"إن الإنسان أعظم مما نتصور، وأن الدنايا التي اقترفها لم تكن جديرة به على الإطلاق، وأن الإذعان لسطوتها كان هوانا دفعه إليه السقوط والتنكر لطبيعته الإنسانية، على الإنسان في الدنيا أن يقوم بفعل الخيرات وأن يقول "لا" للمنكرات، وعليه أيضاً أن يمارس العبادة الصافية يغسل بطهرها قذر أعوام النفاق الطويلة. ومن ينظر إلى الدنيا يصل إلى حقيقة واحدة لا حقيقة غيرها: أمم تلتهمها أمم، يطرق بابها في النهاية طارق واحد مصمم هو هازم اللذات (الموت)" نجيب محفوظ. يُمْكِنُ أَنْ تُقَارنَ عملية تأكيد الذات بعملية تَعَلّم اللغة الأجنبية. فأنت تُتقنُ الكلمات في بادئ الأمر، ثم العبارات، ثم القواعد اللغوية والنحوية. وفجأة يُمْكِنك أَن تَتواّصلَ مَع مستوى مفردات طفل من اللغة. ثم تتواصل عملية التَعَلّم حتى تَكتسب طلاقة تامة في اللغة. وبإجادةِ مهارتِك الجديدة، تَحس بأنك أكثرَ إبداعاً في إتقانك لهذه اللغة الأجنبيةَ. لذلك تَتطلّب لغة تأكيد الذات معرفةَ الموضوع، وممارسة المبادئ، وتطبيق يومي في حياتِك. ونحن كأطباء نفسيين نجد العديد مِن الناسِ لديهم مشاكل في تأكيد ذواتهم، ليسَ لأسباب مخفية، أو صدمات مَنسية لمدة طويلة، لكن لأنهم: (1) تَفادوا تأكيد ذواتهم بصورة دائمة. (2) أو هم لم يتعلّموا أن يَكُونوا حازمينَ و مؤكدين لذواتهم. لهؤلاء المبتدئين، يَتخصص معالجوا السلوك في تدريبات الإصرارِ حسب برامج تأكيد الذات. هذه تتضمن: كَيفَ تم وَضع برنامجكَ الخاص للأهدافِ الأولية والأهدافِ الثانوي ومهام السلوكِ، فالرجل الذي يَخْشى السُؤال عن "عنوان متجر" قَدْ يُعطي مهمّةَ من طبيبه المُعالج بأن يذهب إلى مقهى قريب ثم يَتكلّمُ مع شخصين لا يعرفهما عن آخر أخبار الكرة مثلا، وقد يُطلب منه إجراء حوار مع بعض الأشخاص عن صعوباتِ التواصل، مع توجيهه إلى رفض الطلبات غير المعقولةَ من الآخرين، مع تدريبه على سلوك (تبادل الأدوار في حالاتِ وجود مشاكل في التواصل مع الآخرين، وذلك بتدريبه على تقنيات التواصل الناجح بواسطة زوجته أو صديقه أو طبيبه المعالج مثلاً). فقه الأولويات: في أي مستشفى عام حاول أن تتجول قرب أي غرفة طوارئ مكتظة وسترى شيئا مهما، فبما إن غرف الطوارئ مفتوحة دائما؛ لذا يمكن أن تكتظ بالمرضى الذين يرغبون في الكشف الطبي من دون سابق إنذار، و القاعدة في هذه الأثناء هي عدم استباق الأمور، لأن احتمال الفوضى فيها عالي، و من هنا يجب أن يتوفر جهاز من التمريض يحرص على أن تتم معاينة المرضى أولا؛ لذلك يوجد في أقسام الطوارئ بالمستشفيات ما يسمى "بممرضي الانتقاء"، والذين مهمتهم هي انتقاء المرضى القادمين للطوارئ؛ و ذلك بإعطاء الأولوية في دخول المرضى على الطبيب وفقا لحاجتهم الطارئة إلى العلاج. عندما عملنا كأطباء في غرف الطوارئ كنا نتبع تنسيقا للأمراض للتعامل معها وفق الأولوية: مثل ذبحة قلبية، ألم في المعدة، ربو، كسور، ثقب ووجع في الأذن. كان هذا التنوع مدهشا. كنا والممرضات نعدل دوما أولوياتنا للاعتناء بالأشخاص الذين يعانون من مشاكل تهدد حياتهم أولا، ثم