من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم- وجوب تعزيره وتوقيره والتأدب معه -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيل﴾ [الفتح (9)] . فالتسبيح لله تعالى وحده، والتعزير والتوقير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن كثير-رحمه الله-(4/186): « ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِد﴾ أي على الخلق ﴿وَمُبَشِّر﴾ أي: للمؤمنين ﴿ وَنَذِير﴾ أي للكافرين. ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ﴾ قال ابن عباس وغير واحد: تعظموه ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ من التوقير وهو الإحترام والإجلال والإعظام[1]. ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ أي: تُسَبحون الله بُكْرَةً وأصيلاً أي في أول النهار وآخره. ثم قال عزّ وجلّ لرسوله -صلى الله عليه وسلم- تشريفاً له وتكريماً وتعظيماً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ وهذا كقوله: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويَرَى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم فهو تعالى المُبَايَع بواسطة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ » اهـ. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إنّ هذه الآية التي في القرآن﴿ يا أيها النبي إنا أرسلنك شاهداً ومبشراً ونذيراً﴾ قال في التوراة: ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحِرْزاً للأمِّيين أنت عبدي ورسولي سَمَّيْتُك المتوكِّل ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا سخَّابٍ بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يُقيمَ به الملَّة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً) [البخاري التفسير (4838)] . وهذا دليل على مكانة الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- عند الله حيث أشاد بمكانته وصفاته في التوراة والإنجيل والقرآن. وقال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْض﴾ قال ابن كثير: عن ابن عباس كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم، فنهاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك إعظاماً لنبيه -صلى الله عليه وسلم- قال فقالوا: ( يا رسول الله يا نبي الله ) وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير. وقال قتادة: (أمر الله أنْ يُهاب وأن يُبَجَّل وأَنْ يُعظَّم وأن يُسوَّد). وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾.
* قال ابن القيم-رحمه الله- في مدارج السالكين ( 2/387-391 )[2]: وأما الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: فالقرآن مملوءٌ به. فَرَأْسُ الأدب معه: كمال التسليم له والإنقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن يُحمِّلَه معارضة خيال باطل يسميه معقولا أو يُحَمِّلَه شبهة أو شَكا أو يُقدِّمَ عليه آراء الرجال وزُبالات أذهانهم، فيُوَحِّدَه بالتحكيم والتسليم والإنقياد والإذعان كما وحَّدَ المُرْسِلَ سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذُّل والإنابة والتوكل. فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المُرْسِل-وهو الله ربّ العالمين- وتوحيدُ مُتَابَعَة الرسول فلا يُحاكَم إلى غيره ولا يُرضَى بحكم غيره ولا يَقِفُ تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يُعظِّمُه فإن أَذِنُوا له نفذه وقَبل خَبَره وإلا فإن طلب السلامة أعرض عن أمره وخبره وفوضه إليهم، وإلا حرَّفه عن مواضعه وسَّمى تحريفه: تأويلا وحملاً فقال: نؤوله ونحمله[3]. فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب على الإطلاق ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بهذه الحال (!). ولقد خاطبت يومًا بعض أكابر هؤلاء فقلت له: سألتك بالله لو قُدِّرَ أن الرسول حيٌّ بين أظهرنا وقد واجهنا بكلامه وبخطابه: أكان فرضًا علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم ؟! فقال: بل كان الفرض المبادرة إلى الإمتثال من غير التفات إلى سواه. فقلت: فما الذي نسخ هذا الفرض عنا وبأي شيء نسخ ؟! فوضع إصبعه على فيه وبقي باهتًا متحيرًا وما نطق بكلمة. هذا أدب الخواص معه، لا مخالفة أمره والشرك به[4] ورفع الأصوات وإزعاج الأعضاء بالصلاة عليه والتسليم[5] وعزل كلامه عن اليقين وأن يستفاد منه معرفة الله أو يُتلقَى منه أحكامه بل المعول في باب معرفة الله: على العقول المُتَهوِّكَة المتحيرة المتناقضة. وفي الأحكام: على تقليد الرجال وآرائها، والقرآن والسنة إنما نقرؤهما تبركًا لا أنَّا نتلقى منهمَا أصول الدين ولا فروعه ومن طلب ذلك ورامه عاديناه وسَعينَا في قطع دابره واستئصال شأفته ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ [المؤمنون:63-74] [6]. والناصح لنفسه العامل على نجاتها: يتدبر هذه الآيات حقّ تدبرها ويتأملها حقّ تأملها ويُنـزِّلُها على الواقع: فيرى العجب ولا يظنها اختصت بقوم كانوا فبانوا، فالحديث لك واسمعي يا جارة والله المستعان. ومن الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو وينهى ويأذن كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات:1] . وهذا باقٍ إلى يوم القيامة ولم يُنْسَخ فالتقدم بين يدي سُنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم. قال مجاهد -رحمه الله-: «لا تفتاتوا على رسول الله». وقال أبو عبيدة: «تقول العرب لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب أي لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه». وقال غيره: «لا تأمروا حتى يأمر ولا تنهوا حتى ينهى». ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا تُرفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال فما الظنُّ برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به ؟! أترى ذلك موجبا لقبول الأعمال ؟! ورفع الصوت فوق صوته موجبًا لحبوطهَا. ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يُجعل دعاءه كدعاء غيره قال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْض﴾ [النور:63] وفيه قولان للمفسرين: أحدهما: أنكم لا تدعونه باسمه كما يدعو بعضكم بعضًا بل قولوا: يا رسول الله يا نبي الله فعلى هذا: المصدر مضاف إلى المفعول أي دعاءَكم الرسول[7]. الثاني: أن المعنى لا تجعلوا دعاءه لكم[8] بمنزلة دعاء بعضكم بعضًا إن شاء أجاب وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بُدٌّ من إجابته ولم يسعكم التخلف عنها ألبتَّة فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل أي دعاؤه إياكم . ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع من خطبة أو جهاد أو رِبَاط لم يذهب أحد منهم مذهبًا في حاجته حتى يستأذنه كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ [النور: 62] فإذا كان هذا مذهبًا مقيدًا بحاجة عارضة لم يُوَسَّع لهم فيه إلا بإذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدِّينِ: أصوله وفروعه دقيقه وجليله هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذانه ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43] و [الأنبياء:7] . ومن الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-: أن لا يُستشكل قوله بل تستشكل الآراء لقوله ولا يعارض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ولا يُحَرَّفُ كلامُه عن حقيقته لخيال يُسمِّيه أصحابه معقولا (!) نعم هو مجهول وعن الصواب معزول ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحدٍ فكل هذا من قلَّة الأدب معه وهو عين الجرأة -والعياذ بالله تعالى-. وأما الأدب مع الخلق: فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم، فلكل مرتبة أدب والمراتب فيها أدب خاص: فمع الوالدين: أدب خاص وللأب منهما: أدب هو أخص به. ومع العالم: أدب آخر. ومع السلطان أدب يليق به. وله مع الأقران أدب يليق بهم. ومع الأجانب أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أُنْسِه. ومع الضَّيف أدب غير أدبه مع أهل بيته. ولكل حال أدب: فللأكل آداب وللشرب آداب وللركوب والدخول والخروج والسفر والإقامة والنوم آداب وللبول آداب وللكلام آداب وللسكوت والاستماع آداب. وأدب المرء: عنوان سعادته وفلاحه[9]. وقِلَّة أدبه: عنوان شقاوته وبواره؛ فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب ولا استجلب حرمانها بمثل قِلَّة الأدب[10]. فانظر إلى الأدب مع الوالدين: كيف نَجَّى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة، والإخلال به مع الأم تأويلاً وإقبالاً على الصلاة كيف امْتُحِنَ صاحبه بهدم صومعته وضرب الناس له ورميه بالفاحشة. وتأمل أحوال كل شقي ومغتر ومدبر: كيف تجد قِلَّة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان. ومن الواجبات التي افترضها الله وأوجبها علينا، ومن حقوق رسول ربنا علينا؛ طاعته واتِّباعه واتِّباع ما جاء به من عند الله تعالى قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران (31)] فاتِّباع هذا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يُحقِّقُ أمرين عظيمين أولهمَا محبة الله لنَا، وثانيهمَا مغفرة ذنوبنَا بعفوه عنَا ورحمته