القهمُ العصبي هوَ اضطرابٌ في علاقةِ الإنسان بالأكل يتميزُ بتعمد إنقاص الوزن من خلال تقليل كمية الأكل والإفراط في التريض، مع خوفٍ شديدٍ من البدانة وخللٍ في الإدراك الذاتي لصورة الجسد، مع انشغالٍ وسواسيٍّ بكل ما يتعلقُ بالأكل وبوزن الجسد وبأساليب الحمية المختلفة، مما ينتجُ عنه نقصٌ في وزن الجسد بشكلٍ يعرضُ حياة المريض للخطر، ويسببُ انقطاع الطمث في الإناث وضعفَ الطاقة الجنسية في الرجال. عادةً ما يبدأ اضطراب القهم العصبي Anorexia Nervosaفي العقد الثاني من العمر وغالبًا بعد البلوغ بثلاثة أو أربعة سنوات، وإن كانت حالاتٌ عديدةٌ تظهرُ في العقد الرابع أو الخامس من العمر في السيدات إلا أنها نادرًا ما تكونُ حالاتٍ نماذجية من القهم العصبي، ونستطيع أن نقول أن نسبة إصابة الرجال بالقهم العصبي مقارنةً بالنساء تصلُ إلى 1- 10 أي ذكرٌ واحدٌ في مقابل كل عشرة إناث، ولهذا السبب أستخدم المؤنث في هذا المقال. ويبدأ الاضطراب في معظم الأحيان إن لم يكن كلها بمحاولةٍ عادية لاتباع حميةٍ منَحِّفةٍ، وهذه ظاهرةٌ آخذةٌ في التزايد في مجتمعاتنا العربية في الفترةِ الأخيرة وكل ما حولنا يشيرُ إلى أنها تزيد عامًا بعد عام وأنها ستستمر في الزيادة، ولكن من المهم أن أشير هنا إلى أنهُ ليست كل من تتبعُ حميةً منَحِّفةً تصبحُ مريضةً بالقهم العصبي أو غيره من اضطرابات الأكل، وفي نسبةٍ تصل إلى الخمسين بالمائة من الحالات تسبقُ بدايةَ الاضطراب أحداثٌ اجتماعيةٌ معينةٌ كأن تتعرضَ الفتاة للسخرية بسبب شيءٍ ما في مظهر جسدها مثلاً حجم البطن أو الأرداف أو انتقاد أحد الأشخاص لبدانتها بوجهٍ عام، وربما يكونُ الحدثُ هوَ دخول الجامعة أو التقدم لوظيفةٍ جديدةٍ أو تغيير المسكن أو الابتعاد عن الأسرة لسببٍ أو لآخر، بحيثُ تجدُ الفتاةُ أن حجمَ المسؤولية الملقاة على عاتقها قد زادَ عن ما اعتادت عليه، وإن كانتْ مثل هذه الأحداثُ الحياتية بالطبع تحدثُ للكثيرات دونَ أن يصبنَ بالقهم العصبي. إذن تبدأ البنتُ في اتباع النظام الغذائي وتتسمُ المراحل الأولى بجديةٍ وإصرارٍ عادةً ما ينتزعُ ألفاظَ الإعجاب من الصديقات والقريبات، وتُتْبعُ المريضةُ ذلك بتجنبٍ متعمدٍ للنشويات والسكريات وللأكل كله إن استطاعت، وعندما يبدأ فقدانها للوزن في عبور الحدود التي يطمئنُ لها المحيطونَ بها ويبدءونَ الإعراب عن قلقهم عليها تواجهُ المريضةُ ذلك بأن تجعلَ الأمرَ سرا ما بينها وبينَ نفسها وتضطرُ في كثيرٍ من الأحيان إلى الكذب على أسرتها فيما يتعلق بكمية ما تتناوله من غذاء، فهيَ تحرص على تناول الطعام بمفردها وفي أوقات وأماكن لا يراها فيها أحد، كما أنها تستغرقُ وقتًا طويلاً في تناول طعامها لا لأنها تأكل كميةً كبيرةً وإنما لأنها مثلاً تقطعُ الطعام إلى قطعٍ صغيرةٍ وتمضغُ كل قطعةٍ لفترةٍ طويلة. وكثيراتٌ من المريضات يبدينَ اهتمامًا ملحوظًا بإعداد الطعام للأسرة فتراها تقضي ساعاتٍ طويلةٍ في إعداد وجباتٍ غنيةٍ بالسعرات لكنها لا