الخطوة الثالثة: إضعاف مشاعر القلق والخوف والذنب حتى تقاوم تعرضك للسيطرة والاستغلال يجب أن تتعلم تحمل بعض المشاعر غير المريحة إلى حد ما، حتى الآن، يعتبر الفتيل الذي يؤدي اشتعاله إلى تفجير أحاسيسك السلبية قصيرا إلى حد كبير؛ ونتيجة لذلك، عندما يقوم الشخص المستغل بإشعال هذا الفتيل عن طريق إشعارك بالقلق أو الخوف أو الذنب يحترق هذا الفتيل بسرعة شديدة –وأحيانا على الفور– مثيرا بذلك استسلامك وخضوعك اللذين يزيدان دائرة تعرضك للسيطرة والاستغلال اتساعا. وأسلوب إضعاف المشاعر الذي سوف تتعلمه بعد قليل سوف يساعدك على أن تصمد أمام المشاعر السلبية بدون اللجوء إلى عاداتك القديمة التي تجعلك تستسلم لمطالب الشخص الذي يقوم بالسيطرة عليك واستغلالك. أولا: لنقم بتعريف المصطلحات التي نتحدث عنها هنا، ولنبدأ بتعريف القلق، فالقلق هو الشعور بالخوف بدون وجود مبرر قوي أو سبب مادي ملموس. معنى هذا أن القلق يعتبر إلى حد ما شكلا آخر للخوف ولكنه مجرد شكل عام0 فعلى عكس الخوف، فالقلق لا يكون موجها إلى نتيجة أو عاقبة محددة أو مرتبطا بها. فعندما تشعر بالقلق، ربما يكون ذلك على أشياء كثيرة مختلفة. وعادة ما يتراكم القلق على كل هذه الأشياء الكثيرة مكونا في النهاية سلسلة من الأفكار القلقة والمتوتر، والقلق يجعلك تشعر بالعصبية والضغوط وعدم التركيز. والشخص الذي يقوم بالسيطرة عليك واستغلالك ربما يثير قلقك بأن يضغط على نقطة ضعفك المتمثلة في عدم الشعور بالأمان، أو بأن يثير بداخلك مشاعر عدم الثقة بالنفس. وتزيد مشاعر عدم التأكد والشك من مستويات القلق، وينجح هذا الشخص في القيام بذلك عن طريق ما يقدمه لك من إشارات مبهمة وغامضة لشيء سلبي قد (أو قد لا) يحدث في المستقبل. ومن الممكن ان ترتفع مستويات القلق بشكل مفرط إذا ما تلقيت تقييما أو نقدا سلبيا أدى إلى جرح احترامك لذاتك، أو إذا ما تعرضت لعمل مقارنات خفيفة ولكن مؤذية بينك وبين شخص آخر يبدو مفضلا بالنسبة للشخص الذي يقوم باستغلالك. أما الخوف فيكون مرتبطا بنتيجة أو عاقبة محددة. والشخص المُستغِل يُكرِه ضحيته على الخضوع والإذعان له عن طريق إثارة مخاوفها. ومن المخاوف المعتادة التي تثيرها أساليب هذا الشخص: الخوف من عدم قبول أو استحسان الآخرين لنا. الخوف من تخليهم عنا. الخوف من الغضب. الخوف من الصراع والمواجهة. الخوف من التغيير أو من ارتكاب الأخطاء. الخوف من الرفض0 الخوف من العزلة0 والقلق والخوف من السهل جعلهما مشروطين، وهذا معناه أنك بعد تعرضك لهذه المشاعر السلبية كنتيجة لأساليب الشخص المستغل المستمرة، ربما تتكون لديك ردود أفعال تقوم على الخوف و/أو القلق لمجرد وجودك في مكان واحد مع هذا الشخص، حتى عندما لا يقوم هو بشكل صريح بإثارة هذه المشاعر بداخلك. أما الإحساس بالذنب فهو إحساس فريد ينشأ نتيجة للشعور بالمسئولية المفرطة عن مشاعر و/أو تجارب الآخرين، فإذا كنت عرضة بشكل كبير للشعور بالذنب، فالشخص المستغل البارع من الممكن أن يوقع بك في مصيدة الشعور بالذنب بسرعة كبيرة ويدفع بك في اتجاه الاستسلام و الخضوع له. وربما يظهر هذا الشخص التأثر والانفعال حتى يبين لك مدى حزنه وحتى يشعرك بالمسئولية عما يشعر به من أسى وحزن. ربما يبكي أو يقطب جبينه أو يتجهم أو يقوم بلعب دور الضحية أو الشهيد أو المظلوم كما هو حال السيدة في