بنَا. ثم أتبع هذا بقوله عز وجل: ﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ فطاعة الله ورسوله فيهما السعادة في الدنيا والآخرة، والتولي عن طاعتهما استكباراً وعناداً كفر بالله يوجب غضب الله وعداوته وعذابه الأبدي في نار أعدَّها الله للكافرين-عياذاً بالله تعالى-. والآيات في وجوب طاعة رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- كثيرة جداً بلغت بضعةً وثلاثين آية كما قال الإمام أحمد -رحمه الله- منها ما سلف. ومنها قوله تعالى-بعد تحريم الخمر والميسر وأن الشيطان إنما يريد بتعاطيهما إلقاء العداوة والبغضاء بين المؤمنين بالله والصَّدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة- قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾. ففي هذه الآية أمر بطاعة الله ورسوله والإنقياد لهما وتحذير من مخالفتهما ووعيد شديد لمن يتولى عن طاعتهما. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال (20-22)] . ففي هذه الآيات ذم شديد لمن لا يطيع الله ورسوله ويَدَّعِي السمع والطاعة وهو كاذب وتحذير شديد من مشابهة هذا الصنف من الصم البكم الذين لا يعقلون. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال24-25] يأمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الجامعتين هذه الأمة بالإستجابة لما يدعو إليه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- من الحياة الحقيقية وإلى ما يسعدها السعادة الأبدية من العلم النافع والأعمال الصالحة ومن العقائد الصحيحة والأخلاق العالية من الصدق والبر والإحسان والعدل والبعد عن الظلم والفواحش والكذب والأمور التي تُوقِعُ في الفتن العامة المهلكة والموقعة في الضلال والشقاء في الدنيا والآخرة. فَيَا وَيْحَ قوم يسمعون مثل هذه التوجيهات الربَّانية التي تدعو إلى كل خير وسعادة وتحذر من كل شر ومن كل أسباب الشقاء فلا يفقهون ولا يعملون. ويا سعادة أقوام يفقهونها ويعملون بها. اللهم اجعلنا منهم بمنك وفضلك وكرمك. ومن حقوق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على أمة الإسلام الإحتكام إليه في كل أمر يختلفون فيه من العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات وسائر شئون الحياة. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيل﴾ [النساء:59] [11]. وقال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيم﴾ [النساء (65)] . يُقسم الله عزّ وجلّ بذاته المقدسة أن الناس لا يؤمنون حتى يحكموا رسول الله في كل ما يقع بينهم من الخلافات في كل المجالات، ولا يكتفي بمجرد التحكيم بل لا بُدَّ أن لا يوجد شيء من الحرج في نفوس المتحاكمين، وحتى يحصل منهم التسليم الكامل، فَيَا وَيْل من لا يرضى الإحتكام إلى هذا الرسول الكريم ولا يستسلم لحكمه بنفس راضية مطمئنة منقادة. وقال الله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف 157-158] بيَّن الله سبحانه في هاتين الآيتين أموراً عظيمة منها ميزات الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وميزات شريعته التي جاء بها وسماحتها للناس جميعاً منذ بعثه الله إلى يوم القيامة: 1- فانظر إلى مكانة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والإشادة به في التوراة والإنجيل. 2- وتأمَّل مزاياه ومزايَا شريعته العظيمة والإشادة بهما في التوراة والإنجيل: - فمنها: الأمر بالمعروف الذي يشمل الدعوة إلى التوحيد والعقائد الصحيحة من الإيمان بالنبوات والبعث والجزاء والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته والأخلاق العالية إلى سائر ما تتناوله هذه الكلمة الجامعة. - ومنها: النهي عن المنكر ويشمل النهي عن الشرك والبدع والضلال والفسوق والعصيان والفواحش ما ظهر منها وما بطن. - ومنها: الرحمة والسماحة في التشريع والحكمة فيه بوضع الآصار والأغلال التي كانت على اليهود وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث مثل الخمر ولحم الخنزير والميسر والميتة و الزِّنا، ويتبعها تحريم كل ما يضر بالدين والعقل والنفس والمال والعرض. - ومنها: مدحٌ لما جاء به بأنَّه هدى ونورٌ من عند الله. - ومنها: الوعد العظيم بالفلاح وهو الفوز الأعظم لمن عزَّروا هذا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه. - ومنها: بيان عموم رسالته ودعوته للناس جميع[12] أَسْوَدِهم وأَحْمَرِهم وأَبْيَضِهم؛ دعوتهم إلى توحيد الله وعبادته. - ومنها: أمر الله الناسَ جميعاً بالإيمان به وبرسوله -صلى الله عليه وسلم- واتِّباعه لعلَّهم يهتدون إلى ما يُرضي ربَّهم ويُسعدهم. - وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور 47-54] ففي هذه الآيات بيان لحال المنافقين ومن في قلوبهم مرض: فهم يَدَّعون الإيمان بالله والرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن الأحوال الطارئة والمناسبات الجادَّة التي تُبيِّن الغَثَّ من السَّمين والصادقين من الكاذبين تفضح وتكشف زَيْفَ دعاواهم وتُبيِّن كذبهم ونفاقهم ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ فيُعرضون عن طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والإستجابة والإنقياد لما يحكم به إذا كانوا يرون أنَّه عليهم ويُبادرون إلى الطاعة والإستجابة إذا كان الحق لهم: لا طاعةً ولا إيماناً ولا حبًّا للحق ولكن لأنَّ الحكم لصالحهم. وماَ أكثر من يحصل له هذا من ضُعَّاف الإيمان فضلاً عن المنافقين -فنعوذ بالله من هذه الحال-. ومنها بيان حال المؤمنين الصادقين ﴿إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ أنَّه السَّمع والطاعة والإنقياد لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- والرضى بذلك والتسليم الكامل بدون حرج، ولو كان في النَّفس أو المال أو الولد فجزاؤهم عند الله أنَّهم هم المفلحون الفائزون برضى الله وجزائه العظيم وأنَّهم هم المهتدون، كلُّ ذلك بسبب إيمانهم الصادق وعملهم الصالح ومنه طاعتهم لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- والرضى باطناً وظاهراً بحكمه في أمر الدِّين والدنيا. - يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-في المجموع (27/425-426): «والرسول -صلى الله عليه وسلم- له حَقٌّ لا يَشْرَكُه فيه أحد من الأمة، مِثل وجوب طاعته في كل ما يوجب ويأمر، قال تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ [النساء:80] وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ﴾ [النساء: 64] . ولهذا كانت مبايعته مبايعة لله،كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [الفتح:10] ، فإنهم عاقدوه على أن يطيعوه في الجهاد ولا يَفِرُّوا وإن ماتوا؛ وهذه الطاعة له هي طاعة لله» اهـ. من حقوقه -صلى الله عليه وسلم- محبته أكثر من النفس والمال والولد قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة (23-24)] . - قال العلامة السعدي-رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله وعلى تقديمهما على محبة كل شيء وعلى الوعيد الشديد والـمَقْت الأكيد على من كان شيء من هذه المذكورات أحبَّ إليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله، وعلامة ذلك أنه إذا عُرِضَ عليه أمران أحدهما يحبه الله ورسوله وليس لنفسه فيه هوى والآخر تحبه نفسه وتشتهيه ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوباً لله ورسوله أو يُنقصه فإنه إن قدَّم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله، دَلَّ ذلك على أنه ظَالِـمٌ تَارِكٌ لما يَجِب عليه» اهـ. وعلينا أن يكون الرسول أحب إلينا من أنفسنا وآبائنا وأبنائنا وأهلينا وأموالنا كما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:( والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أَحَبَّ إليه مِن وَلَدِه ووالده والناس أجمعين ) رواه البخاري ومسلم وفي لفظ لمسلم: ( وأهله وماله ). وفي البخاري عن عبد الله بن هشام أنه قال: ( كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر ابن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأَنْتَ أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك). فقال له عمر: فإنَّك الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : الآن يا عمر ). وفي الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ( أنا أولىَ بكل مُؤمن مِن نفسه ). - قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: «وذلك أنه لا نجاة لأحد من عذاب الله، ولا وصول له إلى رحمة الله، إلا بواسطة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ بالإيمان به ومحبته وموالاته واتباعه. وهو الذي ينجيه الله به من عذاب الدنيا والآخرة. وهو الذي يوصله إلى خير الدنيا والآخرة. فأعظم النعم وأنفعها نعمة الإيمان، ولا تحصل إلا به -صلى الله عليه وسلم-، وهو أنصح وأنفع لكل أحد من نفسه وماله. فإنه الذي يخرج الله به من الظلمات إلى النور، لا طريق له إلا هو وأما نفسه وأهله فلا يُغْنُون عنه من الله شيئًا» اهـ [13]. ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم- على أمته أن يُصلُّوا ويُسلِّمُوا عليه كما أمرهم الله بذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيم﴾. قال البخاري -رحمه الله- قال أبو العالية: «صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء» وقال ابن عباس: يصلون يُبـرِّكُون[14]. قال ابن كثير-رحمه الله-: «والمقصود من هذه الآية أنَّ الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العَالَمَيْنِ العلوي والسفلي» اهـ. كيفية الصلاة التي علمنا رسول الله أن يُصَلَّى عليه بها روى البخاري عن الصحابي الجليل كعب بن عجرة-رضي الله عنه- قال: ( قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك ؟ قال: قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) [الصحيح حديث 4797] . وعن أبي سعيد قال: قلنا: يا رسول الله: هذا التسليم فكيف يصلى عليك ؟ قال: قولوا: ( اللهم صَلِّ على محمد عبد ك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم، قال أبو صالح عن الليث على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ). حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد وقال: ( كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ) [الصحيح حديث (4798)] . وعن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال: ( قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) [البخاري الأنبياء (3369) ومسلم الصلاة (407) وأحمد (5/424)] . وعن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: (أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك ؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم) [مسلم الصلاة (405) ورواه أبو داود الصلاة (980) ورواه الترمذي والنسائي والشافعي في مسنده] . حكم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هي مشروعة في مواطن كثيرة، وتجب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير على الراجح من الأقوال. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذه الأحاديث ( 7/460): «ومن ها هنا ذهب الشافعي-رحمه الله- إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله في التشهد الأخير فإن تركه لم تصح صلاته. وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يُشَنِّعُ على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة ويزعم أنه قد تفرَّد بذلك[15]. وحكى الإجماع على خلافه [16] أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم فيما نقله القاضي عياض وقد تعسَّف القائل في رده على الشافعي وتَكَلَّف في دعواه الإجماع في ذلك وقال مالم يحط به علما؛ فإنه قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة كما هو ظاهر الآية ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو مسعود البدري وجابر بن عبد الله ومن التابعين: الشعبي وأبو جعفر الباقر ومقاتل بن حيان، وإليه ذهب الشافعي لا خلاف عنه في ذلك ولا بين الصحابة أيضاً، وإليه ذهب الإمام أحمد أخيراً فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي وبه قال إسحاق بن راهويه والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي. .. والغرض أنَّ الشافعي -رحمه الله- لقوله بوجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة سلف وخلف كما تقدم ولله الحمد والمنة، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا حديثاً ولا قديماً والله أعلم» اهـ [17]. ثم ذكر ابن كثير أحاديث تؤيد القول بوجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير وتُستَحَب في التشهد الأول وفي ذلك اختلاف بين العلماء. وهناك مواطن يُشرَع فيها الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ". منها: 1- آخر القنوت. 2- الصلاة على الجنازة. 3- في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين. 4- بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة. 5- عند الدعاء. 6- عند دخول المسجد والخروج منه. 7- عند اجتماع القوم قبل تفرقهم. 8- عند ذكره -صلى الله عليه وسلم- واختلف في وجوبها. 9- عند الفراغ من التلبية. 10- عند القيام من المجلس. 11- عند كتابة اسمه -صلى الله عليه وسلم-. 