تتذوقها مجردَ التذوقِ إلا كما تتذوقُ المرأةُ الصائمةُ طهيها لتعرفَ مدى انضباط درجة الملوحة فيه على سبيل المثال أي أنها تتذوقُ ثم تتفلُ ما تذوقتهُ ولا تبلعهُ، وتوجدُ لدى المريضة خلال هذه الفترة أعراضٌ نفسيةٌ منها القلقُ والاكتئابُ والتحفز والعدوانيةُ إذا زاد وزنها، في مقابل الانشراح والانبساطِ إذا نقصَ واستعادت التحكم فيه. وفي المراحل المتأخرة من الاضطراب يحدث في نسبةٍ قد تصل إلى ما بينَ الثلاثين والخمسين بالمائة من المرضى نوعٌ من فقد القدرة على التحكم في الشهية أو تجويع الذات، فتحدثُ نوبات من الدقر Binge Eating تتناول فيها المريضةُ كمياتٍ كبيرةٍ من الطعام الغني بالسعرات الحرارية وأثناءَ هذه النوبات تأكلُ المريضةُ بسرعةٍ وتحسُّ بعدم قدرتها على إيقاف الأكل أو التحكم فيما تأكل وما لا تأكل، وفي بعض الحالات لا تتوقف المريضةُ عن الأكل إلا بسبب آلام البطن الشديدة، وفي بعضهنَّ يحدثُ التقيؤ كنتيجةٍ لذلك، وأما الأخريات فغالبًا ما يلجأن إلى الاستقاءة (الإحداث المتعمد للقيئ) بالضغط على الجزء الخلفي من اللسان وذلك لكي لا يتسبب ما تم أكله خلال نوبة الأكل في زيادة الوزن، وبعض المريضات يستخدمن المسهلات التي تزيد من حركة الأمعاء ظنا منهن بأن ذلك سيسببُ عدم إكمال امتصاص الغذاء منها وبالتالي الإسهال، وبعضهن يقمن بمجهود عضلي مبالغٍ فيه لنفس السبب، وبعضهن يتبعن نوبة الأكل تلك بالصيام لمددٍ طويلةٍ، ومن الممكن بالطبع أن تحدثُ كل هذه الوسائل المقللة للوزن في مريضة القهم العصبي دونَ اشتراط لحدوث نوبات الأكل، وبعضُ المريضات اللاتي فقدنَ القدرةَ على تجويع الذات ولا يستطعن الاستقاءة، يقمن بمضغ ما يحلو لهن من الطعام ثم تفله من الفم دونَ أن يبلعنه. وبسببِ حدوثِ نوبات الدقر (الأكل الشره) في بعض مريضات القهم العصبي دونَ غيرهن اتجهَ الكثير من الباحثينَ إلى افتراض وجود نمطين فرعيين Two Subtypes من القهم العصبي وهما: -1- النوع النهامي(الدقريُّ/التفريغي)Bulimic (Binge-Eating/Purging) Subtype: وهو النوع الذي تحدثُ فيه نوبات الأكل الشره، والسلوكيات المعدلة لها، بعد فترةٍ من أعراض اضطراب القهم العصبي (أو بعدَ فترةٍ من نوبةِ القهم الحالية في الحالات التي تتميزُ بمسارٍ نُوَبِي). -2- النوع الحَصْرِيُّ (التقييدي) Restricting Subtype، الذي لا تحدثُ فيه نوباتُ الأكل الشره ولا السلوكيات المعدلةُ لها (بشكلٍ منتظمٍ) خلالَ النوبةِ الحاليةِ، أو خلال تاريخ الاضطراب القهمي كله.
وأما نكران المريضة الدائم لكونها نحيلة أكثر من اللازم بل إحساسها بالبدانة بالرغم من نحولها الواضح فقد أدى إلى افتراض وجود خلل في صورة الجسد العقلية بحيثُ أن الصورة العقلية المتخيلة للجسد تكونُ أضخم من الصورة الحقيقية له، حتى أن أحد الملاحظات الإكلينيكية التي تكشفُ ذلك الخلل كانت: أنك لو طلبت من المريضةِ المرور من خلال بابٍ معينٍ وأن تفتحه بحيث يسمحُ بالضبط بمرورها منه (أي أنها تتحكمُ هيَ في مقدار اتساعه) فإنها تفتحهُ أكثرَ من اللازم، ويستنتجُ من ذلكَ أنها تحسُّ بجسدٍ أضخم من الحقيقي الذي يراه الناس!. خاصةً وأن الدراساتِ الأحدث قد بينت أن مثل هذا الخلل يحدثُ في غير المريضات بالقهم العصبي فهو مثلاً يحدثُ في الحوامل ويحدثُ في المراهقات وغيرهن، كما أن دراسةً تاريخيةً لحالات تجويع الذات الموصوفة في التراث الغربي من سنة 1500 وحتى سنة 1939 قد بينت أنهُ على الرغم من وجود دلائل على الاهتمام بصورة الجسد منذ القرن السابع عشر، إضافةً إلى ظهور دلائل متفرقة على وجود الخوف من البدانة منذ أواخر القرن التاسع عشر، إلا أن اختلال صورة الجسد لم يوصف ولم يوجد ما يشيرُ إليه عند 360 حالة من مجوعات ذواتهن اللواتي تم وصفهنَّ في التراث الغربي. ونادرًا ما نجدُ الصورةَ المرضية للقهم العصبي دون اضطراباتٍ نفسية أخرى مواكبة لها ففي ثلثي حالات القهم العصبي يوجد اضطراب الاكتئاب الجسيم، وفي ثلاثة أرباع الحالات التي تجتمعُ فيها علاماتُ القهم والنهام العصبي في نفس المريضة في ذات الوقت نجدُ اضطراب الاكتئاب الجسيم أيضًا، وأما اضطراب الوسواس القهري واضطرابات الرهاب خاصةً رهاب الساحة واضطراب نوبات الهلع فنجدها في نسبةٍ تصلُ إلى ربع مريضات القهم العصبي في نفس الوقت، وأما اضطرابات الشخصية فنجدها في نسبة تصل إلى ربع الحالات أيضًا خاصةً المجموعة القلقة أو الخوافة Anxious or Fearful من اضطرابات الشخصية Cluster C Personality Disorder (اضطرابات الشخصية القسرية Compulsive Personality Disorder والشخصية التجنبية Avoidant Personality Disorder، والشخصية الاعتمادية Dependent Personality Disorder). ومن المهم أن أشيرَ هنا إلى أن الجوع المتواصلَ في حد ذاته يؤدي إلى ظهور أعراضٍ نفسيةٍ كسوء المزاج، والقلق والوسوسة وكثرة الحركة وذلك في الأشخاص العاديين وفي مرضى القهم العصبي بالطبع مما يجعلُ تشخيصَ اضطرابٍ مصاحبٍ أو مواكبٍ لاضطراب القهم العصبي أمرًا يحتاجُ إلى تدبرٍ وتأملٍ وحسن تقييم، ولذلك فإن من الأفضل قبل تشخيص أي تصاحبٍ (أو تواكبٍ) مرضي مع حالات القهم العصبي أن تكونَ المريضةُ قد بدأت في الالتزام بكميات الغذاء التي يتفقُ معها الطبيبُ النفسي عليها خلال عملية العلاج، لكي نتخلص من أعراض الجوع المتواصل النفسية تلك لأن الجوعَ المتواصلَ يؤدي إلى العديد من التغيرات النفسية والسلوكية كما سنبينُ عند مناقشة الآثار النفسية للحمية المنحفة في فصل الحمية. كيفَ يشخصُ الطبيبُ النفسي القهم العصبي: تطورت الأفكارُ تاريخيا بشأن القهم العصبي من اعتباره شكلا من أشكال الهستريا أو مجرد سوءِ تغذيةٍ نفسي المنشأ إلى رؤيته كمرحلة من مراحل الجنون أو اعتباره خللا هرمونيا ناتجًا عن خللٍ في إفرازات الغدة النخامية لسببٍ أو لآخرَ. ومن المتوقع بالطبع أن معايير تشخيصه كاضطرابٍ نفسي قد تغيرت في مواكبةٍ لذلك التطور، إلى أن وصلنا في الثمانينات من القرن العشرين إلى التصنيفات الوصفية، التي