وقفة مع معنى الهجران والضرب قال تعالى في كتابه العزيز:[الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ] (النساء:34). غالبا ما يتصور من يمر بهذه الآية المباركة أن ضرب الزوجة أمر مشروع، وقد يذهب بتصوره إلي أبعد الحدود، وهذا خطأ بالغ، فإن الآية المباركة تتحدث عن مراحل إصلاحية تدرجية تصاعدية تبدأ بالموعظة، وهي بعيدة كل البعد عن التشفي والانتقام. فأما الهجران في المضاجع فمعناه كما عن الإمام الباقر عليه السلام: (أن يحول ظهره إليها). وأما الضرب فيحده عليه السلام بقوله: (أنه يضربها بالسواك). والسواك -كما هو معلوم- عود صغير يستخدم لتنظيف الأسنان، لا يتجاوز حجمه حجم السيجارة. فلا تذهب أيها الزوج الكريم إلي حدود بعيدة في معني الهجران أو الضرب، وتتصور أن الضرب مشروع بجميع أشكاله، وأعلم أن الضرب أو اللطم إن كان على الوجه ونتج عنه احمرار أو اخضرار أو اسوداد، فإن فيه الدية، ودية الاحمرار دينار ونصف، والاخضرار ثلاثة دنانير، والاسوداد ستة دنانير. والدينار قطعة نقدية ذهبية، تقارب ثلث الليرة الذهبية في أيامنا هذه (كما أخبرنا بعض أهل الخبرة من الصاغة) عقاب الزوج السيئ لا بد لنا هنا من وقفة مع بعض الأحاديث المحذرة والمنذرة من بعض المواقف القاسية التي يتخذها بعض الأزواج بحق زوجاتهم، والممارسات التي تأنف منها الطباع وتنهى عنها الشرائع، والتي منها: 1- سوء الخلق مع الزوجة:فعن الإمام الصادق علي السلام أنه قال: أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقيل: إن سعد بن معاذ قد مات، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أصحابه معه، فأمر بغسل(سعد) وهو قائم على عضادة الباب، فلما حنط وكفن وحمل على سريره تبعه رسول الله صلي الله عليه وسلم بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمينه السرير مرة، ويسرة السرير مرة، حتى انتهى به إلي القبر، فنزل رسول الله حتى لحده، وسوى اللبن عليه، وجعل يقول ناولوني حجر، ناولوني ترابا رطبا يسد به ما بين اللبن، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إلي سبيلي ويصل البلى إليه، ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه. فلما أن سوى التربة عليه قالت أم سعد: يا سعد هنيئا لك الجنة. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا أم سعد! مه لا تجزمي على ربك، فإن سعد قد أصابته ضمة (أي ضغطة في القبر). قال عليه السلام: فرجع رسول الله صلي الله عليه وسلم ورجع الناس، فقالوا: له يا رسول لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد؛ إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟ فقال صلي الله عليه وسلم: إن الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسيت بها. قالوا :وكنت تأخذ يمينه السرير مرة ويسرة السرير مرة؟ قال صلي الله عليه وسلم: كانت يدي في يد جبرائيل عليه السلام آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله، وصليت على جنازته، ولحدته في قبره، ثم قلت: إن سعدا قد أصابته ضمة؟! فقال صلي الله عليه وسلم: نعم إنه كان في خلقه مع أهله (أي زوجته) سوء. إن هذه المكانة التي كان يحظي بها (سعد) عند رسول الله صلي الله عليه وسلم، بل ومكانته عند الله تعالى التي يكشف عنها حضور الملائكة ومشاركتها في تشجيع جنازته، لم تحل دون نيله عقوبة ضغطة القبر لسوء خلقه مع زوجته!! 2- التعرض للزوجة بالضرب: عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: أيما رجل لطم امرأته لطمه، أمر الله عز وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمه في نار جهنم. وعنه صلي الله عليه وسلم أيضا:أيما رجل ضرب امرأته فوق ثلاث، أقامه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فيفضيحة فضيحة ينظر إليه الأولون والآخرون. 3- أمر الزوجة بخلع الحجاب أو التبرج: ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: من أطاع امرأته أكبه الله على وجهه في النار قيل: وما تلك الطاعة؟ قال صلي الله عليه وسلم: تطلب إليه الذهاب إلي الحمامات والعرسات (أي الأعراس وكذا الحفلات الأخرى لما فيها من تزين وبروز أمام الأجانب والغرباء). والثياب الرقاق فيجيبها. فإذا كان هذا حال من يغض الطرف عن تبرج زوجته ولا ينكره (يكبه الله على وجهه في النار) فكيف حال من يجبر زوجته على التبرج وخلع الحجاب أمام الغرباء، متذرعا بالعصرية والرقي؟!! وكأنه أفقه بمتطلبات العصر من أصحاب الشرع المقدس عندما يقولون: صيانة المرأة أنعم لحالها وأدوم لجمالها. إن الغيرة على العرض خصلة من الخصال التي يحبها الله ورسوله، كما في الحديث عن الإمام الصادق حاكيا عن جده رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه: أتي بأسارى فأمر بقتلهم خلا رجل من بينهم، فقال الرجل بأبي وأمي يا محمد، كيف أطلقت عني من بينهم؟ فقال صلي الله عليه وسلم:أخبرني جبرائيل عليه السلام عن الله عز وجل أن فيك خمس خصال يحبها الله ورسوله: الغيرة الشديدة على حرمك، والسخاء، وحسن الخلق، وصدق اللسان، والشجاعة. فلما سمعها الرجل أسلم وحسن إسلامه، وقاتل مع رسول صلي الله عليه وسلم قتالا شديدا حتى استشهد. وينقل (الرواية سماعية وليست منقولة من مصدر مدون) أن عليا دخل يوما على فاطمة الزهراء فوجدها تنظيف أسنانها بالسواك، فوقف مخاطبا السواك الذي يؤخذ من شجر الأراك بقوله: يا عود الأراك حظيت بثغرها أما خشيت يا عود الأراك أراك، لو كنت من أهل القتال قتلتك ما نجا مني يا سواك سواك. أيها الزوج العزيز لا تسمح لعينيك أن تنزلق عن هذين البيتين،وتمر عليهما مرور الكرام، بل توقف عندهم، وتأمل ما فيهما من طيب كلام، ومشاعر حب وغيرة، وإخلاص.... وكأنهما يختصران كل ما تقدم من صفات ينبغي للزوج أن يتحلي بها في مجالات حياته الزوجية..