عبد المنعم الشحات
كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن لشهر شعبان عند الله تعالى فضيلة، فقد جعله الله نفحة من نفحاته، ومضمارًا للتسابق بين عباده إلى مرضاته، ولعظيم فضله رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه إلا قليلاً، ففي الصحيحين ِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت (ْكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ) وفي رواية انفرد بها مسلم قالت (كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيل)، وعند أبي داود بسنده عن أم سلمة -رضي الله عنها- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ)صحيح ( صحيح أبي داود: 2336)
وطريقة الجمع بين هذه الروايات أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم أغلبه، قاله ابن المبارك، واختاره ابن حجر حيث قال: "وهو الصواب لأن أولى ما تفسر به الرواية رواية أخرى" فتح الباري: 4/252
ويستدل بهذه الأحاديث أيضًا على أن أفضل الصيام بعد رمضان شهر شعبان، لمواظبته -صلى الله عليه وسلم- على صوم أكثر شهر شعبان، ويحمل حديث: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) على التطوع المطلق، والله أعلم.
والحكمة من صومه -صلى الله عليه وسلم- أكثر شهر شعبان:
أولا: كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شغل عن الصيام أشهرًا، فيجمع ذلك في شعبان ليدركه قبل صيام الفرض.
ثانيًا: أنه فعل ذلك تعظيمًا لرمضان، فهو صوم بمثابة السنة لفرض الصلاة قبلها تعظيمًا لحقها.
ثالثا: أنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب -صلى الله عليه وسلم- أن يرفع عمله وهو صائم.
قال ابن القيم في تهذيب السنن: من فضائل هذا الشهر الكريم:
ترفع فيه الأعمال إلى الله -عز وجل- (فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) حديث حسن رواه النسائي (صحيح الترغيب).
فالأعمال ترفع إلى الله -عز وجل- كل يوم إجمالا وتفصيلا كما في الصحيحين: (يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل) وكذلك ترفع إليه أعمال الجمعة في يومي الاثنين والخميس، لذلك كل -صلى الله عليه وسلم- يصومهما، وترفع إليه أعمال السنة في شهر شعبان.عون المعبود 7/72
فيه ليلة النصف:
وهي ليلة عظيمة شريفة كريمة، ينزل فيها الرب العظيم -جل وعلا- نزولا يليق بجلاله وكماله)ِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) إلى سماء الدنيا فيغفر لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن كما صح الحديث بذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن.)
قال العلامة الألباني -رحمه الله-: ما ورد في فضلها من الأحاديث، وإن كانت مفرداتها ضعيفة الأسانيد، فبعضها يقوي بعضًا، ولكن ليس في الشرع ما يدل على خصوص إحيائها. مساجلة علمية ص41
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين أحاديث نزول الرب –تعالى- كل ليلة، فحديث ليلة النصف مطلق، وحديث كل ليلة مقيد بالثلث الأخير من الليل.
وفسرت المشاحنة إما لعموم المسلمين، وهذا صحيح، والواجب أن يكون صدر المسلم سليمًا لإخوانه، وإن نزغ الشيطان نزغًا فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليدفع عن نفسه ذلك، وليسارع إلى أخيه يضع يده في يده، وإما بالمشاحنة لصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يفعل الرافضة، والعلمانيون الزنادقة، خلافًا لقول المؤمنين )َرَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ).
فمن كانت بينه وبين أخيه شحناء، فليبادر برفعها قبل ليلة النصف تعرضًا لنيل مغفرة الله –تعالى- ورحمته -سبحانه وتعالى-
والحذر كذلك من مظاهر الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر، وليعش المسلم على توحيده الخالص لله رب العالمين.
وليس لليلة النصف إحياء مخصوص كصلاة الرغائب وغيرها، أو تجميع الناس لصلاة القيام في المسجد، فكل هذا من البدع، وكل بدعة ضلالة، والمبتدع من أبعد الناس عن الله (لعن الله من آوى محدثًا)، و(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود، ولأن الأصل في القيلم الانفراد، ولم يرد عن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- ولا عن القرون الخيرية أنهم فعلوا ذلك، وما لم يكن يومئذ دينا فليس اليوم دين.
فأنت –أخي- في هذه الليلة تبحث عن رضوان الله، وتتعرض لمغفرته، فلا تكن ببدعتك هذه بعيدًا عن الله. ونسأل الله أن يغفر لنا جميعًا وأن يتقبلنا.
لكن لو جلس في بيته يذكر الله تعالى ويصلي في هذه الليلة لا بأس، تعرضًا لمغفرة الله ورحمته، قال ابن الصلاح -رحمه الله- "أما ليلة النصف من شعبان فلها فضيلة، وإحياؤها بالعبادة مستحب، ولكن على الانفراد من غير جماعة" مساجلة علمية ص 41
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (َإِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا). هذا هو لفظ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، فورد عن أحمد وابن معين: منكر. ومنهم من صححه كالعلامة الألباني -رحمه الله- وورد حديث آخر يعارضه وهو متفق عليه: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صومًا فليصمه). والقاعدة: إذا تعارض حديثان وجب الجمع.
فمنهم من قال بالحديث المتفق عليه على افتراض صحة الحديث الآخر ومنهم من قال : الإعمال أولى من الإهمال، فيجمع بينهما، كالإمام الشافعي -رحمه الله- فقال: " من صام في النصف الأول جاز له أن يصوم في النصف الثاني، ومن لا فلا".لطائف المعارف.
يحرم صوم يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان، ذلك الذي يشك فيه هل هو من شعبان أو من رمضان؟ فعن عمار قال (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-) ذكره البخاري تعليقًا وصححه الألباني. إلا إذا وافق صومًا معتادًا فلا بأس لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ).