جراحات التنحيف الآثار الجسدية والنفسية(1): بالرغم من التطور الكبير الذي أحرزته الأساليب الجراحية للتعامل مع البدانة، ورغم أن المتوقع هو أن تكونَ الآثارُ النفسية لنجاح مثل هذه الجراحات طيبةً بشكلٍ كبير، إلا أن الدراسات التتبعية لمن يجرون جراحاتٍ ناجحةٍ تخلصهم من البدانة لا تؤيدُ ذلك الافتراض خاصةً على المدى الطويل، والمشكلة أن الآثار الجسدية لجراحات التنحيف أيضًا ليست تبشر بكثير من الأمل، وهذا للأسف كلام لا يقال في الأدبيات العلمية إلا فيما ندر رغم أنه الواقع، وقد يحذرون المريض كثيرًا -في الغرب أكثر- قبل إجراء العلمية، من المضاعفات الجسدية، ولكنهم مع الأسف ينسون إلى أي حد يكونُ تعلق المريض طالب الجراحة بأمل أن يغير صورة جسده طاغيًا على كل قوة فيه، فهو يكونُ موسوسًا حتى النخاع، عندي مرضى يتمنون المرض والعياذ بالله إذا كانت نتيجته بعض الرشاقة ولا أقول كلها، حتى عندما أذكرهم بوهن الجسد آنذاك يقولون لي نلبس ما نشاء ونفعل ما نشاء ولا يسخرُ منا الآخرون!، إذن فهو ليس في موضع من يحسن التقييم، وموافقته بالتالي موضع تساؤل..... ولكنها خاصة في بلادنا بلاد الطيبين ما شاء الله ماشية ومعطية نتائج! وباختصار نادرًا ما يكونُ المريض المشتكي من بدانته أقلَّ من مستعد لتحمل أي مخاطر آنية أو حتى مستقبلية كمضاعفات للطريقة المرجوة في التنحيف وهنا تكمن الخطورة، ورغم ذلك ليست الهيئات المسئولة عن نشر الأبحاث عادلة ولا منصفة فمعظم الآثار الجانبية لجراحات التنحيف مهملة بشكل أو بآخر بينما أبواق الدعاية مثلاً لحزام البطن أو غيره تملأ المجلات العلمية، ما علينا هذا حال العلم الغربي، وسأذكر هنا بعض ما استطعت الوصول إليه من مرضاي ومن مرضى الإنترنت كما في إجابة: من قال إنها إرادة؟.. إنه الجسد صنع الله، عن الآثار الجسدية، وأعطي نتائج الدراسات المتاحة أيضًا -وهي قليل- عن الآثار النفسية التي ستفاجيء كثيرين علقوا كل شيء على أن يصلوا للرضا عن أجسادهم من هذا الطريق. الآثار الجسدية لجراحات التنحيف: إضافةً بالطبع إلى ما ذكرناه من مضاعفات جراحية جسدية أثناء كلامنا عن كل شكلٍ من أشكال جراحات التنحيف، في الجزء الأول من هذا الملف: جراحات التنحيف مقدمة وعرض فإنني سأخصص جزءًا هنا للحديث عن المضاعفات الجسدية لجراحة تعدية المعدة سواءً تم ذلك بالمجازاة الصائمية اللفائفية أو بتدبيس أو تحزيم المعدة أو بتركيب البالون، فهناك ما يسمى بزملة الغممان أو التتييس Dumping Syndrome، والذي يحدث في نسبة تصل في بعض الدراسات إلى 100% من المرضى بعد جراحة تعدية المعدة، ومتوسط معدلات حدوثها هو 47% (Fromm,1991). وتحدثُ الأعراض فيه على مرحلتين أحدهما مبكرةٌ بمجرد تناول الغذاء خاصةً النشويات خلال خمس دقائق حتى الساعة إلا الربع بعد الأكل أو دخول الطعام إلى المعدة، وتستمرُّ مدةً تختلف من مريضٍ إلى آخر فربما استمرت عشر دقائق فقط، وربما زادت عن الساعة، والمرحلة الأخرى تحدثُ متأخرةً بالنسبة لموعد تناول الطعام بعد ما بين الساعة والساعتين من دخول الطعام إلى المعدة، أي عند وصوله للأمعاء والبدء في امتصاص نواتج الهضم خاصة الجلوكوز، وأما ما يصفه المرضى بعد العملية فهو أنهم عندما يأكلون يشعرون بعد فترةٍ قصيرة بما يشبه تشوش الوعي والغثيان والشعور بالانتفاخ، وأنهم بعد أن تأخذ هذه الأعراض دورتها والتي قد تمتدُ إلى أن تفرغ المعدة (المنقوصة) محتوياتها، وهو ما يمثل أعراض زملة الغممان المبكرة، وبعد ذلك قد تحدث نفس الأعراض ربما بعد فترةٍ من السكون، وربما تصحبها ألام التقلصات والإسهال. وأما ما هو ملفتٌ للنظر في هذا المبحث فهو أن الدراسات التي اهتمت ببحث أسباب تلك