بين الدولة اليهودية والدولة الإسلامية (1-2)

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : ياسر عبد التواب | المصدر : www.salafvoice.com


بين الدولة اليهودية والدولة الإسلامية (1-2)

كتبه/ ياسر عبد التواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

لم يطرح الإسرائيليون شرط الاعتراف العربي المكتوب بيهودية الدولة الإسرائيلية إلا الآن! وحتى الأيام القليلة الماضية كان المطلب اليهودي هو مجرد الاعتراف بحق "إسرائيل" في الوجود!!.

فانظر كيف يستدرج العرب إلى أهواء اليهود، فلقد طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل "بوصفها دولة للشعب اليهودي" كنقطة انطلاق لمفاوضات سلام ينتظر أن تطلق إثر الاجتماع الدولي - في أنابوليس قرب واشنطن-، وأضاف البيان: "لقد أعلن رئيس الوزراء بوضوح أن هذه المسألة من وجهة نظر إسرائيل غير قابلة للتفاوض أو البحث".

وهو ما يعني عملياً أنه يحق لهذه الدولة طرد مليون ونصف المليون من الفلسطينيين الموجودين في الأراضي المحتلة من سنة 1948، ويعني أيضاً أنه لا يحق لواحد من الملايين الستة من الفلسطينيين اللاجئين الموزعين على الشتات أن يعود إلى أرضه، ويعني  أن القدس لن يدخلها أحد من الفلسطينيين. فهل لنا أن نقرأ الأحداث من خلال هذا الموقف؟

ينص قانون الأساس في الكيان الصهيوني على تعريف إسرائيل بأنها "دولة يهودية وديمقراطية". انظر النص: يهودية قبل ديمقراطية.

 وجاء ذلك التعريف بعد نقاش جرى في الكنيست قبل أكثر من 22 عاماً، واختلفت حتى الأحزاب الإسرائيلية هل يكون التعريف دولة يهودية أو دولة الشعب اليهودي، وكان القرار خلال التصويت على القانون عام 1985 البند السابع (أ) على  الدولة اليهودية  ذات الطابع الديني والقومي معاً حسب تفسير أصحاب الاقتراح، فيما يذكر بما قاله بن غوريون قبل عقود بأن إسرائيل هي دولة اليهود أينما كانوا، وهناك قيمتان في هذا التعريف، القيمة الإثنية والعرقية والقومية من جهة، والديمقراطية من جهة أخرى.

ومع الأسف لا توجد دولة تدعي الآن أنها تنطلق من منطلقات إسلامية خالصة ووحيدة، وتأخذ على عاتقها أن تكون دولة المسلمين جميعاً وكل من يحاول ذلك يلقى كل عنت وتشويه واعتداء، وإنما هناك دولتان في العصر الحديث تنطلقان من الهوية الدينية: الأولى هي إسرائيل، والثانية هي الفاتيكان... دولتان فقط ولا ثالثة تمثلنا!

ولئن كانت الأخيرة- الفاتيكان- آخذة على عاتقها التوسع الفكري من خلال الجهود الجبارة المتمثلة في إفساد عقائد الناس بما يسمونه التبشير، فإن الدولة اليهودية دولة منكمشة على ذاتها منكفئة على يهوديتها متقوقعة على نفسها، ومع ذلك فإنها تجد من التقدير والاعتراف والمساندة ما يجعل المرء في حيرة، كيف استطاع هذا الغرب المنافق التكيف مع هذا الوضع الشاذ عن فكره المبني على الفصل بين الدين والدنيا، حتى بلغ الاقتناع والتيه إلى حد وصف بوش -في لقاء مع شارون عام 2003- أمن "إسرائيل" كدولة يهودية مفعمة بالنشاط، أي أنه عرف مرجعيتها بأنها مرجعية صهيونية، وهذا يعني أن الدولة الصهيونية ليست دولة مواطنيها وإنما دولة كل يهود العالم، مما يجعلها بالضرورة دولة توسعية، فضلاً عن أن هذا المفهوم يهمش سكان الدولة من الفلسطينيين، ويحولهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية. ولعل هذا يفسر عبارة مفعمة بالنشاط وهي عبارة مبهمة تثير القلق لأنها ببساطة تعني التوسع اللا محدود.

وإنما تأتي تلك الأفكار من خلال نشأة فكرية تربى عليها هؤلاء مفادها التميز العرقي الذي تسنده دولة معتدية محتلة تدعي القيم وتشوه الحقائق بطريقة تخدع سفهاء القوم فتفسير نزول التوراة يتحول إلى منطلق الاستعمار الصهيوني الاستيطاني الإحلالي. فأبناء إسماعيل، أي العرب، سرقوا الأرض، ولذا من حق أصحابها الأصليين -أي اليهود- أن يسرقوها أو يستردوها مرة أخرى لأن هذا في واقع الأمر حقهم المطلق. بهذه الطريقة تم توظيف بعض النصوص الدينية في خدمة الأيديولوجية الصهيونية، وقد أدى هذا إلى ظهور ما يمكن تسميته "التمركز حول اليهود واليهودية"، وهو مصطلح وضع على منوال مصطلحات مماثلة مثل "إثنو سنترسيتي" ethno-centricity أي "التمركز حول الإثنية" أو "يورو سنترستي" euro-centricity أي "التمركز حول الأوروبية".

وبحسب قول الدكتور عبد الوهاب المسيري فإن قراءة التاريخ بهذه الطريقة المتمركزة تمركزاً يهودياً يفضي إلى الحديث عن اليهود باعتبارهم جماعة فريدة متميزة، ثم يتحدثون عن معجزة البقاء اليهودي، كما لو كان البقاء أمراً مقصوراً على اليهود وحدهم دون عشرات الطوائف والأقليات والشعوب الأخرى، مثل الأكراد أو الأرمن أو النوبيين، وكأن اليهود كتلة بشرية متجانسة حققت البقاء عبر آلاف السنين دون تغير أو تحول!

وينظر لها من منظور يهودي خالص، لا من منظور تاريخي إنساني. خذ على سبيل المثال ظاهرة "الجيتو" وهي ظاهرة عامة في المجتمعات الإقطاعية، حيث تتعامل الدولة لا مع الأفراد، وإنما مع الجماعات، ولذا يتم تركيزها في منطقة سكنية واحدة. ينظر الصهاينة إلى هذه الظاهرة من الداخل باعتبارها مؤسسة تعبر عن رغبة اليهود في الاستقلال القومي، إذن الدولة اليهودية هي دولة تقوم على التمركز.. دولة تقوم على التفرد، وعلى رفض الآخرين باعتبارهم درجة ثانية، وفي نفس الوقت لا تقبل انضمام أفراد آخرين إليها، ولا تعطيهم نفس ما تعطيه للأصليين منهم كما هو الحال مع اليهود السود من الفلاشة وغيرهم.

فماذا عن الدولة الإسلامية ؟ وكيف هي وما معالمها وكيف تتعامل مع الآخرين؟

ذاك موضوع حديثنا المقبل إن شاء الله