تزايد طلب العلاج التقويمي بشكل ملحوظ خلال العشرين سنة الماضية في المنطقة العربية، وقد يعود الفضل في ذلك الى ازدياد الوعي الصحي بشكل عام وازدياد عدد الاطباء المتخصصين بتقويم الاسنان في بلادنا، بالإضافة الى تطور تقنيات المعالجة التقويمية في العالم، مما جعل العلاج اكثر سهولة وتقبلا فزادت نسبة اقبال المرضى على العلاج، حتى البالغين منهم. ان العلاقة بين الطبيب والمريض قد تغيرت جذريا، إذ ان المطلوب من الطبيب اشراك مريضه بشكل فعال وايجابي في كافة مراحل العلاج، كما يطالب المريض بحقه في ابداء رأيه دوما. وعادة يحاول الطبيب الاستماع له والتنسيق ما بين المتطلبات العلاجية الضرورية والتي لا يجب التخلي عنها وبين متطلبات المريض التجميلية. تقويم الأسنان لتقويم الاسنان مساوئ ثلاثة (من وجهة نظر المريض) وهي: ـ طول فترة العلاج، التي تتراوح من 18 الى 24 زيارة وقد تطول لأكثر. ـ شكل ومظهر الجهاز التقويمي، فهو معدني غير جميل وغير مريح للنظر، اذ يعتمد التقويم اساسا على عدة عناصر: الحاصرات (المربعات المعدنية او السيراميكية التي يتم الصاقها على وجوه الاسنان الامامية والجانبية)، الاطواق (الحلقات المعدنية التي تحيط بالاضراس الخلفية وتحمل عادة اجهزة الدعم والارساء)، الاسلاك المعدنية، ومطاط الربط (شفاف او ملون). وهذه كلها عناصر ذات مظهر. ـ مكملات الجهاز التقويمي، وهي عادة اجهزة اضافية قد يضيفها طبيب التقويم على اجهزته لاسباب ميكانيكية لزيادة الدعم مثل القوس المعترض الحنكي، القوس اللساني (داخل الفم) أو القوس بين الفكين كالمطاط (خارج الفم). وتتطلب هذه الاجهزة من المريض تركيزا كبيرا لاستخدامها وتكون مزعجة إذا كانت ثابتة، وغير مستقرة إذا كانت متحركة. أنواع المعالجات وتوضح د. دابجن أن اطباء تقويم الاسنان المتميزين في العالم حاولوا التعامل مع هذه المشاكل وايجاد حلول فعالة لها. وقد طورت، بالفعل، التقنيات الحديثة ثلاثة مفاهيم تشرحها د. دابجن فيما يلي: أولا: المعالجة التقويمية السريعة باستخدام طريقة التقشير العظمي او باستخدام الحاصرات ذاتية الربط: أ- طريقة التقشير العظمي: تعتمد على مبدأ حيوي معروف وهو أن المنطقة من الجسم التي تتعرض لمرض او أذى مع غياب الانتان ستصبح منطقة ناشطة جدا وغنية بالتغذية الدموية. وهذا ما حاول بعض اطباء التقويم استغلاله لمصلحتهم ومنهم د. دونالد فيرغسون Donald Ferguson (من جامعة بوسطن) منذ عام 2000 بالتنسيق مع أطباء جراحة الفك، حيث يتم اجراء جراحة بسيطة للمريض قبل المباشرة بالعلاج التقويمي الفعال وهي حفر أخاديد أو حفر (1-2ملم) على العظم السنخي حنكيا (من ناحية الحنك) أو دهليزيا (من ناحية دهليز الفم القريب من الخد والشفة) وذلك بشكل عشوائي أي أن شكل هذه الشقوق والحفر ليس له أهمية ولا موقعها إنما ما يهم هو عددها وأن لا تسبب أي أذى للعناصر التشريحية الطبيعية الموجودة في المنطقة المعالجة. ستسبب هذه الشقوق مجموعة ردود فعل بيولوجية تجعل المنطقة نشيطة جدا حيويا، وبالتالي فعندما يقوم طبيب تقويم الأسنان بحركته السنية تكون الحركة أسرع لأن العظم ناشط ولا يحتاج إلى فترة راحة طويلة قبل الزيارة التالية. إن عدد زيارات المريض لطبيبه لن تقل وإنما ستقل الفترة ما بين الزيارات، فتنخفض الى أسبوعين فقط بدلا من أربعة كما في التقويم العادي وتنخفض بالتالي فترة العلاج التقويمي إلى النصف! وقد أظهرت دراسة قام بها الدكتور ك. ج ـ فيشر K. G. Fisher على مرضى تقويم أنياب منطمرة ثنائية الجانب تم نشرها في مجلة انجل لتقويم الأسنان في يوليو 2006، وقام خلالها بإجراء تقشير عظمي للناب المنطمر في أحد الجوانب وعملية كشف عظمي عادية للناب الآخر في الجهة الأخرى أن الحركة السنية للناب المنطمر في الجهة ذات التقشير العظمي كانت أسرع من حركة الناب المنطمر في الجهة الأخرى علما أن النسج حول السنية في نهاية المعالجة كانت متماثلة تماما لكلتا الجهتين. هذه الطريقة واعدة جداً ولكن مساوئها تكمن في الاجراء الجراحي بحد ذاته إذ يعتبر اجراء مؤذياً لحد ما وقد لا يوافق الكثير من