الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيوماً بعد يوم تصبح الشبكة العالمية -الإنترنت- واقعاً حياتياً وحاجة ماسة لأعداد متزايدة من البشر، ومن منا لا يستخدمها بصورة دورية -وربما دائمة- في شتى نواحي الحياة؟ من متابعة للأخبار أو سماع الدروس الشرعية أو تعلم التقنيات الحديثة وصولاً لإعداد الوجبات المنزلية مروراًَ بالفن والأدب والترفيه وغير ذلك كثير مما هو متعدد كتعدد أوجه الحياة نفسها، متنوع كتنوع مشاربها وطرائقها، ورغم أن ذلك التنوع من محاسن الإنترنت إلى أنه يمثل في حد ذاته معضلة أخرى، ففي ظل هذا الزحام الشديد من المعلومات -الغث منها والثمين- يصاب المرء منا "بتخمة معلوماتية"، فقد شكل هذا الكم الهائل من المعلومات -الذي لا يستطيع أحد أن يحدده بدقة- والذي ينمو بصورة مطردة كل لحظة تحدياً حقيقياً لمن يريد الحصول على معلومة ما، هذا التحدي هو ببساطة الإجابة على سؤال "أين أجد هذه المعلومة؟".
فيحتاج المرء إلى أدوات تساعده وتهديه لمقصده، وإلا تاه في أمواج الشبكة المتلاطمة، هذه الأدوات هي ما عرف "بمحركات البحث"، والتي لا غنى لنا عنها، ونحتاجها تقريباً بنفس القدر الذي نحتاج فيه الشبكة ذاتها، هذه المحركات مهمتها الأساسية استكشاف العالم المجهول لدينا من الإنترنت ورؤية الجزء غير المرئي منها، ومن ثم تخزين ذلك كله في قواعد بيانات عملاقة يمكن بسهولة البحث فيها، ثم الحصول على نتائج البحث ربما بالمئات أو الآلاف أحياناً، بل والملايين أحياناً أخرى، وهنا يظهر لنا تحدِ آخر وهو "أي هذه النتائج هو مرادي؟"، فحال كثير منا مع محركات البحث كما قال القائل:
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد
أي تكثر النتائج جداً، وتكون بالأطنان حتى أنه ليشغل بعضها عن بعض مما يؤدي بنا إلى الاكتفاء بالصفحة أو الصفحات الأولى من النتائج بغض النظر عن دقتها، أو ربما الملل من المحاولات، وترك الأمر برمته أو الاقتصار على ما وصلنا إليه بينما هناك كنوز مخفية لم نستطع الوصول إليها.
هنا تظهر أهمية الحاجة إلى "حرفية" في البحث، وحسن تطويع أدواته لتقريبنا من مرادنا بدقة كبيرة، كذلك أهمية تنمية "ملكاتنا البحثية" للوصول إلى أفضل النتائج مباشرة وبأسرع وقت.
وفي هذا المقال نحاول سوياً كشف بعض الحيل مما خف وزنه وغلى ثمنه، وسيكون اعتمادنا أساساً على محرك البحث الأشهر والأدق والأكبر "جوجل"، وإن كان كثير مما نذكره يعم محركات بحث أخرى مثل
search.yahoo.com
و )إم إس إن) http://www.search.msn.com
وكيف تتمكن من خلاله من توسيع أو تضييق نطاق البحث، وبالتالي زيادة أو تقليص عدد نتائج البحث حسبما ترغب، حتى تصل إلى ما تريد بدقة. هذا إضافة إلى الإشارة للكثير من الخدمات الإضافية -كالتوقيت في المدن العالمية، وأسعار العملات، والترجمة بين معظم اللغات- التي تبدأ كلها بخانة البحث.
أولى مهارات التعامل مع محركات البحث هي كيفية اختيار الكلمات التي تكتبها في خانة البحث لتأتي إليك النتائج التي تريد فحسب؛ فالبحث في الإنترنت إنما هو ملكة شخصية في المقام الأول يتم تنميتها رويداً رويداً بكثرة البحث، وتحليل النتائج، وإعادة المحاولة، وتحسينها باستخدام الكلمات المفتاحية التي تعبر بدقة عن المراد من أقصر الطرق.
