كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإننا ومنذ فترة تراودنا فكرة الكتابة تعليقاً على ارتباط البسطاء من الناس باللاعب الفرنسي الجنسية، الجزائري الأصل، المسلم الديانة "زين الدين زيدان"، إذ بدا في أنظار كثير من المسلمين رمزًا إسلامياً لا يقل روعة عن صلاح الدين -إن لم يرب عليه- بكون الأول قد مات بينما زين الدين ما زال يجاهد في ملاعب كأس العالم، ولكنا أعرضنا عن ذلك اكتفاء بما سبق نشره من مقالات لمعالجة قضية كأس العالم، مثل: "
عالمية الدعوة وكأس العالم " وغيرها، إلا أن الوتيرة قد علت بتصريح مسئول فرنسي اعتزامه وضع تمثال لزيدان في أحد الميادين الفرنسية، إذ إن زيدان يمثل العولمة على النمط الفرنسي! فازداد الأمر خطورة.
عالمية الدعوة وكأس العالم
" وغيرها، إلا أن الوتيرة قد علت بتصريح مسئول فرنسي اعتزامه وضع تمثال لزيدان في أحد الميادين الفرنسية، إذ إن زيدان يمثل العولمة على النمط الفرنسي! فازداد الأمر خطورة.
ثم إن جريدة الشرق الأوسط قد نشرت مقالاً للشيخ "عائض القرني" يثني فيه على زيدان، ويتمنى فوز فرنسا بكأس العالم من أجله، وفي ذات الوقت يتحسر على نتائج المنتخب السعودي في كأس العالم رغم الأموال الطائلة التي تنفقها الدولة على الرياضة -والحمد لله أن المنتخب المصري لم يصل أصلاً إلى كأس العالم أيضاً رغم الأموال الطائلة التي تنفقها الدولة على الرياضة-، وقد دار جدل واسع في المنتديات الإسلامية، وكان معظم الشباب رافضاً لتصريحات الشيخ عائض -والحمد لله رب العالمين-، وقال بعضهم ساخراً: "إذا كان زيدان هو أمل الأمة الإسلامية فالمصيبة أنه سيعتزل بعد كأس العالم" -وإنا لله وإنا إليه راجعون-.
وقد ذكـَّرَنا هذا بالناصر "صلاح الدين الأيوبي" -رحمه الله- ليس لمجرد تشابه اللقب مع الناصر الجديد "زين الدين الفرنسي"، ولكن لأن الآفة التي تجعلنا دائماً ننادي: "يا صلاح الدين" هي نفس الآفة التي تجعلنا نتعلق ولو بقشة "زين الدين" ألا وهي الشعور بالغرق والضياع، وضعف الثقة بالله، والنظرة السوداء إلى الحاضر، فلا نجد إلا الماضي نفر إليه وننزوي في أحداثه رافضين في ذات الوقت أن نأخذ منه العظة والعبرة، وأن نجعل من سيرة علمائنا وقادتنا نبراساً لحاضرنا، أو نتعجل أحداث المستقبل قبل أن تقع منتظرين ظهور المهدي أو انهيار أمريكا أو إسلام أوروبا عن بكرة أبيها ما بين عشية أو ضحاها، أو التمسك بأمور هي من القش، بل هي أوهى من بيت العنكبوت لمن يتأمل.
وإذا كنا نعيب على من يبالغ في المدح والثناء على لاعبي الكرة في بلادنا إذا ما أعلنوا استنكارهم لمن يحاول الإساءة إلى دينهم ورسولهم -صلى الله عليه وسلم- مع بقائهم على ما هم عليه من اللهو واللعب وبعثرة "الأموال الطائلة" التي يحتاج إليها ملايين من المسلمين على لهوهم وباطلهم، رغم أن كثيراً منهم يلتزم بالصلاة وترك الكبائر، ولكثير منهم عاطفة إسلامية لا تنكر، ولكن لا ينبغي أن تقدم على أنها هي الغاية المنشودة والمثل المرتجى!!
فكيف بهذا اللاعب الذي يصرح دائماً بأن فرنسا هي كل حياته والذي يمثل وفق تصريحاتهم نموذج العولمة على النمط الفرنسي؟!
