الجهاز الهرموني .. آية

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د. محمد السقا عيد | المصدر : www.alameron.com

 

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [فصلت : 53]
عالم من الروعة في التنسيق و الدقة و آية جديدة من آيات الخالق في أجسامنا تحكم ما لا يحصى من الأحداث الإرادية و اللاإرادية في حياتنا و تصرفاتنا. 
أحيانا يخطر على بالنا أن نفكر ولو قليلاً وبشيء من التعقيد... كيف تعمل ملايين الخلايا في جسمنا ؟ كيف يتم التواصل فيما بينها...؟ 
لتعلم أخي المسلمأنه يتم حالياً داخل جسمك وفي هذه اللحظة تماماً ملايين الوظائف والمعالجات الحيوية. ومن خلال هذه التفاعلات يتم تثبيت ما تحتاج إليه كل خلية من خلايا جسمك من مواد ضرورية ، وكذلك يتم تحديد وظيفة كل خلية بالإضافة إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير لتوفير احتياجاتها بتنسيق كامل بين مختلف الأجهزة وبسرعة خيالية مع قدرة على التصدي والاستجابة لأية تغيرات مفاجئة. وكل الخلايا التي يتشكل منها جسمك تعمل ضمن شبكة متكاملة فيما بينها وتلبّي احتياجاتك كافة دون أن تجعلك تشعر بشيء من ذلك. وهذا يحدث من خلال شبكة اتّصال فيما بينها على درجة عالية جداً من الكفاءة.
 وإحدى أهم العناصر التي تشارك في هذه العمليات الحيوية هي البروتينات التي تعتبر أحد العناصر الأساسية في كل خلية حية


 تعريف الهرمونــــــات
الهرمونات هي مواد كيماوية تعمل بكميات غاية في البساطة وتدور في الدم بصفة مستمرة ليل نهار، تقرّر في جسدنا نسبة النمو والشكل والنعومة والرجولة والأنوثة والقوة والضعف والانفعالات وكل ما يمت إلى البقاء بصلة ولها أبعد الأثر في وظائف أعضاء الجسم جميعاً الخامل منها والعامل. وحتى تصرفات الشخص وأخلاقياته وعاداته وأحكامه على الأمور وعلى الأشخاص، كلها تقع تحت سيطرة هذه الهرمونات.
 
 
للهرمون تركيب كيميائي معقد والشكل التالي يبين تركيبها

 

 

 
ويعتبر كل هرمون بمثابة رسول كيميائي محدد الوظيفة يسري في مجرى الدم، من الغدة المفرِزة إلى الخلية أو النسيج الهدف ليؤدى دور محدد، فالهرمونات في الأصل عبارة عن بروتينات أو سلاسل بيبتيدية، وهذه السلاسل تعتبر إحدى مراحل تكوين البروتين.
 
 
أ ـ تنتج هذه الهرمونات من مناطق محددة في جسم الكائن الحي تعرف بالغدد الصماء تنتقل إلى الدم مباشرةلتلعب دوراً كبيراً في تنظيم وظائف الجسم.
 
والغدد الصماء Endocrine glandsهي غدد لا قنويه ذات إفراز داخلي تتكون من مجموعة متخصصة من الخلايا تقوم بإرسال افرازاتها مباشرة في الدم، وليس عبر قنوات مثل باقي الغدد في الجسم
 ب ـ لا
 تحدث الهرمونات تأثيرها في نفس المنطقة التي تفرزه بل تؤثر في مناطق أخرى بالجسم.
ج ـ يعتبر وجود الهرمونات أساسياً في تنسيق وتنظيم وظائف الجسم لكن بكميات صغيرة.
د ـ الهرمونات إما أن تكون لها تأثير حافزي أي منشط أو تأثير مثبط.
هـ ـ ومن ناحية التركيب الكيميائي وجد أن بعضها يتكون من بروتينات مثل الأنسولين وبعضها الآخر يتكون من استروئيدات مثل الهرمونات الجنسية وهرمونات الغدد الكظرية ومجموعة ثالثة تتكون من مشتقات الفينول مثل هرمون الأدرينالين الذي يفرز من نخاع الغدد الكظرية.
وتبرز أهمية الهرمونات في أنها تقوم مع الجهاز العصبي بتنظيم وظائف الجسم المختلفة وبينما يقوم الجهاز العصبي بعمله التنظيمي في فترة قصيرة جداً (قد لا يتعدى جزء من الثانية) تقوم غدد الإفراز الداخلي بعملها ببطء أى قد يستمر لدقائق أو ساعات أو أيام.
 آليـــــــة عمـــــل الهرمونـــــــــات
هنالك ثلاثة طرق رئيسة للتنشيط الهرموني:
1- قد ينشط الهرمون أحد الجينات. ومن الأمثلة عليها الهرمونات الجنسية، التي لها القدرة على الانتقال إلى داخل نواة الخلية والارتباط مع الحموض النووية( DNA ) .
2- قد ينشط الهرمون أحد الأنزيمات.ومن الأمثلة عليها هرمون الأدرينالين الذي ينشط أنزيماً معيناً داخل الغشاء الخلوي ، ويحدث هذا الأنزيم التغير المطلوب مع بقاء الهرمون خارج الغشاء الخلوي.
3- قد يغير الهرمون من مقدرة الجدار الخلوي ليسمح بعبور بعض المواد إلى الداخل أو الخارج.ومن الأمثلة عليها هرمون الأنسولين وهرمون النمو، حيث يعتبران مثالان على مقدرة الهرمونات على تغير النفاذية. فالأنسولين يسمح بدخول الجلوكوز إلى داخل الخلية، أما هرمون النمو فيسمح بدخول الأحماض الأمينية إلى الخلية لكي يتم تصنيع البروتين  .
 

