غير أن من يملك مواهب رائعة وقدرات فائقة على تحمل مسئوليات ضخمة، فمن المفيد أن تستثمر هذه الطاقات والقدرات والمواهب وألا تعطل، كتولي أسامة بن زيد قيادة جيش المسلمين باختيار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ووصيته التي نفذها أبو بكر في خلافته. قيمة العمل والحرص على تشجيع هذه المواهب (بعث رسول الله إلى امرأة قائلاً: مُرِي غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن)؛ وذلك أن امرأة قالت: يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه فإن لي غلاماً نجاراً؛ فقال رسول الله: إن شئت، فعملت المنبر. دور القدوة وفي مجال تحويل السنة لسلوك عملي تفيد القدوة كثيراً، وتؤكد التجربة ذلك، فقد روت إحدى المعلمات أنها تمارس القدوة العملية مع تلميذاتها فحين أُذِّن لصلاة الظهر جعلت الطالبات يتوقفن لحين الانتهاء من الأذان مع الترديد خلف المؤذن ثم الدعاء بعد الأذان، ومع تكرار ذلك أصبح هذا الأمر عادة يفعلونها دون توجيه، ولا يقتصر ذلك على الطفل المدرك فقط بل يبدأ دور القدوة من سن الرضاعة، وذلك بترديد الأدعية والأذكار المرتبطة بالصباح والمساء والمواقف المختلفة وثبت أن ذلك ييسر قبول الطفل لآداء السنة بحب وارتياح لأنه تشربها منذ البداية. وقد روى أحد القراء مشاهدة تجربة مفيدة فيذكر أنه رأى في إحدى زياراته للهند وفي أحد المساجد أباً يرفع يد طفله ذي الثلاث سنوات للدعاء، وعندما سأله وهل يعي في هذه السن؟.. قال له: حتى يعتاد، كذلك هناك أب اجتمع على مائدة الطعام مع أبنائه الثلاثة، ثم وضع أمام كل طفل على الطاولة بطاقة، كتب على إحداها حديثاً يخص آداب المائدة "كل مما يليك" والبطاقة الثانية عن التسمية "سمِّ الله"، والثالثة فيها حديث يوضح أن من السنة لعق الأصابع بعد الأكل، وقد جعل كل ابن يحفظ الحديث الوارد في بطاقته، ولا يخبر الآخرين به، ثم يقوم كل منهم بتمثيلية بسيطة يعبر بها عن الحديث المكتوب في بطاقته، والفائز من يتعرف على هذا الحديث دون ذكره. روت إحدى الأمهات تجربة نافعة حين ظلت تقص على طفلها قصة مشوقة عن رجل خلوق ولين يتعامل مع الأطفال والحيوانات وجميع المخلوقات برفق ولين وسعة صدر ولم تذكر اسم ذلك الرجل الرحيم وعندما يسألها الطفل في نهاية القصة كل يوم تقول له: غداً أخبرك، وبعد أسبوع كامل من التشويق والإثارة أخبرته أن هذا الرجل هو النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد تعلق به وأحبه.. فكان من السهل عليه بعد ذلك قبول بقية سننه صلى الله عليه وسلم. تجنب الإفراط في الحماية كانت تغادر متجرا لبيع المستلزمات الرياضية، وكان معها زوجها وابنها الصغير زياد الذي يبلغ من العمر عشرة شهور والذي تعلم السير حديثا، وكان على بعد عشرة أقدام من الرصيف، وفجأة زلت قدمه وسقط على وجهه ويديه، كان سلوك الأم حيال هذا الموقف جديرا بالملاحظة، كانت تدرك تماما المغزى الحقيقي للأمومة، فهي لم تجر بشكل هستيري لتجذب ابنها بعيدا عن الرصيف وتثير ضجة حول ما حدث، على عكس ذلك، اتجهت إليه في هدوء، وركعت على الأرض ووضعت رأسها على الإسفلت بالقرب منه، ابتسمت ابتسامة ودودة وقالت بلهجة آمنة مطمئنة: "أنت بخير يا زياد؟!"