إن الغرب لا يريد منا بالضرورة أن نرتد عن ديننا الإسلامي إلى دينهم النصراني، ولكنهم بالضرورة يريدون منا أن نرتد إلى دينهم العلماني. وراجع مقال: "الغرب علماني أم مسيحى"، وهذا "الزيدان" هو النموذج العملي لذلك كما صرحوا، فهل نستكمل المسيرة ونقدمه نحن للناس كذلك؟!
إن ما ننكره على زيدان ليس أنه لاعب كرة محترف يكسب الملايين من هذا اللهو وهو مكسب محرم عند جمهور العلماء، ولكن مشكلته الكبرى ولاؤه التام لفرنسا، ولقد ذكر بعض الشباب في المنتديات الإسلامية تصريحه بأنه لا يقيم الشعائر الإسلامية، وفوق هذا هل سمع له صوت يطالب بحقوق المسلمين في فرنسا؟!
هل يدافع عن قضية الحجاب في فرنسا وفي ألمانيا التي يقام بها كأس العالم الآن؟!
هل تكلم عن المسلمين في فلسطين؟!
هل تبرع ولو بحفنة من "الملايين" التي يمتلكها لكي نجعله قدوة للشباب؟!
وحتى لو فعل شيئاًً من ذلك أو كل ذلك، ألا يكفيه خزياً أن يكون ممثلاً لوطنه فرنسا، ولو في لعب الكرة، لاسيما بمنطق الذين يرون لعب الكرة موطناً من مواطن الشرف والنزال -كالشيخ عائض- وغيره؟!
وثمة نقطة أخرى تتعلق بالإنفاق على الكرة، هل يعد ذلك من الإنفاق الرشيد لأموال المسلمين؟!
إن من يجيز هذا سوف يتشدق بأهمية الرياضة لبناء الشباب وتأهيلهم للقيام بواجبات دينهم ودنياهم. وكان الأمر سيفيد لو كان الأمر إنفاقا على تربية عموم شباب المسلمين التربية البدنية المطلوبة، وأما أن تنفق الملايين على بعض عشرات من الشباب، يجعلون هذه مهنتهم لا همَّ لهم غيرها، بينما سائر الشباب لا يتمكنون من القدر الذي يحتاجونه لبناء أجسامهم والترويح المباح عن أنفسهم فهو مما يدخل تحت قوله: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)(النساء:5).
وأما أن يتحول الأمر إلى مسابقات ومكافآت فهو مما يدخل تحت قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ أَوْ فِي حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ) رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني، وهذا أمر مقرر عند عامة المذاهب حتى إن الأئمة الثلاثة منعوا من مسابقات القرآن بعوض عملاً بهذا الحديث خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله-، وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية قد مال إلى قول أبي حنيفة ـ وبه نقول إن شاء الله-، وإنما أردنا أن نبين إلى أي مدى التزم العلماء بهذا الحديث النبوي.
وأما أن يضاف إلى هذه المناسبات حضور النساء المتبرجات، بل البغايا المستعلنات بالبغاء لاسيما في مسابقة كأس العالم فهذا مما يزداد به الأمر فساداً، وأما أن تقام هذه المسابقات تحت شعارات الحب والإخاء والمساواة، ويعزف السلام الوطني لكل بلد، وترفرف الأعلام بما تحويه من صلبان، بل إن إسرائيل التي غابت عن كأس العالم لم يغب علمها حيث رفعه لاعب من فريق غانا ولم يرفعه إلا لكونه محترفاً في أحد أندية إسرائيل، فهذه أيضاً من البلايا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأخيراً لقد صوروا لنا "زين الدين" على أنه "صلاح الدين"، ورفضنا أن نعيش معهم هذا الحلم القبيح، ولكن الذين عاشوا معهم هذا الحلم سوف يستيقظون فيجدون أن صلاح الدين قد مات - رحمه الله رحمة واسعة-، وأن زين الدين قد اعتزل غير مأسوف على اعتزاله، ولكن الخوف أن يسعى أبناء المسلمين إلى أن يكونوا مثل زين الدين ما دام أن هذا النموذج يجمع بين ملذات الدنيا، ونصر الدين في نظر بعض الدعاة، وأن ينصرف أبناء المسلمين عن أن يكون فيهم مثل صلاح الدين الذي مللنا أيضاً كثرة نداء الخطباء عليه في المنابر، وأمامهم شباب المسلمين يمكن أن يجعل الله فيهم أكثر من صلاح الدين إذا علت الهمم، وشحذت العزائم، وصدقت النوايا.
فاللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.