المثال السابق. ربما يشكو آلاما ومشكلات جسدية يزعم أنها ناتجة عن شعوره بالتوتر والضغوط، ويشعرك بأنك مسئول عنها بطريقة أو بأخرى، لأنك فعلت شيئا –أو فشلت في فعل شيء– مما جعله يشعر بالقلق على المستوى العاطفي. ومن الممكن أن يثير بداخلك مشاعر الذنب عن طريق تعبيرات وجهه (كأن يظهر على وجهه علامات الجرح) أو عن طريق إظهار الحزن في نبرة صوته. فإذا كنت من هؤلاء الذين يسعون دائما إلى إرضاء الآخرين، فربما تشعر بالذنب بكل سهولة من مجرد التفكير في مقابلة طلب شخص آخر بالرفض. وبمجرد أن يضع الشخص الذي يسعى لاستغلالك يده على نقطة ضعفك العاطفية فإنه لا يحتاج بعدها إلى فعل الكثير للسيطرة عليك عن طريق إشعارك بالذنب، إنه لا يضطر إلى بذل كثير من الجهد لفعل أي شيء، فأنت من تقوم به كله نيابة عنه. وربما يعمد الشخص المستغل (أو الأشخاص المستغلون) الموجود في محيط حياتك إلى استخدام واحد أو اثنين من الأحاسيس السلبية الثلاثة السابقة أو إلى استخدامهم جميعا؛ وهذا من أجل تخويفك وإجبارك على الطاعة والسيطرة عليك، وبغض النظر عما إذا كان الإحساس المستخدم هو القلق أو الخوف أو الذنب، فإن رد فعلك لما تشعر به من ضيق وعدم ارتياح يصيبه الخلل. معنى هذا ببساطة أنك عندما تستشعر المشاعر السلبية بداخلك فإنك تصف أو تصنف تجربتك على أنها غير محتملة، وعلى أنها شيء لا طاقة لك به، ومن ثم على أنها شيء يلزمك التخلص منه، أو على الأقل، من تقليل حدته بأسرع ما يمكن. عندما تشعر بالقلق أو الخوف أو الذنب، فإن آلية استجابتك يتم الدفع بها إلى حالة الطواريء، كما لو كان حريق هائل قد شب ولا يمكن السيطرة عليه، وما يفعله الشخص المستغل هو أنه ببساطة سوف يعطيك خرطوم الإطفاء ويقوم هو بتوجيهك لاتجاه (الحريق)، مع استسلامك وخضوعك لرغباته،غير أن ما تشعر به من ضرورة وإلحاح غالباً ما يكون ناتجاً عن الضغوط التي يمارسها عليك هذا الشخص المستغل، وعن رد فعلك المفرط لما تشعر به من انزعاج وعدم ارتياح، لا عن حقيقة أن هناك بالفعل حالة طارئة حقيقية!!. حتى تقاوم محاولات السيطرة عليك واستغلالك، تحتاج إلى أن تغير رد فعلك تجاه مشاعرك السلبية. والحقيقة هي أن مشاعر القلق والخوف والذنب التي يقوم الأشخاص المستغلون باللعب عليها بطريقة فعالة لن تتسبب في تدمير ذاتك إن فشلت في قمعها على الفور، ولكنها بالتأكيد سوف تتسبب في إشعارك بالضيق وعدم الارتياح. ولكن مشاعر الضيق وعدم الارتياح من الممكن احتمالها والصمود أمامها. والواقع هو أنك كلما سمحت لنفسك بالبقاء فترة أكبر معرضا للمشاعر غير المريحة، يكون من المرجح بشكل أكبر أن تقل حدة ما تشعر به من ضيق وعدم ارتياح، ويطلق علماء النفس على هذه الظاهرة اسم "التعود أو التكيف مع الواقع". وبينما تدرب نفسك على مقاومة مشاعر عدم الارتياح والضيق حتى يمكنك أن تقوم بإجراء التغييرات الإيجابية والسليمة في سلوكك، والتي سوف تزيد من قدرتك على الاحتمال. وبدلا من الشعور بالذعر أو المبالغة في رد الفعل تجاه المشاعر السلبية التي يولدها الشخص المستغل بداخلك، أعد توصيف ما تشعر به من عدم ارتياح على أنه ثمن ضروري ومهم يجب عليك أن تدفعه كي تحدث في حياتك تغييرات بناءة. وهناك سبب آخر يجعل من الواجب عليك أن تغير ردود أفعالك المذعورة والملحة تجاه المشاعر السلبية، وهو أن الشعور بالإلحاح