الزملة قليلةٌ جدًا، وهناك عدة نظريات تحاول تفسير ما يحدث وتدور كلها حول الاختلال الذي يصيب توازن أجهزة الجسد الحيوية كجهاز التحكم في مستوى سكر الدم، وأيضًا مستوى الوعي ومستوى النشاط الذهني والجسدي والتفاعلي مع البيئة خاصةً (أي أنها حالة تتييس كما اقترحنا تسميتها)، وكذلك معدل الحالة الاستقلابية Basal Metabolic Rate منها زيادة في الطاقة المستهلكة في حالة السكون تبدأ مباشرةً بعد العملية وتستمرُّ ربما لأجل غير محدد (Flancbaum,et al.,1997)، وأيضًا اضطراب وظيفة الجهاز الدوري، ولا شيء مؤكد في نتائج كل تلك الدراسات، ومثلا لا توجد دراساتٌ لا استرجاعية ولا مستقبلية تبحث العلاقة بين أعرض الغممان وبين الوزن المفقود، وهو ما يجعلنا نقع في حيرة أمام النظرية الناتجة عن فيزيولجية الجسد أثناء المجاعة حيث أن المفترض أن تقل الطاقة الاستقلابية المستهلكة في حالة السكون، أي أن حتى النظام الاستقلابي للجسد يختل. ورغم أن الآلية المبدئية حسب الفهم الحالي لإحداث فقد في الوزن بعد عملية تعدية المعدة التقليدية هي فرض حصر على إدخال الطعام إلى الجسد من خلال المعدة، إلا أن قدرًا من سوء الامتصاص Malabsorption أيضًا يحدثُ وإن كان غالبًا ما يظل في صورة أقل من الإكلينيكية Subclinical، أي لا يدفع المريض مباشرةً إلى الطبيب، ولعله مسئول أيضًا عن فقد الوزن، إلا أن الآليات التي تؤدي إلى إحداث سوء الهضم بعد جراحة تعدية المعدة دون تأثير على آلات الامتصاص في الأمعاء لم تزل غير مفهومة حتى الآن، وليست هناك دراساتٌ إكلينيكية حتى تفهمنا كيف يحدثُ الشعور بالشبع بعد تلك العمليات، ولا حتى دراساتٌ إكلينيكية توضح إن كان الشعور بالشبع يحدثُ بعد تلك العملية أصلا أم لا يحدث!!!!(Brolin,2001). الآثار النفسية لجراحات التنحيف: وعندما نبحثُ عن الدراسات التي أجريت لتقييم الآثار النفسية لجراحات البدانة فإننا نجدُ أولاً أن عددَ هذه الدراسات ما يزالُ قليلاً، وثانيًا أن النتائجَ النفسية الطيبة التي تسجل بعد نجاح الجراحة وخلال العام الأول لا تستمرُّ بعد عامين من الجراحة في أغلب الأحوال، وأول الدراسات(Solow et al.,1974)(حسب بحثي)المتعلقة بهذا المبحث نشرت عام 1974، وقيمت مجموعةً أجريت لهم جراحةُ منع امتصاص الغذاء بعد ستة أشهر وسجل فيها تحسنُ ملحوظٌ في المزاج، ونشرتْ عام1991دراسةٌ أخرى(Waters etal.,1991)، وسجلَ فيها تحسنٌ في درجات الاكتئاب بعد ستة أشهر وبعد عام من الجراحة، إلا أن هاتين الدراستين لم تشملا مجموعةً ضابطةً مما يضعُ بعض الشكوك حول النتائج، وفي عام 1998، نشرت دراسةٌ سويدية (Karlsonetal.,1998) بينت نتائجها أن التحسن الملحوظ في كلٍّ من الاكتئاب والقلق المسجل خلال العام الأول من الجراحة لم يكنْ موجودًا عند التقييم بعد عامين. ورغم وجود بعض الدراسات التي تشيرُ نتائجها إلى تحسن صورة الجسد والرضا عنها بعد جراحات التنحيف الناجحة خاصةً في حالات البدانة التي تبدأ في الرشد، إلا أن معظمَ هذه النتائجُ لا تدومُ إلا في الحالات التي يتميزُ الأشخاص فيها باستمرار وعيهم بالوزن (أي الذين يعيشون في حميةٍ دائمة)(Adami etal.,1999)، وأما الجديرُ بالذكر فهو تأثير جراحات التنحيف الناجحة على نوبات الدقر وعلى الاستقاءة وغيرها من السلوكيات المُعَدِّلة، فقد بينت دراسةٌ استرجاعية (Retrospective Study) (Hsu etal.,1997) قيمت الأشخاص بعد عامين من الجراحة الناجحة عدم وجود نوبات دقرٍ لديهم إلا أن نسبةً دالةً منهم أقروا بشعورهم بفقد التحكم تجاه الأكل من حينٍ لآخر وأنهم لولاَ سرعة شعورهم بالامتلاء لأكلوا أكثر، وتبينَ أن نسبةً كبيرةً منهم ما زالوا يمارسون الاستقاءةَ وغيرها