الجسد هيَ تلكَ الصورةُ التي يجدها المرءُ في عقله لكيفَ يبدو جسدهُ وما هوَ حجمُ أجزائه المختلفة، إضافةً إلى مشاعره تجاهَ هذه الصورة، وبالتالي نقولُ أن مفهومَ صورة الجسد يضمُّ مفهومين داخليين متداخلين هما: مفهومُ الصورةِ العقلية المدركةِ للجسد وهو مفهومٌ معرفي إدراكي، ومفهوم الشعور بالرضا أو الرفض أو الضيق تجاهَ هذه الصورة المدركة وهذا مفهومٌ معرفيٌّ شعوري، ويضيفُ بعضُ علماء النفس بعدًا آخرَ لا يبتعدُ كثيرًا عن المفهوم الأول وهوَ فكرةُ الشخص عن كيفَ يراهُ الآخرون، وهو غالبًا جزءٌ من مفهوم إدراك صورة الجسد، فلابد أن الناس يرونَ جسدي كما أراه أنا، ونستطيعُ توسيع المفهوم ليشمل أربعةَ متغيرات هيَ: 0ما هي الصورة العقلية للجسد، كيف يشعر الشخص بجسده وكيفَ يستشعره، كيف يحرك الشخص جسده وكيفَ يحس أجزاءَهُ المختلفة، ثم ما هي الرسالة التي تلقاها أو يتلقاها من الآخرين عن صورة جسده؟ *ونستطيعُ تحديد نوعين من اضطراب صورة الجسد: أحدهما هوَ اختلال صورة الجسد Body Image Distortion ويقصدُ به اختلالُ الصورة العقلية للجسد وعدم مطابقتها للحقيقة فمثلاً عندما ترى البنتُ النحيلةُ نفسها في المرآة بدينةً أو عندما ترى نفسها في المرآة نحيلةً لكنها لا تستطيع الخلاص من إحساسها بأنها بدينة فإنها تعاني من اختلال صورة الجسد، وأما النوعُ الآخر فهوَ عدم الرضا عن صورة الجسد Body Image Dissatisfaction ويقصدُ به وجود مشاعر سلبية لدى الشخص تجاه جسده سواءً كانت هذه المشاعرُ السلبيةُ موجهةً تجاهَ الجسد كله أو تجاه جزءٍ معينٍ منه، وعدم الرضا عن الجسد هوَ غالبا نتيجةٌ لاختلال صورة الجسد، إلا أنهُ يمكنُ أن يوجدَ دونَ وجود اختلال صورة الجسد، وعدم الرضا عن صورة الجسد كثيرًا ما يؤثرُ على حياة الشخص وعلى تفاعلاته الاجتماعية، حيثُ يدفعه إلى تجنب المشاركات مع الآخرين والنزوع إلى الانعزال عنهم، وعدم الرضا عن الجسد لا يؤثر فقط على حياة الإنسان الاجتماعية وإنما يؤثر على احترامه وتقديره لذاته، فقد بينت الدراسات أنهُ بغض النظر عن الجاذبية الحقيقية فإن مستوى احترام الشخص لذاته يتأثر تأثرًا كبيرًا برضاه عن صورة جسده. ويرتبطُ رضا الفرد أو عدم رضاه عن صورة جسده بما يصدرهُ الآخرونَ من أحكامٍ وتقييماتٍ عنهُ، كذلك فإن النمطَ الجسدي الذي يعتبرُ جَذَّابًا ومناسبًا ومثاليًّا من وجهة نظر الثقافة التي يعيش فيها الفرد كثيرًا ما يكونُ له تأثيرٌ كبيرٌ على مدى رضا الفرد أو عدم رضاه عن جاذبيته الجسدية، وكلما كانت صورةُ الفرد متطابقةً أو قريبةً من معايير الجسد المثالي السائدةِ في ثقافته كلما أشعرهُ ذلك بجاذبيته الجسدية وكلما أصبحَ أكثرَ شعورًا بالرضا عن ذاته الجسدية، وعلى العكس تماما فإن مشكلةً كبيرةً يعاني منها الفرد إذا ما تباعدت صورة جسده المدركة بالنسبة له عن صورة الجسد المثالي السائدة في ثقافته حيثُ تختلُّ صورةُ الفرد عن ذاته وينخفضُ تقديرهُ لها. صورتنا في المرآة ماذا نرى؟ وماذا نشعرُ تجاهَ ما نرى؟: الحقيقةُ أن ما يراهُ الناظرُ في المرآةِ انعكاسًا لصورته فيها، وكذلك شعورهُ تجاهَ ما يرى، يتأثران إلى حد بعيدٍ بالعديد من المتغيرات: كالنوع الذي ينتمي إليه من بينَ أنواع الكائنات الحية، والجنس من حيث كونه ذكرًا أو أنثى، وكذلك العمر، وإلى أي الأعراق أو الأجناس ينتمي الناظرُ في المرآة، وحالته المزاجية أثناءَ النظر في المرآة، وما رآه واختزنه في ذاكرته من صورٍ في المجلات والقنوات التلفزيونية المختلفة، وكذلك ذكريات طفولته، وحالته الاجتماعية، والكثير الكثير من المتغيرات التي سنعرضُ لها هنا بشيء من الإيجاز: (1)النوع: عندما يرى القط أو الكلب أو الحمار أو حتى الحصان صورته في المرآة فإنهُ لا يدركُ أنها انعكاسُ جسده على صفحة المرآة، وإنما يظنها صورة حيوانٍ آخر من نفس نوعه، وأما الأنواع الأكثرُ رقيا من الحيوانات كالشمبانزي، والقردة العليا كالغوريلا، وإنسان الغاب فإن الواحد منهم يعرف أن ما يراه في المرآة إنما هو صورته بشخصه، وإنهُ لمما يثيرُ التأمل أن ما يفعلهُ الشمبانزي أو إنسان الغاب عندما نضعُ المرآةَ أمامه يشبهُ إلى حد كبيرٍ ما يفعله الإنسان فالشمبانزي يقوم بتهيئة مظهره، ويخرج المحشورَ بينَ أسنانه من بقايا الطعام، ثم ينظرُ لنفسه في المرآة وهو يفعلُ بعضَ التعبيرات بوجهه كأن يغمزَ بعينه أو أن يخرج لسانه لنفسه في المرآة مداعبًا نفسه !! (2)الجنس: معظمُ الدراسات التي أجريت على صورة الجسد تبينُ أن الإناثَ أكثر حساسيةً وأكثر انتقادًا لصور أجسادهن من الذكور، وأقل قابليةً للإعجاب بما يرين في المرآة، فمن بين كل عشر إناثٍ يقفنَ أمام المرآة ثمانية سيشعرن بعدم الرضا عن انعكاس أجسادهن في المرآة، وخمسة على الأقل يرين صورةً غير مطابقة للواقع!!، وأما الرجال فعادةً ما يعجبهم ما يرون في المرآة ويسرون به، أو ربما أظهروا عدم الاكتراث في كثيرٍ من الأحيان، فقد أظهرت بعضُ الأبحاث أن الرجال عادةً يمتلكون صورةً إيجابيةً للجسد بل هم كثيرًا ما يعطون تقديرًا مبالغًا فيه لجاذبيتهم وحسن صورتهم، وكثيرًا ما يعجزونَ عن رؤية العيوب في صورة أجسادهم، وأما لماذا أو من أينَ جاءَ هذا الفرق بين الرجال والنساء في التهيئة النفسية لرد الفعل على صورة الجسد في المرآة؟ *ولماذا نجدُ المرأةَ أكثرَ استعداداً لعدم الإعجاب بما ترى(رغم أنهُ بالتأكيد أو في معظم الأحيان على الأقل أجمل مما يراه الرجل الناظر لنفسه)في المرآة؟ 0والإجابةَ واضحةٌ لو أننا تأملنا الطريقةَ التي تُعاملُ بها البنتُ منذ طفولتها وكيفَ يدلُّ كل ما حولها من نظرات ومن تعليقات على أن لشكل جسدها وللطريقة التي تبدو بها ولاهتمامها بهيئتها العامة وبكل جزءٍ منها أثرًا كبيرًا على تقييم الناس لها، ويضافُ إلى ذلك أن مقاييس الجمال بالنسبة للمرأة أقلُّ مرونةً من مقاييس الجمال للرجال، كما أن صورة جسد المرأة الجميل بما فيها كل جزءٍ فيه تعتبرُ أشدُّ إلحاحًا وأشد جذبًا لحواسنا أيضًا خاصةً في الخمسين سنة الأخيرة التي أصبحت البنتُ المراهقة فيها ترى في يومٍ واحد صورَ نساء جميلات حسب أدق مقاييس الجمال، تفوقُ ما رأته أمها في سنين مراهقتها كلها أو ما رأته جدتها في سنين عمرها كله، لعل الكبيرات من النساء يشعرنَ جيدًا بما أقول، فقد كانَت رؤيةُ العروس في ليلة زفافها وكانت أناقتها وجاذبيتها شيئًا يتحاكى به النساءُ لفترةٍ طويلة بعد الزفاف حتى عهد قريب، لأنه لم تكن هناكَ صورٌ غير تلك التي تختزنها الذاكرة في تلك الأيام، ولم يكن هناكَ مجالٌ للفرجة إلا في مثل ظروف العرس، وفي مثل هذا المناخ الذي تعيشُ فيه المرأةُ في أيامنا هذى، وتتجهُ فيه مقاييس الجمال المعروض في الصورة بشكل دائبٍ نحو ما لا تستطيعُ المرأة الطبيعيةُ الوصول إليه من مقاييس دقيقة للجمال اللهم إلا في نسبة الخمسة بالمائة من النساء حسب الدراسات الغربية، وذلك فقط حسب الوزن والحجم، ولو أننا أدخلنا معايير الجمال بالنسبة للوجه والشعر مثلاً فستقل النسبة عن الواحد بالمائة، في مثل هذا المناخ يصبحُ طبيعيا من المراهقةِ أن تحاول الوصول بصورة جسدها إلى المستحيل البعيد المنال، ويصبحُ عدم رضاها عن ما تراه في المرآة إذا نظرت لصورتها هو رد الفعل الطبيعي وليسَ رد الفعل المريض. (3)العمر: يتأثرُ ما نراه في المرآةِ حين ننظرُ إلى صورتنا أيضًا بالمرحلة العمرية كما يلي: أولاً: في سنين الطفولة: يبدأ الأطفال في التعرف على أنفسهم في المرآة عند عمر السنتين، وتبدأ الطفلةُ في المجتمعات الحديثة في الشعور بعدم الرضا عما تراه بعد سنواتٍ قليلةٍ من ذلك العمر، فالدراساتُ المسحية الحديثةُ تبينُ أن البنات صغيرات السن يرين أنفسهن بدينات أكثر من اللازم ويتبعن حميةً لإنقاص الوزن، فمثلاً وجدت دراسةٌ أمريكيةٌ أن81% من البنات في العاشرة قد اتبعن حمية مُنَحِّفَةً مرةً واحدةً على الأقل! ووجدت دراسةٌ أخرى أجريت في السويد أن 25% من البنات في السابعة من العمر قد اتبعن بالفعل حِمْيَـةً مُنَحِّفَةً، كما أوضحت الدراسةُ أن لديهن اضطرابًا لصورة الجسد، إذ يرينَ أنفسهن أكثرَ بدانةً مما هن في الحقيقة، وبينت دراسةٌ أجريت في اليابان لى بنات مدرسةٍ ابتدائية أن 41% رأين أنفسهن أكثرَ سمنةً من المطلوب، وكان الحد الأدنى للعمر في هذه الدراسة هو ست سنوات، وعلقَ الباحثونَ بأن:"حتى صاحبات الوزن المثالي وصاحبات الوزن الأقل من المثالي والنحيلات كلهن يردن إنقاصَ وزنهن"، وأما الأولادُ الصغارُ فهم أقل انتقادًا وأقل قلقًا على وزنهم أو صورة أجسادهم، فقد كانَ القلقُ على الوزن والشكل أكثر في البنات ذوات الوزن الطبيعي منه في الأولاد السمان وقد