من الممكن أن يؤدي إلى خطأ في التفكير يطلق عليه اسم "الاستنتاج العاطفي"، وهذا يحدث عندما تقوم بالخلط بين مشاعرك السلبية والتفكير أو الاعتقاد في أن شيئا سلبيا أو سيئا يحدث بالفعل أو سوف يحدث، وكلما كانت مشاعرك السلبية أكثر قوة وهيمنة عليك زاد مقدار ما يتدفق من أحاسيسك على عملية التفكير. إن تقليل الإلحاح الذاتي في استجابتك للمشاعر السلبية سوف يكون له تأثير تصحيحي على عملية "الاستنتاج العاطفي" السابقة والتي تزيد دائرة استغلالك والسيطرة عليك اتساعا. على سبيل المثال، مجرد خوفك من غضب الشخص المستغل لا يعني بالضرورة أن شيئا رهيبا على وشك الحدوث بالفعل. فالمرجح هو أن هذا الشخص سوف يستطيع أن يتعامل مع غضبه أو يتغلب عليه، وأنك سوف تتحمل الخوف، وخصوصا بمساعدة أسلوب إضعاف المشاعر الذي ستتعلمه بعد قليل. كذلك فبمجرد أنك تشعر بالذنب لأنك لم تذعن على الفور وتهرع إلى تلبية مطلب فرد مستغل في أسرتك لا يعني بالضرورة أن علاقتك به سوف تُدمر على نحو لا يمكن تغييره بعد ذلك أو أنك سوف تفقد حبه!!!. لن تكون بحاجة إلى استخدام قوة الإرادة فقط لتغيير ردود أفعالك تجاه مشاعر الخوف والقلق والذنب. ولكنك بدلا من ذلك، سوف تتلقى الدعم والمساعدة من هذا الأسلوب النفسي القوي الذي يطلق عليه "إضعاف المشاعر". وإليك الطريقة التي يعمل بها: المبدأ الرئيسي في عملية إضعاف المشاعر هو أنك لا يمكنك أن تشعر بالاسترخاء في نفس الوقت الذي تشعر فيه بالخوف أو القلق أو الذنب. وسوف تتفق معي على أن هذا الأمر يبدو منطقيا في ظاهره، ومن ثم فعن طريق استخدام الإشراط السلوكي سوف تفترض حالة من الاسترخاء عن طريق ممارسة تمارين للتنفس العميق تقوم أثناء ممارسته باستدعاء تجربة حقيقية قام فيها الشخص المستغل بإثارة ردود أفعال عاطفية سلبية قوية بداخلك!!. وحتى تتم عملية الإشراط، فأنت بحاجة إلى أن تقوم باستدعاء ثلاثة مواقف أحسست فيها بمشاعر الخوف و/أو القلق و/أو الذنب كنتيجة لتصرفات شخص مستغل، ومن ثم شعرت بأنك مكره على الخضوع والإذعان لرغباته. استخدم أمثلة حية تماما في ذاكرتك. اكتب نصا يصف كل مثال، واهتم بأن تحدد فيه ما قاله أو فعله الشخص المستغل بالضبط وجعلك تشعر بالأحاسيس غير المريحة. صف كذلك ما شعرت به في هذه المواقف من خوف أو قلق أو ذنب بكل تفصيل ممكن. بعد ذلك وباستخدام جهاز تسجيل مزود بميكروفون قم بتسجيل الأمثلة الثلاثة التي اخترتها على شريط كاسيت بأن تقرأ ببساطة النصوص التي قمت بكتابتها، وبالطبع، سوف يكون من الأفضل أن تجعل هؤلاء النصوص أكثر تشويقا بأن تضيف عليهم أي تفاصيل أو حبكات فنية وأنت تقرؤها، فلا أحد غيرك سوف يستمع إلى هذا الشريط، وهدفك هنا هو أن تعيد أو تسترجع تجربة الشعور بالقلق أو الخوف أو الذنب. وفيما يلي كيف تقوم بتوظيف كل عناصر عملية إضعاف المشاعر معا: قم بالاستلقاء على فراش أو أريكة مريحة. أحضر إلى جوارك جهاز تشغيل الشرائط والشريط الذي قمت بتسـجيله، أبدأ بأخذ نفس عميق عن طريق الأنف ثم انتظر لثانية أو ثانيتين قبل أن تخرجه من فمك. استمر في التنفس ببطء وانتظام، كثير من الناس يجدون من المفيد أثناء القيام بتمرين التنفس العميق أن يقوموا بتخيل موجة تندفع نحو الشاطئ ثم ترتد عائدة مع انسحاب الماء إلى البحر (الجَزْر). وأنت تتنفس، ركز انتباهك على ذراعك وساقيك، ومع