1- للبحث حول تفسير القرآن مثلاً، يمكنك أن تكتب (تفسير القرآن) في خانة البحث، وسيأتي لك محرك البحث بكل الصفحات التي وردت بها كلماتا (تفسير) و(القرآن)، سواء كانتا على التوالي مباشرة، أو فصلت بينهما كلمة أو أكثر. وستكون أولى النتائج محتوية غالباً على هاتين الكلمتين متوالية مرتبة، ثم ما احتوى عليهما لكن بغير ترتيب أو متباعدة، فهذه الصيغة من البحث تأتى غالباً بالحد الأقصى من النتائج.
2- لتقليص النتائج يمكنك اتباع أكثر من أسلوب:
(أ) زيادة عدد الكلمات في خانة البحث ذات الصلة بالموضوع، والتي تعرفها من قبل، أو عرفتها من خلال الجولات الأولى في البحث. ويمكن أن تكون هذه الكلمات غير مرتبة. فتكتب مثلاً (ابن كثير السعدي تفسير قرآن) للتركيز على تفسير ابن كثير والسعدي -رحمهما الله-.
(ب) استخدام علامات التنصيص ("). فعندما تضع الكلمات المبحوث عنها بين علامتي تنصيص، يأتي محرك البحث إليك الصفحات التي تحوى نصاً مماثلاً تماماً محتوى وترتيباً لهذه الكلمات. فلو بحثت عن "تفسير القرآن العظيم" فستأتي لك النتائج بالصفحات التي تحوى هذه الكلمات بترتيبها تماماً كما في خانة البحث.
وهنا يجدر التنبه لموضع الهمزات والمسافات بين الكلمات ونحو هذا، فلو أنك كتبت نفس الجملة السابقة بوضع الهمزة على السطر واستخدمت علامات التنصيص هكذا "تفسير القرءان العظيم" لحصلت على نتائج مختلفة.
(ج) استخدام علامة الاستثناء(-):
فمثلا، لو أنك تريد البحث عن تفاسير القرآن غير تفاسير الشيعة فيمكنك محاولة المعيار الآتي (تفسير القرآن -شيعة)، مع مراعاة ألا تكون هناك مسافة بين علامة (-) والكلمة أو الكلمات المستثناة. وبذلك لا تأتي إليك أي صفحات تحوي معلومات حول الشيعة.
3- يمكن استخدام تنويعات من الأساليب السابقة في خانة البحث، فللوصول إلى الصفحات المرغوبة بأقل قدر من الخطوات. مثلا في خانة البحث :( "المشاركة السياسية" السلفيون "ياسر برهامي").
4- كذلك يمكن تقليص عدد النتائج، بالبحث داخل النتائج نفسها ذاتها، فمثلا، عند البحث على جوجل على كلمة "تاريخ" ستأتي لك بأكثر من 99 مليون نتيجة، وستجد أسفل صفحة النتائج، بعد خانة البحث وإلى اليسار خاصية "البحث في النتائج" (search within result)، وبالنقر على هذه الأيقونة ستقودك إلى صفحة بحث جديدة تمكنك من إضافة كلمة "التشريع" مثلاً، فيأتي لك محرك البحث بالصفحات (من بين الـ 99 ملايين السابقة) التي تحوي كلمات تاريخ والتشريع. وتستطيع أن تعيد الكرة مرات عديدة حتي تصل بدقة للنتائج المرغوبة.
5- للحصول على تعريف لأحد المصطلحات الأجنبية (islamophobia) مثلاً، أي الخوف من الإسلام، فإنك تكتب في خانة البحث: (define:islamophobia) " على جوجل و إم إس إن" و (define islamophobia) على محرك ياهو.
6- إذا أردت البحث في محتويات أحد المواقع دون أن تزوره، أو لأنه لا يقدم خدمة البحث في محتوياته، فإن محركات البحث تقوم بالعمل. فتكتب في خانة البحث الكلمة أو الكلمات المراد البحث عنها ثم كلمة (site:) ثم عنوان الموقع. مثلاً على الصورة التالية:
)"المنهج السلفي" site:http://www.salafvoice.com (.
