لقد أصبحت البطالة الآن في مختلف دول العالم هي المشكلة الأولى وهناك ما يقارب مليار عاطل عن العمل، موزّعين على مختلف أنحاء المعمورة، ويبدو أن البطالة قد دخلت مرحلة جديدة تختلف تماماً عن بطالة عالم ما بعد الحرب العالميّة الثانية. في حالة البلدان الصناعية المتقدّمة كانت البطالة جزءاً من الدورة الاقتصادية، بمعنى أنّها تظهر مع ظهور مرحلة الركود وتختفي مع مرحلة الإنعاش. أمّا الآن فقد أصبحت البطالة، ومنذ ما يزيد على ربع قرن من الزمان مشكلة هيكلية فبالرغم من تحقّق الانتعاش والنمو الاقتصادي، تتفاقم البطالة سنة بعد أخرى، وفي البلاد التي كانت اشتراكية، والتي لم تعرف البطالة أبداً تزايدت جيوش العاطلين فترة بعد أخرى في غمار عملية التحوّل الرأسمالي، في البلاد النامية تتفاقم البطالة بشكل عام مع استمرار فشل جهود التنمية وتفاقم الديون الخارجية وتطبيق برامج صارمة للانضباط المالي. وزاد من خطورة الأمر، أن هناك فقراً شديداً في الفكر الاقتصادي الراهن لفهم مشكلة البطالة وسبل الخروج منها، بل وهناك تيار فكري ينتشر بقوّة الآن ينادي بأن البطالة أضحت مشكلة تخصّ الضحايا الذين فشلوا في التكيف مع ظروف المنافسة والعولمة؛ ولهذا تسعى كثير من الدول في عالمنا المعاصر إلى دراسة البطالة وتحليل أسبابها ونتائجها في مجتمعاتها بشكل مستمر ودءوب، وتحاول جاهدة تحديد أعداد العاطلين عن العمل ونسبهما مقارنة بقوة العمل من إجمالي تعداد السكان؛ لذا تعد قضية البطالة المتمثلة بعدم وجود فرص عمل تتناسب من حيث الحجم والنوع مع القوى العاملة المحلية، من أهم الموضوعات التي أخذت تشغل السياسيين وأصحاب القرار في الوقت الراهن؛ إذا اهتم هؤلاء بالعمل على وضع الخطط والبرامج المدروسة لخفض نسب البطالة وتقليصها في مجتمعاتهم. إن هذا الاهتمام الكبير بقضية البطالة يأتي، بلا شك، من أهمية ظاهرة البطالة نفسها وما يترتب عليها من آثار جسيمة ذات مساس ببنية المجتمع، وبخاصة تلك المتعلقة بالآثار الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية على أفراد المجتمع ومؤسساته. وبالتأكيد هناك علاقة عكسية بين حالة البطالة وارتفاع المستويات التعليمية والحرفية للقوى العاملة من جانب، وعلاقة طردية بين حالة البطالة والجريمة من جانب آخر، وذلك من خلال تحديد الآثار السلبية المترتبة على ارتفاع نسبة البطالة في المجتمع، ومدى تأثيرها في الوضع الصحي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي لأفراد المجتمع. معنى البطالة: هناك شرحان أساسيان يجمعان معاً التعريف الكامل: أ- أن تكون قادراً على العمل. ب- أن تبحث عن فرصة عمل. ويمكن تعريف العاطل بأنّه: "كلّ من هو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه، ويقبله بمستوى الأجر السائد ولكن دون جدوى". وينطبق هذا التعريف على العاطلين الذين يدخلون سوق العمل لأوّل مرّة وعلى العاطلين الذين سبق لهم العمل واضطرّوا لتركه لأيّ سبب من الأسباب. قوّة العمل = إجمالي عدد السكّان – (من هم أقلّ من 16 سنة + الطلبة والمرضى). والبطالة ظاهرة وجدت في أغلب المجتمعات الإنسانية في السابق والحاضر، ولا يكاد مجتمع من المجتمعات الإنسانية على مر العصور يخلو من هذه الظاهرة أو المشكلة بشكل أو آخر، إلا أن النظرة إلى البطالة بوصفها مشكلة اجتماعية تخضع للدراسة والتحليل وفق منظور المنهج العلمي للعلوم الاجتماعية لمعرفة حجمها وتحديد أسبابها وآثارها الاجتماعية في المجتمع لم تتشكل إلا في عام 1933، وذلك عندما عمد Jahoda et al. إلى وصف الآثار المدمرة