كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فـ"الجماعة الإسلامية" و"الجهاد" جماعتان إسلاميتان كانتا تتبنيان القيام بعمليات مسلحة في مصر, وكان بين الجماعتين قدر من الخلاف يتسع أحياناً ويضيق في أحيان أخرى, وقد تمت بعض المراجعات على مستوى كل من الجماعتين, ولكن مع فارق جوهري وهو صدور مراجعات الجماعة الإسلامية من كافة قياداتها، ووجود منازعات داخل الفصائل المختلفة لجماعات الجهاد، ومع الدور البارز الذي أصبح للدكتور أيمن الظواهري في القاعدة, وجد كثير من أتباع هذا الفكر في الانضمام للقاعدة وسيلة لتوجيه الطاقة الجهادية التي بداخلهم.
وأما مراجعات الجماعة الإسلامية فكانت مراجعات واقعية وشرعية انتهت إلى تأصيلهم للتخلي عن فكرة الصدام المسلح, مما نتج عنه ترتيب الملف الأمني والاتجاه نحو تصفية وضع المعتقلين في السجون -بحمد الله تعالى-, ولا شك أن كتب المراجعات الأربعة التي مثلت أصل المبادرة قد استندت إلى مفاهيم سلفية في الجملة في قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراعاة المصلحة والمفسدة، والقدرة والعجز، والضرر المتعدي والضرر العام والخاص.
وكان موقف أعضاء جماعة الجهاد من مبادرة الجماعة الإسلامية هو الرفض المبدئي الذي وصل إلى درجة اعتبار التراجع عن وصف العمليات السابقة بالجهاد هو إنكار لمشروعية الجهاد بالكلية ولا يخفى الفرق بين الأمرين.
وقد أضاف هؤلاء إلى هذا الأمر أموراً وجدوا أنها تعضد رفضهم لمبادرة الجماعة الإسلامية ولأي مبادرة؛ غير إعلان وقف العمليات السابقة، منها:
بعض التهاون من بعض أفراد الجماعة بعد المبادرة بينما كانوا أكثر تمسكاً قبلها، وهذه نقطة ينبغي على قادة الجماعة الإسلامية أن ينتبهوا لها مع التسليم بأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن, ويجاب عن هذه النقطة بأن التلازم بين المبادرة والتهاون غير واضح، بل الكثيرون -بفضل الله- ما زالوا محافظين على التزامهم.
ومنها: اتساع مدى القبول للآخر عند الجماعة الإسلامية بعد المبادرة إلى قبول بعض الرموز العقلانية كالقرضاوي.
ومع أن الجماعة الإسلامية لا تقبل بكل آراء الشيخ القرضاوي إلا أنه يبدو أن تبنيهم لمبدأ المصلحة بعد أن كانوا مخاصمين له جعلهم يضعون القرضاوي في مكانة عالية على الرغم أن تطبيقه لقاعدة المصلحة يتجاوز الضوابط الشرعية السلفية لها, وهذا لعله أثمر نوعاً من التهاون لدى بعض الأفراد الذين ليست لديهم الملكة الموجودة عند القادة, وهذه قضية قد تحتاج إلى مراجعة من قادة الجماعة, إلا أنها ليست من لوازم المبادرة لكي يعلق قبول المبادرة أو رفضها عليها.
الحاصل أن مبادرة الجماعة الإسلامية ومطالبة البعض بمبادرة جهادية قد أشعل صداعاً فكرياً بين الجماعة الإسلامية والجهاد في السجون بعد ما وحدت بينهم سنوات المحنة, إلى أن استقر الأمر كالعادة بأن سار كل فريق فيما ترجح لديه، وهدأت المواجهات الفكرية حتى كانت تصريحات الدكتور أيمن الظواهري متحدثاً باسم القاعدة, والتي أعلن فيها انضمام أحد الإخوة السابقين في الجماعة الإسلامية إلى تنظيم القاعدة, والتي ألمح فيها إلى أسماء عدد آخر من رموز الجماعة الإسلامية يفهم المستمع إلى التصريح من ذلك أنهم انضموا أيضاً إلى القاعدة أو على أقل الأحوال هم من المعترضين على مبادرة الجماعة الإسلامية على رأسهم الدكتور عمر عبد الرحمن الذي ما زال أكبر رموز الجماعة الإسلامية رغم كونه سجيناً في أمريكا.
مما حدا بالجماعة الإسلامية أن تكذب الخبر على لسانها وعلى لسان من نسب إليهم ذلك الموقف وعلى رأسهم الدكتور عمر عبد الرحمن.
وقد اختلف المحللون على سبب وتوقيت هذا البيان, هل هو رد على الكتب التي نشرتها الجماعة الإسلامية بعد المبادرة تتعقب فيها تنظيم القاعدة؟ أم هو محاولة لإعادة إحياء العمل المسلح داخل مصر؟ أم ماذا؟
وهذا الاحتمال الأخير هو أخطر هذه الاحتمالات, خوفاً من أن يستدرج تنظيم القاعدة إلى أن يرث نفس ميراث جماعة الجهاد المصرية والتي استطاع الإعلام أن يحصر تعريفها عند عموم المسلمين في أنهم "قتلة الطفلة شيماء"، بل حاول الإعلام أن يلصق هذه الصفة بكل من يدعو إلى الإسلام, وأظن أن تنظيم القاعدة في حجمه الحالي وحرصه الدائم على أن يكون له خطاب إعلامي متميز يصعب أن يكرر نفس الخطأ, وإن كانت تفجيرات الرياض قد تحمل كثيراً من علامات الاستفهام في هذا الصدد.
وثمة نقطة هامة وهي أنه في زمن الفتن الذي نعيشه فإن كل اتجاه قد لا يملك القدرة على إقناع الآخر برؤيته, وفي هذه الحالة عليه أن يكل الأمر إلى الله تجنباً لحدوث مزيد من المفاسد.
وأما أن يحاول البعض أن يفرض على الآخرين رؤيته؛ فهذا أمر غير مقبول حتى وإن كان لا يرى الحق إلا فيها, ومن ثمَّ فإن محاولة إعلان الدكتور أيمن الظواهري عن وجود تيار رافض للمبادرة داخل الجماعة الإسلامية, إعلان غير سديد ـحتى على فرض وجود ذلك التيار فعلاًـ، وكان الأولى به أن يبين رأيه الشرعي ويترك كل اتجاه وما اختاره لنفسه، والله حسيب كل أحد.
ونسأل الله أن يعافي المسلمين في دمائهم وأعراضهم وأموالهم، وأن يقيهم شر الفتن، وأن يجعل بلادنا آمنة وسائر بلاد المسلمين.+