وجدتُ ذلك ببعض الدراسات في سن السابعة وإن كانَ تأثير اختلاف الجنس على المشاعر تجاه صورة الجسد حسب رأي معظم الباحثين يبدأ في الظهور غالبًا بين الثامنة والعاشرة من العمر. ثانيًا:في سنين المراهقة: يمرُّ الأولادُ عادةً بفترةٍ قصيرةٍ من عدم الرضا النسبي عن صورة الجسد في بدايات المراهقة، إلا أن التغيرات الجسدية المصاحبة لهذه السن سريعًا ما تصل بهم إلى الشكل المقارب لمثال الجسد الذكوري من حيث زيادة حجم وقوة العضلات وزيادة الطول واتساع ما بينَ المنكبين، وكل هذه التغيرات في الحقيقة إنما توجههم ناحيةَ الصورة المثالية المشهورة للجسد الذكوري التي تتميز بوجه عام بكثير من المرونة وأيضًا من السماح بالاختلاف، أما البنات فإن دخول البنت مرحلة المراهقة يعني حدوثَ تغيرات في جسدها هيَ زيادة الوزن وتجمع الدهون في منطقة الفخذين والأرداف وبزوغَ النهدين وزيادة الوزن والحجم بالتالي، وكل هذه التغيرات هيَ في الحقيقة بمثابة ابتعادٍ عن النموذج العصري المثالي للفتاة الجميلة! خاصةً وأن النمو في هذه المرحلة يتسم أصلاً بالاضطراب وعدم الانتظام بالشكل الذي يجعل تطويعه للوفاء بمتطلبات النموذج المثالي لجسد البنت مستحيلاً على الأقل في سنين المراهقة، وفي دراسة غربيةٍ وجد أن ثلثي النحيفات في سن الثانية عشرة اعتبرن أنفسهن بدينات جدا، وفي الثالثة عشر كان نصفهن غير راضيات عن صورة أجسادهن، وفي الرابعة عشر ظهرَ ازديادٌ واضحٌ في عدم الرضا عن صورة مناطق معينة من الجسد خاصةً الأرداف والفخذين، وفي السابعة عشر كان سبعةُ مراهقات من كل عشرة يتبعن حِمْيَةً مُنَحِّفَةً، وثمانيةٌ من كل عشرة غير راضيات عن شكل جسدهن في المرآة. ثالثًا:في مرحلة الرشد: أما بعد سن الثامنة عشر فإن أكثرَ من ثمانين بالمائة من النساء في الدول الغربية غيرُ راضياتٍ عن صور أجسادهن، وعادةً ما يرين أنفسهن أضخم وأقبح من الحقيقة، ورغم أن اعتقادًا سادَ في محاولات الفهم الأولية لاضطراب الأكل النفسي المعروف باسم القهم العصبي Anorexia Nervosa بأن اختلال صورة الجسد مرتبطٌ فقط بمريضات القهم العصبي إلا أن عديدًا من الدراسات بعد ذلك أثبتت أن اختلال صورة الجسد كأن ترى المرأةُ نفسها أسمنَ مما هيَ في الحقيقة موجودٌ عند نسبة قد تصل إلى ثلاثة أرباع النساء ذوات الوزن الطبيعي وليس البدينات، وعادةً ما يعبرن عن ضيقهن من عدم نحول الخصر ومن تجمع الدهون في الفخذين والأرداف، وأما الرجالُ فالدراسات الحديثة تبينُ ارتفاع معدلات عدم الرضا عن الجسد في المراهقين، خاصةً فيما يتعلقُ بشكل الصدر والطول والعضلات وإن كانت النسب أقل بكثيرٍ من نسب السيدات، وأما الرجالُ بين 45 و55 من العمر ففي الآونة الأخيرة زادت معدلات عدم رضاهم أيضًا خاصةً فيما يتعلقُ بالكروش والطول والصلع وعرض المسافة بينَ المنكبين، وكثيرًا نراهم يشفطون كروشهم ويشبون