للبطالة في إحدى مدن النمسا، وتزامنت هذه الدراسة مع حالة الركود الاقتصادي التي عاشتها دول أوروبا والعالم بشكل عام خلال فترة الثلاثينات. ومنذ تلك الحقبة الزمنية، التي تشكل فيها الاقتصاد بصورة دولية، أخذت المجتمعات البشرية المعاصرة تعاني مشكلة البطالة بين فترة وأخرى، إلا أن نسب البطالة اختلفت من مجتمع إلى آخر، كما أن كيفية التعامل مع العاطلين عن العمل أخذت أساليب مختلفة من التجاهل التام لهم إلى الدعم الكلي أو الجزئي لوضعهم. معدّل البطالة: كنسبة من قوّة العمل = عدد العاطلين \ قوّة العمل. أنواع البطالة البطالة الدورية: وهي ترافق الدورة الاقتصادية ومداها الزمني بين ثلاث وعشر سنين. البطالة الاحتكاكية: وهي البطالة التي تحدث بسبب التنقلات المستمرة للعاملين بين المناطق والمهن المختلفة. البطالة الهيكلية: وهي نوع من التعطّل يصيب جانب من قوة العمل بسبب تغيّرات هيكليّة تحدث في الاقتصاد القومي. البطالة السافرة: وهي حالة تعطّل أكثر قوّة وإيلام وهي قد تكون دورية أو احتكاكيّة أو هيكليّة. البطالة المقنّعة: وهي الحالة التي يتكدّس فيها عدد كبير من العمّال بشكل يفوق الحالة الفعليّة للعمل مما يعني وجود عمالة زائدة أو فائضة لا تنتج شيئاً تقريباً، ويسود هذا النوع من البطالة في أغلب المؤسسات والشركات العربية بسبب زيادة التوظّف الحكومي والتزام الدولة بتعيين خرّيجي الجامعات "المعاهد الملتزمة". تكلفة البطالة: البطالة تؤدّي إلى انتقاد الأمن الاقتصادي حيث يفقد العامل دخله الأساسي وربّما الوحيد، ممّا يعرضّه لآلام الفقر والحرمان هو وأسرته. - تسبب البطالة معاناة اجتماعيّة وعائليّة ونفسيّة بسبب الحرمان والمعاناة. - تدفع البطالة الفرد إلى تعاطي الخمور والمخدّرات وتصيبه بالاكتئاب والإحساس بالاغتراب. - تدفع البطالة الفرد إلى ممارسة العنف والجريمة والتطرّف. - تؤدّي البطالة إلى ممارسة العنف والجريمة والتطرّف. - تؤدّي البطالة إلى إهدار في قيمة العمل البشري وخسارة البلد للناتج القومي. - تؤدّي البطالة إلى زيادة العجز في الموازنة العامّة بسبب مدفوعات الحكومة للعاطلين. - تؤدّي البطالة إلى خفض مستويات الأجور الحقيقيّة. - تؤدّي البطالة إلى شلّ الحياة في بعض القطّاعات بسبب لجوء العمّال أحياناً إلى الإضرابات والمظاهرات. أهمية محاربة البطالة: سأبدأ كلامي عن أهمية محاربة البطالة بمجموعة الأمثال التالية: البطالة والفراغ هما رأسمال الشيطان. تستطيع أن تغلق جميع السجون يوم تستطيع أن تجد عملا لكل إنسان. الفراغ مفسدة. المياه التي لا تجري تفسد. البطالة مفتاح الشرور. إن وضع أي برامج وخطط مستقبلية لمواجهة مشكلة البطالة يكون عديم الجدوى، إذا لم يكن هناك تبلور علمي ودقيق لمفهوم البطالة ومدى حجمها، وتأتي أهمية دراسة موضوع البطالة من حيث ارتباطها وتأثيرها في البناء الاجتماعي للمجتمع والمتمثل بالجوانب التالية: الأمنية والاجتماعية والصحية والاقتصادية، وتتجسد هذه الأهمية بشكل أساسي من خلال المعلومات والبيانات الواردة في الجزء الخاص بالإطار النظري لهذه الدراسة، الذي يشير إلى ارتفاع نسبة الجريمة في المجتمعات التي تزيد بها نسبة البطالة، وبخاصة جريمة الاعتداء على الأملاك المتزامن مع ارتفاع في البطالة أيضاً. إن مجموع هذه الآثار السلبية للجوانب الأساسية – المشار إليها آنفاً – في البنية الاجتماعية لأي مجتمع من مجتمعات أمتنا تبرز مدى أهمية القيام بمحاربة البطالة؛ وأولوية ذلك من حيث ارتباط البطالة وعلاقتها بمتغيرات وأبعاد عديدة في البناء الأمني والاجتماعي للدولة