12- عند خطبة الرجل المرأة في النكاح. وذكر أشياء منها مالا يثبت فيها دليل وقد تبين ضعف بعضها. هذه بعض حقوقه علينا -صلى الله عليه وسلم- من حبِّه وتعظيمه وطاعته ومعرفة منزلته عند الله سبحانه، لكن هذا لا يدفعنا إلى الغلوِّ فيه؛ فَنَصِفُهُ بِصفات الله تعالى الله أو أن نُشرَكه مع الله سبحانه في الدعاء وما شاكل ذلك؛ فإنَّ هذا هدمٌ لرسالته -صلى الله عليه وسلم- وخروجٌ عن منهجه ومخالفةٌ له وإهانةٌ لمنـزلته -صلى الله عليه وسلم- لأنَّك تُخالفه بذلك وتَعصيه فادَّعاء أنَّه -صلى الله عليه وسلم- يَعلم الغيب ويَتصرَّف في الكون ويُوزِّع الجنَّة... هذه كلُّها أكاذيب ليس لها أصلٌ لا في الكتاب ولا في السنَّة فنحن نؤمن بالكتاب والسنَّة وما تضمَّناه من عقائد وعبادات وتعظيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووجوب طاعته ومحبَّته وموالاته ولا نخرج قِيدَ شِبرٍ عن هذه التعاليم بل قيد أنملة؛ وإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُحارب الغلوّ فعلينا أن نُحاربه تأسياً به واقتداءً به -صلى الله عليه وسلم- ويحسُن أن أذكر ههنا: * حمايته -صلى الله عليه وسلم- لجناب التوحيد ومحاربته للغلو قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيل﴾ [النساء : 171] وقال سبحانه: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ﴾ [المائدة:77] وقال -صلى الله عليه وسلم-: ( يا أيها الناس إيَّاكم والغُلو في الدين فإنه أهلك مَن كان قَبلكم الغلو في الدِّين)[رواه النسائي وابن ماجه وهو صحيح]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: ( لا تَطْرُونِي كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله ) [البخاري (3261)] . وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال قال أبي: (انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: أنت سيدنا. فقال: ( السيد الله ) فقلنا وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً. فقال قولوا قولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينَّكم الشيطان ) [رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وهو صحيح[18] . ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم- على الأمة الإسلامية احترام أصحابه وأهل بيته وزوجاته y وموالاتهم وبيان فضائلهم ومزاياهم العظيمة والذَّب عن أعراضهم وبيان مكانتهم عند الله وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم- وخيار هذه الأمَّة. قال الله تعالى في شأنهم: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران:110] وقال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم﴾ [الفتح:29] وقال سبحانه: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُمْ مَّنْ أَنفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد:10] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( لا تَسُبُّوا أصحابي فَلَوْ أنَّ أحدكم أَنْفَقَ مِثل أُحد ذهباً ما بَلَغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَهُ ) [رواه البخاري (3470)] . وقد أُلِّفَتِ الكتبُ في بيان فضائلهم ومزاياهم وأشاد بهم العلماء في كتب العقائد ومن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في العقيدة الواسطية (ص43-45): «ويَتَبَرَئُون مِن طريقة الروافض الذين يُبغضون أهل البيت بقول أو عمل ويُمسكون عَمَّا شَجَرَ مِن الصحابة، ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زِيدَ فيه ونقص وغُيِّر عن وَجهِهِ، والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أنَّ كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إنْ صَدَر حتى إنهم يُغفر لهم من السيئات ما لا يُغفر لمن بعدهم لأنَّ لهم مِن الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنهم خَير القرون وأن الـمُدَّ مِن أحدهم إذا تَصَدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبًا ممن بعدهم، ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غُفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي هم أحقّ الناس بشفاعته أو ابتلي ببلاء الدنيا كُفِّرَ به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور، ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نَزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح، ومَن نَظَرَ في سيرة القوم بِعِلم وبَصيرة وما مَنَّ الله عليهم به مِن الفضائل عَلم يقينًا أنهم خَير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله» اهـ كلامه-رحمه الله تعالى-. أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا احترام هذا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ومحبَّته واتِّباعه وأن يُثبِّتنا على ذلك وأن يُوفِّق الأمَّة الإسلامية جميعاً أن تجتمع على كلمة الحقِّ على كتاب ربِّها سبحانه وعلى سنَّة نبيِّها -صلى الله عليه وسلم- وأن يُعِزَّها الله ويُكرمها بهذا الدِّين الحقّ الذي أعزَّ الله به محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأظهرهم الله على مِلَلِ الكفر كلِّها كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة 33] نسأل الله أن يُوفِّقهم وأن