كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
المراقب لردود فعل ما يسمى بالمجتمع الدولي تجاه التحرشات الإسرائيلية المتجددة تجاه المسجد الأقصى وأساساته يجد عجباً، من ذلك ما يجري الآن من إزالة تل قرب باب المغاربة يعتقد أن إزالته سوف تؤثر على بعض الحجرات الأثرية في الحائط الغربي المسمى عن المسلمين بحائط البراق، والذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى.
كما أن هذه الأعمال تأتي ضمن أعمال صيانة لجسر خشبي يستخدمه المشاة، وتريد قوات احتلال أن تستبدل به جسراً حديدياً مثبت على أعمدة خرسانية مما قد يمكن قوات الاحتلال من الدفع بكمية كبيرة من الجنود في ساحة المسجد الأقصى لاحقاً. وقد قصرت ردود فعل المجتمع الدولي هذه المرة عن الشجب والإدانة إلى مناشدة إسرائيل إيقاف هذه الأعمال حتى لا تثير غضب المسلمين.
وعلى الرغم من محاولة المجموعة العربية لدفع الأمم المتحدة إلى اتخاذ موقف إيجابي تجاه هذه القضية، بالطبع لا يطمع أحد في أن يصل إلى درجة تحريك الجيوش الجرارة التي حركت في أفغانستان والعراق والصومال وغيرها، ولكن لعلهم كانوا يطمعون في تحرك كهذا الذي كان عندما قامت حركة طالبان في أفغانستان بتدمير تماثيل لبوذا وجدت في مناطق جبلية نائية، ويومها قامت الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، لاسيما اليونسكو بشن حملة إنقاذ للتماثيل على الرغم من أن التماثيل محرمة في دين الإسلام، كما أنها محرمة في التوراة التي بين أيدي اليهود والنصارى اليوم، ومع ذلك استعانت اليونسكو بعلماء مسلمين منهم من ناشد طالبان بالعدول عن قرارها، ومنهم من نقد طالبان وهاجمها، ومنهم من شد الرحال إلى أفغانستان واجتمع مع قادة طالبان طالباً العفو والسماح لتماثيل بوذا.
وأما فيما يتعلق المقدسات الإسلامية فالمجمع الدولي يراقب ببرود شديد ما يجري تاركاً الفلسطينيين العزل يواجهون الآلة العسكرية الإسرائيلية وحدهم، والله معهم ولن يترهم أعمالهم.
يبقى أن نسجل واقعة جديدة من آلاف الوقائع التي يكيل فها المجتمع الدولي بمكيالين، بل بعدة مكاييل: مكيال للعالم الأول، ومكيال للعالم الثاني، مكيال للعالم الثالث، ومن جهة أخرى مكيال لليهود يعطيهم الحق في الحفاظ على أن ضريح ملقى في عرض الطريق يدعون أنه لأحد حاخاماتهم، ومكيال للنصارى يعطيهم الحق في غصب أي مكان في العالم تحت ستار البحث عن أسلحة الدمار الشامل، أو ملاحقة القاعدة التي لو كانت بالحجم الذي تدعيه أمريكا لاستحقت أن تكون القوة المادية الثانية في العالم، ومكيال ثالث للأمم الأخرى من هندوس وبوذيين يتمكنون فيه من الحفاظ على عقائدهم وشعائرهم، ورغم أنها عقائد كفرية، بحسب ما هو مدون في كتب أهل الكتاب إلى الآن إلا أن الصليبية الحديثة ليست صليبية بقدر ما هي ضد الإسلام، ومن ثم تأمن هذه الأمم على أديانها، وإن لم تأمنها بالضرورة على ثرواتها.
وأما المسلمون فلهم عند القوم عدة مكاييل:
أحدها: للمسلمين المستنيرين -من وجهة نظر الغرب طبعاً- وهم الذين يمارسون أكبر قدر من تحريف الدين الإسلامي ليتماشى مع مبادئ الحضارة الغربية. وهؤلاء يمن عليهم القوم بوصف الاستنارة مع وعود عرقوب بأن جهودهم سوف يكون لها أثر في طريقة تعامل الغرب مع قضايا المسلمين.
ومنها: المكيال الذي يزن أطناناً من المتفجرات المحرمة دولياً يكال به لطالبان وأخواتها، وربما كيل به لآحاد المسلمين السذج والعزل على سبيل "الخطأ المتعمد".
والذي نود أن يدركه المسلمون (المستنيرون) أن جهودهم في تحريف الإسلام التي يسمونها تنويره لا تغير في واقع القوم من شيء في تعاملهم مع قضايا الإسلام والمسلمين.
فالواجب على المسلمين أن يتمسكوا بدينهم، وأن يأخذوا بأسباب القوة الإيمانية، ويتبعوها بأسباب القوة المادية، وما عجزوا عنه تحلوا فيه بالصبر (فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً).