كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
محمد عبد القدوس صحفي إخواني شهير له كثير من الآراء المثيرة للجدل، منها -وإن لم يكن أغربها- اعتزازه الدائم بأدب أبيه "إحسان عبد القدوس" رغم أنه ينتمي إلى أدب اللا أدب، ومن ثم فلا عجب أن يكون الأستاذ محمد عبد القدوس من أكثر الإخوان المعاصرين انفتاحاً على الفكر الغربي وعلى الأدب الغربي، والمتتبع لمقالات الأستاذ محمد عبد القدوس سوف يجد أنها تدور في فلك الدفاع عن الصحوة أمام خصومها، ولكنه دفاع يمكن أن تلخصه في أن الأستاذ محمد يريد أن يقول لأعداء الصحوة: إن الصحوة لا تريد أن تعيد عهد الخلافة الراشدة كما تظنون، ولكنها تريد نطاقاً غربياً بنكهة إسلامية.
ولذلك لم يكن مستغرباً على الأستاذ محمد عبد القدوس -وإن كان في غاية الغرابة في ذاته- أن يشن هجوماً لاذعاً على مشروع قانون أقره مجلس الشورى الإيراني، والمجلس الأعلى للثورة هناك يلزم النساء "الحشمة"، ورغم أن القانون الإيراني لم ينص صراحة على الحجاب محاولاً تفادي الصدام مع التيار العلماني الإيراني، إلا أن هذه الصيغة "المتميعة" لم تجنبهم الصدام مع الصحفي الإخواني محمد عبد القدوس، وطبعاً الأمر لا يحتاج إلى تفسير، فالرجل لا يريد أن يؤاخذ تيار الإسلام السياسي في مصر ممثلاً في الإخوان بجريرة نظيره في إيران، لاسيما وحبال الود موصولة بين الطرفين، فسارع بالتبرؤ من هذا القانون واصماً إياه بأنه تعدي على الحرية الشخصية للمرأة!!
وهذا كلام تُغْنِي حكايته عن ردِّه، ويكفي في ردِّه أن تعلم أن هذا المنطق لو عمم لانتهينا إلى القول بعدم تجريم الزنا قانوناً إذا كان برضى الطرفين، وعدم تجريم شرب الخمر قانوناً ما دام شاربها لم يصل إلى درجة السكر البَيِّن...الخ هذه التشريعات الأوربية العفنة، ولن يبقى للإسلاميين من تطبيق الإسلام حال وصولهم إلى الحكم إلا وجود دعوة إعلامية إلى الفضائل الإسلامية، وحتى هذه سوف يقفز إليهم العلمانيون مطالبين بحصص متساوية من التغطية الإعلامية لكل الأفكار، ولكي تزاحم روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس كتب حسن البنا وغيره من مفكري الجماعة، هذا إذا تجاسرت الجماعة أصلاً على نشر شيء لمفكريها.
فما أبهت صورة الحكم الإسلامي الذي يحلم به عبد القدوس ورفاقه!! هذا إذا كان حلماً، فكيف لو كان سراباً؟!!
نقول ليس العجب في هذا كله، ولكن العجب كل العجب في أن يضطر الأستاذ عبد القدوس إلى أن يضرب بالوحدة الإسلامية التي يرفع شعارها هو وغيره عرض الحائط، وأن يجرؤ على نقد إيران، ومنهج إيران الداعي إلى الحجاب.
وهو الذي يحاول أن يُهَوِّن من خطر المنهج الإيراني الداعي إلى سب الأصحاب، وانتقاص أمهات المؤمنين، وهو الذي يرى الوحدة الإسلامية مع الشيعة واجباً يجب أن تقطع من أجله جميع الألسنة التي تبين عوار منهج الشيعة، وخطرهم على الأمة.
وهو الذي حاول أن يسكت الشيخ القرضاوي في ندوة نقابة الصحفيين التي خرج فيها الشيخ القرضاوي عن الخط المعتاد في ادعاء أن الشيعة لا يسبون الصحابة ولا يعادون أهل السنة...الخ، فقرر سبهم للصحابة وعداءهم للسنة، فحاول الأستاذ عبد القدوس أن يستثني "السيد" حسن نصر الله، فلم يوافقه القرضاوي على ذلك، فكانت من المواقف المحمودة له.
فنقول للأستاذ عبد القدوس ومن وافقه:
إن كنت قد أنْكَرت على الشيعة أمراً وافقوا فيه الشرع رجاء مصلحة لم تتحقق بعد، فمن باب أولى أن تُنْكِر عليهم ضلالات عقدية حفاظاً على تاريخ الأمة، ووفاءً لسلفها الصالح. أم أننا أصبحنا في زمن انعكس فيه سلم الأولويات حتى صارت العقيدة والمنهج في أسفله، والمصالح الانتخابية الهشة في أعلاه، وبينهما دعاوى الوحدة مع أهل البدع، والتي تذبح السنة من أجلها، بينما تقدم المصالح السياسية عليها!! مما يدل على أن دعوى الوحدة ٍهي في ذاتها مصلحة سياسية!!!!