كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
يتعجب الناظر في حال كثير من الناس، ممن ينتسبون إلى العلم والدين والدعوة، كيف يصل بالواحد منهم أن يعلم النصوص والأدلة وأقوال الفقهاء، بل وإجماعهم؛ ثم هو يجترأ بمخالفتهم جميعاً، ويحدث قولاً ما قاله قبل ذلك عالم ولا جاهل؟ مثل من يفتي بتحريم ختان الإناث، مع أن من يقول ذلك ينقل أن مقتضى الأدلة الاستحباب، والمذهب الذي تعلم عليه ودرَّسه طول فترة تدريسه يقول بالوجوب؛ ثم يقول: وأنا أقول بالتحريم فيا للعجب لا الدليل اتبع، ولا المذهب قلد. وهل الاجتهاد يكون بالرأي المجرد المصادم للأدلة؟!
وهل أصبحت موافقة أهل الأهواء من العلمانيين الجهال الذين لا يعرفون طباً ولا فقهاً -لا دنيا ولا دين- هي مسوغات الاجتهاد في زماننا؟
وأهل الطب من أهل الإسلام يلزمون من خالفهم ممن يدعي المعرفة بالطب، أن ما شرعه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من الختان بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (فأشمي ولا تنهكي) صححه الألباني. وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ومس الختان الختان فقد وجب الغسل) رواه مسلم. وبقوله -صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط) متفق عليه، وهذا كله يشترك فيه الرجل والمرأة عند العلماء جميعاً. وهم بين موجب له، ومستحب. لا قائلاً بالإباحة، ولا قائلاً بالتحريم.
فما شرعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الختان وبهذه الطريقة وهي الإشمام، وهي قطع الجلدة التي تغطي البظر -أو قطع جزء منه عند كثير من العلماء- رغم أنه لم يرد في قطعه دليل، بل مقتضى الدليل المشترك بين المرأة والرجل أنه قطع الجلدة وليس قطع العضو وبظر المرأة يناظر ذكر الرجل وله حشفة كحشفته وعليه جلدة كجلدته لكن مع التفاوت في الحجم. فأهل الطب من أهل الإسلام يلزمون من خالفهم بأن هذا الختان يستحيل أن تترتب عليه أي أضرار -بل هو مانع من تجمع الإفرازات التي ربما سببت الأضرار للمرأة كالرجل تماماً- في دراساتهم التي لا يريدون احترام القواعد العلمية فيها فيما يختص بالمرأة إرضاءً لسادتهم وكبرائهم في الضلال.
وأما الختان الجائر الذي نهى عنه الشرع -وهو الإنهاك بقطع الأعضاء كلها كما فعله الفراعنة والأفارقة- فهو الذي ينبغي أن ينهى عنه لنهي الشرع عنه ثم لضرره.
أما التحريم العام، أو التجريم بالقوانين الوضعية، التي يخترعها جهال بالشرع أو الطب، أو أصحاب أهواء يوافقون الجهال، فليس إلا الخذلان البين، فلولا أن الله وكلهم إلى أنفسهم لما تفوهوا بذلك. وهم في نفس الوقت يزعمون تعظيم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومحبته، ففي نفس الوقت الذي يهدمون فيه سنته يبتدعون القول بالتبرك ببوله وغائطه ودمه والقول برؤيته في اليقظة وسؤاله عن الأحاديث والأحكام.
فليذهب إذاً جهد علماء الحديث والفقه أدراج الرياح طالما أن مفتي زماننا قد قابل النبي -صلى الله عليه وسلم- فأفتاه بصحة الحديث الذي يحتج به وبصحة الفتوى التي أفتاها. وليغلق باب الاجتهاد في هذه المسائل فقد كفانا مدعو الصحبة في العصر الحاضر مؤنته. فيا للعجب من خزعبلات عصور الانحطاط تظهر في زمان الصحوة، ووالله لولا الخذلان لما تكلم بمثل ذلك أحد.
ومن مظاهر الخذلان كذلك انعدام التمييز بين الأولياء والأعداء، إلى درجة أن يصبح الدعاة على أبواب جهنم، أولياء اليهود من العلمانيين والبهائيين هم من زينت لهم البيعة في أعناق المسلمين وأن من خالفهم فهو من الخوارج، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه؟!