من يعانون من آلام حادة أو قد يكونون بحاجة إلى جراحة، وهكذا دواليك. كما أن هناك أيضا أشخاصا عرضيين يثيرون ضجة كبيرة لتتم معاينتهم، وذلك بعد تسببهم في شجار غير خطير، لقد كان تمرينا في سرعة الكشف على الحالات، وذلك وفقا لخطورة الحالة؛ وليس وفقا لعواطف هؤلاء الممرضين. إن الاختيار هو صورة كلاسيكية للقيام بالأمور وفقا لأهميتها؛ الأهم أولا فالمهم ثم الأقل أهمية، وهذا المبدأ ينطبق في كل أماكن العمل. إن عبء العمل يعتبر ثابتا للناس العاملين، ومع كل هذا الطلب على حصصنا صارت المنظمات تعمل بتحد دائم، ومن هنا تأتي الحاجة الطارئة لتفضيل الأمور. راقب أناسا ناجحين وستلاحظ أنهم لا يقضون وقتا كبيرا في أمور تافهة. بل هم يعملون على أمور أكثر أهمية، ولكن كيف يقررون أي الأشياء أكثر أهمية من غيرها؟!، يعتبر البعض أن بعض الأشياء مهمة من خلال النظر إلى المهل، وآخرون يستندون على ما يهم رئيسهم أكثر، أو الذي سيكسبهم مالا أكثر، أو الذي سيحقق لهم الأكثر من أهدافهم الشخصية. فمهما كانت معاييرك فكر فيما يهمك أكثر واصنع قرارا وفقا لما يهمك مما يساعدك على أن تُكوِّن نظاما. لقد صمد النموذجان المتتاليان أمام امتحان الوقت: النموذج الأول: هو من كتاب مان لا يكس الكلاسيكي بعنوان "كيف تتحكم بوقتك وحياتك؟" وهو يُسمى أحيانا بنظام (أبجد هوز). وعن ذلك: قم بوضع لائحة عن الواجبات المعينة التي تريد أن تنجزها أو تحتاج إلى إنجازها، ثم صنف كل شيء بـ (أ) إذا كان لا بد من القيام به و(ب) إذا كان يجب أن يتم عمله (ج) لكل ما يمكن فعله إذا توفر الوقت [ تعتبر الأشياء في (ج) استثنائية لأنه يحتمل ألا تصل إليها في معظم الأحيان. ما إن تحدد أهمية كل واجب معين قم بالواجبات المصنفة بـ(أ)، وتكمن المشكلة لمعظمنا في أننا نحب أن نقوم بالواجبات المصنفة (ج) لأنها غالبا ما تكون أسهل وأسرع، ولكن إذا نظمت نفسك من أجل القيام بالواجبات ذات الأفضلية العليا أولا؛ فسينقضي باقي اليوم بشكل أكثر سهولة وأكثر متعة. ما إن تقوم بما هو مصنف في (أ) انتقل إلى تصنيف (ب)، ويتعين وضع تصنيف (ج) على حدة كليا، ومع ذلك قُم أحيانا بالواجبات التي لها أقل أولوية كأنها استراحة قصيرة من الأعمال الأصعب. النموذج الثاني: يأتي من مسلسل "العادات السبع لأناس فعالين جدا" لستيفن كوفي، ويستند نموذج كوفي على تمييز أساسي بين الأشياء الطارئة مع تلك المهمة، وقد يبدو أن الأمرين (الطارئ والمهم) يشبهان بعضهما البعض ولكنهما ليسا كذلك. تعكس الطوارئ قاعدة لوقت قصير فحسب، ولكنها قد تتضمن أمورا تافهة، وعلى العكس بالنسبة للواجبات المهمة والتي غالباً ما تتضمن أهدافا طويلة الأمد، لذا عليك أن تقرر القيام بالشيء الأهم بالنسبة لحياتيك الحاضرة والمستقبلة، وكما قيل: "أصعب الصعاب اتخاذ القرار الصحيح". كذلك ما قد يكون طارئا لأحد غيرك قد لا يكون طارئا بالنسبة لك. إذا كنت تشعر دائما بأنك تضرم نيران المعارك مع الآخرين أو تتمايل من أزمة إلى أخرى فمن المحتمل أنك لا تميز بين المهم والطارئ في إدارة وقتك.