اتخذت من وصف الظواهر العينية الموجودة في المرضى كما هيَ أسلوبًا يسمحُ بالاتفاق بينَ الجميع، ثم اتجهَ التفكير بالتدريج من تقديم تصنيفٍ خاصٍ ببيئةٍ معينةٍ أو ثقافةٍ معينة إلى تصنيفٍ يحاول إسقاط الفروق بينَ الثقافات مفترضًا أن النموذجَ الوحيد المسموحَ به لما يأخذهُ الاضطرابُ النفسي واحدٌ في كل الدنيا وما خالفهُ هو اضطرابٌ غير قابلٍ للدخول في القالب فيسمونه اضطرابًا نفسيا غير معينٍ بصورةٍ ما أو غير مكتملٍ بصورةٍ ما، وفي نفس ذلك الوقت الذي كان البحثُ المحموم عن تفسيراتٍ عضويةٍ كاملةٍ للاضطرابات النفسية دائرًا على قدم وساق في محاولةٍ لتنصيب المادةِ سيدةً لكل شيء بما في ذلك الإنسان، وسأعرضُ هنا الأهمَّ من معايير التشخيص الموجودة في الطب النفسي الحديث: معايير تشخيص القهم العصبي حسب التصنيف الدولي العاشر للاضطرابات النفسية والسلوكيةICD-10: - القهم (فقد الشهية) العصبي Anorexia Nervosa: وهوَ مرضٌ يتميزُ بفقدٍ متعمدٍ في الوزن يحدثهُ ويحافظُ عليه المريضُ نفسه، ويحدثُ المرضُ غالبًا في الفتيات المراهقات والشابات من النساء، وقد يصاب به الفتيان المراهقون والشباب ولكن بدرجةٍ أقل، كما قد يصيبُ الأطفالَ المقتربينَ من سن البلوغ والنساء الأكبر سنًّا حتى سن اليأس، ويكونُ القهم العصبي متلازمةً مستقلةً بالمفهوم التالي: (أ) يسهل التعرف على الملامح السريرية للمتلازمة بحيثُ يكونُ التشخيصُ موثوقًا فيه وتتفقُ عليه آراءُ غالبية الأطباء. (ب) تظهرُ دراساتُ المتابعة أن عددًا لا بأسَ به من المرضى الذين لا يشفون، يستمرون في إظهار نفس الملامح الأساسية للقهم العصبي في شكلٍ مزمن. وبالرغم من أن الأسباب الأساسيةَ للقهم العصبي لا تزالُ محيرةً، إلا أن هناكَ بياناتٍ متزايدةٍ على أن العوامل الاجتماعية الثقافية والعواملُ البيولوجية تتفاعلُ لتساهم في إحداثه، بالإضافة إلى آلياتٍ نفسيةٍ أقل نوعية وإلى الاستعداد في الشخصية، وتصحبُ المرضَ درجاتٍ متباينة الشدة من نقص الأغذية مع ما يترتب عليها من تغيرات ثانوية تتعلق بالغدد الصماء والاستقلاب (الأيض)، بالإضافة إلى اضطراباتٍ في وظائف الجسد. و نجدُ تحتَ عنوان الدلائل التشخيصية ما يلي: لكي يكونَ التشخيصُ قاطعًا يجب وجود جميع النقاط التالية: (أ) فقد الوزن بنسبة 15% على الأقل دونَ الوزن المتوقع(إما أنهُ فُقِدَ أو لم يصل إليه المريضُ قط) أو منسب لكتلة الجسد يساوي 5و17 أو أقل،(ويمكن حساب منسب كتلة الجسد بقسمة الوزن بالكيلو جرام على مربع الطول بالمتر) (ب) ويتسبب المريضُ في فقد وزنه من خلال تجنب الأطعمة التي تؤدي إلى السمنة، وواحد أو أكثر مما يلي: افتعال القيء، افتعال الحقن الشرجية، التمرينات الرياضية الكثيرة، استخدام مفقدات الشهية أو مُدِرَّات البول. (ت) يوجد تحريف في صورة الجسد حيثُ تسير فكرة مهيمنةٌ عن الخوف من البدانة في صورة اضطراب سيكوباثولوجي متميز، فتفرض المريضة على نفسها حدودًا منخفضةً للوزن. (ث) اضطراب في الغدد