اطباء جراحة الفكين على القيام به. ب- طريقة الحاصرات ذاتية الربط: أول من نجح في تسويق الحاصرات: موديل تايم عام 1994 شركة «أميركان أورثودونتكس» American Orthodontics وحاليا تظل شركة سبيد Speed وشركة ج. أ. سي G. A. C. رائدتين في تزويد الحاصرات بسلك حلزوني دافع، يعطي للسلك إمكانية التعبير الكلي عن المعلومات المضافة للحاصرة التقويمية ويحافظ على حرية انزلاق عالية أثناء الحركة، خاصة مع استخدام أسلاك «سبيد» و«هينز» أو السوبر كابل ذات المرونة العالية جداً مما يجعل حركات الصف والرصف اسرع جدا من الحاصرات العادية، بالاضافة لفعالية أكبر في انزلاق الأسنان مع رض أقل وبالتالي امتصاص جذور أقل. وهذا ما أكد عليه د. فيتوريو كاسيا نسيتا Vittorio Casia Nesita الإيطالي في بحثه الذي ألقاه في المؤتمر العربي الثامن لتقويم الأسنان بمدينة دمشق في نوفمبر 2007. أما د. هواردين Hawardin البريطاني فقد أكد في مجلة تقويم الأسنان 2003 أن عدد زيارات المريض الطبية ينخفض باستعمال هذه التقنية من 16 إلى 12 أي أخفض بأربع زيارات. مساوئ هذه التقنية الكلفة المادية العالية جدا وسماكة الحاصرات، مقارنة بالحاصرات التقليدية. تقويم غير مرئي ثانيا: التقويم اللساني غير المرئي: يماثل، من حيث المبدأ، التقويم التقليدي إلا أن الحاصرات توضع على الناحية اللسانية أو الحنكية (الداخلية) للأسنان وبالتالي فهي غير مرئية إطلاقاً. وأول من نشر مقالة عن استخدام هذه التقنية الياباني د. فوجيتا Fojitta عام 1975 وتطورت التقنية بخطوات واسعة منذ ذلك اليوم. تعتبر من أكثر الطرق دقة في تقويم الأسنان، حيث ان مراحل العمل بها تختلف تماما عن الطريقة العادية رغم ان المبدأ واحد، لأن إلصاق الحاصرات على الوجوه الداخلية للأسنان يتم لكل مريض حسب دراسة حالته وللنتائج المطلوبة من العلاج. وعلى هذا الاساس يتم «تصنيع» قاعدة الكومبوزت الخاصة بكل سن بشكل افرادي، وبالتالي فعند تطبيقها بشكل صحيح تكون نتائجها ممتازة. يمكن معالجة الحالات كافة بهذه التقنية، السهلة (الازحمام الخفيف – الفراغات) أو المتوسطة (الازحمام الشديد – قلع الضواحك) أو الصعبة (قلع الأرحاء – العضة المعكوسة الخلفية)، بل حتى ان هذه الطريقة تعتبر مثالية لمعالجة حالات العضة العميقة، نظرا لوجود سطح رفع عضة لساني على هذه الحاصرات. ومحاسنها، هي تجميلية فعلا تسمح لبعض الاشخاص الذين لن يتمكنوا من استخدام التقويم العادي باتمام العلاج مثل الرياضيين او الموسيقيين او الشخصيات العامة. اما مساوئها، فهي التكلفة المادية العالية على المريض وعلى الطبيب، الازعاج والأذى الذي تسببه هذه الحافرات اللسانية للسان في الفك السفلي نتيجة التماس معه، تتطلب تعاونا كبيرا من المريض للمحافظة على أجهزته. زرع تقويمي ثالثا: الزرعات الصغيرة التقويمية: وهي الحل المثالي لمشكلة الارساء والتدعيم في تقويم الاسنان. الارساء هو اعتماد منطقة معينة من الفك وتقويتها باستخدام اجهزة زيادة التدعيم (مثل جهاز نانس Nance او القوس اللساني او القوس المعترض الحنكي) وذلك لارجاع وجر منطقة سنية اخرى في نفس الفك مثل حالات بروز الفك والاسنان العلوية والتي يتم علاجها عادة بقلع ضاحك من كل جهة وارجاع المنطقة السنية الامامية للخلف لتخفيف البروز. اجهزة الارساء التقليدية اما انها لا تعطي دعما كاملا او انها تتطلب تعاون المريض في استخدامها وهذا يجعلها غير أمينة، ولذا كان لا بد من ايجاد بديل فعال، غير مرئي وغير مزعج للمريض وكانت الزرعات التقويمية التي هي عبارة عن «براغي» معدنية ذات اشكال واطوال واقطار مختلفة مصنوعة من معدن التيتانيوم الخامل حيويا. يتم ادخال البرغي داخل العظم السنخي باستخدام تخدير موضعي من قبل طبيب تقويم الاسنان، وذلك بطريقة سهلة وبسيطة غير مؤذية عند تطبيقها بشكل صحيح وعند الانتهاء من استخدامها يتم نزعها باستخدام مفك براغي، معقم خاص بها. من المهم جدا عند دراسة هذه الزرعات اختيار الشكل والطول والقطر الملائم للمنطقة التشريحية التي سيتم زرعها فيها وحسب المتطلبات الميكانيكية للعلاج التقويمي.