، ثم تركته ينهض بنفسه، وقد لاحظت أنه لم يؤذ نفسه. ثم استدارت وعادت لزوجها، ونهض الطفل يمشي بدون شكوى أو أنين، لقد كان هذا مشهدا جميلا، إنه لتصرف بارع وممتاز من أم ذكية وواعية. سوء التغذية يؤثر على ذكاء الأطفال وسلوكهم الاجتماعي كشف باحثون أميركيون أن سوء التغذية خلال السنوات الأولى من العمر يؤدي إلى انحدار معدلات الذكاء لدى الأطفال وتوليد نزعة عدوانية في سلوكهم الاجتماعي تستمر معهم خلال فترة الطفولة وإلى أواخر فترة المراهقة، حسب ما أوردته إحدى الدراسات بالمجلة الأميركية للطب النفسي. ففي مشروع بحثي استغرق 14 عاما، قام باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا، بقيادة الدكتور جيانغ هونغ ليو، بتتبع النمو الغذائي والسلوكي والإدراكي لأكثر من 1000 طفل من أصول هندية وصينية وإنجليزية وفرنسية، يعيشون في جزيرة موريشيوس التي تقع في المحيط الهندي قبالة السواحل الأفريقية. واختار الباحثون أطفالا عند سن الثالثة، وبدأوا بتقييم الحالة الغذائية لكل منهم من خلال البحث عن مؤشرات محددة، مثل وجود تشقق في الشفاه أو في زوايا الفم، كمؤشر على نقص أحد مركبات فيتامين "ب" (ريبوفلافين)، أو لون الشعر، حيث يؤدي نقص أحد البروتينات، خاصة في المناطق الاستوائية، إلى تلون الشعر باللون الأحمر البرتقالي، وكذلك سُمك وكثافة الشعر، وهما يتأثران بنقص عنصري الزنك والحديد، إضافة إلى مرض الأنيميا الذي يشير غالبا لنقص عنصر الحديد. كذلك، تم قياس معدلات إدراك وذكاء الأطفال، كما قام موظفون اجتماعيون بزيارة أسر الأطفال الذين تُجرى عليهم الدراسة للوقوف على الظروف الاجتماعية لهم؛ مثل مستوى الدخل ومستوى تعليم الآباء ومهنهم. ولدى وصول الأطفال لسن 8 و11 و17 عاما، أجرى الباحثون تقييما لسلوكهم في المدرسة والمنزل، ومن خلال ذلك التقييم خلص الباحثون إلى أن ثمة علاقة مثبتة بين سوء التغذية وبين النزعة العدوانية في السلوك الاجتماعي، وبمقارنة الأطفال الذين كانوا يعانون من مشكلات سوء التغذية مع أقرانهم الذين لم تكن لديهم تلك المشكلات (مجموعة ضبط ومقارنة) اتضح أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أظهروا سلوكا عدوانيا أكثر من أقرانهم الأصحاء بنسبة 41% عند سن 8 سنوات، وبزيادة قدرها 10% عند سن 11 سنة، وزيادة في سلوك العنف لديهم بنسبة 51% عند سن 17 سنة. وقد عزا الباحثون ذلك إلى حقيقة أن نقص عناصر مهمة مثل الزنك والحديد أو مركبات فيتامين "ب" أو نقص البروتينات يؤثر سلبا على نمو الدماغ، مما يؤدي إلى نقص معدل الذكاء، وينتج عن ذلك سلوك اجتماعي عدواني، ولاحظ الباحثون أنه كلما ارتفعت درجة سوء التغذية زادت حدة النزعة العدوانية في السلوك الاجتماعي. ومن النتائج المهمة لتلك الدراسة أنها تفسر من منظور جديد مشكلة العنف الاجتماعي، كإحدى نتائج سوء التغذية، مما يفتح الأفق أمام علاجها والوقاية منها.