ترك الربا أو الحرب من الله

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : سيد قطب | المصدر : www.alameron.com

 

الدرس الثالث:278 - 279 ترك الربا أو تلقي الحرب من الله
وفيظل هذا الرخاء الآمن الذي يعد الله به الجماعة المسلمة , التي تنبذ الربا منحياتها , فتنبذ الكفر والإثم , وتقيم هذه الحياة على الإيمان والعمل الصالحوالعبادةوالزكاة . . في ظل هذا الرخاء الأمن يهتف بالذين آمنوا الهتاف الأخيرليحولواحياتهم عن النظام الربوي الدنس المقيت ; وإلا فهي الحرب المعلنة من اللهورسوله , بلا هوادة ولا إمهال ولا تأخير:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله , وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإنلمتفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله . وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولاتظلمون). .
إنالنص يعلق إيمان الذين آمنوا على ترك ما بقي من الربا . فهم ليسوا بمؤمنينإلاأن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا . ليسوا بمؤمنين ولو اعلنوا أنهم مؤمنون . فإنه لا إيمان بغير طاعة وانقياد واتباع لما أمر الله به . والنص القرآني لايدعهمفي شبهة من الأمر . ولا يدع إنسانا يتستر وراء كلمة الإيمان , بينما هو لايطيعولا يرتضي ما شرع الله , ولا ينفذه في حياته , ولا يحكمه في معاملاته . فالذينيفرقونفي الدين بين الاعتقاد والمعاملات ليسوا بمؤمنين . مهما ادعوا الإيمانوأعلنوابلسانهم أو حتى بشعائر العبادة الأخرى أنهم مؤمنون !
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا . . إن كنتم مؤمنين). .
لقدترك لهم ما سلف من الربا - لم يقرر استرداده منهم , ولا مصادرة أموالهم كلهاأوجزء منها بسبب أن الربا كان داخلا فيها . . إذ لا تحريم بغير نص . . ولا حكمبغيرتشريع . . والتشريع ينفذ وينشىء آثاره بعد صدوره . . فأما الذي سلف فأمره إلىاللهلا إلى أحكام القانون . وبذلك تجنب الإسلام أحداث هزة اقتصادية واجتماعية ضخمةلوجعل لتشريعه أثرا رجعيا . وهو المبدأ الذي أخذ به التشريع الحديث حديثا ! ذلك أنالتشريعالإسلامي موضوع ليواجه حياة البشر الواقعية , ويسيرها , ويطهرها , ويطلقهاتنمووترتفع معا . . وفي الوقت ذاته علق اعتبارهم مؤمنين على قبولهم لهذا التشريعوإنفاذهفي حياتهم منذ نزوله وعلمهم به . واستجاش في قلوبهم - مع هذا - شعور التقوىلله . وهو الشعور الذي ينوط به الإسلام تنفيذ شرائعه , ويجعله الضمان الكامن في ذاتالأنفس , فوق الضمانات المكفولة بالتشريع ذاته . فيكون له من ضمانات التنفيذ ما ليسللشرائعالوضعية التي لا تستند إلا للرقابة الخارجية ! وما أيسر الاحتيال علىالرقابةالخارجية , حين لا يقوم من الضمير حارس له من تقوى الله سلطان .
فهذهصفحة الترغيب . . وإلى جوارها صفحة الترهيب . . الترهيب الذي يزلزل القلوب:
(فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله). .
ياللهول ! حرب من الله ورسوله . . حرب تواجهها النفس البشرية . . حرب رهيبةمعروفةالمصير , مقررة العاقبة . . فأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القوةالجبارةالساحقة الماحقة ?!
ولقدأمر رسول الله [ ص ] عامله على مكة بعد نزول هذه الآيات التي نزلت متأخرةأن
فَإِنلَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنتُبْتُمْفَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279)
يحاربآل المغيرة هناك إذا لم يكفوا عن التعامل الربوي . وقد أمر [ ص ]فيخطبته يوم فتح مكة بوضع كل ربا في الجاهلية - وأوله ربا عمه العباس - عن كاهلالمدينينالذي ظلوا يحملونه إلى ما بعد الإسلام بفترة طويلة , حتى نضج المجتمعالمسلم , واستقرت قواعده , وحان أن ينتقل نظامه الاقتصادي كله من قاعدة الرباالوبيئة . وقال [ ص ] في هذه الخطبة:
"وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين . وأول ربا أضع ربا العباس " . . ولميأمرهمبرد الزيادات التي سبق لهم أخذها في حالة الجاهلية .
