فضائل الصحابة "7"

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : موقع المنبر | المصدر : www.quranway.net

الفصل العاشر: تحريم سب الصحابة:
المبحث الأول: تحريم سبهم بنص القرآن:

1- قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِين﴾ [الأحزاب:58].

ووجه دلالة الآية على تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم أنهم في صدارة المؤمنين، فإنهم المواجهون بالخطاب في كل آية مفتتحة بقوله﴿يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُو﴾ ومثل قوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُو﴾ في جميع القرآن فالآية دلت على تحريم سب الصحابة؛ لأن لفظ المؤمنين أول ما ينطلق عليهم لأن الصدارة في المؤمنين لهم رضي الله عنهم، وسبهم والنيل منهم من أعظم الأذى [1].

قال الحافظ ابن كثير: "ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم" [2].

2- وقوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَان﴾.

قال أبو عبد الله القرطبي: "روى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير: كنا عند مالك بن أنس فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء...﴾ حتى بلغ: ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارُ﴾، فقال مالك: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية"، ثم قال: "لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين" [3].

المبحث الثاني: دلالة السنة على تحريم سبهم:
1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) [4].

قال النووي: "واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام، من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون" [5].

2- وعن أبي سعيد أيضاً قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) [6].

3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، لعن الله من سب أصحابي) [7].

4- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) [8].

المبحث الثالث: من كلام السلف في تحريم سب الصحابة:
1- روى ابن أبي حاتم بإسناده إلى يوسف بن سعد عن محمد بن حاطب قال: ونزل في داري حيث ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة فقال لي يوماً: لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه وعنده عمار وصعصعة والأشتر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه فكان علي رضي الله عنه على السرير ومعه عود في يده، فقال قائل منهم: إن عندكم من يفصل بينكم فسألوه فقال علي رضي الله عنه: كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى: ﴿أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيْئَـٰتِهِمْ فِى أَصْحَـٰبِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصّدْقِ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف:16]، قال: والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم، قالها ثلاثاً، قال يوسف: فقلت لمحمد بن حاطب آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه قال: آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه [9].

2- وعن جابر رضي الله عنهما قال: قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر فقالت: وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر [10].

3- عن محمد بن علي بن الحسين بن علي أنه قال لجابر الجعفي: يا جابر، بلغني أن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبونا ويتناولون أبا بكر وعمر ويزعمون أني آمرهم بذلك، فأبلغهم عني أني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده، لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن لم أكن استغفر لهما وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عن فضلهما، فأبلغهم أني بريء منهم وممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهم [11].

المبحث الرابع: حكم سابّ الصحابة وعقوبته:
اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جرحهم، هل يكفر بذلك وتكون عقوبته القتل أو أنه يفسق بذلك ويعاقب بالتعزير.

1- ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة رضي الله عنهم أو انتقصهم وطعن في عدالتهم وصرح، ببغضهم وأن من كانت هذه صفته فقد أباح دم نفسه وحل قتله إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليهم.

قال الطحاوي في عقيدته: "وحبهم ـ أي الصحابة ـ دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان" [12].

وقال الذهبي: "فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين، لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم وإضمار الحق فيهم وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم، ولأنهم أرضى الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول، والطعن في الوسائط طعن في الأصل والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول وهذا ظاهر لمن تدبره وسلم من النفاق ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته" [13].

واستدل أصحاب هذا القول بأمور منها:
أ) أنَّ سب الصحابة وانتقاصهم والطعن فيهم إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقاص له وحط من مكانته عليه الصلاة والسلام لأنهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأذى الله ورسوله كفر موجب للقتل" [14].

ب) أنَّ الطعن في الصحابة والتجريح لهم مفاده إبطال جميع أحكام الشريعة الإسلامية إذ هم نقلتها والمبلغون لها.
قال القرطبي: "فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين" [15].

ج) أنَّ الطعن في الصحابة يؤدي إلى إنكار ما قام عليه الإجماع قبل ظهور المخالف من فضلهم وشرفهم ومصادقة المتواتر من الكتاب والسنة الدالين على أن لهم الزلفي إلى ربهم [16].

2- وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق ويضلل ولا يعاقب بالقتل بل يعزر تعزيراً شديداً.
قال إسحاق بن راهويه: "ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعاقب ويحبس" [17].

وقد استدل أصحاب هذا القول بأدله منها:
أ) ما رواه الشيخان في صحيحيهما من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخالد بن الوليد وقد سب عبد الرحمن بن عوف (لا تسبوا أصحابي...).

ب) ما رواه الإمام أحمد بإسناده إلى أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه قال: فانتهره، وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم [18].

ج) أن الله ميز بين مؤذي الله ورسوله ومؤذي المؤمنين فجعل الأول ملعوناً في الدنيا والآخرة وقال في الثاني: ﴿فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِين﴾ [النساء:112]، ومطلق البهتان والإثم ليس بموجب للقتل وإنما هو موجب للعقوبة في الجملة.

الفصل الحادي عشر: المنحرفون في هذا الباب:
المبحث الأول: الشيعة والرافضة:
إنَّ الرافضة وقفوا من الصحابة موقفاً لم ترضه اليهود في أصحاب موسى، ولم ترضه النصارى في أصحاب عيسى، فلقد اجترؤوا على الصحابة الكرام وتناولوهم بالطعن والقدح:

فمن مطاعنهم في الصحابة عموماً أن أكثرهم انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير التي جاءت من الشام وتركوه وحده في خطبة الجمعة وتوجهوا إلى اللهو واشتغلوا بالتجارة وذلك دليل على عدم الديانة.

