هل تؤثر طريقة تعاملنا مع الأكل في وزن الجسد؟ أي هل يختلف تأثير الطعام على الجسد إذا أكلنا بسرعة عن إذا أكلنا ببطء؟ الحقيقة أن الطريقة التي يأكل بها الإنسان كانت واحدة من الأسئلة التي تحير الدارسون في فهم علاقتها بالبدانة، فمحاولة فهم علاقة طريقة الأكل بالتنظيم قصير الأمد لعملية الأكل داخل الوجبة الواحدة أجريت دراسات كثيرةٌ بشأنه قورن فيها البدناء بغيرهم وكان أن برزت فكرةُ أن أسلوبَ أكلٍ معينٍ يرتبط بالبدانة Obese Eating Style (Ferster, etal., 1962) حيث يأكل الشخص البدين بسرعة ويأخذ قضماتٍ أضخم ويستغرق وقتا أقصر في الأكل، وتلت ذلك اقتراحاتٌ علاجية يحاول المعالج من خلالها مساعدة البدين على إنقاص السرعة التي يأكل بها والكمية التي يتناولها في القضمة (Stuart, 1967)، إلا أن دراسات تالية أوحت بأن فكرة الأسلوب المختلف في طريقة الأكل التي تميز الشخص البدين عن غيره كما وصفت في تلك الدراسات المبكرة لم تكن أكثر من انطباعاتٍ إكلينيكية لم تدعم بالقدر الكافي من الدراسة الموضوعية، فضلا عن أنها تضع مسئولية أكبر على الشخص البدين باعتباره متهما بالتسبب في بدانته. ولذا أجريت دراسات عدة بعد ذلك لتفنيد فرضية ارتباط البدانة بأسلوب أكلٍ معين، فأما العدد الكلي لقضمات الأكل فلم يختلف بين البدينين وغيرهم (Adams et al. , 1978)، وكذلك كان الفرق بين البدينين وغير البدينين غير دالٍ إحصائيا فيما يتعلق بمدة الوجبة وحجمها في عددٍ من الدراسات (Kaplan , 1980)، وأما حجم قضمة الأكل فقد وجد فيه اختلاف في بعض الدراسات فكان أكبر في ظروف معينة في الشخص البدين (Dodd et al.,1976)، ولم يوجد في بعضها (Hill & McCutcheon,1975)، ويبدو أن حجم قضمة الأكل يرتبط بمتغير آخر غير فئة الوزن قد يكونُ سرعة الأكل، فعادة ما تكونُ القضمة أصغر في من يأكلون بسرعة. وبعد فحص ثلاثة عشر من تلك الدراسات خلص اثنان من الباحثين (Stunkard and Kaplan, 1977) إلى أنه رغم كون كلٍّ من خيارات المأكول ومعدل الأكل يبدوان من العوامل المُفَرِّقةِ بين البدين وغير البدين إلا أن ما أجري من دراسات حتى ذلك الوقت لم تستطع الوصول إلى إجماعٍ على فروقٍ مؤثرةٍ بعينها وذلك بسبب صعوبة تلك النوعية من الدراسات وتداخل عوامل عديدة في سلوك الأكل، فضلا عن ما أثبت في الدراسات على الحيوانات والإنسان من حصول تغيُّرٍ في معدل الأكل أثناء الوجبة الواحدة سواء كان الغذاء من النوع السائل أو من النوع الصلب (Kaplan , 1980)، كل ذلك فضلا عن أنه رغم تعددِ القياسات التي أجريت في كل دراسة إلا أن طرق القياس والعوامل التي يتم قياسها نادرا ما كانت مشتركة بين الدراسات وهو ما يجعل مقارنة النتائج غير ممكنة. وبداية من سنة 1980 بدأت بعضُ نتائج الأبحاث في هذا الموضوع تظهر عدم صحة وجود أسلوبٍ مميز للأكل عند البدينين سواء في النساء (Stunkard et al., 1980)، أو الرجال (Andersson & Rossner, 1996)، بل إن من الدراسات (Rising et al., 1994) ما أظهر تناسبا عكسيا بين معدل سرعة الأكل ونسبة محتوى الجسد من الدهون، وكذلك بين الكميات المأكولة من النشويات والسكريات والدهون والبروتين ومحتوى الجسد من الدهون، إلا أننا خاصة في العقود الأخيرة لا نستطيع استنباط نتائج يمكننا البناء عليها بسبب استشراء ثقافة الوعي بالوزن، فلم يعد هناك بدين لا يشعر بالذنب أثناء الأكل ولا يقاوم رغبته في أن يأكل في أغلب الأحوال، وهو ما يعني حاجتنا إلى دراسات مستقبلية Prospective لا استرجاعية Retrospective لتقييم العلاقة بين سرعة التهام الطعام وبين البدانة، أي نحتاج لدراسة سرعة الأكل في أشخاص كلهم من فئة الوزن الطبيعي لنثبت أي نوع من العلاقة بينها وبين حدوث البدانة، وذلك لأن ملاحظتنا لبدين وهو يأكل اليوم قد تكونُ غير دالة بالمرة، لأنه لا يأكل على طبيعته. وأما ما لم تزل تثبته الدراسات فهو أن الرجال يأكلون بمعدلٍ أو بسرعة أكثر من النساء وأن البدينين غالبا يأكلون بسرعة أكبر من غير البدينين (Kissileff, 1989) و(Hill & McCutcheon,1984)، وفي أحدث ما وصلت إليه من الدراسات (Karll et al., 2001) درس الباحثون مجموعة من ذوي البدانة المفرطة أثناء فترة تقيميهم لإجراء جراحة علاجية للبدانة، ووجد ارتباط بين معدل الأكل السريع وبين البدانة المفرطة خاصة عند من تزيد لديهم نسبة محيط الخصر إلى الوركWaist-Hip Circumference Ratio ، وهي علامة على زيادة الدهن الحشوي Visceral Fat (أي في منطقة البطن)، كما وجد أن الرجال يأكلون بمعدلٍ أسرع من النساء وإن لم يختلف حجم الوجبة بين الجنسين، وفي الدراسة ما يشير إلى أن سرعة التهام الأكل أو الأكل بمعدل سريع (وهو ما يسمى في تراثنا بالشره) قد يكونُ مسئولا عن كثير من الأمراض التي تتهمُ البدانة بأنها سببها كما سنرى في مقال قادم