7- يتيح محركا جوجل وياهو خاصية "منبه المحتوى" (alerts)، وفيها يحدد المستخدم كلمة وكلمات، وكلما ظهرت صفحات على الإنترنت تحوي هذه الكلمات نبه محرك البحث المستخدم عن طريق البريد الإلكتروني. فمثلاً، يستطيع المستخدم اختيار كلمتي "ياسر برهامي"، وستأتيه عبر البريد الإلكتروني أي صفحات جديدة تضاف إلى الشبكة العالمية عن الشيخ ياسر. وبهذه الخدمة يستطيع المستخدم أن يتابع أخبار الكاتب المفضل لديه، أو غير ذلك مما يرغب. عنوان الخدمة على الجوجل: www.google.com/alerts
وعلى ياهو: beta.alerts.yahoo.com .
8- تتيح جوجل خدمتين مهمتين: الأولى للبحث في نطاق نصوص الكتب http://books.google.com/
حيث تأتي لك بالنتائج عن الكلمة (أو الكلمات) المبحوث عنها من بين نصوص الكتب المرفوعة على جوجل وللاطلاع راجع هذا الكتاب على سبيل المثال.
والثانية للبحث في نطاق الأبحاث والدراسات الأكاديمية فحسب:
scholar.google.com
والكثير من هذه الدراسات متاح مجاناً. راجع هذه النتائج.
9- يمكنك استخدام خانة البحث كآلة حاسبة تجري كل العمليات الرياضية الشائعة، كالجمع والطرح والضرب والقسمة. فتكتب في خانة البحث مثلا: 150 + 50 وتضغط على زر الإدخال (enter)، فترتد إليك النتيجة هذه العملية الحسابية وللمزيد عن هذه الخدمة راجع هذا الرابط.
10- يتيح محركا جوجل وياهو من خلال خانة البحث عدداً كبيراً (ومتزايداً) من الوظائف البسيطة والمهمة التي تشمل التعرف على الطقس في شتى مدن العالم، والتوقيت المحلى في كل منها، ومتابعة أسعار أسهم البورصات، وأسعار العملات العالمية، ورحلات الطيران، ومعلومات عن المطارات والفنادق، وبراءات الاختراع وغيرها. يمكن الاطلاع على القائمة الكاملة لهذه الخدمات على العنوان التالي:
tools.search.yahoo.com/shortcuts
و
http://www.google.com.eg/intl/en/help/features.html
11- يتيح جوجل وياهو برنامجا مجانياً يعمل كمحرك بحث على الكمبيوترات الشخصية يمكن المستخدم من الوصول لكل صغيرة وكبيرة على حاسبك الشخصي بسرعة ودقة. ويمكن تحميلها من العنوانين التاليين: desktop.yahoo.com / desktop.google.com وإن كان البعض يتشكك في مدى أمان البيانات الشخصية عند استعمال مثل هذه البرامج.
12- لتحاشي التعرض للمواد الإباحية خلال البحث على الإنترنت، تتيح خاصية "البحث الآمن" على جوجل منع ظهور هذه المواد في نتائج البحث، فمثلا بكتابة كلمة (:Safe search ) في خانة البحث، لن تظهر في نتائج البحث أي نتائج غير مرغوبة.
في نهاية المطاف يبقى لنا أمر مهم، ألا وهو أن للعلم الشرعي مصادره التي اعتمدها المسلمون طريقة للتحمل والأداء، فلا يصح لأحد أن يكتفي في طلب العلم الشرعي بالجلوس أمام الحاسب للتلقي عنه، والبحث في قواعد البيانات ومحركات البحث والاستغناء بذلك عن مجالسة العلماء وتحقيق النصوص من مصادرها المعتمدة وفق ما قرره الأئمة والعلماء، وما ذكرناه ههنا إنما هو لتيسير البحث عما يعن في ذهن القارئ أو يبحث عنه في فضاء الإنترنت سواء في مجال العلوم الشرعية أو غيرها مما لا يستغني عنه إنسان له احتكاك بهذه الشبكة العجيبة مترامية الأطراف.
عناوين مهمة:
قائمة اختصارات وأساليب البحث على جوجل:
www.google.com/help/cheatsheet.html
· أساسيات بحث جوجل:
http://www.google.com.eg/intl/ar/help/basics.html
مكونات الصفحة في جوجل:
http://www.google.com.eg/intl/ar/help/interpret.html
تسهيل البحث المتقدم:
http://www.google.com.eg/intl/ar/help/refinesearch.html
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عن مقال بنفس العنوان بمجلة "العربي العلمي" العدد الثامن ذو الحجة 1426 - يناير 2006 للكاتب وليد الشبكي مع تصرف كبير.