كتبه/ أحمد فريد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
الأنبياء هم الذين اصطفاهم الله لنفسه، ورباهم على عينه، وحلاهم بالفضائل، وخلاهم من القصور والرذائل (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)، وانظر إلى كريم شمائلهم، وعظيم خُلُقهم في قول إبراهيم -عليه السلام- لأبيه، بعد أن قال له: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)، فكان رد إبراهيم: (قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا)، يدرأ بالحسنة السيئة، أخلاق المحسنين.
وانظر إلى يوسف -عليه السلام- وقد ألقاء إخوته في الجب، وبِيِع بَيْعَ الرقيق بدراهم معدودة، وجرى عليه من الفتنة في بيت العزيز، ثم لبث في السجن بضع سنين، فلما رفعه الله -تعالى- وبوأه خزائن الأرض، ودخل عليه إخوته دخول الفقراء المحتاجين يسألون الصدقة (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) ، فقال لهم: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
وهذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وقد آذاه أهل مكة، وعذبوا أصحابه بكل ألوان العذاب، لما ظفر بقومه، ودخل مكة فاتحاً عزيزاً كريماً، مَنَّ عليهم.
إنها أخلاق الأنبياء الذين أمرنا الله -تعالى- أن نقتفي آثارهم، وننسج على منوالهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ).
وقد رفع الله -تعالى- الأنبياء والرسل، وأعلى درجاتهم كما قال -تعالى-: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) إشارة إلى علو درجة جميع الرسل، فهم أشرف الخلق نسباً، وأكملهم خلقاً، وهم منزهون عن النقائص الخِلْقية والخُلُقية، وعن الإصابة بالأمراض المنفرة كالبرص والجذام.
أوجب الله على المسلمين محبة جميع الرسل، والإيمان بهم، والاهتداء بهم. والكفرُ بواحد منهم كفرٌ بجميعهم كما قال -تعالى-: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)، وقد أُرْسِل إليهم نوحٌ وحده -عليه السلام-، ولكن دعوتهم واحدة كما قال -تعالى-: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلي دائماً منار الأنبياء الكرام تأصيلاً لهذا الأصل الأصيل، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى). لم يكن ذلك على سبيل الشك أو الشرك. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي) إشارة إلى شرف يوسف -عليه وعلى نبينا الصلاة السلام-، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ولا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متى) مع أنه -صلى الله عليه وسلم- سيد الأولين والآخرين، فقيل إنما قال ذلك على سبيل التواضع، وقيل في أصل النبوة، كما قال -تعالى-: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)، ورتبة النبوة وهبية لا كسبية، فلا يمكن لأحد أن يصل إلى هذه الرتبة بالرياضة والمجاهدة، وكثرة العبادة، كما قال بعضهم:
ولا تنـــال رتبــــــــــــة النبوة
بالكسب والتهـــذيب والفتوة
لكنها فضل من المولى الأجل
لمن يشأ من خلقه إلى الأجل
ينبغي كذلك أن نعتقد أن أفضل الأنبياء هم الرسل، وأن ربتة النبوة أعلى من رتبة الولاية، وأن رتبة الرسالة أعلى من رتبة النبوة، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسول، وهذا خلاف اعتقاد الصوفية الذين يقولون:
مقام النبوة في برزخ
فُوَيْقَ الرسول ودون الولي
وهذا من الجهل البليغ، لأن النبي لابد أن يكون ولياً، وعكس الولاية العداوة، فهل يتخذ الله -عز وجل- نبياً من أعدائه، فالنبي ولي ونبي، والرسول ولي ونبي ورسول، الشيعة أيضاً يعتقدون أن أئمتهم الاثني عشر في مرتبة لا يصل إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل.
ينبغي كذلك أن نعتقد أن أفضل الرسل خمسة ذكرهم الله -عز وجل- في آيتين من كتابه، وهم: محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى -صلى الله عليهم وسلم-، وأن أفضلهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، يليه في المرتبة إليهم الخليل أبي الأنبياء وإمام الحنفاء، ورتب ابن كثير -رحمه الله- موسى الكليم بعد إبراهيم الخليل، ولم يرتب العلماء بقية أولي العزم من الرسل.