نظام الزكاة مقابل نظام الربا

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : سيد قطب | المصدر : www.alameron.com

 

الدرس الثاني:277 نظام الزكاة مقابل نظام الربى
وفيالصفحة المقابلة لصفحة الكفر والإثم , والتهديد الساحق لأصحاب منهج الرباونظامه , يعرض صفحة الإيمان والعمل الصالح , وخصائص الجماعة المؤمنة في هذا الجانب , وقاعدة الحياة المرتكزة إلى النظام الآخر - نظام الزكاة - المقابل لنظام الربا:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات , وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عندربهم , ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). .
والعنصرالبارز في هذه الصفحة هو عنصر "الزكاة " . عنصر البذل بلا عوض ولا رد .والسياقيعرض بهذا صفة المؤمنين وقاعدة المجتمع المؤمن . ثم يعرض صورة الأمنوالطمأنينةوالرضى الإلهي المسبغ على هذا المجتمع المؤمن .
إنالزكاة هي قاعدة المجتمع المتكافل المتضامن ; الذي لا يحتاج إلى ضماناتالنظامالربوي في أي جانب من جوانب حياته .
وقدبهتت صورة "الزكاة " في حسنا وحس الأجيال التعيسة من الأمة الإسلامية التيلمتشهد نظام الإسلام مطبقا في عالم الواقع ; ولم تشهد هذا النظام يقوم على أساسالتصورالإيماني والتربية الإيمانية والأخلاق الإيمانية , فيصوغ النفس البشريةصياغةخاصة , ثم يقيم لها النظام الذي تتنفس فيه تصوراتها الصحيحة وأخلاقها النظيفةوفضائلهاالعالية . ويجعل "الزكاة " قاعدة هذا النظام , في مقابل نظام الجاهليةالذييقوم على القاعدة الربوية . ويجعل الحياة تنمو والاقتصاد يرتقي عن طريق الجهدالفردي , أو التعاون البريء من الربا !
بهتتهذه الصورة في حس هذه الأجيال التعيسة المنكودة الحظ التي لم تشهد تلكالصورةالرفيعة من صور الإنسانية . إنما ولدت وعاشت في غمرة النظام المادي , القائمعلىالأساس الربوي . وشهدت الكزازة والشح , والتكالب والتطاحن , والفردية الأثرةالتيتحكم ضمائر الناس . فتجعل المال لا ينتقل إلى من يحتاجون إليه إلا في الصورةالربويةالخسيسة ! وجعلت الناس يعيشون بلا ضمانات , ما لم يكن لهم رصيد من المال ;أويكونوا قد اشتركوا بجزء من مالهم في مؤسسات التأمين الربوية ! وجعلت التجارةوالصناعةلا تجد المال الذي تقوم به , ما لم تحصل عليه بالطريقة الربوية ! فوقر فيحسهذه الأجيال المنكودة الطالع أنه ليس هناك نظام إلا هذا النظام ; وأن الحياة لاتقومإلا على هذا الأساس !
بهتتصورة الزكاة حتى أصبحت هذه الأجيال تحسبها إحسانا فرديا هزيلا , لا ينهضعلىأساسه نظام عصري ! ولكن كم تكون ضخامة حصيلة الزكاة , وهي تتناول اثنين ونصفافيالمائة من أصل رؤوس الأموال الأهلية مع ربحها ? يؤديها الناس الذين يصنعهمالإسلامصناعة خاصة , ويربيهم تربية خاصة , بالتوجيهات والتشريعات , وبنظام الحياةالخاصالذي يرتفع تصوره على ضمائر الذين لم يعيشوا فيه ! وتحصلها الدولة المسلمة ,حقامفروضا , لا إحسانا فرديا . وتكفل بها كل من تقصر به وسائله الخاصة من الجماعةالمسلمة ; حيث يشعر كل فرد أن حياته وحياة أولاده مكفولة في كل حالة ; وحيث يقضي عنالغارمالمدين دينه سواء كان دينا تجاريا أو غير تجاري , من حصيلة الزكاة .
وليسالمهم هو شكلية النظام . إنما المهم هو روحه . فالمجتمع الذي يربيه الإسلامبتوجيهاتهوتشريعاته ونظامه , متناسق مع شكل النظام وإجراءاته , متكامل معالتشريعاتوالتوجيهات , ينبع التكافل من ضمائره ومن تنظيماته معا متناسقة متكاملة .وهذهحقيقة قد لا يتصورها الذين نشأوا وعاشوا في ظل الأنظمة المادية الأخرى .ولكنهاحقيقة نعرفها نحن - أهل الإسلام - ونتذوقها بذوقنا الإيماني . فإذا كانوا هممحرومينمن هذا الذوق لسوء طالعهم ونكد حظهم - وحظ البشرية التي صارت إليهممقاليدهاوقيادتها - فليكن هذا نصيبهم ! وليحرموا من هذا الخير الذي يبشر الله به:الذينآمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة . . ليحرموا من الطمأنينةوالرضى , فوق حرمانهم من الأجر والثواب . فإنما بجهالتهم وجاهليتهم وضلالهم وعنادهميحرمون !
إنالله - سبحانه - يعد الذين يقيمون حياتهم على الإيمان والصلاح والعبادةوالتعاون , أن يحتفظ لهم بأجرهم عنده . ويعدهم بالأمن فلا يخافون . وبالسعادة فلايحزنون:
(لهم أجرهم عند ربهم , ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). .
فيالوقت الذي يوعد أكلة الربا والمجتمع الربوي بالمحق والسحق , وبالتخبطوالضلال , وبالقلق والخوف .
 يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَالرِّبَاإِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278)
وشهدتالبشرية ذلك واقعا في المجتمع المسلم ; وتشهد اليوم هذا واقعا كذلكفيالمجتمع الربوي ! ولو كنا نملك أن نمسك بكل قلب غافل فنهزه هزا عنيفا حتى يستيقظلهذهالحقيقة الماثلة ; ونمسك بكل عين مغمضة فنفتح جفنيها على هذا الواقع . . لوكنانملكلفعلنا . . ولكننا لا نملك إلا أن نشير إلى هذه الحقيقة ; لعل الله أن يهديالبشريةالمنكودة الطالع إليها . . والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن . والهدىهدىالله