ليظهروا أطول في المرآة. (4)الانتماء العرقي: تختلفُ مقاييس جمال الجسد بينَ مجموعةٍ عرقيةٍ وأخرى فبينما يفضلُ القوقازيون(البيض من الأمريكيين والأوروبيين)المرأة النحيلة، نجدُ في الأفارقةَ والآسيويين من يفضل المرأة الممتلئة، فمثلاً هناكَ في مجتمعاتنا كثيراتٌ من البنات يطلبنَ العلاج من النحافة لدى العطارين ولدى الأطباء، كما أن الدراسات التي أجريت بهدف مقارنة الرضا عن صورة الجسد الممتلئ بينَ الأعراق المختلفة بينت ما يؤيدُ وجود مثل هذه الاختلافات، فرأت الأوغنديات في دراسةٍ إنجليزيةٍ جسد المرأة الممتلئ أكثرَ جاذبيةً من الجسد النحيل، كما أن 40% من الأمريكيات السود البدينات رأينَ صورةَ أجسادهن جذابةً أو جذابةً جدا، كما أن مقارنة النساء الإنجليزيات بالإنجليزيات من أصلٍ أسيوي قد بينت أن ذوات الأصل الأسيوي أكثرُ رضًا عن أجسادهن مقارنةً بالإنجليزيات القوقازيات الأصل، وذلك رغم أن غالبية الأسيويات نحيلات القوام أيضًا إلا أن تأثرهن ورغبتهن في تطويع أجسادهن للنموذج الغربي للجمال لم تكن بنفس القوة التي لدى القوقازيات. وبينت الدراساتُ على المكسيكيات المهاجرات إلى أمريكا أن تغيرَ وجهات نظرهن فيما يتعلقُ بمقاييس الجمال والوزن المثالي تتأثرُ بالعمر الذي هاجرن فيه إلى الولايات المتحدة الأمريكية فكان التأثير أقل فيمن هاجرن بعد سن السابعة عشرة مقارنةً بالمهاجرات في سن ما قبل السادسة عشرة، إذن هناكَ فروقٌ ناتجةٌ عن الانتماء العرقي ولعل لها علاقةٌ بالمواريث الثقافية التي كانت ترى في المرأة البدينة رمزًا للخصوبة والجمال والكرم والثراء، إلا أن ما تؤكدهُ معظمُ الدراسات أيضًا هوَ أن هذه الفروق آخذةٌ في التناقص في العقود الأخيرة وسبب ذلك هوَ تأثيرُ القيم الغربية من خلال وسائل الإعلام والسماوات المفتوحة، وبصورةٍ عامةٍ فإن معظمَ الثقافات تحبذُ زيادةَ الوزن والحجم عن المتوسط بالنسبة للذكور، وقلة الوزن والحجم عن المتوسط بالنسبة للإناث، والكثير من المجتمعات تعطي أهميةً كبيرةً لجسد المرأة، فالمجتمعُ الأمريكيُّ مثلاً يوجهُ انتباهًا شديدًا نحو جسم المرأةِ، ويؤكدُ أهميتها ومكانتها من خلال مظهرها الجسدي وهو ما لا يحدثُ بالنسبة للرجال، وفي الثقافة الفرنسية يتمُّ تقييم المرأة في ضوءِ ما تتمتعُ به من جاذبيةٍ جسدية بل إن بعضَ الثقافات تقومُ الرجلَ نفسهُ تقويمًا إيجابيا إذا كانت زوجته تتمتعُ بجاذبيةٍ جسديةٍ عالية. (5)الحالة المزاجية: تتأثرُ صورة جسدنا التي نراها في المرآة بحالتنا المزاجية بشكلٍ كبير، خاصةً في النساء فهن يملنَ إلى رؤيةِ أجسادهنَّ أضخم وأقل جاذبيةً عندما ينظرن للمرآة في أوقات الضيق والقلق أو سوء المزاج بوجه عام، ومعظم الدراسات في هذه النقطة أجريت على النساء. (6)مخزونَ الحواس والذاكرة: أثبتت دراساتٌ عديدةٌ أن رؤيتنا ورأينا لصورة أجسادنا في