ومن مطاعنهم في الصحابة أنهم يعتقدون فيهم أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أنهم جحدوا النص على إمامة علي وبايعوا غيره بالخلافة.

ومن مطاعنهم أيضاً أنهم حرفوا القرآن وأسقطوا منه كلمات، بل آيات، وأن القرآن الموجود لدى السبعة كما يزعمون يعادل ثلاث مرات من القرآن الموجود بين أيدينا، ومطاعنهم في الصحابة عموماً أنهم يقولون: إن كثيراً منهم فروا يوم الزحف في غزوتي أحد وحنين والفرار من الزحف أكبر الكبائر.

ومن مطاعنهم زعمهم أن الصحابة آذوا علياً وحاربوه وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من آذى علياً فقد آذاني).
وهناك عشرات المطاعن غير ما ذكرنا وبخصوص بعض الصحابة مما يندى له الجبين نسأل الله العافية [19].

المبحث الثاني: الخـوارج:
لقد امتاز الخوارج عن الشيعة الرافضة بإثباتهم إمامة الصديق والفاروق رضي الله عنهما فهم يعتقدون أن إمامة أبي بكر وعمر إمامة شرعية وأنها كانت برضى المؤمنين وهذا المعتقد للخوارج تجاه الشيخين حالفهم فيه السداد والصواب، لكنهم هلكوا فيمن بعدهما حيث كادهم الشيطان وأخرجهم عن الحق والصواب في اعتقادهم في عثمان وعلي رضي الله عنهما، فأنكروا إمامة عثمان رضي الله عنه في المدة التي نقم عليه أعداؤه فيها كما أنكروا إمامة علي رضي الله عنه بعد التحكيم، بل أدى سوء معتقدهم إلى تكفيرهما وتكفير طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري وأم المؤمنين عائشة وابن عباس وأصحاب الجمل وصفين [20].

قال أبو الحسن الأشعري: "والخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر وينكرون إمامة عثمان في وقت الأحداث التي نقم عليه من أجلها، ويقولون بإمامة علي قبل أن يحكم، وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري" [21].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكان شيطان الخوارج مقموعاً لما كان المسلمون مجتمعين في عهد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان فلما افترقت الأمة في خلافة علي رضي الله عنه وجد شيطان الخوارج موضع الخروج، فخرجوا وكفروا علياً ومعاوية ومن والاهما، فقاتلهم أَوْلى الطائفتين بالحق علي بن أبي طالب رضي الله عنه" [22].

المبحث الثالث: النواصب:
النواصب إحدى طوائف أهل البدع التي أصيبت في معتقدها بعدم التوفيق للاعتقاد السديد في الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فقد زين لهم الشيطان اعتقاد عدم محبة رابع الخلفاء الراشدين وأحد الأئمة المهديين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحملهم على التدين ببغضه وعداوته، والقول فيه بما هو بريء منه، كما تعدى بغضهم إلى غيره من أهل البيت كابنه الحسين وغيره، وسُمّوا بالنواصب: لنصبهم العداء لآل البيت الأطهار.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الخوارج الذين يكفرون علياً والنواصب الذين يفسقونه يقولون: إنه كان ظالماً طالباً للدنيا، وإنه طلب الخلافة لنفسه وقاتل عليها بالسيف، وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر، وتفرق عليه أصحابه وظهروا عليه فقاتلوه"[23].

وبعد أن كان مذهب النصب له وجود في دمشق فإنه تلاشى واضمحل حتى عدم نهائياً، قال الذهبي: "كان النصب مذهباً لأهل دمشق في وقت، كما كان الرفض مذهباً لهم في وقت، وهو في دولة بني عبيد ثم عدم ـ ولله الحمد ـ النصب، وبقي الرفض خفيفاً خاملاً" [24].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة (2/833).
[2] تفسير ابن كثير (5/515).
[3] الجامع لأحكام القرآن (16/296).
[4] أخرجه البخاري في المناقب باب: لو كنت متخذاً خليلاً (3673).
[5] شرح النووي على صحيح مسلم (16/).
[6] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (2541).
[7] أخرجه الطبراني في الأوسط (5/94) والكبير (12/434) وقال الهيثمي في إسناد الاوسط: "رجاله رجال الصحيح غير علي بن سهل وهو ثقةَ" مجمع الزوائد (10/21).
[8] أخرجه الطبراني في الكبير (3/174) وحسنه بمجموع طرقه الألباني في السلسلة الصحيحة (2340).
[9] ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/283).
[10] انظر: جامع الأصول (9/408-409).
[11] انظر: البداية والنهاية (9/349).
[12] شرح الطحاوية (528).
[13] الكبائر (235).
[14] الصارم المسلول على شاتم الرسول (580).
[15] الجامع لأحكام القرآن (16/299).
[16] الأجوبة العراقية (49).
[17] انظر الصارم المسلول (568).
[18] المسند (1/9).
[19] انظر: هذه المطاعن بالتفصيل والردود عليها في عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (3/889) وما بعدها.
[20] انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (3/1157).
[21] مقالات الإسلاميين (1/204).
[22] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (19/89).
[23] منهاج السنة النبوية (1/162).
[24] ميزان الاعتدال (1/76