 

 

 
 

 
الغدة النخامية من أبرز الغدد المفرزة للهرمونات في جسم الإنسان

 
 
 
فنجد مثلاً أن زيادة بعض هرمونات الجسم يؤدى إلى نقص هرمونات أخرى مثل هرمون الأنسولين المسئول عن تقليل نسبة السكر، هناك هرمون مضاد له وهو هرمون الجلوكاجون وهو المسئول عن زيادة نسبة السكر في الدم ولذلك فإن الجسم بطبيعتهيقوم بعملية موازنة بين احتياجاتهوبين نسب هذهالهرمونات في الدم فإذا تم تعاطى الهرمونات بطريقة صناعية غير مدروسة سيؤدى ذلك إلى تشويش هذهالنسب الطبيعية الربانية في الجسم.

مثال
آخر وهو وجود بعض هرمونات الجسم التي تتكامل مع بعضها البعض فوحدة واحدة من هرمون الاستروجين تزيد بطانة الرحم بمقدار 1 جم ، وكذلك وحدة واحدة من البروجوستيرون ، أما لو تم أخذ وحدتان واحدة من الاستروجين والأخرى من البروجستيرون مع بعضهم البعض سيزيد ذلك من بطانة الرحم بمقدار 8 جرام مرة واحدة ، فماذا يحدث إذا تم زيادة إحدى الهرمونين في توقيت لا يتطلب كل هذه الزيادة كما نرى الفرق شاسع وخطير.مما سبقسنكتشف أن أي زيادة أو نقصان غير محسوبة في الهرمونات ستؤدى إلى اختلال الدورة السابقة التي تعمل مع معظم الهرمونات مما سيؤدى إلى مشاكل كثيرة لا حصر لها.....
وسبحانه وتعالى يقول : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً )[الفرقان : 2]
ويقول الله تعالى:(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[التين : 4]
كلمة أخيرة
يقول الكاتب هارون يحيى في كتابه" معجزة خلق الإنسان"
لقد خلق الله تعالى نظاماً وشبكة بريدية في غاية الروعة حيث تقوم جزيئات الهرمونات بوظيفة ساعي البريد، فكما يقوم ساعي البريد بالتجول في جميع أنحاء المدينة ناقلاً الرسائل إلى الأماكن المطلوبة، كذلك تقوم الهرمونات بنقل الأوامر الصادرة من الدماغ إلى الخلايا ذات العلاقة . وهكذا تتم في الجسم جميع الفعاليات الضرورية لحياة الإنسان ولكن يجب ألا ننسى هنا أن الهرمونات لا تملك وعياً كما يملكه الإنسان، ولا تملك شعوراً ولا إدراكاً لكي تقوم بتعين الاتجاهات ومعرفة ما تحمله ولمن تحمله، فهي لم تتلق أي تدريب في هذا المجال ولم تملك هذه القابلية بعد سنوات من المران ومن التجارب.
فالهرمونات التي نطلق عليها اسم " سعادة البريد " عبارة عن جزيئات معقدة جداً لا يمكن شرحها إلا بمعادلات ورموز كيميائية معقدة.
وإن قيام جزيء الهرمون بمعرفة ما تحمله من رسائل وإلى أي خلية تحملها، ومواصلة سيرها في الظلام الدامس للجسم (الذي يكبرها بمليارات المرات ) دون أن تضل طريقها، ثم قيامها بتنفيذ هذه الوظيفة على أحسن وجه ودون أي قصور، هذا كله عمل خارق ومعجزة
مدهشة.  ويكفي هذا المثال فقط لمعرفة مدى كمال وروعة الأنظمة التي أودعها الله تعالى في جسم الإنسان.
وبعد... فهذه دعوةإلى الناس جميعا إلى التفكر والتدبر في الخلق والمخلوقات كما قال تعالى
(أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون)
 (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ).
وسبحان الله الخالق المبدع العظيم القائل: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) (فصلت- 53).