لماذا الأسماء الحسنى؟! "1"

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طريق القرآن | المصدر : www.quranway.net

لماذا الأسماء الحسنى ! للإجابة على هذا السؤال نقول : إن التوحيد كما هو معلوم ومدلل عليه في الكتاب والسنة وأجمعت عليه الأمة بل وجميع الملل هو رحى الدين والأصل الأصيل الذي لا يصح العلم والعمل إلا به وهو الركن الركين الذي جاءت الرسل للدعوة إليه قال تعالى﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾… [الانبياء:25].

وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾…[النحل:36].

    وقال: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ …[الزمر:65] وذلك لأن الأعمال الصالحة التي هى ذروة سنام ما يصبو إليه كل مؤمن ما هي إلا بنيان أساسه هذا التوحيد وهذا الأساس أمران :

ـ صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته
ـ تجريد الانقياد له ولرسوله دون ما سواه

   ولما كانت منزلة التوحيد عظيمة ومكانته سامية فان العلماء قد اهتموا به اهتماماً بليغاً تعلماً وتعليماً فكان في ذلك أن قسموه أقساماً فبعضهم قال: التـوحيـد ثـلاثـة أقسـام :

    ـ توحيد الإلهية وهو توحيد العبادة
    ـ توحيد الربوبية بالاعتراف بربوبية ورازقية وتدبير وحاكمية الله وحده لا شريك له
    ـ توحيد الأسماء والصفات

 وبعضهـم يفصـل تفصيـلاً آخـر فيجعلـه قسمـان :

    ـ توحيد في المعرفة والإثبات
    ـ توحيد في الطلب والقصد .

    قال ابن القيم رحمه الله: « واما التوحيد الذي دعت إليه الرسل ، ونزلت به الكتب فهو نوعان : توحيد فى المعرفة والإثبات وتوحيد فى الطلب والقصد ».
     ولا تعارض بين هذين القسمين لعدة أوجه منها :

    ـ أن توحيد الألوهية نظير توحيد القصد والطلب وذلك لأن مبنى هذا النوع أن يكون الله عز وجل معبوداً دون غيره من الآلهة الباطلة تدين له القلوب وتقصده الذوات فتكون في دينونتها ومقصدها متذللة له خاضعة معترفة بتمام العبودية والإلهية له فلا تقصد بالعبادة غيره ولا تطلب العون والرزق والهداية والتوفيق وكشف الضر وجلب النفع ورفع البأس من غيره سبحانه وتعالى قال عز وجل:﴿ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ … [يونس:106] وقال: ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾[الزمر:38] وقال: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّه﴾ …[المؤمنون:117] وقال تعالى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ …[هود:123]، وجماع ذلك كله﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ …[الفاتحة:5] فلا تقصد غيره بالعبادة ولا تطلب من غيره الاستعانة والتوفيق .

    فتأليهه إذاً قصده بالعبادة والطلب منه على جهة الدعاء والدعاء هو العبادة فكان القصد والطلب هو عين العبادة تحقيقاً لقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾… [الذريات:56] أي ليوحدون.

    ـ وأما توحيد المعرفة والإثبات فلا يعارض القسمة أيضاً لأنه شامل لفرعي التوحيد الآخرين فإنه من تمام المعرفة وكمال الإثبات أن تعلم الموصوف وصفاته وأفعاله على غرار ما يجب عليك نحو الموصوف وأفعاله ، ولذلك قال ابن القيم :
«  فالأول - أي توحيد القصد والطلب – ما تضمنته سورة : ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾… [الكافرون:1] ، والثانى – أى توحيد المعرفة والإثبات – هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه وتكلمه بكتبه ، وتكليمه لمن شاء من عباده وعموم قضائه وقدره وحكمته » أ.هـ.

    فهذا الأخير موجب للإلهية والعبادة وقد تقدم ، ومتى علمت كونه رازقاً مربياً مدبراً حكماً فقد وحدته بالمعرفة من جهة ووحدته بربوبيته من جهة أخرى وإذا علمت أن له صفات ذات وأفعال وأن أسمائه مقتضية لاتصافه بصفات الكمال كعلمك مثلا بكونه غفور رحيم قيوم عزيز فانك من خلال ذلك وحدته بإثبات هذه الأسماء والصفات و عرفته بها وأثبت له ما تقتضيه من رحمة ومغفرة وعزة وقيومية فتكون موحداً له في الأسماء والصفات من جهة ثانية ، فثبت بهذا التوافق بين هذه الأنواع من هذه الجهة ، وأما الجهة الثانية فهي ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من تضمن توحيد الألوهية لتوحيد الأسماء والصفات حيث قال : ( التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا الله ولا يعبد إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه ولا يوالي إلا له ولا يعادي إلا فيه ولا يعمل إلا لأجله وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات قال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ … [البقرة:163] .

    في الحلقـة القادمـة عـلاقـة الأسمـاء الإلهيـة بتوحيـد الـربـوبيـة وتـوحيـد الألـوهيـة