تعد الحروب من أخطر الظروف التي تؤثر على الشعوب وأفرادها، فللحروب أثاراً سلبية اقتصادياً، واجتماعياً وسياسياً، ونفسياً و... ويعانى منها أفراد الشعوب على اختلاف فئاتهم العمرية والاقتصادية والدينية، فما تحدثه من دمار يؤثر على كافة طوائف الشعب وفئاته.. وتظل هذه الآثار لفترات طويلة تختلف من بلد لأخر ومن طبيعة حرب لأخرى.. وتتراوح نتائج الحروب على الأفراد وسلامتهم بين حالات كبيرة من الوفيات -فقد تسببت الحروب في وفيات أكبر بكثير من تلك الناتجة على الكوارث الطبيعية على مر التاريخ فنجد على سبيل المثال أن عدد الوفيات في الحرب العالمية الثانية قد بلغ55 مليون فرد، بينما فقد ت هيروشيما ثلث سكانها في ثاني يوم من التفجيرات الكيميائية - إلى خروج بعض الأفراد بإعاقات جسمية ربما تقعدهم عن مزاولة حياتهم، أو هم يعيشون أمواتاً.. هذا ما يمكن رصده، وتقديم إحصاءات بتعداده، إلا أن هناك نوعا آخر من الإعاقات -إن جاز لنا التعبير- تلك التي لا تؤخذ في الاعتبار، ولا يقام لها إحصائيات إلا فيما ندر رغم تأثيرها الكبير على حياة الأفراد وقدرتهم على إعادة التأقلم مع الحياة، تلك الإعاقات هي ما تخلفه الحروب من أثارٍ نفسية على الأفراد، تلك التي يصنفها الدليل التشخيصي الإحصائي للمشتغلين بالصحة النفسية تحت فئة أثار ما بعد الصدمة.. تلك التي تأخذ أشكالاً متعددة، ودرجات مختلفة من الشدة، وتتراوح من الإحساس بالإحباط، والقلق، إلى الاكتئاب وأشكال أخرى من العصاب، وقد تصاب لدى الفرد وظائف عقلية كالذاكرة أو التركيز أو الإدراك أو.... وسوف نتحدث عن تلك الآثار النفسية للحروب، ولكننا سوف نتحدث عنها لدى الأطفال.. وتتفق الكثير من الكتابات والتحليلات على أن الأطفال هم أكثر الفئات تأثراً بما تخلفه الحروب من أثارٍ نفسية.. وتظهر هذه الآثار في عدة صور منها: 1- الفزع الليلي. 2- المعاناة من القلق والشعور بعدم الراحة . 3- الفوبيا أو الخوف المرضى من الأصوات أو الظلام أو ... 4- الانتكاسة في بعض المهارات التي تم اكتسابها، فيظهر التبول اللا إرادي بعد ضبطه في فترة سابقة على ظروف الحب. 5- ظهور بعض الاضطرابات السلوكية مثل قضم الأظافر، والكذب، و.... 6- ظهور مشكلات في الكلام كالتلعثم أو الفقدان الوظيفي للكلام . 7- اضطرابات الأكل. كل هذه الآثار وغيرها تصيب الأطفال الذين يشاهدون خبرة الحروب ويمرون بها.. ومن أهم الدراسات التي أشارت لما تخلفه الحروب على الأطفال نجد: ** دراسة اتحاد المرأة الفلسطينية التي أجريت عام (1989): والتي نشرت في المؤتمر الدولي الذي عقد في فلسطين، تحت عنوان (الانتفاضة والطفل الفلسطيني تحت الاحتلال) وهى من الدراسات القليلة التي اهتمت بتوصيف الآثار النفسية والاجتماعية للأطفال الفلسطينيين وقت الانتفاضة الفلسطينية، وكانت عينة الدراسة من الأطفال في الأعمار بين 3 - 9 سنوات، ومن أهم نتائج تلك الدراسة أن (56.6 %) من الأطفال يعانون من القلق، في مقابل (11.1 %) لم تشر نتائجهم لظهور القلق لديهم. ** دراسة كاتليين التي أجريت عام (1996): تلك الدراسة التي هدفت للتعرف على أثار العنف الذي تمارسه إسرائيل على ظهور المشكلات السلوكية على الأطفال الفلسطينيين. وكانت أهم نتائج الدراسة وجود علاقة موجبة مرتفعة بين التعرض للعنف وبين ظهور المشكلات السلوكية لدى الأطفال، خاصة لدى الذكور منهم.. وهناك الكثير من الدراسات التي تناولت تلك الآثار على الأطفال، الذين يمثلون ثروة الشعوب، ومستقبلها.. وبعد هذا هل أنتم مطمئنون على مستقبل عالمنا، الذي سوف يقوده أطفال الأمس بكل ما يحملونه من معاناة نفسية سوف تنعكس لا محالة على تعاملاتهم مع مفردات العالم؟ احموا أطفالنا من هذه العواقب، فلا زالت ترن في أذني وتلح علي كلمات الأطفال الذين استمتعت معهم في مؤتمر السلام الذي عقد في القاهرة هذا العام وهى: تحـاوروا بدلاً من أن تتشاجروا. فهل نأمل في أن يستجيب العالم يوماً لمطلب هؤلاء الصغار؟