كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
بدأت عداوة الشيطان للإنسان مع بدء تاريخ البشرية، فقد خلق الله -تعالى- أبانا آدم -عليه السلام- وكرمه، وعلمه ما لم يعلمه غيره، وأمر الملائكة بالسجود له، ومعهم إبليس فأبى حسداً وكبراً وتمرداً، واستحق غضب الله -تعالى- عليه وطرده من رحمته، فملأت نفسَه العداوةُ لآدم وذريته، وتمادى في تلك العداوة فتوعد آدم وذريته بالإضلال والإغواء إن أمهله الله إلى يوم يبعثون، قال -تعالى- عنه: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً)(الإسراء: 62).
ووسوس الشيطان لآدم -عليه السلام- وزوجه وكاد لهما حتى ذاقا من الشجرة التي نُهيا عنها، ولكن آدم وزوجه سارعا بالتوبة والندم والإقرار بالذنب، فغفر الله -تعالى- لهما، وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والخروج من الجنة إلى حين. وكان قصد إبليس إسقاط آدم من رتبته وإبعاده عن رحمة الله، فلم ينل مراده وخاب ظنه قال -تعالى-: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)(طـه: 122)، ولكن بقيت حياة الإنسان على الأرض صراعاً بينه وبين الشيطان.
وقد تكررت قصة أبينا آدم -عليه السلام- مع إبليس في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، تنبيهاً لبني آدم كي لا ينسوها أو يتغافلوا عنها، فيسالموا إبليس أو يهادنوه، أو ينخدعوا بكيده، وفي هذه القصة العظيمة الكثير من الدروس والعبر والفوائد التي ينبغي أن تكون عالقة بالأذهان وتستحضرها النفوس ومنها:
1- أن أول معصية ظهرت كان سببها الحسد، إذ حسد إبليسُ آدمَ، ثم الكبر، حيث تكبر إبليس عن السجود مخالفاً الأمر الرباني له بذلك، ولما لم يتب من ذلك استحق الطرد من رحمة الله.
2- أن الله -تعالى- غفور رحيم، يقبل توبة عبده وأوبتـَه، فيغفر له زلته ويتجاوز عنه.
3- أن عداوة إبليس تستدعي الحذر من الانخداع بوسوسته، وعدم تصديقه، والركون إليه.
4- أن عداوة الشيطان للإنسان عداوة دائمة لا تنقطع إلي يوم القيامة.
5- أن الحياة الدنيا حياه مؤقتة، فيها الابتلاء والاختبار، وهي صراع مع الشيطان، وبعد البعث والنشور يكون الحساب والجزاء.
6- أن الإنسان قد كتب عليه الشقاء والتعب في الدنيا، فيعمل ليسد جوعه، ويستر بدنه، أما في الجنة فلا شقاء ولا جوع ولا حرمان.
7- أن قضاء الله ينفذ لا محالة، ولا يرد.
8- أن إبليس تسبب في إبداء سوءة الأبوين في الجنة، وهو الذي يزين لبني آدم إبداء العورات في الدنيا.
9- أنه لا يُحتـَج بالقدر على المعصية، وإنما الواجب عند الذنب المسارعة إلى التوبة، وذلك بالإقلاع عن الذنب، والندم على اقترافه، والعزم على عدم العودة إليه.
10- أن من أساليب الشيطان تزيين الباطل، وذلك بإظهار الباطل في غير صورته، ليقع فيه الإنسان، فقد زين لآدم -عليه السلام- الأكل من الشجرة المنهي عنها، بزعم أنها هي شجرة الخلد (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)(طـه: 120)، فسمى الأمر المحرم بغير اسمه ليحبب آدمَ فيه خداعاً وتزويراً، وهذا دأبه -لعنه الله- كما قال لرب العزة (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(الحجر: 39-40)، وقال الله -تعالى- عنه (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ)(النحل: 63).
وهذا ما يفعله أولياء الشيطان في إضلال العباد، يسمون المحرمات بغير اسمها ويحببون العباد فيها ليجترئوا عليها، فالخمر مشروبات روحية، والربا فوائد، والرقص والغناء فن وإبداع، وخروج النساء كاسيات عاريات حرية.
11- وعود الشيطان كاذبة وأمانيه باطلة، فوعد آدم بالخلود إن أكل من الشجرة كاذباً، وكذلك يفعل مع ذريته -يعني ذرية آدم عليه السلام- لينقادوا له، فإذا أطاعوه، وجدوها وعود وأماني باطلة (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُوراً)(النساء: 120).
12- من أساليب الشيطان إظهار النصح وإرادة الخير لمن أراد أن يغويه، حيث أقسم لأبينا آدم -عليه السلام- أنه له من الناصحين المريدين له الخير (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(لأعراف: 21)، وما زال هذا دأبه ودأب أوليائه من الإنس، إظهار إرادة الخير وحقيقة الأمر إرادة الإفساد في الأرض والصد عن سبيل الله -تعالى-.
13- من أساليب الشيطان إيقاع الإنسان في الغفلة والنسيان بمواصلة الوسوسة حتى ينسى العبد ما أمره الله -تعالى- به، كما فعل مع آدم -عليه السلام- (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(طـه: 115)، وكما قال فتى موسى لموسى -عليه السلام-: (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)(الكهف: 63)، وكما قال -تعالى- في شأن من أضلهم الشيطان: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)(المجادلة: 19)، ودفع ذلك إنما يكون بذكر الله -عز وجل- الذي يطرد الشيطان، ويقطع وسوسته للعبد قال -تعالى-: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ)(الكهف: 24).
14- من أساليب الشيطان الدخول للنفس عن طريق ما تهواه، فإذا علم الشيطان عن العبد حبه لشيء، ربط اقترافه لما حُرم عليه بما يحبه ويهواه، ودخل إليه عن طريقه، فلما علم ميل أبينا آدم -عليه السلام- وزوجه إلى الخلود في الجنة لما فيها، دخل إليه من هذا الباب فقال لهما: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)(لأعراف: 20).