المرآة تتأثرُ إلى حد كبيرٍ بما هو مختزنٌ في الحواس أو الذاكرة من صورٍ رأيناها في شاشات التليفزيون أو السينما أو الكومبيوتر أو حتى المجلات الدورية، والحقيقةُ أن إصرار وسائل الإعلام كلها على عرض شكلٍ محدد المعايير لفتاة الغلاف، أو مذيعة الربط أو فتاة الإعلان، مع استبعاد نماذج هيَ الأكثرُ وجودًا في كل المجتمعات البشرية لابد أن يكونَ له تأثيرٌ على ردود أفعالنا تجاه صور أبداننا، كما أن نقيضَ ذلك عندما يحدثُ أي عندما تظهرُ امرأةٌ بدينةٌ مثلاً في إعلان ما فإنها في معظم إن لم يكن كل الأحيان إنما تظهرُ لكي تكونَ مادةً للسخرية، فهل نستطيع استبعاد مثل هذا التأثير؟. (7)خبرات وذكريات الطفولة: لعل تعرضَ الطفل أو الطفلة للسخرية أثناء اللعب أو التعاملات الاجتماعية الأخرى سواءً كانت السخرية من الأقران أو من الكبار هو من أهم الذكريات التي يجدها الباحثونَ في ذاكرة أصحاب عدم الرضا عن صورة الجسد، والأطفالُ أصحابُ الجسد الأكبر حجمًا والأكثر وزنًا بالطبع هم الأكثر عرضةً لمثل هذه السخرية، ومن الممكن أن تتعلق السخريةُ بالجسد ككل كما أنها من الممكن أن تتعلقَ بجزءٍ معينٍ منه، كما بينت بعضُ الدراسات أن تشجيع الآباء أو الأمهات للطفل على التحكم في زيادة الوزن في مرحلة الطفولة هو أحد العوامل التي تهيأ لعدم الرضا عن صورة الجسد في المراهقة والرشد في الأولاد والبنات كما أشارت بعض الدراسات إلى أن حرمان الأطفال من الحمل والاحتضان الجسدي من الكبار ذوي الدلالة قد يكونُ من عوامل التهيئة لعدم الرضا عن صورة الجسد. (8)الحالة الاجتماعية: دائمًا ما يتمتعُ المتزوجونَ بشعورٍ إيجابي تجاه صور أجسادهم مقارنة بغير المتزوجين، أو ذوي العلاقات غير المستقرة، كما تتمتعُ المرأة الحامل على غير المتوقع بشعورٍ إيجابي تجاه صورة جسدها أيضًا، بحيثُ تقلُّ خلال الحمل أفكارها وهواجسها المتعلقةُ بابتعاد صورة جسدها عن النموذج المثالي للجسم الجميل، كما بينت بعضُ الدراسات أن بعض الإناث يبدينَ مشاعرَ عدم الرضا عن صورة الجسد خلال الأيام السابقة للطمث. كيفَ تتشكل صورة الجسد: تنمو وتتشكلُ صورة الجسد عند كل واحدٍ منا أثناء نموهِ هو وتشكله، أي أننا لا نولدُ ولدينا صورٌ سابقةُ التجهيز عن أجسادنا وإنما نكتسبها بالتدريج خلال اكتسابنا لخبرات الحياة بوجه عام، وربما يحتاجُ إلى الوليدُ إلى بلوغ عمر 18 شهرًا أو عمر السنتين حتى يتمكنَ من تكوين صورةٍ عقليةٍ ثابتة المعالم لجسده ولنفسه أيضًا، فمن المعروف أن الطفل خلال معظم السنة الأولى من العمر لا يستطيع التفريق بينَ جسده وثدي أمه، فهو يحسبُ ثديَ أمه عضوًا من أعضائه، أي أن الكائن البشري بكلماتٍ أخرى لا يعرف ربما حتى عمر السنة أو السنة والنصف ما هيَ حدود ذاته وما هيَ حدود جسده، والمقصود بمعرفة حدود الذات لشخصٍ معينٍ هو أن يعرف أين ينتهي هو ويبدأ الآخر! وذلك على كلا المستويين المادي(الجسدي) والمعنوي(الانفعالي والمعرفي) ويعتبرُ الجلد مثلاً هو أكثر حدودنا المادية وضوحًا بالنسبة لنا فهو الحد الفاصل بين ما هو أنا وما ليسَ أنا!