استمرارك في التنفس بعمق، ركز على هذه الفكرة: "ذراعاي وساقاي يزدادان وزنا ودفئا"، ركز على مدى الثقل الذي تبدو عليه أطرافك وهي تغوص أعمق وأعمق في الفراش أو الأريكة. بعد دقيقتين أو ثلاث من التنفس باسترخاء تصبح جاهزا لتشغيل الشريط الذي قمت بتسجيله. استمر في التنفس وفي إرخاء جسدك وأنت تستمع إلى أول ذكرى أو قصة قمت بتسجيلها. حاول أن تتخيل بأقصى وضوح ممكن، المشهد الذي يتم وصفه، وفيما تستمع إلى نفسك وأنت تصف ردود أفعالك العاطفية السلبية، حاول أن تتوحد مع المشهد بأن تضع نفسك بداخله، وحاول أن تحس بنفس المشاعر التي مررت بها في الموقف الفعلي. والآن، الأساس لعملية إضعاف المشاعر هو أن تحتفظ بأكبر قدر ممكن من الاسترخاء الجسدي بينما تقوم في نفس الوقت بتخيل المشاهد التي أُثيرت فيها أحاسيسك السلبية، وفيما تسمح لنفسك بالشعور بالقلق أو الخوف أو الذنب حاول أن تكون واعيا للطريقة التي يمكنك بها السيطرة على هؤلاء المشاعر عن طريق الاستمرار في التنفس العميق والاحتفاظ باسترخاء جسدك. عندما تنتهي أول قصة، قم بإغلاق جهاز التشغيل، ثم احتفظ بالمشهد الذي تتخيله واضحا في ذهنك، حاول أن تشعر بالفعل بالإحساس السلبي (أو بالأحاسيس السلبية) الذي تقوم باستدعائه أو باستحضاره في ذاكرتك، ركز مرة ثانية على التنفس بطريقة منتظمة، وعندئذ قل لنفسك: "ربما تنتابني مشاعر القلق أو الخوف أو الذنب، ولكنني قادر على تحملها، إنني بخير" استمر في التنفس بعمق واترك أطرافك تبدو ثقيلة ودافئة. كرر نفس التمرين مع القصتين الأخريين اللتين قمت بتسجيلهما، وفي كل مرة لاحظ أنك قادر على مقاومة عدم الارتياح الناشئ عن الشعور بالخوف أو القلق أو الذنب، وذلك بأن تعيد التركيز على التنفس باسترخاء وعلى إرخاء أو إراحة عضلاتك. قم بممارسة تمرين الاسترخاء مع قيامك بتخيل ذكرياتك في أثنائه، مرتين على الأقل كل يوم، لمدة أسبوع أو أسبوعين، وفي كل مرة تمارس فيها هذا التمرين، سوف يكون من الأسهل بالنسبة لك أن تحقق التزاوج بين مشاعرك السلبية واستجابتك لتمارين الاسترخاء المضادة، لقد أصبحت أكثر تعودا على أسلوب إضعاف المشاعر بالاسترخاء، ويصبح هذا الأسلوب أكثر فاعلية عندما تظهر لك أول فرصة حقيقية لمقاومة الشخص المستغل. في المحيط الواقعي لمحاولات السيطرة والاستغلال يعتبر إضعاف المشاعر أسلوبا هادئا للمقاومة، ولكنه رغم ذلك يتسم بالقوة والفعالية. عندما يصبح الشخص المُستَغِل الموجود في محيط حياتك ضعيفاً من حيث ضغوطه عليك شيئا فشيئا ويسعى بكل جهده لكي يولد بداخلك مشاعر القلق أو الخوف أو الذنب التي أصبحت مألوفة بالنسبة لك الآن، وسوف تقاوم بأن تفكر في نفسك قائلا على الفور: "إنني أشعر بالخوف (أو القلق أو الذنب)، ولكنني أستطيع أن أتحمل ذلك، إنني بخير"، وبعد ذلك تستدعي مشاعر الاسترخاء بينما تقوم بتنظيم تنفسك في محاكاة هادئة لتمرين التنفس العميق الذي تدربت عليه. إن المقاومة في هذه الحالة سوف تأتي مما لن تقوم بفعله: فأنت لن تهرع إلى الاستسلام أو الخضوع لطلبات الشخص المستغل، لأن عادتك القديمة الملحة التي كانت تدفعك إلى قمع المشاعر السيئة قد تم التخلص منها، ولكنك سوف تقوم ببساطة بمقاومة وتحمل المشاعر السلبية التي سوف تقل حدتها بسبب ما تدربت عليه من تمرينات لإضعاف المشاعر وبسبب عملية التكيف مع الواقع