كتبه/ أحمد فريد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
قال الله -عز وجل-: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (فاطر:10)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري) فالمؤمن عزيز، والكافر ذليل، والمبتدع ذليل، والعاصي ذليل. ولما جهل هذه الخاطرة رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول. فقال كلمته الفاجرة في غزوة المريسيع: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وظن جهلا منه أنه العزيز، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحاشاه الله -عز وجل- من ذلك هو الذليل، لقن درساً لا ينساه أبد الدهر.
لما سمع بهذه المقالة الفاجرة عبد الله بن عبد الله بن سلول، وكان من المؤمنين الصادقين، وقف على باب المدينة، وشهر سيفه والمسلمون يمرون من تحت سيفه، فلما أراد أبوه أن يدخل قال: والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله -صلى الله عليه سلم-، وحتى تعلم من الأعز ومن الأذل. فلما استأذنوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ائذنوا له، وقد علم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون، فلا أذل لعبد الله بن أبي من أن يمنعه أقرب الناس إليه، وأبر الناس به، حتى يعي هذا الدرس.
وكان الإمام أحمد يدعو: اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك.
كان بعض السلف يقول: من أشرف وأعز ممن انقطع إلى من ملك الأشياء بيده.
قال بعض الناس: قتلني حب الشرف ــ أي طلب الرفعة في الدنيا ــ فقال له أحد العلماء: لو اتقيت الله شرفت.
وفي ذلك قيل:
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحـبك للدنـيـا هي الذل والســقــم
وليس على عبد تقي نقيـصــــة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
وقال رجل للحسن البصري أوصني: فقال له أعز أمر الله حيثما كنت، يعزك الله حيثما كنت.
ووصف بعضهم الإمام مالك فقال:
يدع الجواب ولا يراجع هيـبـة والسائلون نواكس الأذقــان
نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان
وقال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، إن ذل المعصية في رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
وهذه الخاطرة يستشعرها كل مؤمن في نفسه، فكلما وفق لطاعة الله -عز وجل- وجد العزة، والاستعلاء على الشهوات ومحبة رب الأرض والسماوات وكلما عصى الله -عز وجل-، أحس بالذلة في نفسه، كما قال بعضهم: إن العبد ليذنب الذنب سراً، فيصبح وعليه مذلته.
فنسأل الله -تعالى- أن يعزنا بطاعته، وأن لا يذلنا بمعصيته.