من السلوكيات المعدلة، وبينت دراسةٌ مستقبليةٌ(Prospective Study)(Powers etal.,1999) عدم إقرار أشخاص الدراسة بحدوث نوبات الدقر بعد خمس سنوات ونصف من إجراء الجراحة، إلا أن 79% منهم كانوا يستقيئون من حينٍ لآخر، وإن أرجعَ الباحثون ذلك إلى أسباب أخرى غير التحكم في الوزن عدا في نسبةٍ ضئيلة! والحقيقةُ أن دفاع هؤلاء الباحثين عن نتائج دراستهم لم يكن منطقيًا بشكل كاف، وقد لوحظ ارتفاع معدلات القلق والتوتر بشكل ملحوظ بعد جراحات التنحيف الناجحة عند ذوي التاريخ الشخصي للضرار الجنسي (Felitti,1991)، وهو ما قد يفسر بأن المريضة كانت تعتبر البدانة حمايةً لها من التعرض مرةً أخرى للضرار، وأما الآثار النفسية الأخطر لجراحات التنحيف (الناجحة) وإن كانت أقلَّ حدوثًا فتتمثلُ في ارتفاع معدلات الطلاق بعدها، خاصةً في الزيجات المشوبة بالصراعات الطويلة الأمد (Rand et al.,1982)، كما أن هناكَ معدلات انتحارٍ أعلى من المتوقع بعدها (Hsu et al.,1997). وأكمل معكم أحبائي قراء مجانين في الأسبوع القادم إن شاء الله في جراحات التنحيف فقه المشهد، لنرى النتائج الحقيقة بعد المتابعة على مر السنوات وكيف أنها تفشل أيضًا وتضر كثيرًا، حتى وإن أحدثت في البدايات سعادة وشعورًا بإمساك الحلم وتحقيقه، في كثير لا تختلف الجراحات إذن عن الحميات الغذائية برمتها، بل الأخيرة أصلاً جزء من الحفاظ على الأولى. المراجع العلمية: 1. Fromm, D. (1991) : Postgasterectomy Complications. In Shackeleferd‘s , Richard, T. (Eds) Surgery of the Alimentary Tract. Vol 2 , page 173-175 3rd Edition , George Zuidema ,Sauder Company 2. Flancbaum L.F, Choban PS, Bradley, LR, et al., (1997) : Changes in measured energy expenditure after Rouex-en-Y gastric bypass for Clinincally severe obesity. Surg. 122: 943-949. 3. Brolin R.E. (2001) : Gastric Bypass. In Sugerman H.J. (Eds) Obesity Surgery, Surgical Clinincs of North America , Vol. 81 (5) 2001. 4. Solow, c.Silberfarb,P.M. & Swift, K. (1974) : Psychsocial effects of Intestinal Bypass Surgery for severe obesity.New England J. Medicine 290 :300-304. 5. Waters, G.S.Pories, W.J. Swanson, M.S etal (1991) : Long term studies of mental health after the Greenville gastric bypass operation for morbid obesity. Am.J. Surgery 161: 154-158. 6. Karlson, J. Sjostrom, L. & Sullivan, M.(1998) : Swedish Obese Subjects (SOS)-an intervention study of obesity.Two year followup of health related quality of life & eating behavior after gastric surgery for severe obesity. Int. J. Obes. Relat Metab. Disord. 22: 113-126. 7. Adami, GF., Meneghelli, ABA. &Scopinaro, N (1999) : Body Image in obese patients before and after stable weight reduction following bariatric surgery. J. Psychsomatic Research.46: 275-281. 8. Hsu, LKG, Sullivan, SP. & Benotti, PN. (1997) : Eating Disturbances and outcome of gastric bypass surgery : A pilot study. Int.J. Eat. Disord. 21 : 385-390. 9. Powers, PS. Perez, A. etal (1999) : Eating Pathology befor and after Bariatric : A Prospective study. Int.J. Eat. Disord. 25: 293-300. 10. Felitti, V.J. (1991) : Long term medical consequences of incest , rape and molestation. South Med. J. 84 : 328-331 11. Rand, C.S.W., Kuldau, J.M., Robbins, D.C. (1982) : Surgery for obesity and marriage quality. JAMA, 247 :1419-1422