لقد اختلف في تفسير أوائل تلك السورة لأن: ( الموصفات المقسم بها محذوفات وأقيمت صفاتها مقامها، وكان لهذه الصفات تعلقات مختلفة اختلفوا في المراد بها ) [البحر المحيط :10/ 194]. ونحن نريد أن نصل إلى جمع بين تلك الأقوال يعطي للسورة كلها معنى غير المعنى الظاهر أمامك، وسأذكر لك أقوال المفسرين في هذه الآيات [ مقتبسة من البحر المحيط: 10/394 ] النَّازِعَاتِ الملائكة تنزع نفوس بني لآدم. وقال الحسن وقتادة والأخفش: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق . وقال السدي وجماعة: تنزع بالموت إلى ربها، وغرقاً إغراقا في الصدر، وقال أيضا: النفوس تحن إلى أوطانها وتنزع إلى مذاهبها، ولها نزع عند الموت . وقال عطاء وعكرمة: القسي أنفسها تنزع بالسهام. وقال عطاء أيضاً: الجماعات النازعات بالقسي وغيرها إغراقاً . وقال مجاهد: المنايا تنزع النفوس. وقيل: النازعات: الوحوش تنزع إلى الكلأ. وقيل: جعل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب، والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب، قاله في الكشاف . غَرْقاً أي: إغراقاً، وهي المبالغة في الفعل. وقال ابن عباس وعلي: أو غرقاً في جهنم، يعني نفوس الكفار . وَالنَّاشِطَاتِ قال ابن عباس ومجاهد: الملائكة تنشط النفوس عند الموت، أيْ: تحلها وتنشط بأمر الله حيث كان. وقال ابن عباس أيضاً وقتادة والحسن والأخفش: النجوم تنشط من أفق إلى أفق، تذهب وتسير بسرعة. وقال مجاهد أيضاً: المنايا . وقال عطاء: البقر الوحشية وما جرى مجراها من الحيوانات الذي ينشط من قطر إلى قطر. وقال ابن عباس أيضاً: النفوس المؤمنة تنشط عند الموت للخروج. وقيل: التي تنشط للإزهاق. وَالسَّابِحَاتِ قال عليّ ومجاهد: الملائكة تتصرّف في الآفاق بأمر الله، تجيء وتذهب. قال قتادة والحسن: النجوم تسبح في الأفلاك. وقال أبو روق: الشمس والقمر والليل والنهار. وقال عطاء وجماعة: الخيل، يقال للفرس سابح. وقيل السحاب لأنها كالعائمة في الهواء. وقيل: الحيتان دواب البحر فما دونها وذلك من عظم المخلوقات. وقال عطاء أيضاً: السفن. وقال مجاهد أيضاً: المنايا تسبح في نفوس الحيوان. فَالسَّابِقَاتِ قال مجاهد: الملائكة سبقت بني آدم بالخير والعمل الصالح. وقال ابن مسعود: أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها، وقد عاينت السرور شوقاً إلى لقاء الله تعالى. وقال عطاء: الخيل. وقيل: النجوم. وقيل المنايا تسبق الآمال. فَالْمُدَبِّرَاتِ قال ابن عطية: لا أحفظ خلافاً أنها الملائكة، ومعناها أنها تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى وصرفها فيها، كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات. وقيل الملائكة الموكلون بالأحوال: جبريل للوحي وميكائيل للمطر وإسرافيل للنفخ في الصور وعزرائيل لقبض الأرواح. وقيل: تدبيرها: نزولها بالحلال والحرام . وقال معاذ: هي الكواكب السبعة، وإضافة التدبير إليها مجاز، أيْ: يظهر تقلب الأحوال عند قرانها وتربيعها وتسديسها وغير ذلك . وإذا نظرنا في سياق السورة وجدناها تحفل بسياق عنيف وسريع، وهم لا يزالون ﴿ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ يجدون أمامهم ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ ﴾ فسياق السورة يخطف الأبصار ويسوق الإنسان بسرعة هائلة إلى مصيره الذي يتساءل عن وقته فيجد الإجابة ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ . ووسط كل هذا العنف تخرج إلينا قصة موسى وفرعون ليضرب الله لك مثلا عمليا سريعا عمن تحدى الله بقوته واعتقد أن القيامة سراب كيف أخذه الله بسرعة وعنف ﴿ فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾. ثم ينقلك من قصص القرون الماضية إلى شيء تراه عيناك ولكن قلبك غافل عن تدبره، فجأة تراه أمامك مما يجعلك فعلا تنظر إليه وبإمعان: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾. وفجأة تقوم القيامة ﴿ فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾ ساعتها تتذكر كل ما فعلت في حياتك، ولكن المشكلة أنك تبدأ وأنت في قراءة تلك الآيات بتسير شريط حياتك أمامك ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى ﴾. وأنت في حال تذكرك هذا تفاجأ ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى ﴾ . أما أوائل السورة إذا دققنا في كل ما قيل من معاني حوله – ولاحظ أنها ليست السورة الوحيدة التي تحتفل بكثرة التأويل لآياتها - وجدناها تجمع بين الشدة والسرعة والذهاب بقوة وعنف إلى مكان معلوم. إن تلك الكلمات أشبه بدوال مجهولة الهوية أو كثيرة المعاني تدل على مدلول واحد، وهو قوة الله في الكون، وأن الإنسان حتما سينقضي أجله، بل فعلا يشعر الإنسان في سورة النازعات بأنه سينتقل إلى العالم الآخر فور إنتهائه من السورة