، وهناك ارتباطٌ وثيقٌ بينَ تشكل صورة الجسد وتشكل حدود الذات، ونستطيعُ القولَ بأن ما يعتبرُ انتهاكًا لحدود الذات أثناء نموها وتطورها قد يكونُ انتهاكًا في ذات الوقت لصورة الذات ولصورة الجسد، فحدود ذواتنا إنما تتشكل كاستجابةٍ فطريةٍ لكيفَ يعاملنا الآخرون، كيفَ نُحْمَلُ وكيفَ نحتضنُ وكيفَ نُقَبَّلُ ونحنُ صغار وما هيَ ردودُ أفعال الآخرين لأفعالنا، وهل يسمحُ لنا أن نكونَ أفكارًا مستقلةً ومشاعرَ خاصةً بنا أم لا سواءً في طفولتنا أو في مراهقتنا، وليست الصورة العقلية للجسد مفهومًا جامدًا يتشكلُ ويبقى ثابتًا كما قد يظنُّ البعض، وإنما هيَ مفهومٌ يتغيرُ بشكلٍ دائمٍ ما دامَت هناكَ حياةٌ بأبعادها الاجتماعية والمعرفية، فهيَ تتشكلُ وتتغيرُ نتيجةً لتفاعل الشخص مع الآخرين ذوي الدلالة ومع غيرهم من أفراد المجتمع، وكذلك مع الصور التي يراها للآخرين وفي وسائل الإعلام المرئية، كما أنها تتغير حسب المرحلة العمرية للشخص وحسبَ ردود الأفعال التي يتلقاها الشخص من الآخرين تجاه شكل جسده أيضًا، *فصورة الجسد إذن تتشكلُ وتتغيرُ بتفاعل العديد من العوامل مثل: (1)آراء وتعليقات الآخرين، وهذه العوامل تبدأُ تأثيرها من عمرٍ صغيرٍ من خلال تعليقات الأهل والمقربين، وتستمرُ بعد ذلك طوال العمر من المدرس والزملاء في المدرسة، والأصدقاء في الجامعة وفي العمل ومن شريك الحياة إلى آخره. (2)القيم الاجتماعية الشائعة فيما يتعلقُ بشكل وحجم الجسد المرغوب، وهذه القيم تغيرت في الفترة الأخيرة من القرن الماضي بشكل ملحوظ فبعدَ أن كانت البدانةُ رمزًا للصحة والقوة والغنى والخصوبة والكرم والطيبة، أصبحت في الفترة الأخيرة رمزًا للقبح والكسل وعدم القدرة على ضبط النفس. (3)الوصمات الاجتماعية الشائعة، فهناكَ مثلاً نوعٌ من التحامل الاجتماعي على السمنة حيثُ يوصفُ الشخص السمينُ في كثير من النوادر والطرائف الشائعة فضلاً عن رسوم الكاريكاتير وأفلام الكرتون، وكذلك أفلام السينما بصفاتٍ كثيرةٍ ومتباينةٍ لكنها في مجموعها صفات غير مرغوبٍ فيها كالكسل وثقل الظل والغباء والوقاحة، وحتى الأطباءُ يرونَ السمينَ من الناس أكثرَ عرضةً للأمراض، وأقل استجابةً للعلاج، وأصحابُ الأعمال عادةً يفضلونَ صاحبَ القوام النحيل على صاحب القوام السمين. (4)تغيرات الجسد المحددة بيولوجيا كتلك التي تحدثُ أثناء البلوغ في الذكور والإناث وأثناء الحمل وبعد انقطاع الطمث في الإناث، وكذلك تلك الناتجة عن مرضٍ ما أو جراحةٍ أو حادثٍ أو عاهةٍ ما. (5) إحساسُ الشخص تجاه نفسه ومستوى تقديره الكلي لذاته، وكذلك ما يتعرضُ لهُ من عنفٍ ومن ضرارٍ Abuse مادي أو معنوي أو جنسي