فسفك دماء المسلمين، وانتهاك حرماتهم، والتجسس لصالح أعدائهم، وتنفيذ مخططاتهم، أصبح في زماننا -عند أناس يتكلمون باسم الدين- واجباً من واجبات الدين وإحقاقاً له، وأصبحت نصرة الإسلام وحفظ حقوق المسلمين والمناداة بتطبيق الشرع؛ خروجاً وتكفيراً، اللهم إليك المشتكى وأنت المستعان وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك.
ومن أعاجيب ما نسمع ونقرأ في زماننا من علامات الخذلان كذلك أن الكفار مشغولون باختفاء "المايوه الحريمي" من شواطئ الإسكندرية، وقلقون من انتشار الحجاب، حتى تنقل وكالة أنباء أجنبية تقريراً يبث القلق على مستقبل هذه المدينة، بسبب المتطرفين من الإخوان والأشد تطرفاً منهم، السلفيين. مع أن السائر في شوارع الإسكندرية لا يزال يرى أنواع التبرج والعري حتى ممن أقنعن أنفسهن وأهاليهن بأنهن محجبات، وقد ارتدين أضيق الثياب وأبشع ما يجسد العورات المغلظة والمخففة.
فماذا يريدون من الإسلام والمسلمين؟؟ ألا يكفيهم ما يصبون على المسلمين من خلال القنوات الفضائية والمواقع الإباحية التي تبذل الفحش بلا ثمن وتنشر، الرذيلة دون مقابل، إلا أن يتبع الإنسان الشيطان، ويدمن على الحرام، فيهتك الستر الذي بينه وبين الله، وتنكشف عورته الباطنة من الجهل والظلم، والظاهرة مما حرم الله عليه كشفه إلا لزوجته أو ما ملكت يمينه؛ فيخرج من جنة القرب من الله ومحبته والشوق إليه والخوف منه والتوكل عليه، إلى أرض النكد والتعب والشقاء والتعاسة التي -والله- تطل من وجوه البؤساء حتى ساعة تلذذهم بالذنوب والمعاصي.
فكما سعى الشيطان لإخراج الأبوين من الجنة من خلال كشف العورات لينزلا إلى أرض الشقاء والتعب (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)(الأعراف:27)، وكان كشف السوءات بسبب المعصية مقدمة للهبوط إلى الأرض، فكذلك يسعى شياطين الأنس والجن اليوم إلى أن يكشفوا العورات الظاهرة والباطنة حتى يشقى الناس من جديد، ويلهثوا وراء سراب الشهوات ويتعذبوا بأوهام الحضارة المرئية التي تسكر القلوب على ألمها وعذابها وتعمي البصائر عن سبب سعاتها وسكونها.
فيا رجال ويا نساء المسلمين استعيذوا بالله من شر المخذولين، وتذكروا أن المسابقة في الفرار من أماكن الرذيلة ومواقع الفحش هو سلوك الأنبياء (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ)(يوسف:25)، واجتهدوا يا شباب المسلمين في تحقيق الإخلاص، والتوكل، والاستعانة بالله، فهو السبب الذي يصرف الله به السوء، والفحشاء عنكم، واحذروا إدمان هذه الشهوات بالنظر، أو الكلام، أو الصحبة، أو العشرة المحرمة، فكل ذلك من الزنا كما قال رسول الله -صلى اللهم عليه وسلم-: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) متفق عليه.
وتذكروا أن هذه الشهوات من مصائبها أسر الإنسان ذليلاً تحت وطأتها، ومسائلته عن حقوق العباد التي يكاد يستحيل عليه أن يستحلهم منها. فليس في الزنا تضييع حق الخالق فقط، بل فيه تضييع حقوق المخلوقين من زوج وأب وأخ وابن وعم وخال كلهم سيقفون لك بالمرصاد مطالبين بالحقوق التي انتهكتها حين فعلت الفاحشة مع قريبتهم فالناس لا يرضونه لأمهاتهم ولا لبناتهم ولا لأخواتهم ولا لعماتهم ولا لخالتهم ولا لغيرهن من القرابات (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(يوسف:23)، فالزاني ظالم للزوج والأب والابن فضلاً عن ظلمه لنفسه ولمن زنى بها.
فاحذروا أيها المسلمون خصوصاً في فصل الصيف، الفصل الذي ينتهز فيه أهل الفساد فرصتهم في العري، والفجور، ويستغله أهل الإيمان في الاستعاذة من حر جهنم، وفي صيام نهاره الطويل، واستغلال الفراغ فيه في طاعة الله وطلب العلم والعمل الصالح، فاحذروا أن تكونوا مغبونين في صحتكم وفراغكم.
اللهم ألحقنا بالصالحين وتوفنا مسلمين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.