الصم واسع الانتشار يتضمنُ محورَ الوطاء (أو ما تحت المهاد)– الغدة النخامية– الغدد التناسلية Hypothalamic–Pituitary–Gonadal Axis، ويظهرُ ذلك في الأنثى على شكل انقطاع الدورة الشهرية وفي الذكر على شكل فقدان الرغبة والقدرة الجنسية (الاستثناء الواضح هنا هو استمرار النزف المهبلي في النساء المصابات بالقهم العصبي واللاتي يداومن على علاج هرموني تعويضي، عادةً ما يكونُ في شكل حبوب منع الحمل)، وقد تكونُ هناكَ مستوياتٌ مرتفعةٌ من هرمونات النمو، ومستويات مرتفعة من الكورتيزول، وتغيرات في الاستقلاب (الأيض) المحيطي لهرمون الغدة الدرقية واختلالاتٌ في إفراز الإنسولين. (ج) إذا كانت البدايةُ قبل سن البلوغ، فإن أحداث البلوغ تتأخر أو حتى تتوقف (ففي الفتيات لا تتكونُ النهود، ولا تبدأ الدورة الشهرية، وفي الفتيان تبقى الأعضاء التناسليةُ على حجمها الطفولي)، ومع الشفاء يُسْتكملُ البلوغُ عادةً بشكلٍ طبيعي، ولكن تتأخر بدايةُ الدورة الشهرية. معايير التشخيص الأمريكية للقهم العصبي حسب التصنيف الرابع DSM-IV (APA,1994): -1- رفضُ إبقاء الجسد عندَ وزنٍ أقلَّ من الطبيعي الأدنى للعمر والطول (مما يؤدي إلى فقدِ وزنٍ والحفاظ عليه عند نقطةٍ أقلَّ من85% من المتوقع للعمر والطول)، أو الفشلُ في الوصول بالجسد أثناء فترة النمو إلى وزنٍ يعادلُ 85% من المتوقع للعمر والطول. -2- خوفٌ شديدٌ من زيادة الوزن أو حدوث البدانة، رغم انخفاض الوزن. -3- اختلالٌ في خبرةِ المريض بوزنِ أو صورةِ جسده (مثلاً الشعور بالبدانة رغمَ النحول الفائق أو الاعتقادُ ببدانة إحدى مناطق الجسد رغم نحولها الواضح)، أو تأثيرٌ قويٌّ لوزن أوصورة الجسد على تقييم الذات أو إنكار خطورة الهبوط الحاصل في وزن الجسد الحالي. -4- انقطاعُ الطمث لثلاثِ حيضاتٍ متتالياتٍ على الأقل، عند اللواتي بدأنَ الإحاضةَ (مع ملاحظة أن النزيفَ الذي يلي استخدام هرمونات الأنوثةِ - مثلاً لمنع الحمل– لا يحسبُ طمثًا). وينقسمُ القهمُ العصبيُّ إلى نوعين: -1- النوع الحصري(التقييدي): إذا لم تكن المريضةُ أثناء نوبة القهم العصبي الحالية قد انخرطت بصورةٍ منتظمةٍ في نوبات الدقر (الأكل الشره) أو السلوكيات المعدلة لها (أي لم تُحدثِ الاستقاءة –لم تسْتَقِئْ-، ولم تسرف في استخدام المسهلات ولا مدرات البول ولا الحقن الشرجية). -2- النوع النهامي(الدَّقَري/التفريغي): إن كانت المريضةُ أثناء نوبة القهم العصبي الحالية قد انخرطت بصورةٍ منتظمةٍ في نوبات الأكل الشره أو السلوكيات المعدلة لها. ومن الواضح أن لدينا من بينَ مرضى اضطرابات الأكل المسلمين من تنطبقُ عليهم معايير التشخيص تلك فيما عدا ما يتعلقُ بالجانب المعرفي المتمثل في الانشغال بالوزن وصورة الجسد، وربما أحيانًا في الجانب المتعلق باضطراب إدراك صورة الجسد، وأما ما يعنيه ذلك فليسَ لديَّ عنه حتى الآن أكثرَ من أن النموذج الغربي لا يعكسُ الحقيقةَ كاملةً ويهتمُّ بذاته وليسَ كما يدعي نموذجًا عالميَّ الانتماء