فالإماممكلف - حين يقوم المجتمع الإسلامي - أن يحارب الذين يصرون على قاعدةالنظامالربوي , ويعتون عن أمر الله , ولو اعلنوا أنهم مسلمون . كما حارب أبو بكر -رضيالله عنه - مانعي الزكاة , مع شهادتهم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وإقامتهم للصلاة . فليس مسلما من يأبى طاعة شريعة الله , ولا ينفذها في واقعالحياة !
علىأن الإيذان بالحرب من الله ورسوله أعم من القتال بالسيف والمدفع من الإمام .فهذهالحرب معلنة - كما قال أصدق القائلين - على كل مجتمع يجعل الربا قاعدة نظامهالاقتصاديوالاجتماعي . هذه الحرب معلنة في صورتها الشاملة الداهمة الغامرة . وهيحربعلى الأعصاب والقلوب . وحرب على البركة والرخاء . وحرب على السعادة والطمأنينة . . حرب يسلط الله فيها بعض العصاة لنظامه ومنهجه على بعض . حرب المطاردة والمشاكسة . حرب الغبن والظلم . حرب القلق والخوف . . وأخيرا حرب السلاح بين الأمم والجيوشوالدول . الحرب الساحقة الماحقة التي تقوم وتنشأ من جراء النظام الربوي المقيت .فالمرابونأصحاب رؤوس الأموال العالمية هم الذين يوقدون هذه الحروب مباشرة أو عنطريقغير مباشر . وهم يلقون شباكهم فتقع فيها الشركات والصناعات . ثم تقع فيهاالشعوبوالحكومات . ثم يتزاحمون على الفرائس فتقوم الحرب ! أو يزحفون وراء أموالهمبقوةحكوماتهم وجيوشها فتقوم الحرب ! أو يثقل عبء الضرائب والتكاليف لسداد فوائدديونهم , فيعم الفقر والسخط بين الكادحين والمنتجين , فيفتحون قلوبهم للدعواتالهدامةفتقوم الحرب ! وأيسر ما يقع - إن لم يقع هذا كله - هو خراب النفوس ,وانهيارالأخلاق , وانطلاق سعار الشهوات , وتحطم الكيان البشري من أساسه , وتدميرهبمالا تبلغه أفظع الحروب الذرية الرعيبة !
إنهاالحرب المشبوبة دائما . وقد اعلنها الله على المتعاملين بالربا . . وهيمسعرةالآن ; تأكل الأخضر واليابس في حياة البشرية الضالة ; وهي غافلة تحسب أنهاتكسبوتتقدم كلما رأت تلال الإنتاج المادي الذي تخرجه المصانع . . وكانت هذه التلالحريةبأن تسعد البشر لو أنها نشأت من منبت زكي طاهر ; ولكنها - وهي تخرج من منبعالرباالملوث - لا تمثل سوى ركام يخنق أنفاس البشرية , ويسحقها سحقا ; في حين تجلسفوقهشرذمة المرابين العالميين , لا تحس آلام البشرية المسحوقة تحت هذا الركامالملعون !
لقددعا الإسلام الجماعة المسلمة الأولى , ولا يزال يدعو البشرية كلها إلىالمشرعالطاهر النظيف , وإلى التوبة من الإثم والخطيئة والمنهج الوبيء:
(وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم . لا تظلمون ولا تظلمون). .
فهيالتوبة عن خطيئة . إنها خطيئة الجاهلية . الجاهلية التي لا تتعلق بزمان دونزمان , ولا نظام دون نظام . . إنما هي الانحراف عن شريعة الله ومنهجه متى كان وحيثكان . . خطيئة تنشىء آثارها في مشاعر الأفراد وفي أخلاقهم وفي تصورهم للحياة .وتنشىءآثارها في حياة الجماعة وارتباطاتها العامة . وتنشىء آثارها فيالحياة
وَإِنكَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌلَّكُمْإِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280)
البشريةكلها , وفي نموها الاقتصادي ذاته . ولو حسب المخدوعون بدعايةالمرابين , إنها وحدها الأساس الصالح للنمو الاقتصادي !
واستردادرأس المال مجردا , عدالة لا يظلم فيها دائن ولا مدين . . فأما تنميةالمالفلها وسائلها الأخرى البريئة النظيفة . لها وسيلة الجهد الفردي . ووسيلةالمشاركةعلى طريقة المضاربة وهي إعطاء المال لمن يعمل فيه , ومقاسمته الربحوالخسارة . ووسيلة الشركات التي تطرح أسهمها مباشرة في السوق - بدون سندات تأسيستستأثربمعظم الربح - وتناول الأرباح الحلال من هذا الوجه . ووسيلة إيداعها فيالمصارفبدون فائدة - على أن تساهم بها المصارف في الشركات والصناعات والأعمالالتجاريةمباشرة أو غير مباشرة - ولا تعطيها بالفائدة الثابتة - ثم مقاسمة المودعينالربحعلى نظام معين أو الخسارة إذا فرض ووقعت . . وللمصارف أن تتناول قدرا معينامنالأجر في نظير إدارتها لهذه الأموال . . ووسائل أخرى كثيرة ليس هنا مجال تفصيلها . . وهي ممكنة وميسرة حين تؤمن القلوب , وتصح النيات على ورود المورد النظيف الطاهر , وتجنب المورد العفن النتن الآسن !