كتبه/ سعيد السواح
أيها الحبيب:
هل راقبت خواطرك في يوم ما؟ هل أبصرتها؟
هل راقبت هؤلاء الملائكة الذين يوكلهم الله تعالى بكتابة ما يصدر منك؟
هل أكرمتهم، فإنهم والله كرام كاتبون؟
فيا أيها الحبيب:
لقد أمرنا الله بمراقبته في السر والعلن، فهو المطلع على بواطننا كما يطلع على ظواهرنا، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:16-18).
أتعلم أيها الحبيب أنك مؤاخذ بما تتكلم به، فكل ذلك يسطر عليك في كتاب تراه منشوراً عليك يوم القيامة، (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء:14).
قد يخطر ببالك أيها الحبيب، ونظن أنه باستطاعتك أن تعترض على هذه الكتابة، ولعلك تقول أنا لم أفعل ولم أفعل، فما بالك لو أقام الله تعالى من نفسك (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يّـس:65)، عند ذلك تقول لجوارحك: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (فصلت:21-23)، وكما قال سبحانه: (يوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران:30).
فلتعلم أيها الحبيب أن الله يعلم ما نسر وما نعلن، بل وما توسوس به النفوس، فهو سبحانه أقرب للإنسان من أقرب شيء في الإنسان، فهذا يدعوك إلى مراقبة خالقك في كل ما يصدر منك من قول أو فعل أو حركة أو سكنة (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف:80)ٍ، واسمع إلى قول ربك: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار:12)،فتكرم ملائكة الرحمن الذين وكلهم الله بحفظ عملك، وإياك أن تؤذيهم، فما يستحقون منك إلا أن يروا كل عمل صالح، ولتخفِ هذا القبيح عنهم، فإنهم والله ليتأذون من ذلك، فلتكرم عباد الله المكرمين.
ولتشهد قلبك مشهد علم الله المحيط، فهو سبحانه قد أحاط بكل شيء علماً، فلا يعزب عنه سبحانه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ويعلم ما يقر في البحر، وما كان تحت الجبال، وما تحت الأرض فهو يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، كما أنه -سبحانه- يعلم ما ينزل من السماء وما يعرج منه، فأنت تعامل رباً يعلم خائنة الأعين وما تخفي هذه الصدور،
وانظر أيها الحبيب إلى لقمان -عليه السلام-، وهو يعلم ولده كيف يراقب ربه في كل شيء حتى خواطره (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان:16). فإذا علم الإنسان ذلك أسرع في حراسة خواطره وإرادته وجميع أحواله وعزماته وجوارحه، لعلمه ويقينه أن حركاته الظاهرة والباطنة وخواطره وإرادته وجميع أحواله ظاهرة مكشوفة لديه علانية بادية لا يخفى عليه منها شيء .
فسبحانه سبحانه! ما أعظمه! وما أرحمه! وما أحكمه! فلا إله إلا الله، ولا رب سواه، نعبده ونتوكل عليه، فهو نعم المولى ونعم النصير.