والتوجه. المسار والمآل المرضي لحالات القهم العصبي: وبالنسبة لحالات القهم العصبي فليسَ هناكَ في حقيقة الأمر مسارٌ مؤكَّدٌ يُستطاعُ التنبؤ به، فما بينَ من تستمر أعراضها شديدةً منذ بداية الاضطراب إلى أن تنتهي حياتها، وبينَ من يكتبُ لها الشفاء بعد فترةٍ قد تزيد على السنتين من المرض، بينَ هذين الطرفين توجدُ حالاتٌ يأخذُ فيها المسار شكلاً نُوَبِيًّا مع رجوع سلوكياتها المتعلقة بالأكل إلى وضعها الطبيعي بينَ النوبات، وتوجدُ حالاتٌ لا يحدثُ فيها مثل هذا الرجوع إلى السلوكيات الطبيعية بينَ نوبةٍ ونوبة، إلا أن كميةَ الطعام الذي تتناولهُ تقتربُ من المعقول بينَ النوبات. وما قلناهُ عن المسار المرضي ينطبقُ على المآل المرضي للقهم العصبي، فليسَ التنبؤُ سهلاً بالنسبةِ لحالةٍ بعينها، كما أن ظهورَ أعراض اضطراباتٍ نفسيةٍ أخرى كاضطراب الاكتئاب الجسيم واضطراب الوسواس القهري وكذلك رهاب الساحة هو القاعدة وليسَ الاستثناء مما يجعلُ المآل مرتبطًا بما قد يضافُ إلى الصورة المرضية من أعراضٍ إلى حد كبير، إلا أننا نستطيعُ أن نقولَ أنهُ طبقًا للدراسات الأمريكية: -1- أربعونَ بالمائة من حالات القهم يتم شفاؤهن تماما بمعنى أنهن يرجعن إلى انتهاجِ سلوكٍ طبيعي تجاه الأكل. -2- ثلاثونَ بالمائة من حالات القهم يتحسنَّ بعض الشيء. -3- عشرونَ بالمائة من حالات القهم يزدن سوءًا بمرور الوقت. وأما نسبةُ من يفقدن حياتهن بسبب إصرارهن على عدم الأكل أو بسبب مضاعفات عدم الأكل المستمر فتصل إلى اثنين وعشرين بالمائة في بعض الدراسات، كما يحدثُ الانتحار في ما بينَ اثنين إلى خمسةٍ بالمائة من الحالات، وقد بينت دراسةٌ أخرى اهتمت بالمؤشرات التي قد تؤثرُ على طبيعة المآل المرضي للقهم العصبي أن طولَ فترةِ المرضِ، وقلةَ الدافعية للعلاج، والانسحابَ الاجتماعي، وكذلك ضعفُ الروابط الأسرية كلها من المؤشرات على مآلٍ سيء، كما تعتبرُ العلاماتُ التالية مؤشرات لمآلٍ سيئ: -1- أن تكونَ قدرة المريضة على التوافق النفسي الاجتماعي ضعيفةً في فترة ما قبل المرض. -2- أن تكونَ من أسرةٍ متوسطة المستوى في السلم الاجتماعي. -3- كلما كانَ ما فقدتهُ من وزنٍ قبل بداية العلاج أكثرَ كلما كانَ المآل المرضي أسوأ. -4- كلما كانَ نكران المريضة للمرضِ أكبرَ كلما كانَ المآل المرضي أسوأ. -5- وجود أعراض النهام أو القيء أو استخدام المسهلات. ولكن هذه المؤشراتُ كما يقولُ أصحاب الدراسة الأمريكية أنفسهم ليست أكثرَ من مؤشراتٍ غير مؤكدةٍ ولا يصحُّ تعميمها، وذلك فضلاً عن كونها مستمدةً من دراساتٍ غربيةٍ، وقد تكونُ الأمورُ عندنا مختلفة عن ذلك كما أشارت دراساتٌ أجريت في منطقتنا العربية. حجم مشكلة القهم العصبي في العالم العربي: حجمُ مشكلة القهم العصبي الحقيقي في عالمنا العربي غير معروف، لأنهُ أولاً غير مدروس، وثانيًا لأنهُ لا يعرضُ على الطبيب النفسي فمثلُ هذه الحالاتِ تعرضُ عادةً على الطبيب الباطني وقليلاً ما ينتبهُ أو يجرؤُ أحد الأطباء على عرض الحالة على الطبيب النفسي، ويأخذُ ذلكَ أهميةً خاصةً إذا عرفنا أن مريضة القهم العصبي دائمًا ما تخفي أعراضها ونادرًا ما تصرحُ بكل شيء، وحسب بحثي أجريت دراسةٌ في السودان سنةَ 1968 ذكرَ الباحثُ فيها أن القهم العصبي اضطرابٌ غير شائع في السودان. إلا أنهُ أقرَّ بأن تحديد معدل الانتشار الحقيقي صعبٌ جدا لأن الناسَ غير مستعدين لطلب العلاج من الطبيب النفسي، كما فسر ندرةَ الحالات بأنها نتيجةٌ لقلة المتاح من الغذاء بوجهٍ عام وكذلك لأن البدانةَ في السودان تعتبرُ مظهرًا من مظاهر الجاذبية الجنسية، وأما الدراسةُ التالية لهذه الدراسة فأجريت في مصر حيثُ وجد الباحثون حالتي قهم عصبي بين 1050من طلبة الجامعة شملتهم الدراسة، وكانت الصورة المرضية للحالتين مطابقةً للصورة المرضية الغربية، وفي عام 1992 قام باحثٌ وباحثةٌ من مصرَ بدراسة العلاقة بينَ حالات فقد الشهية العصبي وبعض متغيرات الشخصية لكنهما لم يدرسا معدل الانتشار. وأما الدراسةُ الرابعة فكانت في السعودية عام 1994 حيث قام باحثان سعوديان بوصف حالة قهم عصبي في دورية طبية سعودية تصدر بالإنجليزية وكانَ عنوان مقالهما "القهم العصبي، نسخةٌ سعودية"، (وكأنَّ الأصل لابد أن يكونَ غربيا)، كما قامت باحثةٌ مصريةٌ عام 1998 بدراسة نفسية متعمقةٍ لبعض جوانب البناء النفسي لمريضات فقد الشهية العصبي وشملت الدراسةُ خمسةً من الإناث، ولم تتعرض أيضًا لمعدل الانتشار، وفي عام 1999 نوقشت رسالةُ ماجستير مقدمة من الباحث المصري سيد أبو زيد عبد الموجود تعتبرُ بالفعل أولَ دراسةٍ تحاولُ الإجابة على سؤال معدل انتشارِ اضطرابات الأكل في عينةٍ غير إكلينيكية أي بعيدةٍ عن العيادات النفسية، حيثَ درسَ الباحثُ عينةً من تلاميذ وتلميذات المدارس الثانوية ومن طلبة وطالبات الجامعة في مصر، وكان معدلُ انتشار القهم العصبي 0,86% أي أقلَّ من واحد بالمائة، إلا أن التعليق على هذه النتيجة قد لا يعبرُ عن معدل الانتشار الحقيقي لسببٍ بسيط هوَ أن الباحثَ استخدمَ معايير تشخيص التصنيف الأمريكي الرابع DSM-IV وهوَ بالطبعِ معذورٌ في ذلك لسببٍ بسيط هوَ أنهُ ليست هناكَ معايير تشخيصٍ عربيةٍ أصلاً. ولعل المشكلةَ تكمنُ في أنهُ ليسَ من اللازم أن تجيءَ المريضةُ العربيةُ أو أسرتها لتشتكي من سلوكياتٍ ومفاهيم متعلقةٍ بالأكل تتطابقُ مع ما تشتكي منهُ أو تعتقدُهُ الفتاةُ الأمريكية أو الأوروبية، فقد نجد في مجتمعاتنا من تأتي بها أسرتها لتشتكي من إحجامها عن الأكل بصورةٍ طبيعية إلى الحد الذي أفقدها وزنها وأصبح يمثلُ خطرًا على صحتها دونَ أن تجدَ في تاريخ الحالة كله ما يشيرُ إلى الاهتمام بالوزن أو صورة الجسد كما نجدُ في حالات القهم العصبي الغربية، المهم أن الدراسات التي قدمتُ ذكرها رغم قصورها المنهجي لها فضل بداية البحث في الوطن العربي، وهي الدراساتُ الوحيدةُ التي وجدتها، وما عدا ذلك لم يهدني بحثي إلى دراساتٍ تختصُّ بالقهم العصبي في العالم العربي.