تقدم في الحلقة السابقة أن أنواع التوحيد ثلاثة وقيل: إثنان وعرفنا أنه لاتعارض بين التقسيمين وأنهما متوافقان، وأن كليهما حق لا مرية فيه. وتقدم أن أعظمها هو توحيد الألوهية، وأنه هو الذي جاءت الرسل للدعوة إليه، وأنه لا قوام للإعتراف بالربوبية إذا لم يكن العبد معترفاً بألوهية الله عز وجل، أو جاء بما ينقض صرحها، ويخدش فيها ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الانبياء:25] وهو المقصود من خلق الخلق، والحكمة من إيجادهم، وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:21]. وقال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذريات:56] وهذا التوحيد هو الذي أنكرته الكثرة الكاثرة من البشرية مع اعترافها بالله رباً خالقاً رازقاً قال تعالى:﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾[يوسف:106] أي له في ألوهيته. وقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾[لقمان:25] ولكن ما هي علاقة هذين التوحيدين وهما هما: توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية بتوحيد الأسماء والصفات ؟ لتوضيح هذا وتقريبة نقول ؟ يجب عليك أن تعلم أن كل موجود يتصف بصفات تخصه، وأن هذا موجود الموصوف بكذا وكذا قد يكون له أسم أو أكثر، وفي خلال هذا الوجود الذى انبثقت عنه هذه الصفات ثبت له حقوق واجبة له، وعليه بحيث تحدد العلاقة التي بينه وبين الموجود الأخر. وهذه الوصفية والاسمية والوجود مترابطة فيما بينها، متكافلة بحيث لا يمكن الفصل بينها وإلا كان في إهدار واحدة منها إهداراً لغيرها أو لكلها.]فمثلاً عندنا زيد من الناس ثبت له بناء على وجوده وكذا صفات تستتبع ذلك الوجود، بحيث أنه يترتب على هذا أن إنكار الوجود له يتبعه إنكار الاسم والوصف إذ أنه ليس من المعقول أن تثبت صفات لذات لا وجود لها في الخارج. وإنكار ما وصف به من طول أو قصر أو قبح أو حسن أو سواد أو بياض مع ثبوته له هو هدم لكيانه وفصل بينه وبين ما هو جزء قائم بذاته لا ينفك عنه.]وعلى هذا فإذا اعترفت بوجوده وأسمه وصفاته ولكنك لم تعطه الحق أو الحقوق الواجبة عليك له، أعتبر ذلك هضماً لحقه وإهداراً لما يجب عليك نحوه. والأمر كذلك في حق ربنا تبارك وتعالى، بل هو أعظم وأجل وأكبر. ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾[النحل:60] سبحانه وتعالى. وتوضيح هذا بامرين:] الأول: ثبوت ما تقدم في حقه سبحانه وتعالى. الثاني: الفروق بينه وبين مخلوقاته في هذه الحيثية.]أما الأمر الأول، فإن الله خالق الخلق جميعاً زواتاً وأفعالاً، قال تعالى ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات:96] هذه حقيقة مسلمة إلا من طوائف شذوا عن مخلوقات الله تعالى فأنكروا وجوده وخلقه مكابرةً، قال تعالى:﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[الزخرف:9] ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾[العنكبوت:63]]بل إنك تجد ضمن ثنايا هذا الاعتراف اعترافاً يصفه الخلق والعلم والعزة، وكذا الألوهية بمفهومها الخاطئ عندهم. فكان الاعتراف بوجوده وكونه رباً خالقاً اعترافاً بثبوت صفة الخلق والعلم والقدرة والحكمة والعزة والمشيئة وذلك لأن هذا الخلق المبدع في بديع وهذا النظام المحكم في حكمه وهذا التكوين في عليم وهكذا. وعليه فلو إنك نفيت صفة في هذه الصفات أو اسماً من هذه الأسماء كان هذا منك إفتياتا على من ثبت له، بل افتراء وكذلك الأمر إن لم تعترف بوجوده فإنك تلحق بهذا وذاك بمن أنكر الربوبية فتدخل مع الشذوذ المتقدم في دهرية وفرعونية وملاحدة . وكنت بهذا مكابراً لعقلك وفطرتك التي فطرت عليها.]وأما الأمر الثاني وهذا الفروق بينه سبحانه وتعالى وبين مخلوقاته فيكفي فيها إجمالاً كونه خالقاً وهم مخلوقون، إذا على الفرق بين الخالق والمخلوق سَهُل فهمُ هذا الباب. أما من حيث التفصيل فالوجوه كثيرة جداً نذكر منها ما يتعلق بموضوعنا:-]أولاً: أن هذه الأسماء والصفات جاءت بذكرها والتدليل عليها كتاب الله عز وجل، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد.]والآيات القرآنية في هذا كثيرة جداً، بل إنك في غالب رؤوس الآيات تجد ذكر صفة أو صفتين منها. قال تعالى : ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾ ﴿ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ ﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ 0000 وغيرها.]ثانيا: إن إنكار هذه الأسماء والصفات يؤدي إلى الكفر كما هو الأمر في إنكار الألوهية والربوبية، فال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿لأعراف:180﴾ وقال تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾[يونس:17]]ثالثاً: أن إنكار بعضها أو كلها في الحكم سواء كمن أنكر كلمة أو آية من القرآن فإنه يكفر، ويكون بمنزلة من أنكره كله، وكذلك الأمر في هذا الباب فمن أنكر صفة الحكمة وأسم الحكيم مثلاً كان كافراً منكراً في الحكم لجميع الأسماء والصفات. قال تعالى في حق الحواريين : ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[المائدة:112]]ثم قال: ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾[المائدة:115] وقال تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾[آل عمران:181] ]رابعاً:أن الاعتراف بها مع نقصها بناقص يؤدي إلى الكفر كمن يعترف بانفراد الله بعلم الغيب وأنه علام الغيوب ثم يذهب إلى الرافين والكُهان والسحرة، والأدلة على هذا أشهر من أن تذكر.]قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿البقرة:102﴾ خامساً: أن أسماء الله تعالى مقتضية لصفاتها وصفاته مقتضية لأسمائها بخلاف الإنسان وتوضيح ذلك أن يقال: أن الإنسان قد سُمي أسامة وهو من أجبن الناس، وقد سُمي كريماً وهو من أبخل الناس وقد سُمي عزيزاً وهو من أذل وأخس الناس، فلا علاقة بين الأسم والإتصاف به.]بخلاف الأمر في حق الله تعالى فهو رحيم أسم وصفه، عزيزاً أسم وصفه، وهكذا جميع أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى. سادساً: من جهة ثبوت الحقوق والواجبات، إن الواجب الثابت في حق الله تعالى لم يوجبه عليها أحد ابتداء بل هو تعالى أوجبه على نفسه، وهو الدال على كمال حكمته ومشيئته وعلمه، والدليل على هذا عدة آيات وأحاديث منها، الحديث القدسي المشهور: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما " رواه مسلم عن أبي ذر. وقوله كما في حديث معاذ المتفق عليه:" وحق العباد على الله ألا يعذبهم " أي إذا عبدوه ولم يشركوا به. وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة:21] وأما حقوق غيره ومنها ما تقدم في حديث معاذ فهي تفضل وإكرام منه سبحانه وتعالى والدالة على تمام وكمال منته. والحمد لله رب العالمين المقال القادم إنشاء الله: ما معنى: " فـدعـوه بهـا" كيـف يعبـد الله بأسمـائـه ومـا مـدى ذلك