يُهيِّأ لهم دعاةً مخلصين لا يريدون بدعوتهم إلا وجه الله تعالى ولا يريدون إلا نفع المسلمين وإنقاذهم ممَّا هم فيه من الضياع والذلِّ والهوان. وواللهِ ثُمَّ واللهِ لا نجاة لهم مِن دوَّامة الذلِّ إلا أن يعودوا إلى كتاب الله وسنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عقائدهم وعباداتهم وسائر شؤون حياتهم. والله أعلم وصلَّى الله على نبينَا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً. [1] نعم فقدنا شخصه صلى الله عليه وسلم فيجب أن نحترم سنَّته -فكأنَّه حاضرٌ بين أيدينا- فنُوَقِّرُ سنَّته ونُعّظِّمُها توقيراً له وتعزيراً له صلى الله عليه وسلم . [2] أحببتُ أن أسجله في هذا البحث بطوله لنفاسته ولنستفيد وإخواننا منه . [3] وهذا ما يفعله للأسف كثيرٌ من الفرق في كثير من أبواب العقائد وكذا أبواب التشريع . [4] أي شرك المتابعة . [5] وهو فعل الصوفية الذين يرفعون أصواتهم بالصلاة وهم يرقصون و ... ولكن القرآن والسنَّة في وادٍ وهم وعقائدهم ومناهجهم في وادٍ آخر (!) . [6] هذه الآيات في حقِّ الكفَّار، ولأهل الباطل والبدع والأهواء نصيبٌ من هذه الآية، وإن كنَّا لا نكفِّر الفرق لكن والله لهم حظٌّ من هذه الآيات فليتقوا الله في أنفسهم وليُحكموا الله وكتابه ورسوله في أمور حياتهم دينهم ودنياهم . [7] أي إذا ناديتموه فلا تجعلوه كنداء بعضكم بعضاً . [8] أي حينما يدعوكم ويُناديكم . [9] إذا وجدتَ شخصاً مؤدبًا فاعلم أنَّ هذا من عنوان سعادته وفلاحه: أدبٌ مع الله تعالى وأدبٌ مع رسوله صلى الله عليه وسلم وأدبٌ مع الناس، ليس المقصود بالأدب المجاملة والنفاق، لا بل الأدب أن يكون له خُلُقٌ صحيح يُسَيطِرُ على قلبه ومشاعره في الطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وتصديق أخباره ... ،ومع الناس على أحسن حالٍ من الأخلاق والأدب. [10] وقلَّة الأدب علامة على الشقاء-عياذاً بالله تعالى- فنحاول أن نهذِّب أنفسنا وأن نُربيَها على الطاعة لله سبحانه وعلى حُبِّ الله وحُبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم واحترام كتابه جلّ وعلا وعلى احترام سنة نبيه صلى الله عليه وسلم واحترام المؤمنين والتخاطب معهم بالأدب والحكمة والتعامل معهم كذلك؛ فالآن ترى كثيراً من شباب الساحة كيف آدابهم ؟! لأنَّه لا يوجد مربِّين تربية إسلامية صحيحة؛ فهم يربُّون على الأحزاب، على الطرق ...لا يربُّون على كتاب الله وسنَة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الأنبياء وسير الصالحين وأئمة الحديث وغيرهم؛ فالتربية اختلفت تماماً فلهذا ترى استهتاراً بالعلماء واستهتاراً بالسنَّة ... ومخازي لا أوَّل لها ولا آخر. [11] أقول : لو كانت هذه الفرق تُحكِّم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم هل يبقى الخلاف ؟ لا يبقى أبداً ولكن فيهم إعراضٌ عن تحكيم الله عزَّ وجلَّ وعن تحكيم رسوله صلى الله عليه وسلم -فنعوذ بالله من هذا البلاء- . [12] وهناك أدلَّة على شمول رسالته صلى الله عليه وسلم للجنِّ . [13] المجموع (27/426) . [14] وهو عائدٌ إلى المعنى الأوَّل (الدعاء) . [15] لأنَّهم لا يرون وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد . [16] أي على خلاف قول الشافعي-رحمه الله- . [17] وابن القيم-رحمه الله- ادَّعى الإجماع في كتابه ( جلاء الأفهام ) على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد ولا خلاف بين الصحابة في ذلك؛ والحق والراجح ما قاله الشافعي من وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير وهو مما يكاد أن يكون إجماعاً . [18] فهذا كلامٌ حقُ فهو سيِّدهم وابن سيِّدهم لكن خاف صلى الله عليه وسلم أنَّه إذا اندفع الناس في هذا المجال أن يصلوا إلى ما وصل إليه بنو إسرائيل من الغلو في بعض أنبيائهم كما غلت اليهود في عزير صلى الله عليه وسلم وكما غلت النصارى في عيسى صلى الله عليه وسلم؛ فَزَجَرَهُم صلى الله عليه وسلم وإن كان كلامهم حقٌّ لكن يترتَّب عليه ما يترتَّب من المفاسد. فالغلو في الأنبياء وغيرهم أو في العبادة أو غير ذلك فيه إخلال بالتوحيد في الربوبية والألوهية - الذي هو أعظم حقوق ربِّ العالمين- ومن هنا تجد أنَّ الله تعالى يُحذِّر من الغلو ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُحذِّر منه ويُبيِّن أنَّ فيه الهلاك والمؤمن العاقل يضعُ كلَّ شيءٍ في موضعه ويُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه من غير إطراء ولا جفاء على شريعة وسط: فيُعطي الله حقَّه ويُعطي الأنبياء حقَّهم والملائكة حقَّهم والصالحين حقَّهم والمؤمنون حقَّهم والوالدين حقَّهم ... بدون إفراط ولا تفريط