وهناك رجال آخرون يقسمون النساء بسبب اتصالاتهم المتناقضة مع أمهاتهم إلى صنفين: التصنيف الأول يضم البنات الجميلات والشبيهات بأمهاتهم وأخواتهم بشكل أو بآخر ولكن لا يمكن إقامة أي علاقة زوجية جنسية معهن فهن بالنسبة لهذا النوع من الرجال محرمات والاقتراب منهن يعتبر انتهاكاً للمحارم. أما التصنيف الثاني فيشمل البنات المختلفات عن نساء عائلاتهم من حيث الثقافة والأصل العرقي Ethnic Background والمستوى الاجتماعي والاقتصادي ومن حيث الشكل أيضاً، فهؤلاء النساء أكثر أماناً، حيث يعني الأمان في هذه الحالة عدم انتهاك المحارم لذلك يمكن إقامة علاقة زوجية وجنسية معهن بالرغم من أنه يمكن لهذه العلاقة ألا تترافق بمشاعر المحبة أو الحنان. وهذه الظاهرة ليست غريبة عند المراهقين لكنها ظاهرة عابرة أثناء النضج. إن معظم الناس يتجاوزون هذه المرحلة ويطورون علاقات زوجية وجنسية مترافقة مع محبة. لكن بعض الرجال لا يحققون ذلك أبداً حيث يشعرون بحب وعواطف نحو زوجاتهم أو حتى عشيقاتهم ولكنهم لا يمارسون الجنس إلا مع أخريات. وأنوه إلى أن خلل الوظيفة الجنسية Sexual Dysfunction عند الرجال والنساء قائم جزئياً على الصراعات غير المحلولة من هذه المرحلة من التطور. ولست هنا بصدد الخوض في كل أسوء الوظيفة الجنسية ويكفي أن أقول أن معظم هذه المشكلات الجنسية التي يصادفها الطبيب لها علاقة جزئية مع صعوبات في حل الصراعات الأوديبية ولذلك يهتم أطباء النفس بهذه المرحة من التطور. كذلك هناك الأعراض النفاسية Neurotic Symptoms والتي لها آثار هامة على الفعاليات المستقبلية. وأوضح هذه الأعراض هي الكوابيس Nightmares الرهابات Phobias . إن الأعراض النفاسية والذهانية عند الراشدين خصصت لها كتاباً مستقلاً باسم فكرة وجيزة عن الأعراض النفسية ولكنني سأناقش الآن بعض الكلمات فقط حول ما كان يدعى في جداول التصانيف السابقة بالاضطرابات ذات العرض في الطفولة Symptom Disorders Or Childhood وأصبحت تصنف ضمن مجموعات مختلفة في التصانيف المعاصرة تحت اسم الاضطرابات السلوكية والانفعالية التي تبدأ عادة في الطفولة والمراهقة Behavioural and emotional disorders with onset usually occurring in childhood and adolescence بالبند المخصص للاضطرابات الانفعالية ذات البدء النوعي في الطفولة Emotions disorders with onset spesific to childhood كما ورد في المراجعة العاشرة للتصنيف الدولي للاضطرابات النفسية والسلوكية (ICD-10) عام 1994لمنظمت الصحة العالمية، وصنف تحت اسم اضطرابات أخرى في سن الرضاعة أو الطفولة أو المراهقة Other Disorders of Infancy, Childhood, or Adolescence وفق جمعية أطباء النفس الأمريكية في جدولها التشخيصي والإحصائي الرابع المعدل DSM-IV-TRعام 2000 ولست هنا بصدد شرح هذه التصانيف فقد أفردت كتاباً مستقلاً باسم فكرة وجيزة عن تصانيف الاضطرابات النفسية والعقلية (تحت الطبع).